بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(وَبِه نستعين) وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه
الْحَمد لله الَّذِي أنعم على الْعلمَاء بالإسعاد والإسعاف وَمن عَلَيْهِم بالإتحاف والألطاف وشرفهم بالفضائل وَبهَا يحصل الشّرف والإشراف ذلت الموجودات لهيبته وأقرت عَن اعْتِرَاف وانقادت الأفئدة خاضعة لعظمته وَهِي فِي انقيادها تخَاف
أَحْمَده على ستر الْخَطَايَا والاقتراف وأصلي على رَسُوله مُحَمَّد مَا لبّى محرم وسعى ساع وَطَاف وعَلى آله وَصَحبه الْفُضَلَاء الْأَشْرَاف
وَبعد فَإِن جمَاعَة من إخْوَان الْفُقَهَاء كثر الله عَددهمْ ووفر مددهم كَانُوا يسألونني جمع أَحَادِيث التَّعْلِيق و(بَيَان) مَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا لم يَصح لكل فريق وَكنت اقتنع من ذَلِك لشيئين
أَحدهمَا لِأَنِّي ذكرت جَمِيع الْأَحَادِيث المختصة بِالْأَحْكَامِ فِي كتابي الْمُسَمّى ب الْمُخْتَصر اللامع على شرح الْمُخْتَصر وَالْجَامِع
وَالثَّانِي ظَنِّي أَن مَا فِي الطّرق من ذَلِك يَكْفِي وَيحصل المُرَاد ويشفي فَلَمَّا نظرت فِي عَامَّة التَّعَالِيق رَأَيْت بضَاعَة أَكْثَرهم فِي هَذَا الْفَنّ مزجاة وَرُبمَا اعْتمد الْمُسْتَدلّ على حَدِيث وَلَا يدْرِي من رَوَاهُ وَكَيف يحسن بفقيه لَا يعرف صَحِيح حَدِيث الرَّسُول عَلَيْهِ
1 / 33
الصَّلَاة وَالسَّلَام من سقيمه وَلَا سالمه من سليمه وَكَثِيرًا مَا أسمع الْعَجَائِب فِي المناظرات فَمن قَائِل عَن الحَدِيث الصَّحِيح هَذَا لَا يعرف وَإِنَّمَا هُوَ لَا يعرفهُ ومحتج بالواهي ويظنه ثَابتا وَرُبمَا جَاءَ حَدِيث ضَعِيف يُخَالف مذْهبه (فيبين) وَجه الطعْن فِيهِ وَإِن كَانَ مُوَافقا سكت عَن ذَلِك سكُوت غير فَقِيه
فاستخرت الله تَعَالَى فِي إِجَابَة سُؤَالهمْ بتقرير مَذْهَبنَا وَمذهب الْمُخَالف وكشف الغوامض من دقائق الْأَحَادِيث الَّتِي يهتدى بِصِحَّتِهَا إِلَى المعارف وَمَتى ورد حَدِيث فِيهِ نظر بيّنت مَا جَاءَ فِي علته وأظهرت فَسَاده من صِحَّته وَلَا فرق بَين أَن يكون حجَّة لنا أَو يلْزمنَا الْخصم بِهِ إلزاما لِأَنِّي أعتقد العصبية فِي مثل هَذَا حَرَامًا ونادر (مُصَنف) منصف
وعزيت أَحَادِيث الْأَحْكَام إِلَى أَئِمَّة النَّقْل الْأَعْلَام
فلأحمد (حد) وللبخاري (خَ) وَلمُسلم (م) وَلأبي دَاوُد (د) وللترمذي (ت) وَلابْن مَاجَه (جه) وللنسائي (نس) وللدار قطني (ق)
وسميته إِيثَار الْإِنْصَاف فِي آثَار الْخلاف واقتصرت على أَحَادِيث الْمسَائِل الْمَشْهُورَة إِجَابَة لسؤالهم وتبليغا لآمالهم فَمن رام الْوُقُوف على بَاقِي الْمسَائِل وَإِدْرَاك بسط الْأَدِلَّة فَعَلَيهِ بطريقتنا الخلافية فَفِيهَا مقنع وَمَتى طلبنا التَّرْجِيح اقتبسناه من إِجْمَاع الصَّحَابَة وَإِلَى الله سُبْحَانَهُ الإناية
وَرُبمَا استدللنا فِي بعض الْمسَائِل بعمومات الْكتاب لعدم المنقولات فِي الْبَاب وَالله الْمُوفق للصَّوَاب
1 / 34
= كتاب الطَّهَارَة =
مَسْأَلَة الْخَارِج النَّجس من غير السَّبِيلَيْنِ ينْقض الْوضُوء عِنْد عُلَمَائِنَا وَهُوَ قَول الْعشْرَة المبشرين بِالْجنَّةِ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَزيد بن ثَابت وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأبي الدَّرْدَاء وثوبان وصدور التَّابِعين
