Islamic Criminal Legislation Compared to Secular Law
التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي
Yayıncı
دار الكاتب العربي
Yayın Yeri
بيروت
Türler
هذه الحرية بالقيود التي تمنع من العدوان وإساءة الاستعمال، وكان أول من قيدت حريته في القول محمد ﷺ وهو رسول الله الذي جاء معلنًا للحرية مبشرًا بها وداعيًا إليها، ليكون قوله وعمله مثلًا يحتذى، وليعلم الناس انه لا يمكن أن يعفى أحد من هذه القيود إذا كان رسول الله أول من قيد بها مع ما وصفه به ربه من قوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: ٤] .
ولقد أمر الله رسوله أن يبلغ رسالته للناس وأن يدعو الناس جميعًا إلى الإيمان بالله وبالرسالة، وأن يحاج الكفار والمكذبين ويخاطب عقولهم وقلوبهم، ولكن الله جل شأنه لم يترك لرسوله حرية القول على إطلاقها؛ فرسم له طريقة العودة، وبين له منهاج القول والحجاج، وأوجب عليه أن يعتمد في دعوته على الحكمة والموعظة الحسنة، وأن يجادل بالتي هي أحسن، وأن يعرض عن الجاهلين، وأن لا يجهر بالسوء من القول، وأن لا يسب الذين يدعون من دون الله، فرسم الله لرسوله حدود حرية القول، وبين لنا أن الحرية ليست مطلقة وإنما هي حرية مقيدة بعدم العدوان وعدم إساءة الاستعمال.
وحرية القول في الحدود التي وضعتها الشريعة تعود دون شك على الأفراد والامم بالنفع والتقدم، وتؤدي إلى نمو الإخاء والحب والاحترام بين الأفراد والهيئات، وتجمع كلمة أولي الأمر على الحق دون غيره، وتجعلهم في حالة تعاون دائم، وتقضي على النعرات الشخصية والطائفية، وهذا كله ينقص العالم اليوم، أو يبحث عنه العالم فلا يهتدي إليه.
ونستطيع أن نبين مدى صلاحية نظرية الشريعة إذا علمنا أن المشرعين الوضعيين بعد تجاربهم الطويلة ينقسمون اليوم قسمين: قسم يرى حرية القول دون قيد إلا فيما يمس النظام العام، وهؤلاء لا يعيرون الأخلاق أي اهتمام، وتطبيق رأيهم يؤدي دائمًا إلى التباغض والتنابذ والتحزب ثم القلاقل والثورات وعدم الاستقرار. وقسم يرى تقييد حرية الرأي في كل ما يخالف رأي الحاكمين ونظرتهم للحياة، وتطبيق رأي هؤلاء يؤدي إلى كبت الآراء الحرة وإبعاد
1 / 34