اعلم أن الذي انحط عليه كلام الشيخ الكردي في الفوائد المدنية كما فهمته منها حين طالعتها في بحر القلزم، أن الذي يفتي به كل من لا ترجيح عنده كلام الشيخين ابن حجر وم ر إذا اتفقا، فإن تخالفا فأهل اليمن وحضرموت وبعض الحجاز يقدمون (حج) وغيرهم (م ر) <ص: 5> والمقدم في الفتوى به من كتب حج التحفة ففتح الجواد فالإمداد فالشرح، ثم الفتاوى فشرح العباب ومعتمد كتب م ر النهاية، ويقدم كلام الشيخين النووي والرافعي على غيرهما، ولا يخالفا إلا فيما اتفق متعقبوهما على أنه سهو منهما أو من أحدهما وأتى بذلك، فإن اختلفا فيقدم النووي، والمقدم من كتبه كما في حج: التحقيق فالمجموع فالتنقيح فالروضة فالمنهاج فالفتاوى فشرح مسلم فتصحيح التنبيه فنكتة من أول تأليفه، وما اتفق عليه أكثر كتبه مقدم على ما اتفق عليه أقل منها، وما كان في بابه مقدم على ما في غير بابه، ثم قال فيها: ومما ينسب النووي فيه إلى السهو ما قاله في التحفة ونقل المصنف يعني النووي في شرح مسلم أن الحربيين في بلدين متحاربين لا يتوارثان سهو اه، ووافق (حج وم ر) على ذلك، وأقر شيخ الإسلام زكريا الزركشي على أنه سهو. (ويفتي) بكلام شيخ الإسلام في شرح بهجته الصغير ثم ما في منهجه، لأنه لا يخرج عن كلام التحفة والنهاية، فيفتي بما فيه من لا ترجيح عنده إلا في فسخ النكاح بغيبة الزوج وانقطاع خبره الذي رجح هو فيه أن لها الفسخ به، ثم قال الكردي: وفتح الجواد والإمداد يفتي بما فيهما لأنهما غالبا موافقان ل (م ر) والحواشي غالبا موافقة (لمر) فالفتوى بها للمتأخرين معتبرة، فإن خالفوا التحفة والنهاية فلا يعول عليهم، واعتمد أهل الحواشي زي، ثم سم، ثم عميرة، ثم بقيتهم، لكن لا يؤخذ بما خالفوا فيه أصول المذهب كقول ق ل: لو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها يصح الوقوف عليها اه، والأمر ليس كذلك اه كردي، والقليوبي أخذ ذلك من كلام (حج) في شرح العباب وعبارته: ولو أدخل ترابا من الحل إلى الحرم أو عكسه وغرس فيه فهل العبرة بالتراب أو بمحله محل نظر؟ والأوجه أخذا من كلام الزركشي الثاني، لأن الغرس في الحقيقة إنما هو محل التراب دونه، فإن فرض أنه كثير وأن العروق لم تتجاوزه اعتبر هو لا محله فيما يظهر، اه عبارة (حج) على العباب. قال الكردي: وعلى هذا فإذا كانت النواة مثلا حرمية وغرسها في تراب الحل ولو بالحرم، <ص: 6> لزمه نقلها إلى بقعة من الحرم، وإن أخرج تراب الحرم إلى الحل وغرسها فيه ونبتت لم يأثم بإخراجها إليه، وإن أثم بإخراج تراب الحرم إلى الحل فالقياس على هذه المسألة أنه يكون نقل تراب عرفات كذلك، لكن الذي يظهر ما قاله شيخنا عن عدم صحة الوقوف على ذلك، وأن له وجها في الجملة وإن كان فيه ما فيه، اه كلام الكردي، ولعل الذي فيه أن بين أجزاء الحرم وأجزاء عرفات فرقا، فأجزاء الحرم محترمة لذاتها، وإن خرجت عن محلها فيترتب عليها ما يترتب، وأما عرفات فلا احترام لها زيادة على غيرها من الحل باعتبار أجزائها، بل حكمها حكم الحل، فلا يترتب على أجزائها المنفصلة عن محلها ما يترتب عليها مع اتصالها بمحلها، فاحترام أجزاء الحرم ذاتي يتبعها أينما كانت بخلاف أجزاء عرفات، فإن اشتراط صحة الوقوف بالمحل المعلوم لنحو اعتراف آدم بحواء في ذلك المحل بجملته، لا لاحترام أجواء ذلك باعتبار كل جزء على حدته، حتى يأتي على حدته ما يأتي في المجموع فتأمل، والله أعلم بالحقيقة، اه كاتبه.
Sayfa 6