İslam Şerikan: İslam ve Müslümanlar Üzerine Çalışmalar
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
Türler
ويرجع شتيبات في أواخر عام 1968م إلى الجامعة الحرة في برلين ومعهد العلوم الإسلامية والدينية فيها، ويعين في الثالث من سبتمبر من العام نفسه أستاذا مساعدا قبل أن يشغل في الثاني من شهر يوليو 1969م كرسي الأستاذية خلفا لأستاذه «فالتر براونه» صاحب الكتاب المشهور في الدوائر العلمية: الشرق الإسلامي بين الماضي والمستقبل، تحليل تاريخي ولاهوتي لوضعه في العالم المعاصر (بيرن وميونيخ 1960م). وسرعان ما أصبح هذا المعهد - بعد الإصلاح الشامل لنظام التعليم في ألمانيا الاتحادية في أواخر الستينيات - مركزا متوهجا بالحوار الحي بين علماء الأديان والفلاسفة وعلماء الاجتماع والاستشراق، بحيث تضافرت في هذا الحوار المستمر نزاهة العلم الموضوعي الخالص والالتزام السياسي والاجتماعي، مع تزايد اهتمام الرأي العام بمعرفة الشرق العربي والإسلامي بعد نكبة يونيو 1967م، وتصاعد حركة المقاومة والتحرير الفلسطينية، وتفجر أزمة النفط في أوائل السبعينيات. ولا بد أن تلك المحاورات والمحاضرات قد تأثرت من ناحية أبلغ التأثر بتراث التوجه الحضاري في دراسة الشرق الإسلامي وعلومه - وهو التوجه الذي يرجع إلى المستشرق البرليني ك. بيكر (1876-1933م) الذي تتلمذ عليه براونه أستاذ شتيبات - كما تأثرت من ناحية أخرى بتيار «الاشتراكية الدينية المناضلة» الذي اشتهر به الفيلسوف البروتستنتي العظيم باول تليش (1886-1965م) الذي كان البيت الذي استقر به المعهد يحمل اسمه، والذي انطلق في كل تجاربه الفلسفية والوجودية العميقة من الإيمان بالطابع الديني الجوهري للحضارة بكل ظواهرها وتجلياتها في العالم الحاضر على اختلاف أنظمته وحركاته ومشكلاته؛ «إذ ما من شيء فيه لا يعبر عن الوضع الديني.»
هكذا انعكست تأثيرات هذا التراث الممتد في دراسة الدين والتاريخ الحضاري على تفكير صاحب هذه السيرة وبحوثه، وتجلت في اهتمامه بحاضر العالم الإسلامي ومستقبله، وحرصه على الرؤية التاريخية الكلية والشاملة لمجالات الحياة بلا استثناء، والمعرفة الدقيقة بالتراث الديني والعقلي والاجتماعي والظروف التاريخية الكامنة وراء تحولاته الحديثة، مع الأخذ في الاعتبار قبل كل شيء أن الشرق ليس مجرد موضوع عجيب جذاب، أو عالم مثير للغرابة وحب الاستطلاع، وإنما هو «جزء من عالمنا»، وشريك للغرب في رحلة الفكر والعمل والضمير والتحضر البشري. ومن ثم جاء العنوان الدال للكتاب الذي نحن بصدده، والذي يضم الدراسات والمقالات التي سنعرضها على هذه الصفحات وهو «الإسلام شريكا». فدراسة الشرق الإسلامي كشريك للغرب المسيحي تقوم على أساس من الوجود والسؤال والأمل الذي يوحد بينهما وحدة ضرورية؛ أضف إلى ذلك أن دراسة تاريخ هذا الشرق كطرف أو شريك في مصير واحد تؤدي حتما إلى المعرفة النقدية بتاريخ الغرب نفسه.
وهكذا أسس في برلين مركز مرموق لدراسات الشرق الأدنى الحديث مع كل ما يتصل به من علوم التراث والتاريخ والسياسة والاقتصاد في جامعة برلين الحرة، وساعدت منحة سخية من مؤسسة فولكس فاجن منذ سنة 1976م على مده بالطاقات العلمية والمادية الكافية.
