فقال: «وأين كتاب التوصية هذا؟»
قال: «هو في جيبي.» وأخرجه وناوله إياه، فأخذه وقرأه فسر جدا وقال: «إن لهذا الأمير صداقة وطيدة مع أبي، ولا أشك في أنه حالما يقرأ كتابه، ويسمع مني عن مهارتك في الطب سيعينك طبيبا في القصر؛ لأن طبيبنا قتل في الحرب هذه المرة.»
فهم عبد الرحمن بيد ناصيف وقبلها وقال: «إني على كل حال من عبيد مولانا.»
فأخذ ناصيف الكتاب، وطلب منه أن يعود إليه في الغد، فلما جاء في الموعد قال له: «إن أبي يريد أن يراك.» قال: «سمعا وطاعة.» وسار خلفه إلى القاعة التي يجلس فيها الشيخ ضاهر، فوجده جالسا في صدرها بعمامته وجبته وقفطانه، وكان طاعنا في السن أشيب الشعر عريض اللحية غليظ الحاجبين متجعد الوجه، واسع العينين حادهما سريع الحركة مع كبر سنه؛ لأنه كان إذ ذاك في نحو التسعين من العمر، ولكنه كان في نشاط الشبان يركب الخيل كأحسن الفرسان، وكان ذا هيبة ووقار. وقد جلس على وسادة ثمينة بقرب نافذة مشرفة على البحر، وإلى جانبه وزيره إبراهيم الصباغ المسيحي في أفخر ما يكون من اللباس، وهو يقرب سنا منه، وإلى كل من الجانبين بقية أعضاء المجلس من الأمراء والمشايخ.
وكانت القاعة مفروشة بالبسط والسجاد، وفي يد الشيخ ضاهر «شبق» طويل مرصع بالقصب، حلي طرفه الأعلى بقطعة من الكهرمان، وقد أخذ يدخن ما فيه من التبغ وينفخ الدخان في الغرفة، وكذلك كان يفعل الصباغ.
فعجب عبد الرحمن لعظم هيبة ذلك الرجل التي زانها الشيب وحدة النظر، وهم بيده فقبلها وقبل يد الصباغ، وكان قد سمع عن تقربه من الشيخ ضاهر ونفوذه لديه حتى أصبحت أزمة الأحكام في يديه وأصاب مالا طائلا، ولم تبق فوق يده في الحكومة يد؛ لأن الشيخ ضاهر لم يكن يأتي عملا إلا بمشورته، ثم وقف أمامهما متأدبا، فأشار إليه الشيخ ضاهر أن يجلس فجلس.
فخاطبه الشيخ ضاهر قائلا: «أأنت الذي جاء بكتاب الأميرال أورلوف؟» قال: «نعم يا سيدي.»
فقال: «وكيف وصلت إليه؟ وماذا كنت تعمل في معيته؟»
قال: «كنت في عكا منذ سنة أو أكثر، فسار بي بعض رجاله إليه، فلبثت في معيته وقتا أضرب له الرمل وأستخرج له الأسرار والمغيبات.»
قال: «وهل لك اطلاع على ضرب الرمل والتنجيم؟» قال: «نعم يا سيدي.»
Bilinmeyen sayfa