Islamic Education: Its Principles and Development in Arab Countries
التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية
Yayıncı
عالم الكتب
Baskı Numarası
طبعة مزيدة ومنقحة ١٤٢٥هـ/ ٢٠٠٥م
Türler
مقدمات
نبذة تفصيلية عن المؤلف
...
نبذة تفصيلية عن المؤلف:
الاسم بالكامل: محمد منير مرسي البري، وشهرته منير مرسي.
ولد في ٢١/ ٩/ ١٩٣٣ ببركة السبع، محافظة المنوفية.
كان والد ﵀ من رجال التربية والتعليم.
حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة العياط الابتدائية بمحافظة الجيزة عام ١٩٤٧، وعلى شهادة التوجيهية من مدرسة الإبراهيمية الثانوية بجاردن سيتي بالقاهرة عام ١٩٥٢، وعلى ليسانس كلية دار العلوم - جامعة القاهرة ١٩٥٢.
وعلى الدبلوم العامة في التربية ١٩٥٧ والدبلوم الخاص في التربية ١٩٥٨ ودرجة الماجستير في التربية ١٩٦١ من كلية التربية - جامعة عين شمس. وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة في التربية ".PH. D" من جامعة لندن - إنجلترا عام ١٩٦٩.
عمل مدرسا بمدرسة النقراشي النموذجية الإعدادية في بداية حياته المهنية، ثم عمل بإدراة تعليم الكبار وإدارة البحوث الفنية بوزارة التربية والتعليم.
أعير للعمل أستاذا للغة العربية بجامعة تاجيكستان بالاتحاد السوفيتي سابقا في الفترة من ١٩٦٠-١٩٦٢. وبعد عودته كتب كثيرا من المقالات عن الثقافة العربية وعن تجربته العلمية والدراسات العربية في مجلة "المجلة" ومجلة "الرسالة" ومجلة "الثقافة". وكان لتشجيع الكاتب الكبير يحيى حقي أثر كبير في ذلك. وترجم وقتها إلى العربية بعض الكتب القيمة بالروسية عن الأدب والشعر والثقافة العربية منها: "مع المخطوطات العربية" لكراتشكوفسكي" و"الشعر العربي في الأندلس" له أيضا، وأراجيز الملاح العربي لفاسكودي جاما أحمد بن ماجد، وهي أطروحة علمية لشوموفسكي، والرسالة الثانية لأبي دلف من تأليف أنس خالدوف.
حصل عام ١٩٦٥ على بعثة حكومية لكلية التربية جامعة عين شمس لدراسة الدكتوراه بجامعة لندن بإنجلترا. وحصل على درجة دكتوراه الفلسفة في التربية تخصص تربية مقارنة منها عام ١٩٦٩. وكان أستاذه المشرف عليه هو عالم التربية المقارنة المعروف "جوزيف لاواريز". كما تعلم وقتها أيضا من نجوم مرموقين يعتبرون الآن روادا يشار إليهم بالبنان في الميدان من أمثال "نيقولا هانز" و"برايان هولمز"
1 / 1
و"إدموندكنج"، والمؤرخ العربي المشهور عبد اللطيف الطيباوي ﵀، والذي حصل على أرفع الدرجات العلمية من جامعة لندن "D.Lit" وصاحب المؤلفات العربية والإنجليزية القيمة في تاريخ العرب والإسلام. ومن أحدث كتبه باللغة الإنجليزية كتابه عن التربية الإسلامية بين التقليد والمعاصرة. وبلغ من ثقته العلمية في شخصية صاحب النبذة أن طلب منه قراءة أصول الكتاب قبل طباعته. ولم ينس أن يشكره على ذلك في مقدمة الكتاب بعد صدوره باللغة الإنجليزية.
بعد عودته إلى مصر عام ١٩٦٩ التحق بالعمل مدرسا بقسم أصول التربية بكلية التربية جامعة عين شمس. ثم لم يلبث أن انتقل إلى قسم التربية المقارنة والإدارة التعليمية بنفس الكلية. ثم رقي إلى أستاذ مساعد بنفس القسم عام ١٩٧٤ ثم إلى أستاذ بنفس القسم عام ١٩٧٩ بناء على قرار اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجلستها بتاريخ ٢٧/ ٩/ ١٩٧٩. ثم عين أستاذا بجامعة قطر بقرار مجلس الجامعة بتاريخ ٢٦/ ١٢/ ١٩٧٩.
عند عودته من البعثة الدراسية أحس بحاجة ميدان التربية بصفة عامة وميدان التربية المقارنة والإدراة التعليمية بصفة خاصة إلى المصادر العربية الحديثة التي يستعين بها في تدريس مقرراته للطلاب. وبدأ بالتدريج في توفير هذه المصادر عن طريق الترجمة من الإنجليزية مبتدئا بترجمة جزء من رسالته للدكتوراه صدر بعنوان إدارة وتنظيم التعليم العام. وفي نفس الوقت اتجه إلى ترجمة مجموعة حديثة مختارة من الكتب الإنجليزية بالتعاون أحيانا مع بعض زملائه. منها كتاب المدرسة الشاملة "لروبين بيدلي" ومدارس بلا فشل "لجلاسر" والتعليم والتنمية القومية من تحرير آدامز" وانثروبولوجيا التربية "وفلسفة التربية" لجورج نيللر" والتاريخ الاجتماعي للتربية لروبرت لك. واتجه أيضا إلى التأليف فألف وقتها كتاب "الإدارة التعليمية أصولها وتطبيقاتها "و"التعليم العام في البلاد العربية" و"الإدارة المدرسية الحديثة".
أعير للعمل بجامعة قطر ابتداء مع العام الجامعي ٧٥/ ١٩٧٦. وعمل بها أستاذا مساعدا ثم أستاذا طيلة فترة عمله بها حتى عام ١٩٩٠.
كان المدير المؤسس لمركز البحوث التربوية بجامعة قطر منذ تأسيسه عام ١٩٨٠ حتى انتهاء عمله بجامعة قطر في أكتوبر ١٩٩٠.
1 / 2
ألف خلال حياته العلمية والمهنية كثيرا من الكتب، وقام بكثير من الدراسات والبحوث. ونشر كثيرا من المقالات باللغة العربية والإنجليزية مما يتضح من قائمة المؤلفات في نهاية الكتاب.
أشرف على عدة رسالات علمية لدرجة الماجستير والدكتوراه، كما اشترك في مناقشة كثير من الرسائل العلمية.
