وقال حاتم الأصم من مر بفناء القبور ولم يتفكر في نفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم. قال القشيري سمعت أبا علي الدقاق يقول دخلت على الإمام أبي بكر بن فورك عائدًا فلما رآني دمعت عيناه فقلت له إن الله يعافيك ويشفيك فقال لي تراني أخاف من الموت إنما أخاف مما وراء الموت.
وسمعت بعض الفقراء يقول إن سبب زهد داود بن نصر الطائي أنه سمع نائحة تنوح: بأي خديك تبدي البلا وأي عينيك إذا سالا واعجبا لو وصف طبيب لك داءك ودواءك لاستمعت إليه ولأطعته وهذا دواء دائك العظيم الدفين الذي يصلي صاحبه نار جهنم فلا تسمع إليه حق الاستماع وربما إن طال المجلس نعست أو تكلمت مع أنه ورد ذم المتكلم. ولو كنت في لهو أو أمر دنيا لم تنعس بل ارتحت له وما ذاك إلا لخبث سريرتك وضعف إيمانك أين آباؤك وأين إخوانك وأحبائك سكنوا بطون الأرض وصاروا أكلًا للهوام ولا يقدرون على دفع ما يلقون من العذاب:
هو الدهر فاصبروا ما على الدهر معتب ... ليس لنا من خطة الموت مهرب
ولا بد من كأس الحمام ضرورة ... ومن ذا الذي من كأسه ليس يشرب
وما يعمر الدنيا الدنية حازم ... إذا كان فيها عامر العمر يخرب
وإن عليًا ذمها في كلامه ... وطلقها والجاهل الغر يخطب
ولما أتى بالكوز والناس حضر ... فقال لهم يا للرجال تعجبوا
ألا إن هذا الكوز فيه مواعظ ... لمتعظ من ظلمة القبر يرهب
فكم فيه من ثغر وعين كحيلة ... وخد أسيل كان يهوى ويطلب
وكم من عظيم القد صارت عظامه ... إناء ومنه الماء يا قوم يشرب
1 / 28