الرسالة الخامسة والخمسون
إتحاف ذوي الإتقان بحكم الرهان
تأليف العلامة
حسن الوفائي الشُرُنْبُلالي الحنفي
(١٠٦٩ هـ)
﵀
تحقيق
أبي المنذر مَحْمُود بن مُحمَّدِ بن مُصْطَفَى المِنِياوِي
عفا الله تعالى عنه وعن والديه
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾،
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾،
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾،
أما بعد، ..
فهذا جهد المقل في تحقيق مخطوط " إتحاف ذوي الإتقان بحكم الرهان" تأليف العلامة حسن الشرنبلالي ﵀
وهي الرسالة الرسالة الخامسة والخمسون ضمن سلسلة من رسائله ﵀ وقع الاختيار عليها قدرا عبر المرور السريع على أسماء الرسائل المودوعة في مجموعه، والنية منعقدة على إخراج باقي الرسائل التي لم تطبع من هذا المجموع بإذن الله تعالى.
عملي في المخطوط:
١ - قمت بنسخ المخطوط، وقد وجدت نسختين خطيتين منه، فاعتمدت إحداهما للبدء بنسخها وأشير إليها بالحرف " أ "، وأشرت للثانية بالحرف " ب ".
٢ - قارنت الفروق بين النسختين وأثبتها في الحاشية، وإن وجدت اختلافا - وهو قليل جدا - أثبت ما أراه مناسبا للسياق ووضعته بين معكوفتين، وأشير إلي غيره في الحاشية.
٣ - قمت بالترجمة لغير المشهورين ممن ورد ذكرهم من العلماء في الرسالة.
٤ - قمت بالتعريف بالكتب التي ورد ذكرها في الرسالة.
٥ - قدمت لها بوصف النسخ الخطية التي عثرت عليها، وتحقيق نسبتها لمؤلفها، والترجمة السريعة للمؤلف ﵀.
1 / 2
حول الرسالة:
وصف النسخ الخطية:
والمخطوط ضمن مخطوطات موقع الأزهر الشريف.
وقد وقفت على نسختين خطيتين منه:
الأولى منهما فهرست خطا في الموقع تحت اسم رسالة: "نظر الحاذق التحرير في فكاك الرهن والرجوع على المستعير" (٣٢٤٦٨٢) وهي تتكون من ست ورقات الأولى والأخيرة وجه واحد، في الأولى اسم الرسالة، وفي الأخيرة نهايتها وخاتمتها، والباقي وجهان في كل وجه (٢٣) سطر والسطر مكون مما لا يزيد على تسع كلمات.
والثانية فهرست خطأ تحت اسم رسالة: "واضح المحجة للعدول عن خلل الحجة" (٣٠٤٠١٦) وهي مكونة من ثلاث ورقات تبدأ من الوجه الثاني في الورقة الأولى وبه اسم الرسالة وبدايتها، والباقي وجهان في كل وجه: (٣١) سطر في كل سطر ما لا يزيد على (١١) كلمة، ما عدا الوجه الأخير وبه نهاية الرسالة وخاتمتها وهو مكون من (٢٦) سطرا.
صور المخطوط:
صورة غلاف النسخة (أ)
صورة الوجه الأول من الصفحة الأولى من النسخة (أ):
1 / 3
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة (أ):
صورة الورقة الأولى في المخطوطة النسخة (ب):
1 / 4
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة (ب):
1 / 5
توثيق نسبتها للمؤلف:
والرسالة منسوبة للشرنبلالي، وذلك كما هو مدون على طرتها بخط واضح لا طمس فيه، كما نسبها إليه صاحب "إيضاح المكنون" و"هدية العارفين" وغيرهما.
