3
والواقع يؤكد عكس ذلك فالحصار رفع عن أورشليم، وعاد سنحاريب إلى بلاده فقط بجزية الفداء التي دفعها حزقيا رعبا وخوفا.
ويسترسل مرسوم الملك سنحاريب يحكي ما حدث: «أما حزقيا اليهودي الذي أبى الخضوع لي فقد ألقيت الحصار على 46 من مدنه الحصينة وقلاعه المسورة وعدد لا يحصى من القرى حولها وأخذتها ... أما حزقيا نفسه فقد صار حبيسا في قصره الملكي في أورشليم كعصفور في قفص ... لقد غمره الخوف من رهبة جلالتي، والقوات التي أتى بها إلى أورشليم لمعاونته قد احتلت صفوفها إلى جواري وتركته ، فأرسل إلي في نينوى عاصمة ملكي ثلاثين وزنة من الذهب و800 وزنة من الفضة وأحجارا كريمة وكميات من الإثمد وقطع الصخر الأحمر ومقاعد وكراسي مزينة بالعاج وجلود الفيلة وخشب الأبنوس وصناديق خشبية وكل أنواع النفائس كما أرسل إلي بناته ومحظياته وموسيقييه من بنات وشبان.»
4
وقد ساعد في انسحاب جيوش سنحاريب تفشي وباء الطاعون في جيشه مما أجبره على الانسحاب، وأتاح الفرصة لإشعيا للقول بتدخل يهوه في الأمر، وهو الأمر الذي ظهر لشعب يهوذا كمعجزة سماوية فعلا، لكن بعد أن فقدت يهوذا قسما من أرضها ومن سكانها مع اعتراف من حزقيا بالتبعية لآشور.
كان إشعيا قبل المحاولة الفاشلة للغزو الآشوري يتنبأ بأن يهوه سينتقم من الآشوريين، ومن وجهاء يهوذا وأثريائها الذين كانوا يضطهدون بقية شعب يهوذا، وجاء الغزو الآشوري ثم انسحب، «لكن يهوه لم ينتقم من الأغنياء ولم يقم العدل» في أرضه من أجل شعبه المختار.
كان حديث النبوءات عن أسر في آشور وأن هناك بقية من الشعب سترجع إلى فلسطين؛ ومن ثم تحول تعبير «البقية التي ترجع» والذين سوف يأكلون خيرات الأرض في «مملكة السلام والحق» إلى فكرة ومفهوم عن بعث بني إسرائيل مرة أخرى على يد الملك حزقيا، لكن الواقع كان نقيض التوقعات. ورغم انسحاب الجيش الآشوري فإن خطره لم يزل قائما، واستمر وجهاء بني إسرائيل في تجاوزاتهم وقسرهم للفقراء، وهنا قام إشعيا يؤجل زمن مملكة الحق والبقية التي ترجع إلى زمن غير محدد. وكما ينبت الفرع من ساق البلوطة المقطوعة سوف تنبت إسرائيل جديدة ولكن «في آخر الأيام» (إشعيا، 2: 2)، والكلمة «آخر» في اليونانية هي «إسخاتا» التي أدت لمفهوم «الإسخاتولوجي» أي آخر الأيام حيث يوم يهوه الذي وضع اصطلاحه من قبل النبي عاموس. وهذا اليوم سيكون آخر يوم للعالم القديم وبداية انبعاث إسرائيل وفق مثل أعلى عند الأسلاف البطاركة، سيكون الانبعاث كما كان عند الأسلاف، ويصور إشعيا اللوحة الإسخاتولوجية بقوله:
ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت يهوه يكون ثابتا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال ويجري إليه كل الأمم، وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل يهوه، إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله ... فيقضى بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا (أي محاريث) ورماحهم مناجل، لا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد. (إشعيا، 2: 2-4)
وسيتكفل بإقامة مملكة السلام والحق شخص يختاره يهوه كما اختار موسى، «سيكون هو ممسوحه أو مسيحه أو رسوله»، وهذا المسيح سينقد شعب الله. المشكلة أننا لا نعلم متى ظهرت فكرة المسيح المنقذ بالتدقيق؛ فربما تعود لنبي جاء بعد إشعيا وأضيف كلامه إلى كتاب إشعيا، ومن الشروط التي يجب أن تنطبق على هذا المسيح أو النبي الآتي «أنه من الدم الملكي، سليل سليمان وداود بن يس»، «قضيب من جذع يس»، وهذا الذي تجري في عروقه الدماء الملكية «يحل عليه روح يهوه، روح الحكمة والمشورة والقوة؛ وروح المعرفة ومخافة يهوه.» وسيكون حاكما بالحق على كل الأرض «يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب الأرض بقضيب فمه ويميت المنافق بنفخة شفتيه»، وستختفى كل الشرور من على الأرض، حتى بين الوحوش الضارية؛ فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشبل المسمن معا وصبي صغير يسوقها، والبقرة والدب ترعيان، تربض أولادهما معا، والأسد كالبقر يأكل تبنا ويلعب الرضيع على سرب الصل (الثعبان) ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان لا يسوءون ولا يفسدون في كل جبل قدسي الآن الأرض تمتلئ من معرفة يهوه كما تغطي المياه البحر» (إشعيا، 11: 1، 9). (3) تفشي الفساد
وفي ذات الزمن الذي كان فيه إشعيا يرسل نبوءاته كان في يهوذا نبي آخر يرسل تبشيره ونبوءاته هو النبي «ميخا» الذي كان يعيش في القرية الريفية «مورشه» بعكس إشعيا ابن المدينة العاصمة، وكان يرى العاصمة أورشليم مركزا لكل الشرور (ميخا، 1: 5؛ و3: 10)؛ لذلك تنبأ لأورشليم بالدمار التام بعكس إشعيا الذي تنبأ لها أنها ستبقى «مدينة العدل القرية الآمنة» (إشعيا، 1: 26)، ويكرر ميخا تقريبا نفس أقوال عاموس وهوشع وإشعيا حول الظلم الاجتماعي والدعوة إلى التطهر والتوبة النصوح كي يحدث الصلح مع يهوه، لكنه أعطى صورة دقيقة وفظيعة للأثرياء في يهوذا:
Bilinmeyen sayfa