ولقد صمد هذا المركز العلمي وحافظ على هويته ورسالته العلمية والأخلاقية الرفيعة في وجه رياح التغير العاصفة في العالم الإسلامي منذ إطلاق صيحة الصحوة الإسلامية، وقيام الثورة الإسلامية في إيران (1979-1980م) وهبوب أعاصير التطرف مع الحركة المسماة - خطأ وظلما - بالأصولية الإسلامية، وتزايد أعداد المهاجرين من الدول العربية والإسلامية إلى أوروبا الغربية، بحيث أثارت هذه التحولات اهتمام الرأي العام الغربي والعالمي، وأزاحت إلى الظل معظم الجهود المخلصة التي بذلت في سبيل الدرس المحايد والمتأني للشرق. وانبرى شتيبات في العديد من مقالاته ومحاضراته (ابتداء من محاضرته عن الدور السياسي للإسلام التي ألقاها في المؤتمر الحادي والعشرين للمستشرقين الألمان الذي عقد في التاسع والعشرين من شهر مارس سنة 1980م في برلين) انبرى لمواجهة هذه التحديات، وراح يحذر من التبسيطات السياسية المتسرعة لموضوع «الإسلام»، ويدعو إلى فهمه وتفسيره داخل السياق المعقد للمشكلات العالمية. وربما يكفي هذا النص المقتبس من المحاضرة المشار إليها لتوضيح رؤيته السمحة ومنهجه التاريخي والحضاري المتكامل. «ليس الإسلام هو القوة الأصلية الدافعة للموجات الإسلامية الجديدة التي نلاحظها اليوم في العالم. لا شك في أن الديانة المشتركة هي أساس الشعور بالتضامن بين جميع الشعوب الإسلامية. ولكن الشيء المشترك بين الحركات الإسلامية الراهنة لهذه الشعوب لا يأتي من ديانتها، وإنما يأتي من موقفها التاريخي الذي تشاركها فيه شعوب كثيرة غير إسلامية، وهو موقف الاعتمادية أو التبعية للأمم الصناعية في الغرب، وبحثها اليائس عن توجه خاص يمكن أن يساعدها على التحرر من تلك التبعية.»
وواضح من هذا النص أن نظرته للشرق المسلم كشريك للغرب - تضمهما وحدة الوجود في هذا العالم ووحدة المصير البشري - لم تتغير عما كانت عليه، وأن إيمانه بقوة الدين وقدرته على تجميع البشر لم تتأثر بحملات التحيز والتشويه والإساءة للإسلام والمسلمين. ولعل وقوفه في صف المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا، ودعوته لقيام تنظيم موحد يجمع شملهم، لعله أن يكون أبلغ دليل على سماحته العلمية والإنسانية التي تجلت في عدد كبير من دراساته عن الشرق الأدنى، وفي أحكامه المنصفة على بعض ردود الفعل من جانب المسلمين على افتراءات سلمان رشدي في روايته المريبة «آيات شيطانية» (ومن هذه الدراسات على سبيل المثال طبيعة الأمل في نظر المسلم، وصورة الإنسان في الإسلام أو خليفة الله على الأرض، والإيمان يقدم الأمل في الخلاص والنجاة، والمناقشات الدائرة في الكتابات الشعبية الإسلامية)، وكلها دراسات تؤكد اهتمامه بالدين بالمعنى الضيق أو بمعناه «الوجودي» ومدى تأثيره وأهميته في تاريخ الشعوب الإسلامية وأساليب مواجهتها للموت والعدم.
وأخيرا لا ننسى جهوده العملية بين سنتي 1992 و1993م - أي بعد إتمام الوحدة الألمانية - التي توجت بإنشاء «مركز العلوم الإنسانية المختص بدراسة الشرق الحديث» (وهو الذي يزهو به اليوم حي نيكولاسيه في برلين)، وحققت مساعيه السابقة لتجميع التخصصات العلمية المختلفة لدراسة الشرق دراسة تاريخية ودينية شاملة وقائمة على الإيمان بأن الشرق والإسلام شريكان لا غنى عن معرفتهما لكي يعرف الغرب نفسه وتاريخه، كما سبق القول. وهكذا أثبت الرجل العظيم - حتى بعد إحالته إلى المعاش في سنة 1988م، وقبل أن يقعده المرض الشديد منذ سنة 1988م - كيف يمكن أن يجمع الإنسان بين القدرة العلمية الخارقة والمهارة العملية الفائقة والاهتمام الدافئ الحميم بكل من اتصل به أو عرفه من الزملاء والأصدقاء والتلاميذ. ولكم يشرفني ويسعدني في ختام هذا التقديم أن أدلي بشهادتي عنه، بصفتي تلميذا سابقا تعلم على يديه في القاهرة وبرلين، وصديقا لم ينقطع حتى الوقت الحاضر عن الاتصال به والاطمئنان عليه. هذه الشهادة تقول بكلمات مختصرة يمكن أن يفسدها أي إسهاب أو إطناب: «لم أعرف في حياتي، ويقينا لن أعرف في أيامي الباقية، من هو أطيب ولا أنبل منك، أيها الأخ الأكبر والمعلم المثالي الأكمل.»
الفصل الثاني
ملاحظات عن دور البحث العلمي في حوار الأديان1
(1996م) «إن ظاهرة الحرب الدينية يجب دائما أن تفسر في إطار سياق تاريخي.»
فريتس شتيبات
Bilinmeyen sayfa