Issues in Which the Messenger of Allah Contradicted the People of Ignorance
مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية
Türler
توحيد الربوبية
توحيد الربوبية: هو أن تعتقد اعتقادًا جازمًا بأن الله جل في علاه هو الخالق الرازق المدبر السيد الآمر الناهي المطاع.
والاعتقاد من أفعال القلوب، ودليل هذا النوع قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر:٦٢] وهذا نص عام يدخل تحته أفعال العباد، فالله هو خالقها وخالق كل شيء.
وفي هذا رد على القدرية الذين يقولون: إن العبد هو خالق فعل نفسه، فالله جل في علاه خلق كل شيء، وما خلق شيئًا من دقيق ولا جليل إلا بقوله: (كن فيكون) كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:٤٠]، واختص الله جل في علاه، من ذلك تكريمًا وتعظيمًا وتشريفًا أمورًا ثلاثة فخلقها بيده: فخلق الله جل في علاه آدم بيده المقدسة سبحانه جل في علاه، قال الله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص:٧٥].
وخط التوراة بيده، كما في الصحيحين: (أن آدم ﵇ قال لموسى: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده).
وغرس كرامة أهل الفردوس الأعلى بيده، أما باقي الخلق (فبكن) كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:٤٠].
وتوحيد الربوبية قال الله عنه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ [الذاريات:٥٦ - ٥٨]، وقال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ﴾ [الحجر:٢١].
والرزق رزقان: رزق القلوب، ورزق الأبدان، فأما رزق القلوب فهو الأتم والأكمل، وهو رزق العلم، ورزق محبة الله جل في علاه، ورزق كمال الإيمان، وهذا لا يؤتاه إلا من اصطفاه الله من الخلق، فهو خاص بالمؤمنين.
وأما رزق الأبدان فهو يعم الكافر والمؤمن، والصالح والطالح، والبر والفاجر، فلم يمنع الله منه أحد، أما رأيتم قول النبي ﷺ كما في الصحيح: (ما رأيت أحدًا أصبر على أذى من الله، يسبونه وينسبون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم).
فهو رزق لكل مخلوق، بل أهل الكفر والإلحاد ينعمون في الدنيا، حتى إذا وقفوا في عرصات يوم القيامة بين يدي ربهم ومليكهم جل في علاه لم يجدوا حسنة يجازون بها، وأما رزق القلوب فهو بتمام الإيمان، وتمام محبته سبحانه، وتمام العمل بطاعته سبحانه، فهذا لا يكون إلا للمؤمنين؛ لأن الله يغار، وغيرة الله أن يضع الشيء في غير موضعه، فهو لا يضع ذلك إلا في قلب صافٍ نقي.
وأما رزق الأبدان فهو الذي يمنح المرء التوكل التام على الله جل في علاه، كما قال الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ﴾ [الذاريات:٢٢] فما جعله الله في الأرض؛ لأنه يملكه جل في علاه، ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:٢٢].
وصح عن النبي ﷺ أنه قال: (نفث في روعي الروح الأمين: أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها كما تستوفي أجلها)، وفي رواية أخرى صحيحة عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الرزق ليسعى خلف ابن آدم كما يسعى خلفه الموت)، فلا يُتعبن أحد نفسه، ولا يشغلن باله في أمر الرزق؛ فإن الله قد كفاه هذا الأمر، فما على العبد إلا أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأن الله جل في علاه قد قدر له في اللوح المحفوظ أجرًا ورزقًا فسيأتيه، فإما أن يتعجله بالمعصية فسيأخذه مذمومًا، وإما أن ينتظره ويعمل بنصيحة النبي ﷺ إذ قال: (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)، فأجمل الطلب، فالله جل في علاه يمنحك إياه بطاعة وكنت عنده محمودًا.
والنبي ﷺ كما في الصحيحين يقول: (قال الله تعالى: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي من شيئًا).
فالله جل وعلا بيده خزائن السماوات والأرض، فهذا الاعتقاد يجرك إلى ألا يميل قلبك لأحد غير الله جل في علاه، فما من شيء دقيق ولا جليل في الكون كله من شئون حياتك وحياة الخلق أجمعين إلا قد دبره الله جل في علاه، قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:٣٣]، فهو قائم على كل نفس بكل شيء مما ينفعها وييسر عليها أمر الطاعة، أو يغلق عليها باب المعصية، أو يفتح عليها من الفتوحات، فهذا كله بيد الله جل في علاه، قال الله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة:٥] وقال الله تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن:٢٩].
وقال ابن مسعود في تفسير هذه الآية: يرفع أقوامًا ويخفض آخرين، ويعز أقوامًا ويذل آخرين، وينصر أقوامًا ويهزم آخرين، ينزع الملك ممن يشاء، ويؤتي الملك من يشاء ﷾.
فهذا من تمام تدبير الله جل في علاه.
ومن الاعتقاد الجازم في ربوبية الله جل في علاه: الاعتقاد بأن السيد المطاع هو الله، فلا آمر إلا الله، ولا سمع ولا طاعة إلا لله جل في علاه، وأي سمع وطاعة لأي أحد غير الله فهو سمع وطاعة تابعة لطاعة الله، أما رأيتم الله جل وعلا وهو يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء:٥٩]، فجعل السمع والطاعة واجبة عليك لولي الأمر مادامت تابعة لطاعة الله وطاعة الرسول ﷺ، ولما دخل النبي ﷺ عليهم قالوا: (أنت سيدنا وابن سيدنا فقال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، ثم قال: إن الله هو السيد).
فالسيادة المطلقة لا تكون إلا لله جل في علاه؛ لأنه الخالق الرازق المدبر السيد الآمر الناهي المطاع ﷾.
فهذا مجمل الكلام على توحيد الربوبية، وله علاقة وطيدة بتوحيد الإلهية.
1 / 6