ترجمة المؤلف (١):
هو الشيخ حسن بن عمار بن علي أبو الإخلاص المصري الشرنبلالي الفقيه الحنفي الوفائي والشُرُنْبُلالي نسبة لشبرا بلولة وهذه النسبة على غير قياس والأصل شبرا بلولى نسبة كبلده تجاه منوف العليا بإقليم المنوفية بسواد مصر جاء به والده منها إلى مصر وسنه يقرب من ستة سنين فنشأ بها ودرس في الأزهر وحفظ القرآن.
وكان من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره من سار ذكره فانتشر أمره وهو أحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأعرفهم بنصوصه وقواعده وأنداهم قلما في التحرير والتصنيف وكان المعول عليه في الفتاوي في عصره.
_________
(١) انظر ترجمته في: خلاصة الأثر للحموي (٢/ ٣٨)، والأعلام للزركلي (٢/ ٢٠٨)، ومعجم المؤلفين لكحالة (٣/ ٢٦٥)، وهدية العارفين (/٢٩٢)، وغيرها.
1 / 6
قرأ في صباه على الشيخ محمد الحموي والشيخ عبد الرحمن المسيري وتفقه على الإمام عبد الله التحريري والعلامة محمد المحيي وسنده في الفقه عن هذين الإمامين وعن الشيخ الإمام علي بن غانم المقدسي مشهور مستفيض ودرس بجامع الأزهر وتعين بالقاهرة وتقدم عند أرباب الدولة واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به منهم العلامة أحمد العجمي والسيد السند أحمد الحموى والشيخ شاهين الأرمناوي وغيرهم من المصريين والعلامة إسماعيل النابلسي من الشاميين.
قال الحموي: واجتمع به والدي في منصرفه إلى مصر وذكره في رحلته فقال في حقه والشيخ العمدة الحسن الشرنبلالي مصباح الأزهر وكوكبه المنير المتلألي لو رآه صاحب السراج الوهاج لاقتبس من نوره أو صاحب الظهيرة لاختفى عند ظهوره أو ابن الحسن لأحسن الثناء عليه أو أبو يوسف لأجله ولم يأسف على غيره ولم يلتفت إليه عمدة أرباب الخلاف وعدة أصحاب الاختلاف صاحب التحريرات والرسائل التي فاقت أنفع الوسائل، نقال المسائل الدينية وموضح المعضلات اليقينية صاحب خلق حسن وفصاحة ولسن وكان أحسن فقهاء زمانه.
وكان معتقدا للصالحين والمجاذيب وله معهم إشارات ووقائع أحوال منها أن بعضهم قال له يا حسن من هذا اليوم لا تشتر لك ولا لأهلك وأولادك كسوة فكانت تأتيه الكسوة الفاخرة ولم يشتر بعدها شيئا من ذلك.
قدم المسجد الأقصى في سنة خمس وثلاثين وألف صحبه الأستاذ أبي الإسعاد يوسف بن وفا وكان خصيصا به في حياته.
تصانيفه:
مكثر من التصنيف. من كتبه نور الإيضاح في الفقه، ومراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، وشرح منظومة ابن وهبان، وتحفة الأكمل، والتحقيقات القدسية، وتعرف برسائل الشرنبلالي، وعدتها ٤٨ رسالة، والعقد الفريد في التقليد، ومراقي السعادات، وغنية ذوي الإحكام، وحاشية على درر الحكام لملا خسرو. توفي في القاهرة عام ١٠٦٩ هـ.
وكانت وفاته يوم الجمعة بعد صلاة العصر حادي عشرى شهر رمضان سنة تسعة وستين وألف عن نحو خمس وسبعين سنة ودفن بتربة المجاورين.
1 / 7
[ق ٢٥٨ / أ] بسم الله الر حمن الرحيم [رب يسر] (١)
الحمد لله ملهم الصواب، وميسر الأمور الصعاب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير من أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وعلى آله وأصحابه السادة الأنجاب.