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ رحمهمَا الله لاينقض وَفرق أَحْمد بَين الْقَلِيل وَالْكثير ٢
لنا مَا رُوِيَ أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش سَأَلت النَّبِي ﷺ فَقَالَت إِنِّي أسْتَحَاض فَلَا أطهر أفأدع الصَّلَاة فَقَالَ لَا إِنَّمَا ذَلِك عرق وَلَيْسَ بالحيضة فَإِذا أَقبلت فدى الصَّلَاة وَإِذا أَدْبَرت فاغسلي عَنْك الدَّم وتوضئي لَك صَلَاة خَ ٠ م ٠ ت وَصلي وروى زيد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ لرَسُول الله ﷺ القلس حدث ٠ ق ٠
وروى ٨ ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عنهاقالت قَالَ رَسُول الله ﷺ إِذا قاء أحدكُم فِي صلَاته أَو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن على مَا مضى من صلَاته مَا لم يتَكَلَّم ٠ ق ٠
1 / 35
وَفِي رِوَايَة أبي سعيد أَو أحدث ٠ ق ٠
وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس كَانَ رَسُول الله ﷺ إِذا رعف فِي صلَاته تَوَضَّأ ثمَّ بنى على صلَاته ٠ ق ٠
وروى تَمِيم الدَّارِيّ أَن النَّبِي ﷺ قَالَ الْوضُوء من كل دم سَائل
وروى سلمَان قَالَ سَالَ من أنفي دم فَقَالَ لي النَّبِي ﷺ أحدث لما حدث لَك وضُوءًا ٠ ق ٠
وروى أَبُو هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لَيْسَ فِي القطرة وَلَا القطرتين من الدَّم وضوء وَإِلَّا أَن يكون سَائِلًا ٠ ق ٠
وروى معدان بن أبي طَلْحَة عَن أبي الدَّرْدَاء أَن النَّبِي ﷺ قاء فَتَوَضَّأ
(قَالَ معدان) فَلَقِيت ثَوْبَان فِي مَسْجِد دمشق فَذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ صدق أَنا صببت لَهُ وضُوءًا حد
1 / 36
فَإِن قيل فِي إِسْنَاد حَدِيث زيد بن عَليّ سوار بن مُصعب قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّه مَتْرُوك
وَفِي حَدِيث ابْن أبي مليكَة اسماعيل بن عَيَّاش ضَعِيف ثمَّ هُوَ مُرْسل
وَفِي رِوَايَة أبي سعيد أَبُو بكر (الداهريء) قَالَ ابْن معِين لَيْسَ بِشَيْء
وَفِي إِسْنَاد حَدِيث ابْن عَبَّاس عمر بن ريَاح وَسليمَان بن أَرقم ضعفهما الدَّارَقُطْنِيّ
1 / 37
وَحَدِيث تَمِيم مُرْسل
وَحَدِيث سلمَان فِيهِ (عَمْرو) الْقرشِي ضعفه أَحْمد
وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيهِ مُحَمَّد بن الْفضل وَهُوَ ضَعِيف
وَحَدِيث ثَوْبَان مُرْسل
فَالْجَوَاب أما حَدِيث زيد فقد رَوَاهُ عَن آبَائِهِ الطاهرين وَزيد غير مُتَّهم واضطراب سوار لَا يقْدَح فِي عَدَالَة زيد وَقد احْتج بِهِ أَبُو بكر الْخلال وَغَيره وَقد قيل إِن اضطرابه من حَيْثُ الْإِرْسَال وَذَلِكَ حجَّة عندنَا
وَأما ابْن عَيَّاش فقد وَثَّقَهُ يحيى بن معِين
1 / 38
وَأما حَدِيث ثَوْبَان فقد قَالَ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ هُوَ أصح شَيْء فِي هَذَا الْبَاب
وَأما مُحَمَّد بن الْفضل فَإِنَّمَا تكلم فِيهِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَن أَبِيه عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن الْمسيب بَين مَيْمُون وَأبي هُرَيْرَة وَلم يذكرهُ وَهَذِه صفة الْإِرْسَال
