İslam ve Arap Medeniyeti
الإسلام والحضارة العربية
Türler
في بضعة قرون من حيث المادة والعلم، وجعلوها في منزلة دونها جميع الممالك، قال لبون: ولكن هذا التبدل لم يتناول الماديات والعقليات، بل تعداها إلى الأخلاقيات؛ فقد علموا وحاولوا أن يعلموا الشعوب النصرانية أثمن الصفات الإنسانية، وأعني بها «التسامح»، ولقد كان من لطفهم مع الشعب الذي افتتحوا بلاده أن يعقد أساقفتهم مجامعهم الدينية في إشبيلية سنة 782م وفي قرطبة سنة 852م وهذا من الأمثلة على حسن مأتاهم، ومنها تلك الكنائس والبيع الكثيرة التي شادها نصارى الإسبان في العهد العربي في إسبانيا، وكل ذلك دليل على الحرمة التي كان العرب يعاملون بها المعتقدات التي جعلت تحت حماية قانونهم. وقد انتحل الإسلام كثير من النصارى على حين لم يكن لهم في ذلك غير مصلحة ضئيلة؛ لأن النصارى الذين كانوا في الحكم العربي، ويطلق عليهم اسم المستعربين، كانوا يعاملون كاليهود أيضا على نصاب واحد من المساواة مع المسلمين، ويمكنهم مثلهم أن يتولوا جميع أعمال المملكة، وكانت إسبانيا العربية البلد الوحيد في أوروبا الذي كانت فيه حقوق اليهود مصونة حتى كثر فيها سوادهم، وكما كان يطلق اسم المستعربين على أبناء النصرانية الخاضعين لأحكام المسلمين في الأندلس، كان يطلق اسم المدجنين على المسلمين الخاضعين لحكومة إسبانيا. وقال سيديليو ولبون وغيرهما: كان العرب في إسبانيا من حيث الأخلاق والعلم والصناعة أرقى من النصارى، وكان في أخلاقهم وصفاتهم شيء من الكرم والإحسان، مما لم يكن له أثر عند غيرهم، وفيهم الشمم الذي امتازوا به، وكان الإفراط في حبه مولدا لجنون البراز المشئوم.
ونشر العرب في بلاد إسبانيا بما خصوا به من حسن المعرفة بالفلاحة وطرائقها المبنية على التجربة والمشاهدة، ما هو العجب العجاب؛ فزرعوا فلواتها، وعمروا مدائنها، وربطوا علائق تجارية مع الأمم المجاورة، فظهرت بها الرفاهية، وصفا العيش، وكانت أساطيلهم التجارية تقلع من مالقة وبجاية والمرية ولشبونة وبرشلونة، تحمل إلى الشرق والغرب حاصلات الأندلس، وتأتي من البلاد التي أرست فيها ما يلزمها، وأهم ما كان الأندلسيون يهتمون له، خصوصا بعد أن قطعوا صلاتهم بالعباسيين، أن لا تقصر بلادهم عن العراق وفارس والشام ومصر في سلوك سبيل الارتقاء؛ ولذلك كان كثير من خلفائهم يجعلون لهم عمالا في عواصم الشرق ينسخون لهم الكتب التي تؤلف حديثا، ليطلعوا على سير العلم في العهد العباسي الأول والثاني، ويبتاعوا كل ما تطول إليه أيديهم من الأسفار والطرائف؛ لئلا يفوتهم شيء من علم علماء المشرق. على أن الرحلة في طلب الحديث ما انقطعت بين الأندلس والمشرق، وكذلك المشارقة لم يغفلوا عن الرحلة إلى تلك الجزيرة والأخذ عن رجالها، ونقل ما فاتهم من علوم المغاربة.