وبعد .. فيقول العبد الملتجئ إلى الملك المتعال حسن الحنفي الشرنبلالي: قد ورد سؤال عن بعض من ورثة اشترى عقارا كان رهنا تحت يد مورثهم ووقفه فما حكم ذلك؟
وأجاب حنفي بقوله: إن شراه باطل ووقفه باطل، ثم رفع إليّ فخالفته بما هو الصواب ثم طلب مني بيان ذلك، فسطرته لإفادته وبيان وجه استفادته، فإن الدين النصيحة لله ولرسوله (٢)، ورد الخطأ للصواب طريقة العلماء الأنجاب بواضح الدليل وصحيح البرهان وسميته: "إتحاف ذوي الإتقان بحكم الرهان"، وملخص الجواب الذي أجبت به: أن شراء الوارث ووقفه صحيح نافذ بقدر حصته من الميراث لمصادفته صحيح ملكه ويبقى موقوفا بقدر حصة باقي الورثة وليس للباقين
_________
(١) زيادة من " ب ".
(٢) يشير إلى ما رواه مسلم في "صحيحه" من حديث تميم الداري ﵁ أن النبي ﷺ، قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
1 / 8
إبطال البيع؛ لأن الوارث لا يملك إبطال بيع الرهن لأجنبي في أصح الروايتين؛ لقول الزيلعي (١): وفي أصح الروايتين لا ينفسخ [ق ٢٥٨ / ب] بيع الرهن وفي المختصر يعني الكنز (٢) إشارة إليه حيث قال: يوقف بيع الرهن على إجازة مرتهنه، أو قضاء دينه. جعل الإجازة إليه دون الفسخ وجعله متوقفا على قضاء الدين. وهذا دليل على أن فسخه لا ينفذ. [و] (٣) وجهه أن الامتناع لحقه كيلا يتضرر والتوقف لا يضره؛ لأن حقه في الحبس لا يبطل بمجرد الانعقاد من غير نفوذ فبقى متوقفا كذا نص الزيلعي في كتاب الرهن. وأما نفوذ وقف المشترى بقدر حصته فظاهر لمصادفته ملكه لقول الزيلعي في باب الاستحقاق عند قول الكنز: وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن الملك ثبت مرتبا عليه وينفذ بنفاذه وصار كإعتاق المشتري من الراهن فإنه يتوقف وينفذ بإجازة المرتهن البيع؛ لأن العتق من حقوق الملك والشيء إذا توقف توقف بجميع حقوقه، وإذا نفذ نفذ بحقوقه. انتهى.
قلت: فهذا نص على نفاذ الوقف بقدر حصة الوارث ومثله في غاية البيان (٤) وفتح القدير.
وإذا علمت هذا فمن قال من أهل زماننا مجيبا للحادثة أن بيع المرهون لوارث المرتهن بيع باطل ووقفه [ق ٢٥٩ / أ] باطل فقد أخطأ من وجوه: وهو أن الباطل غير الفاسد كما هو معلوم في
_________
(١) هو: عثمان بن علي بن مِحْجَن، فخر الدين الزيلعي، فقيه حنفي، درس وأفتى ونشر الفقه واشتغل بالنحو والفقه والفرائض، ومن أهم مصنفاته: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق - بركة الكلام على أحاديث الأحكام، شرح الجامع الكبير للشيباني، شرح المختار للموصلي، توفي في ٧٤٣ هـ. وانظر ترجمته في: تاج التراجم (ص/٢٠٤)، الجواهر المضية (ص/٣٤٥)، الأعلام (٤/ ٢١٠)، الدرر الكامنة (٣/ ٢٥٨)، معجم المؤلفين (٦/ ٢٦٣).
(٢) وهو كنز الدقائق في فروع الحنفية، للشيخ، الإمام، أبي البركات: عبد الله بن أحمد، المعروف: بحافظ الدين النسفي، المتوفى: سنة عشر وسبعمائة، لخص فيه: (الوافي) بذكر ما عم وقوعه، حاويا لمسائل الفتاوى والواقعات، واعتنى به الفقهاء، فشرحه: الإمام، فخر الدين، أبو محمد: عثمان بن علي الزيلعي، وسماه: (تبيين الحقائق، لما فيه ما اكتنز من الدقائق)، وغيره، وانظر: "كشف الظنون" (٢/ ١٥١٦).