قام بتحكيم كثير من الدراسات والبحوث والأعمال العلمية والأكاديمية في ميدان التخصص منها أعمال علمية للترقية إلى وظائف أعلى لهيئة التدريس "أستاذ مساعد، أستاذ" في عدة دول عربية منها الأردن والعراق والسعودية واليمن والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة.
شارك في أعمال استشارية ومهمات علمية تطويرية تجديدية وتدريبية كثيرة في مختلف الدول العريبة منها اليمن وليبيا والسعودية والبحرين والكويت ودولة الإمارات وقطر وماليزيا.
اشترك في كثير من المؤتمرات التربوية الدولية في كثير من بقاع العالم منها أمريكا وإنجلترا وفرنسا والفلبين والمكسيك وماليزيا، وشارك في أعمال هذه المؤتمرات بالجهود العلمية كتابة وتحدثا. وله صلات علمية بالجامعات البريطانية والأمريكية.
حاضر في كثير من الجامعات الأجنبية والمصرية منها جامعات الاتحاد السوفيتي سابقا وبريطانيا وجامعات والإسكندرية وطنطا والزقازيق والمنصورة والأزهر وكلية التربية وكليات البنات بجامعة عين شمس وكلية التربية بجامعة قطر.
قام بزيارة بلاد أخرى كثيرة منها تركيا وباكستان والهند وهونج كونج وماليزيا وتايلاند ودول بحر البلطيق وإيطاليا وهولندا وألمانيا وسويسرا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا والمكسيك والفلبين.
اسمه مدرج في الموسوعة القومية للشخصيات المصرية الهامة التي أصدرتها مصلحة الاستعلامات في مصر عام ١٩٢٢. وهي تتضمن معلومات وبيانات تفصيلية أخرى عنه.
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
على الرغم من الأهمية الحيوية لموضوع التربية الإسلامية فإن المكتبة العربية تعاني من فقر شديد في الكتابات الحديثة عن هذا الموضوع. وما زالت الحاجة ماسة لكتابات أصيلة عن التربية الإسلامية تسبر أغوارها. وتكشف جوانبها لتعمق فهمنا لما ينبغي أن يكون عليه طريقنا في تنشئة الأجيال الصاعدة تنشئة صحيحة.
وهذا الكتاب يتناول التربية الإسلامية من حيث أصولها ومبادئها واتجاهاتها وتطورها في البلاد العربية عبر تاريخها الطويل منذ ظهور الإسلام حتى العصور الحديثة. والكتاب خطوة متواضعة، بيد أنه يسد حاجة قائمة. وهو يهم بالدرجة الأولى كل المشتغلين بالتربية والمعنيين بشئونها بصفة خاصة. والتربية الإسلامية خاصة، ويهم كل المربين والمعلمين والآباء والأمهات.
والكتاب أيضا يهم كل مسلم لأنه بحكم إسلامه راعٍ وهو مسئول عن رعيته. ومن هذا فإن هذا الكتاب يمثل اهتمامًا مشتركًا لكثير من أبناء أمتنا الإسلامية.
وقد صدرت أول طبعة من هذا الكتاب عام ١٩٧٧. وهو يخرج في هذه الطبعة الجديدة في صورة مزيدة ومنقحة. فقد أضفنا جزءا عن الماوردي وابن مسكويه وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وآرائهم التربوية. ونقحنا وأضفنا وعدلنا أجزاء متفرقة من الكتاب حتى يخرج في صورة أفضل للمهتمين بموضوعه. وشعاري الذي أتمسك به دائما هو قوله تعالى ﷿: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ .
القاهرة، ٢١ سبتمبر ١٩٩٩
أ. د. محمد منير مرسي
1 / 4
الفهرس:
نبذة تفصيلية عن المؤلف ١
مقدمة ٤
تمهيد: مشكلات منهجية في الكتابة عن التربية الإسلامية ٧
الفصل الأول: التربية الإسلامية: مدخل أولي ١٧
الفصل الثاني: أهداف التربية الإسلامية وأسسها وأساليبها ٤٨
الفصل الثالث: فلسفة التربية الإسلامية: ٩٩
أولا: الإسلام والكون: مدخل أنطولوجي ٩٩
ثانيا: المعرفة في الإسلام: مدخل إبستمولوجي ١٢١
ثالثا: الأخلاق في الإسلام: مدخل إكسيولوجي ١٣٨
الفصل الرابع: تربية الطفل في الإسلام ١٩٥
الفصل الخامس: تعليم المرأة في الإسلام ٢٢٧
الفصل السادس: المعلم في التربية الإسلامية ٢٤٢
الفصل السابع: تطور التربية الإسلامية وأهم سماتها في العصور الوسطى ٢٥٥
الفصل الثامن: مراكز التعليم الإسلامي ٢٨٣
الفصل التاسع: أعلام التربية الإسلامية في العصر الوسيط. ٣٠٧
١- ابن سحنون وآراؤه التربوية. ٣٠٧
٢- القابسي وآراؤه التربوية. ٣١٣
٣- ابن مسكويه وآراؤه التربوية. ٣١٩
٤- الماوردي وآراؤه التربوية. ٣٣٨
٥- الغزالي وآراؤه التربوية. ٣٦٠
1 / 5
٦- ابن تيمية وآراؤه التربوية. ٣٧٥
٧- ابن خلدون وآراؤه التربوية. ٣٩٦
الفصل العاشر: التربية في الشرق العربي الإسلامي في العصور الحديثة ٤٠٩
الفصل الحادي عشر: أعلام النهضة التربوية في العصر الحديث: ٤٢٨
١- محمد بن عبد الوهاب وآراؤه التربوية. ٤٢٨
٢- رفاعة الطهطاوي وآراؤه التربوية. ٤٣٣
٣- علي مبارك وآراؤه التربوية. ٤٤٨
الفصل الثاني عشر: الاتجاهات التربوية في العصر الحديث ٤٥٦
١- اقتباس النظم التعليمية. ٤٥٦
٢- ظهور حركة التربية الحديثة. ٤٥٧
٣- استقدام الخبراء الأجانب. ٣٦٠
٤- الاهتمام بإعداد المعلمين. ٤٦٢
٥- إنشاء الجامعات الحديثة. ٤٦٣
٦- ظهور الاتجاهات التعليمية المتميزة. ٤٦٣
٧- تطوير الأزهر. ٤٦٧
المراجع. ٤٧١
كتب أخرى للمؤلف ٤٨٢
1 / 6
تمهيد: مشكلات منهجية في الكتابة عن التربية الإسلامية
قد يعجب دارس تاريخ التربية من إغفال مراجع التربية المؤلفة في الغرب لموضوع التربية الإسلامية على الرغم من أن التربية الإسلامية قد عاشت أزهى فتراتها في وقت خيم فيه ظلام العصور الوسطى على الغرب. وإذا كانت هذه الفترة من الظلام قد ميزت القرون الخمسة الأولى من العصور الوسطى في الغرب فإن شمس الحضارة كانت تشرق عالية في الشرق. بل إن النهضة الأوربية التي بدأت في النصف الثاني من القرون الوسطى قد اعتمدت في غذائها الثقافي والفكري على نتاج الثقافة العربية والإسلامية إبان عصرها الذهبي.
