ويلقي المؤلف المجهول المحتج الذي لا شك كان متزوجا محبا لزوجة غير يهوذية بقصته داخل العهد القديم، لكن ليقوم شخص آخر من الكهنة بإلقائها في رحم الزمان الغابر بادئا بالقول إن ذلك قد «حدث في أيام حكم القضاة»، قبل حتى قيام مملكة شاءول وداود وسليمان.
يحكي كتاب راعوث حكاية مؤثرة عن عائلة اضطرت لمغادرة بيت لحم بيهوذا نتيجة الجوع والقحط إلى بلاد موآب، وهناك مات رب العائلة وترك أرملته نعمى وولدين، فتزوج الولدان امرأتين موآبيتين، كان اسم إحداهما «راعوث»، وبعد فترة مات الولدان، وسمعت الأرملة نعمى أن الخير قد عاد إلى يهوذا فقررت العودة إليها سعيا إلى اللحاق بأحد أقاربها الموسرين في يهوذا وكان يدعى «بوعز». لكن «راعوث» لم تترك حماتها نعمى إخلاصا لها ولزوجها المتوفى وتركت بلادها موآب وسافرت مع حماتها العجوز إلى يهوذا، إلى بيت لحم، وأوعزت نعمى إلى راعوث بإغواء قريبها الثري بوعز.
ومعلوم أن هناك تقليدا يهوديا قدسيا يلزم زواج الأخ بزوجة أخيه الميت لينجب ولدا يحمل اسم أخيه الميت فلا ينقطع ذكره، وكان هدف الأرملة العجوز إحياء اسم ابنها فأوعزت لكنتها بإغواء بوعز للزواج منها لينجب طفلا يحمل اسم زوجها السابق الميت ابن نعمى. وبالفعل تزوجت راعوث من بوعز وأنجبت ولدها عوبيد منسوبا إلى زوجها السابق الميت. ثم ينتهي كتاب راعوث بتقرير يقول إن راعوث هذه الموآبية هي التي أنجبت سلسالا انتهى إلى داود الذي أصبح ملكا على إسرائيل، لأن «عوبيد ولد يس ويس ولد داود». وهكذا جعل المؤلف امرأة موآبية جدة لملك إسرائيل ليعلن رأيه للجنة الفرز أنه ليس ضروريا أن تكون النساء الأجنبيات شريرات وضد يهوه، بل إنه من الممكن أن يكن تقيات ويلتزمن بتقاليد يهوذا وأوامر يهوه بل وينجبن ليهوذا ملوكا عظاما. وكان ذلك ردا على شريعة موسى المزعومة فى كتاب نحميا «إن عمونيا وموآبيا لا يدخل في جماعة الله إلى الأبد» (نحميا، 13: 1).
أما كتاب الاحتجاج الثاني فيعود إلى بطله يونان بن أمتاي، وتم إلقاؤه في مرآة الأيام الخوالي زمن الملوك يهو آحاز ويهو آش ويربعام الثاني؛ أي تمت إعادته إلى نهاية القرن التاسع وبداية القرن الثامن من قبل الميلاد. ويبدأ سفر يونان بالعبارة: «وصار قول يهوه إلى يونان بن أمتاي قائلا: قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي.» وكان على يونان أن ينفذ أمرا يهويا بأن يذهب لأهل نينوى يعلن لهم أن يهوه قد قرر تدمير مدينتهم بعد أربعين يوما.
وخاف يونان وهرب من تنفيذ أوامر يهوه فذهب إلى يافا وركب سفينة متجهة إلى ترشيش بإسبانيا هربا «من وجه يهوه»، فيغضب يهوه ويرسل على البحر أعاصيره، ويلقي البحارة بيونان مصدر البلوى في البحر فيهدأ البحر. «أما يهوه فأعد حوتا عظيما ليبتلع يونان، فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، فصلى يونان إلى يهوه إلهه من جوف الحوت وأمر يهوه الحوت فقذف يونان إلى اليابسة» (يونان، 1: 17؛ 2: 1، 10)، وهو النبي الذي جاء ذكره في الإسلام باسم يونس مصرفا بالتصريف اليوناني.
وعرف يونان أنه لا مهرب له فذهب وأعلن أهل نينوى بقرار يهوه تدميرها بعد أربعين يوما، فآمن أهل نينوى وصاموا لله وهجروا الإثم، وأمر ملك نينوى شعبه بالتطهر خشية يهوه.
فلما رأى الله أعمالهم، أنهم رجعوا عن طريقهم الرديئة، ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه. (يونان، 3)
وشعر يونان بالمهانة والخذلان بعد أن ظهر إنذاره كاذبا، وتجرأ على يهوه لأنه سيبدو في نظر الناس نبيا دجالا، حتى إنه تمنى الموت وقال ليهوه: «خذ نفسي مني لأن موتي خير من حياتي ، فقال يهوه: هل اغتظت بالصواب؟»
وبالطبع لا يمكن نسبة سفر يونان للتأريخ الذي وضعته له التوراة لأن لغته متأخرة، ويحوى كثيرا من الكلمات الآرامية المحدثة التي دخلت العبرية زمن السيطرة الفارسية.
والواضح أن المؤلف المجهول كان يحمل كتابه رسالة إلى أتباع يهوه المتعصبين مثل عزرا ونحمياه 458ق.م، «وأن يهوه بإمكانه أن يكون رحيما لا غضوبا حتى مع الشعوب الوثنية»، ويقدم ليهوه صورة جديدة تماما بحيث يظهر ربا للخير رحوما صبورا شفوقا حتى على نينوى عاصمة الوثنية والتجبر، لقد كتب المؤلف المجهول كتابه ليتحدى به كهنة أورشليم والأنبياء المتعصبين المنغلقين.
Bilinmeyen sayfa