(٣) زيادة من " ب ".
(٤) هو (غاية البيان، ونادرة الأقران) شرح الهداية للشيخ، الإمام، قوام الدين: أمير كاتب بن أمير عمر الأتقاني، الحنفي، المتوفى: سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. في: ثلاث مجلدات.
1 / 9
المذهب وهما غير الموقوف والموقوف بالمرة إنما هو لغير وارث، وأما الوارث للبعض فلا يكون شراؤه موقوفا مطلقا ولا باطلا.
فإن قلت: قد رأينا إطلاق الباطل في بيع المرهون. قلت: هو مؤول في ألفاظ العلماء المجتهدين ولا يجوز في جواب مثل هذه الحادثة لمن يدعي الفتوى والتأويل هو كما قال في وجيز الحصيري (١) قال محمد ﵀ تعالى -: باع الراهن فالبيع الباطل أي موقوف ولهذا قال محمد: إلا أن يجيزه المرتهن وروي عن أبي يوسف أنه نافذ حق لو اعتقه المشتري ينفذ؛ لأنه تصرف في خالص ملكه وحقه أي المرتهن في الحبس لا يبطل بالانتقال كالإرث والإقرار، ولهذا لو أعتقه الوارث أو المقر لا ينفذ. انتهت عبارته ﵀.
وقال أيضا في غاية البيان: وأما المشتري من الغاصب إذا أعتق ثم ملكه الغاصب بالضمان فأجاز الغاصب العتق، قال علاء الدين العالم (٢) في "طريقة الخلاف": فيه اختلاف المشايخ، والأصح أنه ينفذ وإليه أشار في وقف هلال الرأي ابن يحيى البصري (٣) [ق ٢٥٩ / ب] وهو من أصحاب أبي يوسف فإنه نفذ وقف المشتري من الغاصب إذا ملكه الغاصب بالضمان، والوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد. انتهى نص غاية البيان، وهذا نص على أن وقف مشتري الرهن صحيح موقوف على إجازة البيع، أو قضاء الدين، وليس للمرتهن فسخ الوقف كالبيع في الأصح؛ لأنه من حقوقه كإعتاقه، وهذا في البيع لمن ليس وارثا للمرتهن أما إذا كان وارثا للمرتهن كمسألتنا فشراؤه
_________
(١) هو: "الوجيز من شرح الجامع الكبير" لمحمود بن أحمد بن عبد السيد، الحصيري توفي عام ٦٣٦ هـ.
(٢) هو: محمد بن عبد الحميد بن الحسن بن الحسين بن حمزة وكنيته أبو الفتح، واقبه: العلاء العالم، كما يلقب بعلاء الدين، ونسه: الأسمندي السمرقندي، ولد عام ثمان وثمانين وأربعمائة في أسمند، من مؤلفاته: شرح الهداية - بذل النظر - شرح الجامع الكبير - طريقة الخلاف في الفقه بين الأئمة الأسلاف، نوفي عام اثنين وخمسين وخمسمائة، وقيل ثلاث وستين وخمسمائة، وترجمته في "الفوائد البهية في تراجم الحنفية للكنوي (ص/١٤٩) نقلا عن مقدمة تحقيق طريقة الخلاف.
(٣) هو: هلال بن يحيى بن مسلم الرأي، البصري. قيل له "هلال الرأي" لسعة علمه، كما قيل: "ربيعة الرأي". وله مصَنَّف في "الشروط"،وله "أحكام الوقف". مات سنة خمس وأربعين ومائتين. وترجمته في تاج التراجم (ص/٣١٣).