وَبَاقِي الْأَحَادِيث إِنَّمَا طعنوا فِيهَا من جِهَة الْإِرْسَال والمراسيل عندنَا حجَّة لما عرف من أصولنا
احْتَجُّوا بِأَحَادِيث مِنْهَا
مَا رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ أَنه قاء فَغسل فَمه فَقيل لَهُ أَلا تتوضأ وضوءك للصَّلَاة فَقَالَ هَكَذَا الْوضُوء من الْقَيْء
وروى أَنه ﵊ قَالَ لَا وضوء إِلَّا من حدث قيل وَمَا الْحَدث قَالَ الْخَارِج من السَّبِيلَيْنِ ٠ (ت)
وروى أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي ﷺ قَالَ لَا وضوء إِلَّا من صَوت أَو ريح ٠ ت ٠
وروى أَن النَّبِي ﷺ احْتجم وَلم يتَوَضَّأ وَلم يزدْ على غسل محاجمه ق
وَفِي رِوَايَة ثَوْبَان فَسَكَبت لَهُ وضُوءًا قلت من هَذَا وضوء فَقَالَ لَو
1 / 39
كَانَ لوجدته فِي كتاب الله تَعَالَى ٠ ق ٠
وَعَن جَابر أَن النَّبِي ﷺ خرج من غزَاة ذَات الرّقاع فَقَالَ من يكلؤنا فِي اللَّيْل فَقَالَ رجل من الْأَنْصَار وَرجل من الْمُهَاجِرين نَحن بِفَم الشّعب فَنَامَ الْأنْصَارِيّ وحرس الْمُهَاجِرِي فجَاء رجل من الْمُشْركين فَرَمَاهُ بِسَهْم فَنَزَعَهُ فَرَمَاهُ بآخر حَتَّى رَمَاه بِثَلَاثَة أسْهم فَلَمَّا خَافَ على نَفسه أيقظ صَاحبه فَلَمَّا رأى الدَّم يسيل مِنْهُ قَالَ هلا أيقظتني من الأول فَقَالَ كنت أتلو سُورَة فَوَقَعت فِي روضات دمثات وَلَوْلَا أَنِّي أَخَاف أَن أضيع ثغرا أَمرنِي رَسُول الله ﷺ بحفظه لما أيقظتك وَبلغ ذَلِك النَّبِي ﷺ فَدَعَا لَهما ٠ د ٠
1 / 40
وَلم يَأْمُرهُ بِالْوضُوءِ وَلَا إِعَادَة الصَّلَاة
فَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فَغَرِيب فَلَا يُعَارض الْمَشْهُور
وَأما الثَّانِي فَلَا يعرف أصلا
وَأما الثَّالِث فمتروك الظَّاهِر لِأَن الْوضُوء يجب من غير الصَّوْت وَالرِّيح بالِاتِّفَاقِ وَأما حَدِيث ثَوْبَان فَفِي إِسْنَاده عتبَة بن السكن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ مَتْرُوك
وَأما الرَّابِع فَيحْتَمل أَن النَّبِي ﷺ لم يعلم بِحَالهِ على الْفَوْر ثمَّ علم بعد ذَلِك فَأمره بِالْإِعَادَةِ بِغَيْر علم الرَّاوِي وَلَو وَقع التَّعَارُض طلبنا التَّرْجِيح وَذَلِكَ من وَجْهَيْن
أَحدهمَا إِجْمَاع الصَّحَابَة على مثل مَذْهَبنَا وَلَو كَانَت الْأَخْبَار غير ثَابِتَة لما أَجمعُوا
وَالثَّانِي أَن أخبارنا مثبة وأخبارهم نَافِيَة والمثبت مقدم
وَأحمد ﵀ يفرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير بِمَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي ﷺ رخص فِي دم (الحبون) ٠ ق ٠ يَعْنِي الدماميل
قُلْنَا فِي إِسْنَاده بَقِيَّة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ يُدَلس إِلَّا أَنه قد أخرج عَنهُ مُسلم
1 / 41
فِي الصَّحِيح فَيحمل على الْقَلِيل إِذا لم يسل
مَسْأَلَة النِّيَّة لَيست بِشَرْط فِي الْوضُوء وَالْغسْل عندنَا
قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ﵏ هِيَ شَرط
لنا مَا رُوِيَ أَن أم سَلمَة ﵂ سَأَلت النَّبِي ﷺ فَقَالَت يَا رَسُول الله إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي أفأنقضه فِي الْجَنَابَة فَقَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات من مَاء فتطهرين م حد