ولعل العذر في هذا الإغفال من جانب المؤلفين الغربيين يرجع إلى عدم اهتمامهم بالموضوع رغم أهميته أو لجهلهم به أو ربما لتحيزهم وتعصبهم في بعض الأحيان. ويذكر كاتب هذه السطور أنه عندما قام مع زميلين له بترجمة كتاب التاريخ الاجتماعي للتربية لمؤلفه روبرت بك من الإنجليزية إلى العربية؛ تم الاتصال بالمؤلف الأمريكي لاستئذانه في الترجمة العربية مع طلب مقدمة منه لهذه الترجمة. وفي رده عبر عن إحساسه بهذا النقص من الكتاب وعلل ذلك بعدم معرفته بهذا الجانب الهام من التربية في الشرق. وقد نشرت الترجمة ولم تنشر معها المقدمة لأنها وردت متأخرة.
وقد تكون دهشة دارس تاريخ التربية أشد عندما يرى أن المؤلفات العربية تعالج موضوعات التربية الإسلامية عند الكلام عن التربية في العصور الوسطى وكأن دراسة الموضوع تقف عند هذه الفترة الزمنية.
صحيح أن التربية الإسلامية -كما قلنا- عاشت أزهى عصورها في هذه الفترة التي أعقبها فترة تدهور وانحطاط. لكن هذا لا يقلل من دراسة التربية الإسلامية خلال تلك الفترة لمتابعة تطورها ونمو اتجاهاتها حتى نأتي إلى العصور الحديثة لتكتمل الصورة.
1 / 7
وللأسف الشديد أن الفجوة في تتبع دراسة تطور التربية الإسلامية حتى العصورة الحديثة ما زالت قائمة، ولا توجد حتى الآن محاولة جادة في هذا الاتجاه. وليس من قبيل التواضع القول بأن ما يقدمه المؤلف في هذا الكتاب ليس إلا خطوة على الطريق أو هي جهد المقل إن صح هذا التعبير.
وعلى الرغم من وجود محاولات متزايدة للكتابة عن التربية الإسلامية في السنوات الأخيرة، فإن هذه المحاولات تقصر في الأغلب والأعم عن إشباع حاجات وتطلعات المهتمين بهذا النوع من الدراسات. وتبقى الكتابة عن التربية الإسلامية كالصخرة التي تتحدى ناطحها. وقد أردنا من هذه السطور أن نعرض لأهم المشكلات والصعوبات التي تكتنف الكتابة عن هذا الموضوع الحيوي الهام. ونحب أن نوضح منذ البداية أن ما نعنيه بالتربية الإسلامية هنا هو ليس مفهومها العام وإنما مفهومها الاصطلاحي الذي يخص المربين وأساتذة التربية والذي يتصل بالمفاهيم والأسس والمبادئ التي تحكم النظرية التربوية في الإسلام بأبعادها المختلفة. وسنحاول في السطور التالية أن نعرض لأهم هذه المشكلات المنهجية في الكتابة عن التربية الإسلامية.
أولا: أن الكتابة عن التربية الإسلامية تحتم على الباحث أو الكاتب الخوض في التراث، وهي عملية ليست سهلة وتكتنفها صعوبات كثيرة سنشير إلى بعضها فيما بعد. لكن مما يتصل بكلامنا هنا من هذه الصعوبات ما يتعلق بتناثر الكتابات عن التربية الإسلامية في التراث بصورة تحول دون الإلمام بشتاتها، وتحتاج هذه الكتابات إلى محاولات منسقة لحصرها وتصنيفها وتبويبها بحيث تقدم في صورة متكاملة يمكن للمربين والمشتغلين بالعلوم التربوية أن يستفيدوا منها. ومع أن هناك بعض الدراسات والمحاولات الجادة التي عملت في هذا السبيل فإنها تعتبر محاولات مرحلية لعبت دورها في تمهيد الطريق لدراسات أخرى تالية تستفيد منها وتضيف إليها.
إن إحدى الملاحظات التي يمكن أن تؤخذ على هذه الدراسات هو منهجها في البحث والتحليل الذي قد يفتقر أحيانا إلى النظرة الشمولية والاستقصائية والربط والتفسير والوصول إلى الاتجاهات أو المبادئ العامة. مثلا إحدى هذه
1 / 8
الدراسات عن التربية الإسلامية استعرضت آراء مختلفة عن أغراض أو أهداف التربية الإسلامية ووصلت بعد هذا الاستعراض إلى أن الصواب في نظر صاحب الدراسة هو ذكر صاحب المذهب ثم ذكر الغرض من التعليم الذي يلائم هذا المذهب. فهل هذا الاستنتاج صحيح؟ وهل هذا هو نوع الاستنتاج العام الذي نريد الوصول إليه؟
ثانيا: أن الكتابة عن التربية الإسلامية في معظمها تأخذ المنظور التاريخي الجزئي. بمعنى أنها تنظر إلى التربية الإسلامية على أنها فترة تاريخية معينة وعادة ما تكون هذه الفترة هي فترة العصور الوسطى التي تشمل فترة مجد الإسلام وازدهاره وبرز فيها علماء كثيرون كتبوا عن التربية والتعليم. ولذلك تهتم هذه الكتابات عادة بعرض الآراء. ومن الطبيعي أن يأتي عرض هذه الآراء حسبما اتفق دون نظام فكري معين. وغالبا ما تتكرر الآراء دون تمييز للسابق على اللاحق. وكثيرا ما يصعب على القارئ أن يخرج بصورة متكاملة مترابطة. كما يصعب على القارئ أن يربط بين ما قرأه وبين الوضع الراهن للتربية والتعليم بحيث يمكن أن يستفيد منه كمعلم أو كمربٍّ أو كمتخصص في علوم التربية.