1 / 10
نافذ عليه ووقفه وإعتاقه وتدبيره واستيلاده بقدر حصته ويخير الشريك بين الإعتاق والتضمين مع اليسار، أو الإعتاق والسعاية مع الإعسار ويأخذ العُقْر (١) منه بقدر حقه في الاستيلاد، وعلى المستولد ضمان حصة شريكه مع كونه معسرا؛ لأنه ضمان تملك فلا يختلف بالإعسار واليسار ولا سعاية على أم الولد.
تنبيه:
افترق الحكم بين عتق الراهن وعتق المشتري منه فإن إعتاق الراهن صحيح نافذ وإعتاق المشتري منه موقوف، وبه يفيد قول أئمتنا في باب الرهن أن عتق الراهن صحيح نافذ وسكتوا في ذلك الباب عن حكم عتق المشتري منه وقالوا في [ق ٢٦٠ /أ] باب الاستحقاق بتوقفه كشرائه وكذا تدبيره واستيلاده فينفذ بنفاذ شرائه.
تنبيه آخر في وقف الراهن المرهون:
قال في البحر (٢): إن أفتكه أو مات عن وفاء عاد إلى الجهة يعني الموقوف عليها وإن مات عن غير وفاء عاد وبطل الوقف، كذا في فتح القدير [و] (٣) سكت عن حكمه حال الحياة لو معسرا وفي الإسعاف (٤): لو وقف المرهون بعد تسليمه أجبره القاضي على دفع ما عليه إن كان موسرا وإن كان معسرا بطل الوقف وباعه فيما عليه. انتهى. وكذا في الذخيرة والمحيط (٥).
_________
(١) قال ابن عابدين في "حاشيته" (٣/ ١٧٩): (قال في الفتح: العقر هو مهر مثلها في الجمال: أي ما يرغب فيه في مثلها جمالا فقط، وأما ما قيل ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز فليس معناه، بل العادة أن ما يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا لأن الثاني للبقاء بخلاف الأول. اهـ).
(٢) " البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (٥/ ٢٠٥).
(٣) زيادة من " ب ".
(٤) "الإسعاف في أحكام الأوقاف" لبرهان الدين إبراهيم بن موسى بن أبي بكر الطرابلسي توفي عام ٩٢٢ هـ.
(٥) والذخيرة هي "ذخيرة الفتاوى" المشهورة: بـ (الذخيرة البرهانية)، للإمام، برهان الدين: محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازه البخاري، المتوفى: سنة ٦١٦ هـ اختصرها من كتابه المشهور بـ (المحيط البرهاني) كلاهما مقبولان عند العلماء.
1 / 11
قلت: وهذا سند ونص لأحد شقي بحث للطرسوسي (١) في أنفع الوسائل وهو الذي قال عقبه: وإلى الآن لم يترجح عندي شيء لا القول بالبطلان ولا بعدمه، وقد ردد في بحثه بين الإبطال وعدمه بإعسار الراهن وقد علمت الإبطال بنص الإسعاف والذخيرة والمحيط. وأقول لقائل أن يقول أن البيع عند الإعسار ليس إلا على الرواية المجوزة للمرتهن فسخ بيع الرهن وأما على أصح الروايتين من منعه من الفسخ فيقال: ليس له أيضا فسخ الوقف والجامع بين الوقف والبيع خروج العين عن ملك الراهن، وهذا هو الشق الثاني من تردد الطرسوسي في بحثه [ق٢٦٠/ب] حيث قال: إذا أعسر الراهن ولقائل (٢) أن يقول: يرفع الأمر للقاضي فيفسخ بثبوت الإعسار ولقائل أن يعكس هذا ويقول ينبغي ألا يبطل المرتهن الوقف؛ لأن المرتهن لا حق له في الرقبة، والوقف صادف الرقبة فتوقف نفاذه في الحال رعاية حق المرتهن ولهذا لا يملك فسخ بيع الراهن على الصحيح وحقه لا يبطل بالوقف فيبقى موقوفا لاحتمال عود اليسار والواقف لا يلي إبطاله للزومه في حقه ولا جائز أن يليه المرتهن على الصحيح، ولا جائز أن يليه القاضي؛ لأن مذهب الإمام عدم الحجر على الحر المكلف ولا يبيع عليه عروضه، وعندهما يبيع القاضي العروض وفي العقار روايتان ولا يقال به هنا لأنه غير متمرد بل حريص على قضاء الدين وإنما منعه عروض الإفلاس انتهى.
