وكان الجزار قد أتم بناء السور المتهدم، وأحكم تحصين المدينة، فأخذ الأسطول الروسي يضربها من البحر حتى هدم جانبا كبيرا من السور والأبراج، ثم نزل جنوده وحاصروها من البر، ولكن الجزار صمد في دفاعه فبقي الحصار بضعة أشهر حتى مل الروسيون، وعادوا يضربون المدينة بمدافعهم من البحر.
وفي ذلك الحين وصل السيد عبد الرحمن وخادمه إلى بيروت، فلما وجداها على هذه الحال، قال السيد عبد الرحمن: «ماذا نصنع الآن؟ وهل تظن أن حسنا يمكن أن يكون داخل المدينة مع من فيها من المحصورين؟»
فقال علي: «علم ذلك عند الله، وإذا كان سيدي حسن محصورا فيها فإن الله قادر على أن يحفظه سالما.»
فقال السيد عبد الرحمن: «إني عرفت أميرال الأسطول الروسي منذ جئت عكا للمرة الأولى، وأرى أن نذهب لمقابلته لعلنا نفيد من ذلك شيئا.»
قال: «هذا رأي حسن.» ثم سارا إلى معسكر الروسيين خارج المدينة، ورفعا علما أبيض دليل المسالمة، فلما قبض عليهما الجند وسألوهما عما يريدان، طلب السيد عبد الرحمن مقابلة الأميرال، فساقوهما إلى خيمته.
وما كاد الأميرال يرى السيد عبد الرحمن في زي الطبيب المغربي حتى عرفه فرحب به وسأله: «أين كنت منذ فارقتنا؟»
فقال: «قمت بجولة في الديار المصرية لمزاولة مهنتي، ثم عدت إلى بيروت فإذا بكم تحاصرونها ومعسكركم قريب مني، فجئت لأؤدي لكم واجب التحية وأكون أنا وتابعي في خدمتكم وحمايتكم.»
فتنبه الأميرال إلى وجود تابع مع السيد عبد الرحمن، وقال مداعبا: «يلوح لي أن مهنة التنجيم رائجة في مصر؛ لهذا عدت من هناك ومعك تابع!»
فضحك السيد عبد الرحمن وقال: «يكفيني أن أنال رضاءكم السامي.» ثم أخذ في ملاطفة الأميرال وإطرافه بالملح والفكاهات إلى أن قال الأميرال: «لقد جئنا في المرة الماضية ونحن في نزهة بحرية لطيفة، أما في هذه المرة فنحن في حرب وضرب، وعما قليل نضرب المدينة الضربة الأخيرة، فإما أن يخرج منها الجزار وإما أن ندكها على رأسه.»
فضحك السيد عبد الرحمن وقال: «ما دمتم تحاربون جزارا فالأمر أهون من أن يحتاج إلى إطلاق المدافع ودك الحصون، ويكفي أن تهددوه بالذبح فيستسلم في الحال!»
Bilinmeyen sayfa