ثالثا: أن الكتابة في التربية الإسلامية قد يغلب عليها الأسلوب الإنشائي أو الخطابي أو أسلوب الوعظ والإرشاد. وهو أسلوب وإن كان له استخداماته فإنه لا يصلح للمعالجة الموضوعية والدراسة العلمية للتربية الإسلامية بمفهومها المهني الذي يفهمه المربون وأساتذة التربية وليس بمعناها العام كما أسلفنا ويتصل بذلك الخلط الذي يحدث كثيرا بين مفهوم التربية ومفهوم التعليم.
فالتربية أعم من التعليم، وصلة التعليم بالتربية هي صلة الخاص بالعام. وهذا يعني أن التربية كعملية ليست مسئولية المدرسة وحدها وإنما تشترك معها كل القوى الأخرى المربية في المجتمع. كما أن المدرسة وإن كان معظم وظائفها تعليمية فإن لها أيضا وظيفة تربوية. وبالمثل يمكن الكلام عن المعلم فهو معلم بالمعنى الخاص ومربٍّ أيضا بالمعنى العام. فالمعلم في علاقته بالتلميذ لا يمكن أن
1 / 9
يقتصر تأثيره على المادة العلمية أو التخصصية التي يدرسها وإنما يتعدى تأثيره إلى ما هو أبعد من ذلك من حيث القيم أو المثل أو السلوك وغيرها من المجالات التي يؤثر فيها المعلم على التلميذ. وعلى هذا ونظرا لهذا التداخل بين مفهومي التربية والتعليم نجد على سبيل المثال أن بعض المشتغلين بالتربية الإسلامية قد يرفض على غير حق اعتبار أسلوب الوعظ والإرشاد كأحد أساليب التربية الإسلامية. وينظر إلى أن أساليب التربية الإسلامية إنما تقتصر على الإلقاء أو الحفظ أو التلقين أو التسميع أو المحاورة أو الإملاء وغيرها من الأساليب التي تكون ألصق ما يكون بمفهوم التعليم.
رابعا: أن الكتابة في التربية الإسلامية قد تصطدم بمشكلة وضوح الرؤية في تتبع مسار الأصالة والتجديد للفكر الإسلامي عبر العصور المختلفة. فمن المعروف أن الفكر الإسلامي وإن كان يرجع في أصوله المتفق عليها إلى أصول واحدة هي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. فإنه تعرض لتأثير عناصر فكرية غريبة عنه حتى منذ العصور الأولى للإسلام.
فبعض المسلمين دخلوا الإسلام ليهدموه ويروجوا البدع فيه وهم في حمايته وتحت رايته. وقصة عبد الله بن سبأ مع علي بن أبي طالب معروفة. فعبد الله بن سبأ يهودي أسلم ورأى مرة سيدنا عليا يرفع بيده ثقلا كبيرا يصعب على إنسان واحد أن يرفعه ولعله غطاء بئر على ما أذكر. فقال له عبد الله بن سبأ: والله ما رفعته بقوة جسمانية، وإنما بقوة ملكوتية، مرددا بذلك نظرية الفيض الإلهي عند المجوس، التي هي غريبة على روح الإسلام، وعندها نجد أن الإمام عليًّا يدرك المغزى وينكر على ابن سبأ هذا القول ويهدده بقوله: والله لو عدت إلى هذا القول لرجمتك. وهذا مجرد مثال واحد أردنا أن نورده للتدليل على دخول أفكار غريبة في الإسلام على يد أناس أسلموا ليكونوا معاول هدم الإسلام. وكم في الإسلام أناس من أمثال عبد الله بن سبأ. وقد ورد عن النبي ﷺ قوله: "تتفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة الناجية منها واحدة والباقون هلكى" قيل: ومن الناجية؟، قال: "أهل السنة والجماعة". قيل: وما السنة والجماعة؟ قال: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
1 / 10
ومن المعروف أن الأقوام الكثيرة التي دخلت الإسلام حملت معها بالطبع عاداتها وتقاليدها وعقائدها وتاريخها. فاليهود عملوا على ترويج أخبارهم ونشرها بين المسلمين فيما عرف فيما بعد بالإسرائيليات. والنصارى ساروا على نفس النهج، وكذلك الفرس الذين روجوا من الأخبار ما لا يخلو من العصبية والأفكار الغريبة عن الإسلام. ويعتبر كعب بن مانع -المشهور باسم كعب الأحبار المتوفى ٣٤هـ وهو يهودي يمني أسلم في خلافة أبي بكر- أكبر مروج للإسرائيليات التي تفشت في كثير من الكتب الإسلامية. وكان من الذكاء وسعة الاطلاع بحيث استطاع أن يؤثر في عدد غير قليل من علماء المسلمين الأولين منهم ابن عباس وأبو هريرة. وكانت فيه جرأة غريبة لدرجة أنه كما يقول ابن سعد في طبقاته الكبرى كان يجلس في المسجد وأمامه أسفار التوراة غير متحرج من ذلك "مصطفى الشكعة ص٣٢" ومع أن كثيرين من علماء المسلمين قد أخذ رواياته بكثير من الحيطة والتحفظ إلا أن بعضهم نقل عنه مثل الكسائي الذي نقل عنه قصص الأنبياء.
إن مثل هذه الأفكار الغريبة سواء كان دخول بعضها مغلفا أو مكشوفا أصبح جزءا من التراث ويحتاج منا إلى جهود جادة لغربلة هذه الشوائب وتنقيتها. وهي عملية ليست سهلة كما يبدو. وإنما تحتاج إلى تضافر جهود مخلصة واعية قادرة. وبدون ذلك يظل طريق الكتابة عن التربية الإسلامية محوطا بالأشواك.
يضاف إلى ذلك أيضا عناصر الفكر اليوناني التي شقت طريقها بسلطان إلى الفكر الإسلامي من خلال التراجم العربية لفلسفة الإغريق وقيام الفلاسفة المسلمين أنفسهم بترويج هذه الآراء على ألسنتهم بعضها أشعار نرددها دون وعي أحيانا. فنحن قد نردد قصيدة ابن سينا في النفس والتي يقول فيها: "هبطت إليك من المحل الأرفع" دون أن نعرف أنها ترديد لأساطير أفلاطون. وهذا أبو حامد الغزالي حجة الإسلام وأكثر المدافعين فيه يردد على لسانه آراء أفلاطون وأرسطو وغيرهما. ومن قبله ابن مسكويه في كتابه "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق" نجده متأثرا بفلاسفة الإغريق. بل إنني تعجبت جدا عندما
1 / 11
قرأت كتاب ابن قيم الجوزية "تحفة المودود بأحكام المولود" ووجدت أنه يورد آراء علماء الإغريق في هذا الكتاب الذي يحمل عنوانا لا نتصور معه وجود مكان فيه لمثل هذه الآراء.