ومن أجمل ما وصف به عرب الأندلس قول صاحب فرحة الأنفس: «أهل الأندلس عرب في الأنساب، والعزة والأنفة، وعلو الهمم، وفصاحة الألسن، وطيب النفوس، وإباء الضيم، وقلة احتمال الذل، والسماحة بما في أيديهم، والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية، وهنديون في إفراط عنايتهم بالعلوم، وحبهم فيها وضبطهم لها ورواياتهم، بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم، ونباهتهم وذكائهم، وحسن نظرهم، وجودة قرائحهم، ولطافة أذهانهم، وحدة أفكارهم، ونفوذ خواطرهم، يونانيون في استنباطهم للمياه، ومعاناتهم لضروب الغراسات، واختيارهم لأجناس الفواكه، وهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال وتحسين الصنائع، وأحذق الناس بالفروسية، وأبصرهم بالطعن والضرب.»
العلم في الأندلس
أنشأ الأندلسيون في كل ناحية المدارس وخزائن الكتب، وأقاموا في العواصم الجامعات التي كانت وحدها مواطن العلم في أوروبا زمنا طويلا، ومما أعان على الاستكثار من الكتب ما كانت تصدره معامل شاطبة من الورق، وبهذه الطرق الجديدة فاض النور على الرجال والنساء، وعلى الموافقين والمخالفين، حتى أصبحت قرطبة مدة ثلاثة قرون أكثر مدن العالم القديم نورا، وكانت حضرة ملوكها وقصور خلفائها، لكثرة عنايتهم بالعلم، وحرصهم على استجلاب العلماء إليها من كل فج وصوب، أشبه بمجامع علمية، وقاعات خزائن كتبهم كأنها دور حكمة، فيها معامل كبيرة خصت بالنساخين والمجلدين والمذهبين والنقاشين، ومن خزائنهم ما كانت جرائد أسمائها تستغرق عشرات من المجلدات.
ولقد كان الحكم الثاني من أعظم المفضلين على الآداب، نشر العلم في أمته حتى قل فيها الأميون وأنشأ في عاصمته خزانة كتب فيها من عامة العلوم نحو أربعمائة ألف مجلد، وربما كان أعلم أمير جاء في الإسلام،
14
وكانت جامعة قرطبة في أيامه أعظم جامعات الأرض تقرأ فيها العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية والكيماوية، وكان عبد الرحمن الثاني عالما أديبا شاعرا يعرف علوم الفلاسفة.
ولما ملك الأندلس أمير المسلمين يوسف بن تاشفين من المرابطين انقطع إليه «من الجزيرة من أهل كل علم فحوله، حتى أشبهت حضرته حضرة بني العباس في صدر دولتهم، واجتمع له ولابنه من أعيان الكتاب وفرسان البلاغة ما لم يتفق اجتماعه في عصر من الأعصار.» وكان الفيلسوف ابن طفيل من رجاله هو الذي جلب إليه العلماء من جميع الأقطار، ونبهه على فضل ابن رشد الفيلسوف.
وكان لملوك الأندلس غرام باصطفاء كبار العلماء للوزارة، يشتملون على الدولة ويدبرون أمرها، ومنهم من برزوا في السياسة والإدارة وقيادة الجيوش تبريزهم في العلم والأدب، كابن زيدون وابن عبدون وابن أبي الخصال وابن خلدون وابن الخطيب وابن زهر وابن سعيد وابن عمار وابن الجد وابن أيمن وابن هود وابن سوار وأبي عبد الله الطاهر وابن فرج وابن لبون وابن رزين وابن أرقم وابن القلاس وابن غيطون وابن القاسم وابن زمرك وابن حزم وابن جبير وابن عبد البر وابن السيد والبكري وعشرات غيرهم، بيضوا وجه الأندلس، وجرى على هذه السنة الأمويون ثم المرابطون والموحدون ثم بنو الأحمر، ومن تخلل هذه الدول الكبرى من ملوك الطوائف، ونسجوا على أساليب الدولة العباسية والفاطمية والإخشيدية والطولونية والحمدانية والبويهية والسامانية والغزنوية وغيرها من دول المشرق.
Bilinmeyen sayfa