İslam Şerikan: İslam ve Müslümanlar Üzerine Çalışmalar
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Türler
4 (ص19).
ونرجع إلى الدكتور ياسين فنجد أن تقديره الكبير للإيمان في مقابل الأعمال يخفف منه اعتباره للجدل القديم حول العمل بالجوارح، وهل هو جزء من الإيمان أم هو - كما قال أبو حنيفة - مجرد مقتضى ولازمة من لوازمه، أي نوع من الجدل اللفظي الذي لا نفع فيه (المرجع السابق ص85)، ونجده من ناحية أخرى يذهب إلى حد اعتبار بعض الأعمال والمواقف من الأمور التي تبطل إيمان الإنسان وتجعل منه كافرا (راجع نواقض الإيمان، ص100 وبعدها) ومع ذلك فإنه يظل حريصا على اعتناق المبدأ القائل بأن الإيمان، لا الأعمال، هو الذي يقرر نجاة الفرد وخلاصه.
وثمة مثل آخر يقدمه الشيخ محمد الغزالي في موقفه الذي يؤكد فيه أهمية الأعمال تأكيدا شديدا، فهو يصف العمل في عنوان أحد فصول كتابه «عقيدة المسلم» بأنه أساس الإيمان (ص153)، وهو يهاجم الرأي القائل بأن «حسن الصلة بالله قد يجبر النقص في بقية الواجبات المفروضة، وأن مجرد الإيمان يغني عن أداء هذه الفرائض» (ص160 وبعدها). إن هناك في رأيه صلة وثيقة بين الخير الذي يفعله الإنسان في هذه الدنيا وبين الثواب في الآخرة، بين الشر الذي يرتكبه والعقاب الذي سيلقاه (ص285 وبعدها)، والاعتقاد الخاطئ بأن الأعمال يمكن إهمالها، بما يتضمن قطع هذه الصلة الوثيقة بين العمل والجزاء، هو في رأي الشيخ الغزالي علة الأزمة التي وقع فيها الدين في أيامنا، والقوة التي اكتسبها الإلحاد (ص157، 161، 294). وعلى الرغم من القيمة العظيمة التي يضفيها الغزالي على الأعمال، فإنه يعترف بأن الإيمان لا يفترض التحرر من الإثم. فقد يرتكب المؤمن الإثم دون أن يفقد الإيمان، ولكنه إذا تفاخر بإثمه وخطيئته، واستهزأ بإهماله للفروض الواجبة عليه، فإنه يتخلى في هذه الحالة عن الإسلام (ص187 وبعدها وص192). ومن الواضح من هذا أنه يرفض مذهب الخوارج في أن مرتكب الكبيرة يبطل إيمانه (ص207)، إن المسلمين سيساقون إلى النار بسبب أعمالهم السيئة، ولكن رحمة الله يمكن أن تنقذهم منها (ص289 وبعدها)، ومعنى هذا كله في رأي الغزالي أن الإيمان - بعد العقاب والشفاعة، ومع التسليم بحرية الله المطلقة في قراراته - هو الذي يؤدي إلى النعيم الخالد، بينما يقود الكفر - الذي يترتب على الإصرار على ارتكاب الفواحش والآثام - إلى اللعنة الأبدية.
ويتفق هذا مع قول حسن البنا (1906-1949م) في إحدى رسائله: «إن العقيدة هي أساس العمل. وفعل القلب أهم بكثير من فعل الجوارح. وبلوغ الكمال في كليهما مطلوب بحكم الشرع، حتى ولو تفاوتت الرتب والدرجات.»
5
إذا اعتمد المؤمن الآثم في نجاته من النار على إرادة الله، فإن المشكلة القديمة عن العلاقة بين قدرة الله المطلقة ومسئولية الإنسان ستظل قائمة. وهناك إجماع تام على أن الله سبحانه يخلق أعمال الإنسان، وأن الإنسان «يكتسب» أعماله بعد ذلك (هنا تستخدم الصيغة الأشعرية القديمة) بإرادته الحرة بحيث يحاسب عليها ويصبح مسئولا عنها. ولكن هل ثمة دلائل تهدينا إلى التنبؤ بما سوف يقرره الله جل شأنه - بقدرته وحريته اللذين لا حد لهما - في مصير المؤمن الآثم؟
إن الإجابة عن هذا السؤال متفاوتة الظلال والأبعاد. فالشيخ محمد الغزالي، الذي يؤكد على الصلة التي تربط بين العمل والجزاء، يصر على أن حساب الله الأخير لن يغفل - مصداقا للآية القرآنية الكريمة - مثقال ذرة من خير ولا مثقال ذرة من شر في أعمال الإنسان (المرجع السابق ص93)، بل إنه يتحدث عن «قواعد» أو «قوانين» الجزاء (ص288)، فهل يمكن أن يخضع سبحانه لأي قاعدة أو قانون؟ إن الغزالي يتجنب الخوض في مثل هذا التناقض الواضح، ويقرر أن رحمة الله تنقذ المؤمن الآثم، وإذا لم تكن آثامه من الكبائر، فإن شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام يمكن أن تساعده.
ويضع عبد الرحمن حبنك الميداني - مدير التعليم الشرعي في وزارة الوقف السورية، في كتابه العقيدة الإسلامية المؤلف من جزأين - يضع الأمور وضعا آخر. فهو يتحدث أيضا عن «قوانين» أو «قواعد» أقامها الله سبحانه ويتبعها في خلقه. ولكنه - فيما يتصل بالمشكلة التي نحن بصددها - يضع قانون العدل الإلهي جنبا إلى جنب مع قانون الفضل الإلهي (الجزء الثاني، ص310 وبعدها) ويرى الميداني أن دين الإنسان بالشكر لله على نعمه التي أسبغها عليه يبلغ من العظم حدا يجعله عاجزا كل العجز عن رده بما يعمله طوال حياته، بل إنه لأعجز من ذلك عن ادعاء أي حق في مطالبته بأي ثواب أو مكافأة عنها. فالله سبحانه إذا وعد الإنسان بأن يكافئه على إيمانه وأعماله الصالحة، فإنما يفعل ذلك وفقا لقانون المثوبة الذي وضعه بفضله ورحمته. ومن جهة أخرى سيعاقب الإنسان على كفره وعصيانه وفقا لقانون العدل الإلهي. ويقتبس الميداني الآية الكريمة:
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون (الأنعام: 160) ثم يقول إن الحد الأعلى لهذا الجزاء مكافئ للعمل السيئ، ولكن ليس له حد أدنى لأننا ندخل هنا في دائرة فضل الله. ولما كان فضل الله بلا حد، فيمكننا القول إن المرتبة الوسطى في هذه الدائرة هي مرتبة التفضل بالعفو الكامل التي يمكن بعدها أن يسبغ بفضله وكرمه على الإنسان المزيد من آلائه ونعمه. وهكذا يمحو الفضل الإلهي ما يقتضيه العدل الإلهي (المرجع السابق، ص312).
والواقع أنني لم أجد في أي كتاب من الكتب الأخرى، التي رجعت إليها، مثل ما وجدت في كتاب الميداني من تأكيد قوي لرحمة الله وفضله. ربما يكثر غيره من الكلام عن رحمة الله وغفرانه، ولكن الفكرة التي تقول إن الله قد أسبغ على الإنسان من النعم ما لا يستحقه، وآخرها وأسماها هي النجاة من عذاب الآخرة، هذه الفكرة تتلاءم أيضا مع أفكارهم وتصوراتهم، وهذا في الحقيقة هو معنى الفضل الإلهي.
Bilinmeyen sayfa