وَفِي رِوَايَة أما أَنا فأحثي على رَأْسِي ثَلَاث حثيات من مَاء فَإِذا أَنا قد طهرت
وَلَو كَانَت النِّيَّة وَاجِبَة لذكرها
وَعلم النَّبِي ﷺ الْأَعرَابِي الْوضُوء وَلم يذكر لَهُ النِّيَّة خَ م مَعَ جَهله بِالْأَحْكَامِ
1 / 42
احْتَجُّوا بِأَحَادِيث مِنْهَا
مَا روى عمر ﵁ أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَلكُل امرىء مَا نوى فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امْرَأَة يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ خَ م
وروى أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ الطّهُور شطر الْإِيمَان وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان م
وَفِي رِوَايَة وَلَيْسَ لِلْمُؤمنِ من عمله إِلَّا مَا نَوَاه
وروى أَنه ﷺ قَالَ لاصلاة لمن لَا وضوء لَهُ وَلَا وضوء لمن لم ينود وَهُوَ قَول ابْن عمر وَابْن مَسْعُود
1 / 43
وَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فمتروك الظَّاهِر لِأَن الْعَمَل يُوجد من غير نِيَّة لما عرف ثمَّ هُوَ ورد على سَبَب فَكَانَ خطابا لرجل هَاجر لذَلِك السَّبَب وَكَذَا الثَّانِي لِأَن الْإِيمَان عبارَة عَن التَّصْدِيق وَالْوُضُوء لَيْسَ من التَّصْدِيق فِي شَيْء
وَأما الثَّالِث فَيحمل على الِاسْتِحْبَاب تَوْفِيقًا بَين الدَّلَائِل
مَسْأَلَة التَّرْتِيب لَيْسَ بِشَرْط فِي الْوضُوء عندنَا وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود وَبِه قَالَ مَالك إِلَّا أَنه يشْتَرط الدَّلْك وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد رحمهمَا الله هُوَ شَرط
لنا مَا روى أَن النَّبِي ﷺ مسح رَأسه بِمَا فضل من وضوئِهِ
قلت وَالَّذِي روينَاهُ على غير هَذَا وَهُوَ مَا رَوَت الرّبيع بنت معوذ بن عفراء قَالَت كَانَ رَسُول الله ﷺ يأتينا فيكثر فَأَتَانَا فَوَضَعْنَا لَهُ الميضأة فَتَوَضَّأ فَغسل كفيه وتمضمض واستنشق وَغسل وَجهه وذراعيه وَمسح رَأسه بِمَا بَقِي من وضوئِهِ فِي يَدَيْهِ ثمَّ غسل رجلَيْهِ حد
وَقد احْتج الإِمَام الرضي فِي طَرِيقَته فَقَالَ روى أَبُو دَاوُد أَن النَّبِي ﷺ تيَمّم فَبَدَأَ بذراعيه
قلت وَلم أَجِدهُ فِي سنَنه
1 / 44
احْتَجُّوا بِمَا روى خَلاد بن السَّائِب عَن أيه أَن النَّبِي ﷺ قَالَ لَا يقبل الله تَعَالَى صَلَاة امرىء حَتَّى يضع الطّهُور موَاضعه فَيغسل وَجهه ثمَّ ذِرَاعَيْهِ ثمَّ يمسح بِرَأْسِهِ ثمَّ يغسل رجلَيْهِ ق
وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيب وَكَانَ النَّبِي ﷺ يتَوَضَّأ مُرَتبا حد م وَقَالَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي
فَالْجَوَاب أما الحَدِيث الأول فقد ضعفه الرَّازِيّ فِي أَحْكَام الْقُرْآن وَلَو سلم
1 / 45
فكلمة ثمَّ تذكر بِمَعْنى الْوَاو كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿ثمَّ الله شَهِيد﴾ ﴿ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا﴾
وَأما مَا فعله ﵊ فَيحمل على الِاسْتِحْبَاب لِئَلَّا ترد النُّصُوص الدَّالَّة على جَوَاز الطَّهَارَة بِغَيْر تَرْتِيب كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا﴾ وَنَحْوه وَالْمَاء مطهر بطبعه فَلَا يتَوَقَّف على صنع العَبْد
