İslam ve Arap Medeniyeti

Muhammed Kurd Ali d. 1372 AH
169

İslam ve Arap Medeniyeti

الإسلام والحضارة العربية

Türler

من عاون المتحاربين ومن عاندهم

وبعد، فإذا أحب الشرق أن يحاسب الغرب فيما عادت عليهما هذه الحروب من ربح وخسارة، تكون الصوافي للفريقين على هذه الصورة إجمالا، علمت الحرب المسلمين أنه لا حياة لهم بغير التضامن، ولقنتهم معنى الجامعة الدينية والمدنية، وكانت ضعفت في بلاد الشام العصبية العربية، فحلت العصبية الدينية محلها، رأى المسلمون جيوش الصليبيين مؤلفة من نورمانيين وإيطاليين وإفرنسيين وألمانيين ونروجيين وسويسريين وغيرهم من أمم أوروبا، فاجتمع عربهم وتركمانهم وأكرادهم على قتال عدوهم المشترك، وتفانى في تحقيق هذا المقصد أولئك الذين كان الاختلاف بينهم على أشد حالاته من الملوك والأمراء، تساوى في التماسك لبلوغ هذا الغرض الفاطميون والأتابكيون ثم الدولتان النورية والصلاحية ثم المماليك من بعد، وكذلك كان شأن غيرهم من صغار الأمراء، واتحدت كلمة أرباب المذاهب المختلفة من المسلمين، ولم يخرج على الجماعة غير شيعة الساحل فإنهم اضطروا على ما يظهر إلى بذل الطاعة للصليبيين، لمكان بلادهم من الأصقاع المحتلة، وكان الدروز إلى جانب أهل السنة، والمعنيون والتنوخيون على رأسهم، وكذلك فريق من النصيرية، أما الإسماعيليون فقد كان غرامهم في الاستيلاء على بعض الحصون لينشئوا لهم دولة بأنقاض البلاد وسكانها، ولطالما اغتالوا كل من يعتقدون عداءه لهم من الأمراء والعلماء، بل بلغت بهم القحة أن يطيلوا أيدي أذاهم على مثل السلطان صلاح الدين، ووثبوا بكثيرين ومنهم صاحب دمشق تاج الدين بوري، ونظام الملك، واعترف الصليبيون في إحدى هزائمهم وحملاتهم أنه كان من نصارى البلاد من خدموا الدولة الإسلامية وقلبوا لهم ظهر المجن، أي إن طائفة من نصارى الشام ناصرت أصحاب البلاد؛ لأنهم رأوا منهم عطفا وعدلا في الدول المختلفة التي تقلبت عليهم منذ كان الإسلام، وقاتل الأرمن في صفوف الصليبيين وشكرهم على ذلك البابا غريغوار الثالث عشر في كتاب سنة 1383م.

ولم تأخذ الناس ولا قادتهم هوادة فيمن كان يفتون في عضد المسلمين، ويتهمون بأن هواهم مع الصليبيين، فقد دبرت الخاتون صفوة الملك على ابنها شمس الملوك صاحب دمشق من يقتله، لما أيقنت أنه استدعى الإفرنج من بلادهم ليسلم إليهم الملك؛ ذلك لأن دمشق والمدن الداخلية عصت على الصليبيين، وحاول هؤلاء غير مرة الاستيلاء عليها، بجيوش جيشوها، ومكايد دبروها؛ فضربوا ضربة قاسية كانت لطخة في تاريخهم الحربي، ولطالما أتوا بجيوش جرارة إلى حوران، بل إلى داريا، بل إلى المرج الأخضر من ربض مدينة دمشق، ورجعوا مدحورين مخذولين، ولما شعر صاحب دمشق سنة 523 أن الباطنية فاوضوا الصليبيين ليسلموهم دمشق قتل المزدقاني وزيره الخائن، وأمر الناس فثاروا بالإسماعيلية فقتلوا منهم ستة آلاف في يوم واحد، وقيل: أكثر من ذلك، فطفئت فتنتهم، وكانوا يحاولون تسليم دمشق إلى الصليبيين، وتواعدوا وإياهم إلى يوم مخصوص يهجمون فيه عليها، وأحرق الإسماعيلية أسواق حلب في غضون ذلك فافتقر أهلها، وكثيرا ما استنجد بعض أمراء الصليبيين بالمسلمين فأنجدهم ملوكهم، واستفادوا من تفرق كلمة أعدائهم، ولم يخرج أمراء المسلمين عن القوانين الحربية، ولم يعطوا عهدا اليوم فينقضوه من الغد.

الفوائد التي عادت على المسلمين من حروب الصليبيين

وعني المسلمون عناية فائقة بفنون الحرب التي طالت أيامها، واستكثروا من السلاح والعدة والخيل والمنجنيقات والدبابات، واخترعوا أشياء في هذا الباب أدهشت الصليبيين يوم حصار عكا، وحارب المسلمون بكل ما يحسنونه من ضروب الكر والفر، وصنوف الدهاء والخديعة، وقاتلوا كما قال شاهد العيان من المؤرخين: «مرة بالأبراج، وأخرى بالمنجنيقات، ورادفة بالدبابات، وتابعة بالكباش، وآونة باللوالب، ويوما بالنقب، وليلا بالسرابات، وطورا بطم الخنادق، وآنا بنصب السلالم، ودفعة بالزحوف في الليل والنهار، وحالة في البحر في المراكب.» وصارت الحرب للمسلمين عادة وصناعة، فكان منهم من يقاتل ساعة كذا من الليل أو النهار، أو في الشهر الفلاني والموسم الفلاني؛ وذلك لئلا يتبرموا بالقتال، ويبتعدوا كثيرا عن عيالهم وأشغالهم، وقد عرض

9

صلاح الدين العساكر لما تجهز لحصار عكا، فكانت مائة وثمانية وأربعين طلبا حاضرة، ذكروا أن منها عشرين طلبا غائبة، ورأس كل طلب أمير مقدم بالطبول والأعلام والكوسات واللبوس والزردخانات، وأقل عبرة

10

الأطلاب من المائتي فارس إلى الخمسمائة غير الأتباع.

ولقد كان من هذه النازلة الصليبية أن ظهر نبوغ ولاة المسلمين في فن الحرب والسياسة، وقدر أن ينشأ ملكان نابغتان نور الدين محمود بن زنكي وصلاح الدين يوسف بن أيوب، ولولا هذه الغائلة ما ظهرت فضائلهما الكثيرة، ولا اشتهرت مزاياهما النادرة، فذكر المسلمون بسيرتهما سيرة العمرين، وأرجعت قوة نفسيهما إلى الإسلام بهاءه، ولولا الحروب الصليبية ما ظهر طغتكين نابغة السياسة والإدارة ولا نوابغ الحرب الكامل والظاهر وقلاوون والأشرف وعشرات من القواد والزعماء، ومن حسن التوفيق أن أمراء المسلمين في العهد الصليبي قدروا كلهم حرج الموقف الإسلامي فتضامنوا ولم يختلفوا، وربما لم تتألف قلوبهم في عصر من العصور السابقة واللاحقة تألفهم في تلك الأيام العصيبة، على حين كان أمراء الصليبيين يتنازعون بينهم، وربما تقاتلوا وسفكوا دماء بعضهم بعضا، ولجئوا إلى المسلمين ليستعينوا بهم على منافسيهم.

Bilinmeyen sayfa