وعلى هذا تواجه الكتابة عن التربية الإسلامية مشكلة التمييز فيما يورده علماء المسلمين من آراء بين ما هو أصيل ودخيل. هناك بالطبع أشياء يمكن لنا تحديدها ومعرفتها. فنحن نعرف مثلا أن كتابات كل من ابن سحنون عالم القرن الثالث الهجري والقابسي عالم القرن الرابع الهجري والماوردي، عن التربية والتعليم هي كتابات إسلامية أصيلة خالصة. وهم من أوائل من كتبوا عن التربية الإسلامية كتابة متخصصة. ونعلم أيضا أن القرن الرابع الهجري يعتبر نقطة تحول واضحة بالنسبة للفكر الإسلامي عندما بدأت روافد الفكر الإغريقي تأخذ طريقها مع حركة الترجمة التي شهدت العصر العباسي الزاهر، ولهذا نجد أن الكتابات التي تلت ابن سحنون والقابسي بدأت تختلط بالعناصر الإغريقية، وهذا يصدق على ابن مسكويه عالم القرن الرابع الهجري والغزالي عالم القرن الخامس الهجري ومن بعدها.
إن إحدى المشكلات التي تثيرها الكتابة عن التربية الإسلامية في محاولة تتبع تطور الفكر التربوي في الإسلامي تتمثل في جانبين رئيسيين:
الجانب الأول: تحديد الآراء المتميزة لكل عالم إسلامي على حدة:
فمن المعروف أن الخلف ينقل عادة من السلف. فالقابسي نقل عن ابن سحنون، والغزالي نقل عن مسكويه، وابن خلدون والطهطاوي نقلا عن سابقيهما وهكذا. وقد يكون لكل منهما اجتهاده الخاص إلى جانب الآراء الأخرى التي نقلها عن غيره. فليس كل ما يرد على لسان عالم من العلماء يمثل آراءه هو، وإنما قد يكون كثير منها قد تردد لدى سابقيه ونقله عنهم. إننا نجد رسائل علمية للماجستير أو الدكتوراه تبحث في الآراء التربوية لعالم من علماء المسلمين ولا تنتبه إلى هذه النقطة وترد الآراء التي يذكرها هذا العالم على لسانه في مؤلفاته على أنها آراؤه هو بصرف النظر عن مدى التحقق من كون هذه الآراء هي له حقيقة أم أنه مجرد ناقل لها عمن سبقه. مثلا يشار إلى عبارة "الإنسان
1 / 12
مدني بالطبع" على أنها لابن خلدون مع أنها ترددت قبله بما يزيد عن ثلاثة قرون ونصف عند ابن مسكويه في تهذيب الأخلاق، وعند الماوردي في أدب الدنيا والدين والأصفهاني في الذريعة.
الجانب الثاني: تحديد الأصيل والدخيل على الفكر الإسلامي فيما يرد على لسان العلماء من آراء:
وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية سواء بالنسبة لموضوع التربية الإسلامية أو غيرها من جوانب الفكر الإسلامي عامة. إن كثيرا من الآراء الغريبة قد دخلت إلى الفكر الإسلامي على ألسنة العلماء المسلمين أنفسهم وفي ظل قوة سلطانهم. خذ كلام فلاسفة المسلمين عن النفس والعقل وهو موضوع ألصق ما يكون بفلسفة التربية الإسلامية تجد أن معظم ما يوردونه يمثل آراء فلاسفة الإغريق. وبعض علماء المسلمين يقسمون المنهج المدرسي إلى علوم إسلامية هي العلوم النقلية واللسانية، وعلوم غير إسلامية هي العلوم العقلية. فهل هذا تقسيم مقبول؟ أليست كل العلوم علوما إسلامية ما دامت في الحدود التي رسمها لنا الله؟
وقد يصل الخلط أحيانا إلى تشويه ما هو إسلامي خالص بخلطه عن غير وعي وإدراك بمتشابهات غير إسلامية. مثلا نردد كثيرا أن الإسلام هو دين التوسط والاعتدال. وهذا الكلام إسلامي خالص، ثم قد نتبع ذلك بالقول بأن الفضيلة توسط بين ذيلتين فالشجاعة فضيلة تتوسط الجبن والتهور، وأن علاج الرذيلة يكون بالمبالغة في ضدها حتى يحصل التوسط فعلاج الجبن الإسراف في الشجاعة وعلاج البخل الإسراف في الكرم. هذا الكلام غير إسلامي لأنه تردد على ألسنة فلاسفة الإغريق من قبل وعلى رأسهم أفلاطون وأرسطو.
وقد نردد أيضا عبارات مثل الإنسان حيوان عاقل أو مفكر ناطق أو غيرها.. ووصف الإنسان بالحيوان أو ما جاء على لسان أرسطو. ومثل هذا الوصف غريب على الفكر الإسلامي. والمصدران الرئيسيان للإسلام لم يصفا الإنسان بهذا الوصف، بل إنهما كرما الإنسان غاية التكريم، وجعله الله خليفته في الأرض وفضله على كثير من خلقه. ألم يصف الغزالي الإنسان بأنه أشرف
1 / 13
مخلوق على الأرض؟
إن الإنسانية ضد الحيوانية والبهيمية ولا يجوز في الفكر الإسلامي الصحيح أن نجري وراء أرسطو أو داروين أو سبنسر أو غيرهم لنعتبر الإنسان من صنف الحيوان ثم نضفي عليه بعد ذلك الصفات الأخرى من العقلانية أو الاجتماعية أو غيرها. إن الإنسان جنس من صنف الأجناس التي خلقها الله. وهو مميز بذاته وكرمه الله على كثير من خلقه وجعله خليفته على الأرض. وقد يقال مثلا إن الحيوانية من الحياة، ومن ثم فوصف الإنسان بأنه حيوان يعني أن به حياة. وأنا أعتقد أن هذا المعنى هو آخر ما يتوارد على عقولنا عندما نصف الإنسان بذلك. إن ما أقصده هنا هو وضع الأمور في إطارها الصحيح وفي منظورها الإسلامي السليم دون تمحك أو تكلف في التخريج.