مَسْأَلَة تجوز إِزَالَة النَّجَاسَة الْحَقِيقِيَّة بِغَيْر المَاء من الْمَائِعَات الطاهرات كالخل وَنَحْوه
وَقَالَ مُحَمَّد ﵀ لَا تجوز وَهُوَ قَول زفر ﵀ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد ﵏
لنا مَا روى عَليّ أَن النَّبِي ﷺ قَالَ إِذا ولغَ الْكَلْب فِي إِنَاء أحدكُم فليغسله سبعا ٠ خَ ٠ م ٠
وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ ثَلَاثًا أَمر بِالْغسْلِ مُطلقًا فتقييده بِالْمَاءِ يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَكَذَا الْأَحَادِيث الْمُطلقَة فِي الْبَاب
1 / 46
وَعَن عَائِشَة ﵂ قَالَت كُنَّا نقرض الدَّم على عهد رَسُول الله ﷺ ثمَّ نبله بالريق
وَالظَّاهِر أَنه ﷺ علم بذلك
احْتَجُّوا بقوله ﵊ لأسماء وَقد سَأَلته عَن دم الْحيض يُصِيب الثَّوْب حتيه ثمَّ اقرضيه ثمَّ اغسليه بِالْمَاءِ ٠ خَ ٠ م ٠
أَمر بِالْغسْلِ بِالْمَاءِ فَلَمَّا لم يغسلهُ بِهِ لَا يخرج عَن الْعهْدَة
وثبث أَن ﷺ نهى عَن قيل وَقَالَ وإضاعة المَال وَغسل هَذِه الْأَشْيَاء بالخل وَنَحْوه إِضَاعَة
فَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ فِيهِ نفي الْغسْل بِغَيْر المَاء وَذكر المَاء إِنَّمَا كَانَ على الْأَعَمّ الْأَغْلَب كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿وَلَا طَائِر يطير بجناحيه﴾
وَأما الحَدِيث الثَّانِي فإنفاق المَال لغَرَض صَحِيح يجوز فَإِن من الْآثَار مَا لَا يَزُول إِلَّا بالخل
مَسْأَلَة جُلُود الْميتَة تطهر بالدباغ عندنَا
1 / 47
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا تطهر
ووافقنا الشَّافِعِي ﵁ إِلَّا فِي جلد الْكَلْب فَإِنَّهُ نجس الْعين عِنْده كالخنزير وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي حنيفَة ﵀
لنا مَا روى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي ﷺ مر بِشَاة لميمونة ميتَة فَقَالَ هلا انتفعتم بإهابها فَقَالُوا إِنَّهَا ميتَة فَقَالَ إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا ٠ خَ ٠ م ٠
وروى ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي ﷺ قَالَ إِذا دبغ الإهاب فقد طهر م وَهَذِه نُصُوص فِي مَحل النزاع
احتجا بِمَا روى عبد الله بن عكيم قَالَ أَتَانَا كتاب رَسُول الله ﷺ قبل مَوته كنت رخصت لكم فِي جُلُود الْميتَة فَإِذا أَتَاكُم كتابي هَذَا فَلَا تنتفعوا مِنْهَا بإهاب وَلَا عصب حد
وَقَوله كنت دَلِيل على نسخ مَا تقدمه
وَالْجَوَاب من وُجُوه
1 / 48
أَحدهَا أَنه كتاب لَا يعرف حامله
وَالثَّانِي أَن أَلْفَاظه مضطربه فَتَارَة يَقُول وَأَنا شَاب وَتارَة يَقُول وَأَنا صبي وَتارَة قبل مَوته بِشَهْر وَتارَة بشهرين
وَقد قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ مَاتَ رَسُول الله ﷺ وَلابْن عكيم سنة وَإِنَّمَا يرويهِ عَن مشيخة من جُهَيْنَة
وَالثَّالِث أَن حديثنا فِي الصَّحِيحَيْنِ وحديثهما مُضْطَرب فَلَا يقاومه وَلَو سلم لم يكن فِيهِ دَلِيل على مَوضِع الْخلاف لِأَن الإهاب فِي اللُّغَة اسْم للجلد مَا لم يدبغ فَإِذا دبغ فَهُوَ أَدِيم
