İslam ve Arap Medeniyeti

Muhammed Kurd Ali d. 1372 AH
162

İslam ve Arap Medeniyeti

الإسلام والحضارة العربية

Türler

12

في الفتح النورماني، ونجا العرب من الحروب فانصرفوا إلى العلم والآداب، ورأوا من الفاتح الجديد حاميا لهم ونصيرا، فأصبحوا في عهده بمأمن ودعة، أما روجر النورماني فقد اتهم بأنه دان بالإسلام؛ لأنه حاسن المسلمين، ولم يجعل سبيلا لرؤساء الدين من قومه إلى التسلط عليهم، فأبقى الحكام والقواد منهم في مناصبهم على ما كانوا عليه في عهد العرب، واستولى المسلمون على أزمة التجارة، وكان كبار رجال المال منهم، ورأى روجر بثقوب ذهنه أن يسير في سياسته مع السواد الأعظم من أهل الجزيرة وهم العرب، وجعل في بلاطه الأطباء والمنجمين وأرباب القرائح من المسلمين، واحتفظ بأصول العرب في الجباية، وكان يحسن العربية ويحبها، والنورمانيون جاءوا لأول أمرهم من بلاد سكاندافيا في شمالي أوروبا وظلوا مجوسا إلى القرن العاشر للميلاد وفيه انتحلوا النصرانية.

وروجر

13

هذا هو الذي استقدم الشريف الإدريسي صاحب كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» من بر العدوة ليضع له شيئا في شكل صورة العالم وبالغ في تعظيمه من وراء الغاية، وصنع له هذا الشكل فأعجب به، وأراده على أن يبقى في بلاده قائلا له: «أنت من بيت الخلافة ومتى كنت بين المسلمين عمل ملوكهم على قتلك، ومتى كنت عندي أمنت على نفسك.» فأجابه إلى ذلك، فرتب له كفاية لا تكون إلا للملوك، وطلب إليه أن يحقق أخبار البلاد بالمعاينة، لا بما ينقل من الكتب، فوقع اختيارهما على أناس ألباء فطناء أذكياء، وجهزهم روجر إلى أقاليم الشرق والغرب جنوبا وشمالا، وسفر معهم قوما مصورين ليصوروا ما يشاهدونه عيانا، وأمرهم بالتقصي والاستيعاب لما لا بد من معرفته، فكان إذا حضر أحد منهم بشكل أثبته الشريف الإدريسي حتى تكامل له ما أراد، وجعله مصنفا، وهو كتاب نزهة المشتاق.

هكذا كان روجر في معاملته علماء العرب والانتفاع بعلمهم، وقد غادر كثير من العرب الجزيرة في الفتح النورماني قاصدين إلى بر العدوة من إفريقية على السفن الكثيرة التي كانت لهم، ومنهم وهم السواد الأعظم من اختاروا المقام في الجزيرة فطاب لهم بما رأوا من الرعاية والأمنة، حتى إن ابن جبير الرحالة لما مر بالجزيرة سنة 580 أي بعد ست وتسعين سنة من خروجها عن حكم العرب، أثنى على غليام صاحبها، وقال: إنه عجيب

14

في حسن السيرة واستعمال المسلمين، وإنه كثير الثقة بهم، وساكن إليهم في أحواله، والمهم من أشغاله، وله الأطباء والمنجمون وهو شديد الحرص عليهم، وقال: إن زي النصرانيات في مدينة صقلية مثل زي نساء المسلمين يخرجن ملتحفات متنقبات.

وحرص روجر الثاني وابنه وغليام على استعمال المسلمين جريا على خطة روجر الأول؛ فتركوا لهم حريتهم، ينعمون بضياعهم وأموالهم ومتاجرهم ومصانعهم، وكان هؤلاء الملوك يحسنون العربية ويطربون لشعرها وأدبها، وكان فريدريك الثاني كثير العناية بالعربية وآدابها، وقد ضرب فيها بسهم وافر، وظلت اللغة العربية في الجزيرة اللغة الرسمية، وكان من العرب معلمون وأساتذة وعمال مهرة،

15

Bilinmeyen sayfa