خامسا: أن محاولات تجديد الفكر الإسلامي في العصور الحديثة لم تصل إلى غاياتها ولم تستطع أن تصل حاضر المسلمين المتخلف المؤسف بماضيهم التليد الزاهر، فقد خيم على العالم الإسلامي فترة ركود فكري وثقافي امتدت عبر قرون طويلة، وبدأت بخطوات سريعة منذ تدمير المغول لحضارة الإسلام ودار السلام في بغداد ثم ما تلا ذلك من فترة الحكم التركي العثماني. فالذي لا شك فيه أن السياسة التركية العثمانية قد أدت إلى ظهور تيارات ثقافية مختلفة وفكرية متباينة في العالم العربي والإسلامي وخلقت أوضاعا غريبة.
ففي ظل الحكم التركي العثماني ظهرت الدعوات الشعوبية كالدعوة الطورانية أو الجامعة التركية التي كانت ترمي إلى سلخ تركيا عن الإسلام والبعد عن الجامعة الإسلامية التي دعا إليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. وظهرت أيضا الدعوة الفرعونية في مصر والفينيقية في الشام والآشورية في العراق والبربرية في المغرب وهكذا.
وفي ظل هذه البلبلة الفكرية كان هناك أيضا الدعوة إلى القومية العربية في مقابل الأمة الإسلامية. فمن المعروف أن لا شعوبية في الإسلام، والإسلام للناس كافة ولكل شعوب الأرض على اختلاف شاكلتهم وألوانهم وأجناسهم. وقد حسمت هذه الدعوى الشعوبية منذ فجر الإسلام فلا فضل لعربي على عجمي إلا
1 / 14
بالتقوى وصالح العمل. والناس كأسنان المشط في المساواة. والمسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة. ومع أن دعوى القومية العربية غريبة عن روح الإسلام فإنها في العصور الحديثة إلى العالم العربي تحت تأثير عاملين رئيسيين:
العامل الأول: هو سياسة التمييز الديني الذي سارت عليه السياسة التركية العثمانية، وعاملت المسيحيين العرب واليهود العرب معاملة الأقليات الأجانب، وعلى هذا كان من حقهم إنشاء المدارس الخاصة بهم لتعليم أبنائهم باللغة العربية في حين عومل المسلمون العرب معاملة باقي أرجاء الخلافة. فكان تعليمهم يسير على نظام المدارس التركية. وكانت اللغة التركية هي اللغة الرسمية للاتصال والتعليم معا. فاستعجمت العربية في عقر دارها وعاشت كلغة هامشية. وكان تأثير كل هذا أن ظهر بين المسيحيين واليهود من العرب من قاد حركة الثقافة الفكرية العربية خلال القرنين ١٩، ٢٠، كما أن المسيحيين العرب كان عليهم أن يجدوا لأنفسهم ما يربطهم بهذا الوطن العربي الذي عاش عليه أجدادهم في حين أن تركيا تنظر إليهم كأغراب فيه. ووجد هؤلاء المسيحيون في الدعوة إلى القومية العربية ما يحقق انتماءهم إلى وطنهم العربي ويربطهم به.
العامل الثاني: نمو الحركة القومية في أوربا بصورة متزايدة خلال القرن التاسع عشر تحت تأثير من فكر هيجل أن الأمة المثالية هي التي تنتمي إلى قومية واحدة. ووجد المسيحيون العرب في هذه الدعوى ضالتهم المنشودة التي تجعل منهم مواطنين لا رعايا في أوطانهم. وارتبطت هذه الحركة القومية عند المسيحيين العرب بتعريب الكنائس العربية واستخدام اللغة العربية في الصلوات والطقوس والترانيم.
وكانت المحصلة النهائية لكل هذه الدعوات المختلفة إضافة المزيد من التناقضات التي تعمق من فرقة العالم الإسلامي. وعندما نسأل أنفسنا: من نحن؟ لا نجد إجابة واحدة.
وتجديد الفكر الإسلامي لا بد أن يضع في اعتباره العمل على تخليصنا من التناقضات الثقافية والفكرية. وحتى يتم ذلك ستظل الكتابة عن التربية
1 / 15
الإسلامية تبحث لنفسها عن مخرج، وعندما نطرح سؤالا عن أهداف التربية الإسلامية أو العربية فكيف تكون إجابتنا عن هذا السؤال في ظل كل تلك التناقضات؟
وكيف نستطيع إذًا أن نحدد منطلقاتنا الرئيسية للعمل التربوي الجاد ونحن نواجه منذ البداية بهذه الصعوبات. إن أمامنا عملا كبيرا يتطلب جهودا مخلصة متضافرة تعمل على دفع حركة الفكر الإسلامي في تيارها الصحيح بما يمكن الباحثين من العمل الإيجابي الهادف البناء سواء في ميدان التربية الإسلامية أو غيرها من الميادين.
سادسا: أن البلاد العربية في محاولة تجديد أوصالها والنهوض من كبوتها في العصور الحديثة اعتمدت على اقتباس النظم التعليمية من الغرب فأنشأت المدارس الحديثة على النظام الأوربي، وتركت مؤسسات التعليم الإسلامي على حالها حتى انطفأت تدريجيا. وهكذا نشأ نظام تعليمي جديد عرف بنظام التعليم الحديث تمييزا له عن النظام التعليمي القديم أو التقليدي كما يشار إليه أحيانا.
وقد ترتب على ذلك وجوه ثنائية تعليمية بين النظامين انتهت بغلبة النظام الجديد وذبول أو اندثار النظام القديم، بل إن ما بقي من مؤسسات تعليمية إسلامية كالأزهر مثلا قد أدخل عليه تطوير كبير في أول الستينيات من هذا القرن غير كثيرا من صورته السابقة. والمشكلة التي تتحدى عصرية الكتابة عن التربية الإسلامية أو الوضع الراهن لها تتمثل في عدم وجود مؤسسات أو نظم واضحة لها وجود في العالم الإسلامي يمكن أن نطلق عليها مؤسسات تعليمية إسلامية. وبمعنى آخر إذا أردنا أن نتكلم الآن عن مؤسسات التربية الإسلامية في البلاد العربية، فعن أية مؤسسات نتكلم؟ لقد كان ذلك وما زال مصدر حيرة لمؤلف هذا الكتاب. ففي طبعته الأولى كان هناك فصل عن التعليم في البلاد العربية في العصور الحديثة، ثم صدرت الطبعات التالية للكتاب بدون هذا الفصل. وما زال التساؤل قائما. وقد وجهته لبعض قمم علماء المسلمين المعاصرين ممن أعرفهم ولم أخرج بإجابة شافية.