قلت: ويؤيد هذا الشق الثاني من البحث مسألة تحرير الراهن وتدبيره فإنه لا يبطل تحريره ولا تدبيره ويسعى العبد وقد علمت أن الوقف تحرير الأرض كالإعتاق تحرير العبد فكما تؤخذ السعاية في أزمنة غير مقدورة بوقت كذلك يبقى الوقف على حكم التوقف حتى يأخذ من غلته وفاء الدين [ق٢٦١/ أ] للمرتهن رعاية لحق الفقراء ببقاء الوقف وعوده لهم بعد ذلك ورعاية لحق المرتهن
_________
(١) هو إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد ابن عبد المنعم الطرسوسي، نجم الدين: قاض مصنف. ولد ومات في دمشق عام ٧٢١ هـ، وولي قضاءها بعد والده (سنة ٧٤٦) وأفتى ودرس، وتوفي عام ٧٥٨ هـ وألف كتبا منها (الإشارات في ضبط المشكلات) و(الإعلام في مصطلح الشهود والحكام) و(الاختلافات الواقعة في المصنفات) و(أنفع الوسائل) يعرف بالفتاوي الطرسوسية، و(ذخيرة الناظر في الأشباه والنظائر) في فقه الحنفية، و(الفوائد المنظومة) فقه، ويسمى (الفوائد البدرية) وغيرها وترجمته في تاج التراجم (ص/٩٠)، والأعلام (١/ ٥١).
(٢) وفي " أ ": " فلقائل ".
1 / 12
بالقدر الممكن والعقار متحصن لا يطرأ عليه الهلاك سريعا بخلاف العبد فأخذ غلة الوقف لوفاء الدين فيه نظر يزيد نظرا على سعاية العبد لطروء موته أو مرضه أو إباقه أو ثبوت حرية سابقه على تدبيره، ولكن قال في المحيط: وتصح الكتابة وللمرتهن فسخها؛ لأن الكتابة مما يحتمل الفسخ دفعا للضرر عنه ببطلان (١) الرهن بعتقها بأداء البدل، وأقول فيه بحث؛ لأنه يمكن أن يكون تخريجا على رواية جواز فسخ بيعه والأصح عدمه، وعلمت صحة إعتاق الراهن ابتداء، وقد قال الخصاف (٢): الوقف لا يملك والوقف بمنزلة المدبر، وقال الزيلعي في كتاب الوقف: [البيع لا ينعقد على الوقف] (٣) لأنه صار محررا عن الملك والمتملك وذكر هلال (٤) والمحقق الكمال بن الهمام (٥): أن الوقف حكمه حكم المدبر، وقد علمت أن تدبير الراهن لازم فكذا يكون وقفه لازما فلهذا يمكن أن يكون القول ببيع وقف الراهن جريا على رواية فسخ بيعه لا على الصحيح من عدم فسخ بيعه فكذا وقفه لمصادفته ملكا صحيحا فليتأمل ويحرر.
_________
(١) وفي " ب ": "وببطلان".