وَالشَّافِعِيّ ﵀ يحْتَج بِمَا روى أَن النَّبِي ﷺ دَعَاهُ بعض الْأَنْصَار إِلَى دَار فَلم يجب وَدعَاهُ آخر فَأجَاب فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ كَانَ فِي الأولي كلب وَفِي الثَّانِيَة هرة وَإِنَّهَا لَيست نَجِسَة إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم أَو الطوافات وَهَذَا الْجَواب وَقع فِي معرض الْفرق تمهيدا لعذره ﷺ
وَالْجَوَاب أَنه غَرِيب فَلَا يُعَارض الْمَشْهُور وَلَو اشْتهر لم يكن حجَّة لِأَنَّهُ لَا يدل بالمنطوق لِأَنَّهُ مسكوت عَنهُ وَلَا بِالْمَفْهُومِ لِأَنَّهُمَا عينان مُخْتَلِفَانِ وَيحْتَمل أَنه ﷺ لم يجبهُ لِمَعْنى آخر لَا لماقال وَمَتى احْتمل بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ
1 / 49
= كتاب الصَّلَاة =
مَسْأَلَة العَاصِي بِسَفَرِهِ يترخص برخص الْمُسَافِرين عندنَا وَقَالَ أَحْمد وَالشَّافِعِيّ لَا يترخص وَاتَّفَقُوا على العَاصِي فِي سَفَره يترخص
لنا إِجْمَاع الصَّحَابَة فَإِن عمر وَابْن عَبَّاس ﵄ قَالَا صَلَاة الْمُسَافِر رَكْعَتَانِ على لِسَان نَبِيكُم وَقد خَابَ من افترى فَيجب الْعَمَل بِالْعُمُومِ
لَهما أَن الرُّخْصَة مُقَيّدَة بالاضطرار وَكَونه غير بَاغ وَلَا عَاد لقَوْله تَعَالَى ﴿فَمن اضْطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ﴾ فَكَانَ الْمُسَافِر العَاصِي مَنْصُوصا عَلَيْهِ فِيمَا تمسكنا بِهِ ومسكوتا عَنهُ فِيمَا تمسكتم بِهِ وَالْمَنْصُوص عَلَيْهِ مقدم على الْمَسْكُوت عَنهُ
وَالْجَوَاب لَا خلاف أَن الْإِثْم مَرْفُوع عَن الْمُضْطَر غير الْبَاغِي العادي وَإِنَّمَا الْخلاف فِي الْبَاغِي العادي إِذا تحقق الِاضْطِرَار فِي حَقه وَالْآيَة ساكتة عَن حكمه
مَسْأَلَة تَارِك الصَّلَاة لَا يجب قَتله عندنَا وَيحبس ويستتاب وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل
لنا قَوْله ﵊ لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر
1 / 50
بعد إِيمَان وزنى بعد إِحْصَان وَقتل نفس بِغَيْر حق حد
وَلَفظ الصَّحِيحَيْنِ فِي رِوَايَة ابْن مَسْعُود لَا يحل دم امرىء مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث الثّيّب الزَّانِي وَالنَّفس بِالنَّفسِ والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة
وَرِوَايَة الْمسند قَالَهَا عُثْمَان يَوْم الدَّار عَن رَسُول الله ﷺ وَهَذَا لم يَأْتِ بِأحد هَذِه الْأَشْيَاء فَلَا يُبَاح دَمه
وَقَالَ ﵊ أرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله الحَدِيث
فاقتضي عصمَة مَاله وَدَمه عملا بِعُمُومِهِ
فَإِن قيل ظَاهره مَتْرُوك فَإِنَّهُ لَو بغى أُبِيح دَمه
وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَفِي سِيَاقه إِلَّا بِحَقِّهَا وَالصَّلَاة من حَقّهَا وبتركها زَالَت الْعِصْمَة
قُلْنَا الْبَغي أَيْضا مَحْمُول على (إصراره) أَو بدايته بِالْقِتَالِ وَلَا نسلم أَن بِتَرْكِهَا زَالَت الْعِصْمَة وَالْخلاف فِيهِ
1 / 51
احْتَجُّوا بقوله ﵊ بَين العَبْد وَالْكفْر ترك الصَّلَاة م إِلَى غير ذَلِك من الْأَخْبَار المستفيضة وَحكم الْكفْر الْقَتْل
لنا الحَدِيث مَحْمُول على مَا إِذا تَركهَا اعتقادا وَلم يرهَا فرضا أَو يحمل على المتهاون بهَا فقاله ﵊ مُبَالغَة فِي الزّجر كَمَا قَالَ شَارِب الْخمر عَابِد وثن
1 / 52