1 / 16
الفصل الأول: التربية الإسلامية
تربية العرب قبل الإسلام
مدخل
...
الفصل الأول: التربية الإسلامية
تربية العرب قبل الإسلام:
اعتمدت التربية عند العرب قبل الإسلام على التقليد والمحاكاة، فكان الصغار ينشئون على تقليد ومحاكاة الكبار، وكانت القبيلة وما بها من عشائر وبطون تقوم بتعليم صغارها وفقا للمبادئ والقيم الاجتماعية السائدة في القبيلة. فكان للعرب قيمهم التي كانوا يفتخرون بها ويتغنون بها في أشعارهم.
أما العلوم التي كانوا يعرفونها فيقول الشهرستاني في "الملل والنحل":
"اعلم أن العرب في الجاهلية كانت على ثلاث أنواع من العلوم. أحدها علم الأنساب والتواريخ والأديان ... وثانيها علم الرؤيا، وكان أبو بكر ﵁ ممن يعبر الرؤيا في الجاهلية ويصيب فيرجعون إليه ويستخيرون عنه. وأما النوع الثالث فهو علم الأنواء وذلك مما يتولاه الكهنة". أما الشعر فهو ديوان العرب وكانوا يتطارحونه في الأسواق.
وكان العرب في جاهليتهم أميين لا يعرفون القراءة والكتابة لاعتمادهم على المشافهة والرواية في النقل، وكان للشعر رواته الذين يحفظونه ويروونه، ولكن هذا لا يعني عدم وجود من يعرف القراءة والكتابة وإن كان عدد هؤلاء قليلا. ويشير ابن خلدون إلى إن الحجاز تعلموا الكتابة من أهل الحيرة وهؤلاء تعلموها من الحميريين. ويقول الجاحظ في البيان والتبيين: إن العرب كانوا أميين لا يكتبون ولذا لم يكن لهم كتب موروثة فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم والتحم بصدورهم. ويروي لنا البلاذري في "فتوح البلدان" أن الإسلام دخل وفي قريش سبعة عشر رجلا كلهم يكتب: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وأبو عبيدة بن الجراح وطلحة بن الزبير ويزيد بن أبي سفيان وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وحاطب بن عمرو وأبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي وأبان بن سعيد بن العاص بن أمية وأخوه خالد بن سعيد وعبد الله بن أبي سرح العامري وخويطب بن عبد العزى العامري وأبو سفيان بن حرب ومعاوية بن أبي سفيان وجهيم بن الصلت والعلاء بن الحضرمي". ويروي أيضا أن قليلا من نساء العرب
1 / 17
كن يعرفن الكتابة منهن "حفصة بنت عمر إحدى زوجات النبي ﷺ". وكانت عائشة أم المؤمنين تقرأ ولا تكتب. وكذلك أم سلمة. وهما أيضا من زوجات النبي. ويروي البلاذري أن بعض اليهود كان يعلم الصبيان بالمدينة الكتابة العربية في الزمن الأول قبل الإسلام. وهكذا كانت معرفة القراءة والكتابة مقصورة على عدد قليل جدا من العرب قبل الإسلام. وكان ظهور الدين الإسلامي مرحلة جديدة للعرب قبل الإسلام. ومعها بدأت صفحة جديدة لتربية جديدة قوامها الإسلام الذي أكد منذ البداية على العلم والمعرفة كقيمة رئيسية في هذه التربية الجديدة، وهو ما سنتناوله في السطور التالية:
فضل القلم: القلم من أدوات تحصيل العلم والاشتعال به. وقد قال العتابي في فضل القلم: الأقلام مطايا الفطن، وببكاء الأقلام تبتسم الكتب. وقال ابن أبي داود: العلم سفير العقل ورسوله ولسانه والأطول وترجمانه الأفضل. وقال طروح بن إسماعيل الثقفي: عقول الرجال تحت أسنان أقلامهم. وقال عبد الحميد بن يحيى الكاتب: القلم شحرة ثمرها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة. وفيه ري العقول الظميئة. وقال الشاعر في فضل القلم وأعلم بأن العلم أرفع رتبة ... وأجل مكتسب وأسنى مفخر فاسلك سبيل المقتنين له تسد ... إن السيادة تقتني بالدفتر والعالم المدعو حبرا إنما ... سماه باسم الحبر حمل المحبر ويضمر الأقلام يبلغ أهلها ... ما ليس يبلغ بالجياد الضمر
فضل القلم: القلم من أدوات تحصيل العلم والاشتعال به. وقد قال العتابي في فضل القلم: الأقلام مطايا الفطن، وببكاء الأقلام تبتسم الكتب. وقال ابن أبي داود: العلم سفير العقل ورسوله ولسانه والأطول وترجمانه الأفضل. وقال طروح بن إسماعيل الثقفي: عقول الرجال تحت أسنان أقلامهم. وقال عبد الحميد بن يحيى الكاتب: القلم شحرة ثمرها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤه الحكمة. وفيه ري العقول الظميئة. وقال الشاعر في فضل القلم وأعلم بأن العلم أرفع رتبة ... وأجل مكتسب وأسنى مفخر فاسلك سبيل المقتنين له تسد ... إن السيادة تقتني بالدفتر والعالم المدعو حبرا إنما ... سماه باسم الحبر حمل المحبر ويضمر الأقلام يبلغ أهلها ... ما ليس يبلغ بالجياد الضمر
1 / 18
فضل الخط:
الخط والكتابة من أدوات تسجيل العلم وتداول تعلمه. وقد قال أفلاطون: الخط عقال العقل. وقال إقليدس الإغريقي: الخط هندسة روحانية وإن ظهرت بآلة جسمانية. وقال أبو دلف رحالة القرن العاشر الميلادي: الخط رياض العلوم. وقال النظام المعتزل: الخط أصيل في الروح وإن ظهر بحواس البدن. ويورد ابن النديم في "الفهرست" ما معناه أن المصريين علموا الإغريق القدماء الخط والكتابة، وفي ذلك يقول:
"لم يكن اليونانيون يعرفون الخط في القديم حتى ورد رجلان من مصر يسمى أحدهما قيمس والآخر أغنور. ومعهما ستة عشر حرفا فكتب بها اليونان. ثم استنبط أحدهما أربعة أحرف فكتب بها ثم استنبط آخر أربعة فصارت أربعة وعشرين". "نقلا عن: عبد اللطيف محمد العبد: ص١٢".
