حوالي عام 1600ق.م، ولنلحظ أن غزو الهكسوس لمصر جاء حسب التاريخ المعروف حوالي عام 1680ق.م.
وقد ظهر سلاح العجلات التي يجرها الحصان لأول مرة في مصر، بعد اكتسابها تلك المعرفة من الهكسوس، وإبان حروب التحرير، وكان أول ظهور للحصان والعجلة الحربية في حروب أحمس ضد الهكسوس مع بداية الأسرة الثامنة عشرة، وكان سلاحا ابتدائيا، بحيث إن كبير ضباط الفرعون «أحمس»، والمعروف بدوره باسم «أحمس بن أبانا»، الذي عرفناه مدونا لقصة حصار المصريين لحواريس عاصمة الهكسوس، كان يسير على قدميه إلى جوار عجلة الفرعون، فإلى هذا الوقت كان المصريون يستخدمون السفن كوسيلة نقل رئيسية، وكترسانة عسكرية متحركة، وهو ما وضح في قصة التحرير، حيث ««أبحر» المصريون لقتال الهكسوس.» ولأول مرة تظهر رتبة قائد سلاح العجلات مع نهاية عصر الأسرة الثامنة عشرة، وتحديدا في عصر «آمنحتب الثالث» الذي أصدر قرارا - لأول مرة - بتعيين حميه «يويا» قائدا لسلاح العجلات، بلقب «وكيل الملك في سلاح العجلات».
وهذا الأمر وحده كفيل بهدم السند الأساسي لفروض «فليكوفسكي»، إضافة لفقدان الكتاب المقدس صفته كمعيار تام السلامة للتزمين؛ حيث إن الكتاب المقدس يشير إلى العجلات كسلاح معلوم، وكوسيلة انتقال اعتيادية عند دخول «يوسف» إلى مصر. والمفترض - حسب نظرية فليكوفسكي - أن هذا الدخول قد حدث منذ زمن سبق الأسرة الثانية عشرة، وجاء ذلك في عدة نصوص توراتية، مثلما جاء في تصرف الفرعون بعد إدراكه لقيمة يوسف التنبؤية «وأركبه في «مركبته» الثانية، ونادوا أمامه: اركعوا، وجعله على كل أرض مصر» (تكوين، 41: 43)، ثم جاء عند وصول يعقوب إلى مصر «شد يوسف «مركبته» وصعد لاستقبال يعقوب أبيه» (تكوين، 46: 49)، ثم عند موت يعقوب وخروج يوسف ليدفن أباه في أرض كنعان «فصعد يوسف ليدفن أباه وصعد معه «مركبات وفرسان»، فكان الجيش كثيرا جدا» (تكوين، 5: 7-9)، وغير ذلك كثير من النصوص التي تؤكد وجود العجلات كشيء اعتيادي في مصر عند دخول الإسرائيليين إليها، وهو بالوثائق سيكون أمرا باطلا تماما، إذا احتسبناهم قد دخلوا مصر قبل الهكسوس كما ذهب «فليكوفسكي»؛ لأن العجلات لم تعرف في مصر إلا مع مقدم الهكسوس إليها، بل ظلت العجلات بعد طردهم زمانا شيئا ابتدائيا، لم يكتمل ليمكن أن يكون نواة لسلاح مستقل بالجيش، إلا بعد ذلك بأكثر من قرنين من الزمان، وهو الفارق بين زمن «يويا » أو وكيل الملك لسلاح العجلات، وبين زمن «أحمس» محرر مصر من الهكسوس ومؤسس الأسرة الثامنة عشرة.
وعليه لا يمكن أن يكون الإسرائيليون قد دخلوا مصر في زمن سابق لزمن الهكسوس، بل المرجح أن يكونوا، قد دخلوها زمن الهكسوس وكحلفاء لهم، وقد سبق لنا أن اجتهدنا في تحديد المنطقة التي قدم منها الهكسوس إلى المنطقة، ونشرناه في كتابنا «النبي إبراهيم والتاريخ المجهول»،
36
وسجلنا مجموعة من القرائن كافية، تشير إلى أنهم يعودون بأصولهم إلى المنطقة الكاسية شمالي بلاد الشام والرافدين، في أراضي «أرمينيا» جنوب بحر قزوين، وتحديدا حول بحيرة «قان» ومن هذه المنطقة قدمت موجات ذات كثافة عالية في شكل موجات متتابعة، وكان أكبر هذه الهجرات وأخطرها الموجة الكاسية التي دونت أخبارها نصوص الرافدين بعد أن هبط الكاسيون في غزو كاسح على دولة بابل الأولى حوالي 1600ق.م، وقد ذهبنا إلى أنه ضمن تلك الموجات جاءت موجة الهكسوس التي تعد جناحا من أجنحة الهجرة الكاسية اتجه إلى مصر حوالي 1680ق.م.
وقد سبق أن علمنا أن «يوسفيوس» فصل كلمة هكسوس إلى مقطعين: «هك» بمعنى ملك و«سوس» بمعنى راعي؛ أي ملوك الرعاة، وفي كتابنا «النبي إبراهيم ...» رفضنا ذلك التخريج؛ لأن كلمة «هكسوس» إذا احتسبناها كلمة واحدة لا تتركب من شقين فسوف تكون واضحة بذاتها ولا تحتاج إلى تخريجات وتقسيمات، و«برستد» يذهب إلى أن الهكسوس آراميون،
37
وقد رأينا - بالأدلة - أن الآراميين من أرمينيا الكاسية، ومع حذف التصريف الاسمي في آخر كلمة هكسوس (حرف السين الأخير) لا تحتاج التسمية إلى إثارة إشكاليات؛ حيث تصبح «الكاسو» أو «الكاسي»، وهو ما يلتقي مع مذهبنا في كونهم فرعا أصليا للهكسوس، أما موسوعة تاريخ العالم فتقول في حديثها عن أحداث تاريخ الرافدين عام 1600ق.م، قولها: «عام 1600ق.م، غزا الكاشيون بابل ... حكموها لمدة 450 عاما، أصبح الحصان معروفا في مصر وغرب آسيا.»
38
Bilinmeyen sayfa