قلت: وهذا سند ونص لأحد شقي بحث للطرسوسي (١) في أنفع الوسائل وهو الذي قال عقبه: وإلى الآن لم يترجح عندي شيء لا القول بالبطلان ولا بعدمه، وقد ردد في بحثه بين الإبطال وعدمه بإعسار الراهن وقد علمت الإبطال بنص الإسعاف والذخيرة والمحيط. وأقول لقائل أن يقول أن البيع عند الإعسار ليس إلا على الرواية المجوزة للمرتهن فسخ بيع الرهن وأما على أصح الروايتين من منعه من الفسخ فيقال: ليس له أيضا فسخ الوقف والجامع بين الوقف والبيع خروج العين عن ملك الراهن، وهذا هو الشق الثاني من تردد الطرسوسي في بحثه [ق٢٦٠/ب] حيث قال: إذا أعسر الراهن ولقائل (٢) أن يقول: يرفع الأمر للقاضي فيفسخ بثبوت الإعسار ولقائل أن يعكس هذا ويقول ينبغي ألا يبطل المرتهن الوقف؛ لأن المرتهن لا حق له في الرقبة، والوقف صادف الرقبة فتوقف نفاذه في الحال رعاية حق المرتهن ولهذا لا يملك فسخ بيع الراهن على الصحيح وحقه لا يبطل بالوقف فيبقى موقوفا لاحتمال عود اليسار والواقف لا يلي إبطاله للزومه في حقه ولا جائز أن يليه المرتهن على الصحيح، ولا جائز أن يليه القاضي؛ لأن مذهب الإمام عدم الحجر على الحر المكلف ولا يبيع عليه عروضه، وعندهما يبيع القاضي العروض وفي العقار روايتان ولا يقال به هنا لأنه غير متمرد بل حريص على قضاء الدين وإنما منعه عروض الإفلاس انتهى.
قلت: ويؤيد هذا الشق الثاني من البحث مسألة تحرير الراهن وتدبيره فإنه لا يبطل تحريره ولا تدبيره ويسعى العبد وقد علمت أن الوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد فكما تؤخذ السعاية في أزمنة غير مقدورة بوقت كذلك يبقى الوقف على حكم التوقف حتى يأخذ من غلته وفاء الدين [ق٢٦١/ أ] للمرتهن رعاية لحق الفقراء ببقاء الوقف وعوده لهم بعد ذلك ورعاية لحق المرتهن
_________
(١) هو إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد ابن عبد المنعم الطرسوسي، نجم الدين: قاض مصنف. ولد ومات في دمشق عام ٧٢١ هـ، وولي قضاءها بعد والده (سنة ٧٤٦) وأفتى ودرس، وتوفي عام ٧٥٨ هـ وألف كتبا منها (الإشارات في ضبط المشكلات) و(الإعلام في مصطلح الشهود والحكام) و(الاختلافات الواقعة في المصنفات) و(أنفع الوسائل) يعرف بالفتاوي الطرسوسية، و(ذخيرة الناظر في الأشباه والنظائر) في فقه الحنفية، و(الفوائد المنظومة) فقه، ويسمى (الفوائد البدرية) وغيرها وترجمته في تاج التراجم (ص/٩٠)، والأعلام (١/ ٥١).
(٢) وفي " أ ": " فلقائل ".
1 / 12