فضل الكتب: تضم الكتب بين أوراقها مكنون العلوم. وبالكتب تنتشر العلوم ويسهل تحصيلها. وقد قال بزرجمهر الحكيم: الكتب أصداف الحكم تنشق عن جواهر الشيم. وقال آخر: هذه العلوم موارد فاجعلوا الكتب لها نظاما، وهذه الأبيات شوارد فاجعلوا الكتب لها زماما. وقال الآخر: الكتاب هو المسامر الذي لا يبتدئك في حال شغلك ولا يدعوك في وقت نشاطك ولا يحوجك إلى التجمل له. والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك والناصح الذي لا يستزلك. وقيل خير أنيس للصحاب كتاب. وقال الشاعر في هذا المعنى: نعم المؤانس والجليس كتاب ... تخلو به إن ملك الأصحاب لا مفشيا سرا ولا متكبرا ... وتفاد منه حكمة وصواب من طريف خصائص اللغة العربية: اللغة العربية هي وسيلتنا في تحصيل العلم. وقد شرفها الله بأن جعلها لغة القرآن الكريم. ومن طريف ما يورده ابن النديم عن خصائص اللغة العربية قوله: عدد حروف اللغة العربية ثمانية وعشرون حرفا على عدد منازل القمر. وغاية ما تبلغ الكلمة منها مع زيادتها سبعة أحرف على عدد النجوم السبعة. وحروف الزوائد اثنا عشر حرفا على عدد البروج الاثني عشر. ومن الحروف ما يدغم مع لام التعريف وهي أربعة عشر حرفا مثل منازل القمر المستترة تحت الأرض، وأربعة عشر حرفا ظاهرة لا تدغم مثل بقية المنازل الظاهرة. وجعل الإعراب ثلاث حركات: الرفع والنصب والخفض لأن الحركات الطبيعية ثلاث حركات: حركة من الوسط كحركة النار، وحركة إلى الوسط كحركة الأرض، وحركة على الوسط كحركة الفلك.
فضل الكتب: تضم الكتب بين أوراقها مكنون العلوم. وبالكتب تنتشر العلوم ويسهل تحصيلها. وقد قال بزرجمهر الحكيم: الكتب أصداف الحكم تنشق عن جواهر الشيم. وقال آخر: هذه العلوم موارد فاجعلوا الكتب لها نظاما، وهذه الأبيات شوارد فاجعلوا الكتب لها زماما. وقال الآخر: الكتاب هو المسامر الذي لا يبتدئك في حال شغلك ولا يدعوك في وقت نشاطك ولا يحوجك إلى التجمل له. والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك والناصح الذي لا يستزلك. وقيل خير أنيس للصحاب كتاب. وقال الشاعر في هذا المعنى: نعم المؤانس والجليس كتاب ... تخلو به إن ملك الأصحاب لا مفشيا سرا ولا متكبرا ... وتفاد منه حكمة وصواب من طريف خصائص اللغة العربية: اللغة العربية هي وسيلتنا في تحصيل العلم. وقد شرفها الله بأن جعلها لغة القرآن الكريم. ومن طريف ما يورده ابن النديم عن خصائص اللغة العربية قوله: عدد حروف اللغة العربية ثمانية وعشرون حرفا على عدد منازل القمر. وغاية ما تبلغ الكلمة منها مع زيادتها سبعة أحرف على عدد النجوم السبعة. وحروف الزوائد اثنا عشر حرفا على عدد البروج الاثني عشر. ومن الحروف ما يدغم مع لام التعريف وهي أربعة عشر حرفا مثل منازل القمر المستترة تحت الأرض، وأربعة عشر حرفا ظاهرة لا تدغم مثل بقية المنازل الظاهرة. وجعل الإعراب ثلاث حركات: الرفع والنصب والخفض لأن الحركات الطبيعية ثلاث حركات: حركة من الوسط كحركة النار، وحركة إلى الوسط كحركة الأرض، وحركة على الوسط كحركة الفلك.
1 / 19
مكانة العلم في الإسلام
مدخل
...
مكانة العلم في الإسلام:
لقد ضرب الإسلام مثلا فريدا يستحق الإعجاب على اهتمامه بقيمة العلم والعلماء والقرآن الكريم والسنة الشريفة بل وتاريخ الإسلام نفسه حافل بالأمثلة التي لا يعيبها الحصر. فقد كانت أول آية نزلت على الرسول: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ والإسلام لا يسوي بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وفضل الله الذين أوتوا العلم درجات، وجعل العلماء ورثة الأنبياء. وقد فضل الرسول ﷺ مجلس العلم على مجلس الذكر وساوى مداد العلماء بدماء الشهداء. وورد قوله ﵊: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" وأمرنا ديننا بأن نحرص على طلب العلم، وأن نتحمل كل مشقة في سبيله، وقال ﵊: "من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معا فعليه بالعلم". وقد روي عن النبي ﷺ قوله: "فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب". وقوله ﷺ: "إن الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع المملوك حتى يدرك مدارك الملوك".
وورد عن أبي ذر الغفاري أن النبي ﷺ قال: "حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة، وحضور مجلس علم أفضل من عيادة ألف مريض، وحضور مجلس علم أفضل من شهود ألف جنازة"، فقيل: يا رسول الله، ومن قراءة القرآن؟ فقال النبي: "وهل تنفع قراءة القرآن إلا بعلم". ويقول الغزالي في إحياء علوم الدين إن العلم فضيلة في ذاته على الإطلاق "فأصل السعادة في الدنيا والآخرة هو العلم فهو إذن أفضل الأعمال".
ومما يروى أن علي بن أبي طالب ﵁ قال لكميل النخعي: "يا كميل إن هذه القلوب أوعية فاحفظ عني ما أقول: الناس ثلاثة: عالم رباني ومتعلم عنده سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق مع كل ريح يميلون لم يستضيئوا بالعلم ولم يركنوا إلى ركن وثيق. يا كميل العلم خير من المال. العلم يحرسك وأنت تحرس المال. والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو بالإنفاق. يا كميل
1 / 20