(٢) هو: أحمد بن عمر وقيل عمرو، بن مهير، وقيل مهران الشيباني، أبو بكر، الخصاف الحنفي، كان فاضلًا، فارضًا، حاسبًا، عارفًا بمذهب أصحابه. من مصنفاته: " كتاب الخيل " في مجلدين، و" كتاب الوصايا "، و" الشروط الكبير " وكتاب " الشروط الصغير "، و" كتاب الرضاع "، و" كتاب المحاضر والسجلات "، و" كتاب أدب القاضي "، و" كتاب النفقات على الأقارب "، و" كتاب إقرار الورثة بعضهم لبعض "، و" كتاب أحكام الوقف " و" كتاب النفقات " و" كتاب العصير وأحكامه " و" كتاب ذرع الكعبة والمسجد الحرام والقبر ". وكانت وفاته، سنة إحدى وستين ومائتين. رحمه الله تعالى. وترجمته في: الجواهر المضية (١/ ٨٧)، تاج التراجم (ص/٩٧)، الطبقات السنية (ص/١٢٣).
(٣) زيادة من " ب ".
(٤) سبقت ترجمته.
(٥) هو: كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود الإسكندراني السيواسي، والسيواسي نسبة إلى سِيواس (من بلاد الروم) حيث كان أبوه قاضيا فيها قبل أن ينتقل إلى القاهرة، فقيه حنفي، محدث، لغوي، ومن أهم مصنفاته: فتح القدير (شرح الهداية) التحرير (في أصول الفقه) المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة، وزاد الفقير (مختصر في فروع فقه الحنفية). ولده في:٧٩٠ هـ في الإسكندرية، وتوفي في: ٨٦١ هـ، وترجمته في البدر الطالع (٢/ ٢٠١)، الضوء اللامع (٨/ ١٢٧).
1 / 13
تتميم لبيان قيمة العتق (١):
قال [ق٢٦١ / ب] في المحيط في بيان القيمة عن الجامع: الراهن (٢) إذا أعتق العبد المرهون وهو معسر ينظر إلى ثلاثة أشياء: إلى قيمته يوم العتق، وإلى ما كان مضمونا بالدين، وإلى ما كان محبوسا به فيسعى العبد في الأقل من هذه الثلاثة، أما الغني فلأنه أحتبس بالعتق [عند العبد] (٣) من حق المرتهن هذا القدر فلا يلزمه السعاية إلا في هذا القدر كالعبد المشترك إذا أعتق أحدهما وهو معسر، وأما المضمون بالدين إذا كان أقل فلأن العبد مضمون بقدر الدين بالعبد (٤) وما يحدث من الزيادة المتصلة بعد القبض لم تصر مضمونة وإن كانت تحبس للدين، وإن كان المحبوس أقل من المضمون ومن قيمته يسعى بقدره بأن رهن عبدا بألف فأدى الراهن تسعمائة من الدين ثم أعتقه وهو معسر يسعى العبد في مائة؛ لأنه مضمون بمائة من حيث الاعتبار حالة الإعتاق، ويجوز تزويج المرهون ولا يقربها الزوج إلا إذا زوجها قبل الرهن، وتمام تفريع ذلك في المحيط، والله ﷾ الموفق بكرمه وذكرت هذا القدر ليعلم من يريد الخلاص من الله ﷾ صعوبة (٥) [ق ٢٦٢] العلم واستخراج أحكامه الغامضة والمشكلة ولا يقدر بمجرد رأيه من غير رؤية ورسوخ قدم في حكم.
نسأل الله سبحانه العفو والتوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى سائر الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين. [آمين] (٦).
[في شهر ذي القعدة سنة سبع وخمسين وألف كان تأليفها.
غفر الله له ولطف بذريته والحمد لله رب العالمين] (٧).
_________
(١) وفي "ب ": "المعتق".
(٢) وفي " أ ": "الرهن"، والصواب ما أثبتناه.
(٣) غير مذكورة في " ب ".
(٤) وفي " ب ": " بالعقد ".
(٥) في " أ ": "لصعوبة".
(٦) زيادة من "ب ".
(٧) غير مذكورة في " ب ".
1 / 14