Yirminci Yüzyılda İslam: Bugünü ve Geleceği
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
Türler
فهو مصلح معلم كالسيد أحمد خان، ولكنه يزيد عليه بالإمامة الدينية التي لم يتهيأ لها السيد أحمد، ولم يرشح نفسه لها؛ بل قصر جهوده كلها على إيقاظ المسلمين، وتنبيههم إلى حاجتهم من العلم الحديث.
فالشيخ محمد عبده أستاذ إمام، ورسالته هي التعليم والإمامة في وقت واحد، وفحواها أنه خرج من تجاربه كلها بنتيجة واحدة وهي فساد الجو السياسي من حوله، فلم يبق له أمل في إصلاح المسلمين بالوسائل السياسية، وآمن برسالته «العلمية الدينية» كل الإيمان، فانصرف بعزيمته كلها إلى رفع الحجر عن العقول بإجازة الاجتهاد لمن يقدر عليه، وتفسير المسائل الدينية تفسيرا يطابق العلم الحديث.
وتبدو هذه الكلمات سهلة هينة لمن يقرؤها في العصر الحاضر، ولكنه يعرف صعوبتها - بل خطرها - إذا عرف أن القول بدوران الأرض كان يعرض القائل به لتهمة الكفر والتواطؤ مع أعداء الدين على إفساده، وأن استخدام التليفون حرج شديد؛ لأنه قد يكون من آلات الشيطان، وأفاعيل السحرة «المتشيطنين».
وقد بدا للأستاذ الإمام عبث السياسة، وهو يعاون السيد جمال الدين في مساعيه الأوروبية، فكان يعاود له المشورة بتركها، والإقبال على تعليم المصلحين والمرشدين، وكان يقول له حينا بعد حين: إننا إذا علمنا عشرة، وأرسلناهم في أرجاء العالم الإسلامي، فعلم كل منهم عشرة من مريديه أصبح في العالم الإسلامي مائة مرشد، فألف مرشد بعد ثلاثين أو أربعين سنة؛ وذلك أوثق وأوفق من عملنا الضائع بين الساسة والأمراء، وكان السيد جمال الدين يستمع إليه مرة، ويحتد في جوابه مرة أخرى فيقول له: إنك لمن المثبطين.
وقد بدأ الشيخ محمد عبده حياته بالتعليم بعد حصوله على درجة العالمية من الجامع الأزهر. فألقى بعض الدروس (سنة 1879) في دار العلوم، ثم طاحت به شبهات السياسة، فأخرج منها، وألزم المقام بقريته «محلة نصر» بإقليم البحيرة، ثم أفرجت عنه وزارة رياض، ووكلت إليه الإشراف على تحرير الصحيفة الرسمية فأدركته الثورة العرابية وهو في تلك الوظيفة، وقد اشترك في الثورة حتى أفلت العنان من يديها، فأنف من خذلانها في أحرج مآزقها، وأصابه ما أصاب رجالها من عقوبات السجن والنفي إلى خارج البلاد، فاتخذ من النفي فرصة لنشر الدعوة إلى الحرية الفكرية، وضاق به المقام في بيروت، فلحق بأستاذه جمال الدين في باريس، وتعاونا معا على إصدار صحيفة «العروة الوثقى» فلم تتم عشرين عددا حتى ضربت حولها السدود في البلاد الإسلامية، فتعذر المضي في إصدارها، واختار الشيخ محمد عبده أن يشخص إلى تونس عسى أن يتسع لها فيها مجال العمل؛ لما كان بين الدولتين الفرنسية والإنجليزية يومئذ من التنافس على اجتذاب أقطاب المسلمين، فلم يلبث غير قليل حتى خاب ظنه، وأزمع الرحلة إلى بيروت ليقيم فيها مشتغلا بالدراسات الأدبية، وفي هذه الفترة عكف على شرح نهج البلاغة ومقامات البديع، وترجم من الفارسية رسالة أستاذه جمال الدين في الرد على الدهريين.
ثم عفي عن المنفيين فعاد إلى القاهرة، وتولى القضاء قاضيا، فمستشارا بالمحكمة العليا، وشغله في وظيفته بالقضاء الأهلي أن ينظر في إصلاح المحاكم الشرعية، وفي تجديد نظام التعليم بالجامع الأزهر، فأشار بتأليف مجلس من المختصين يشرف على شئونه العلمية والإدارية، وندب للعمل في هذا المجلس عند تأليفه، ثم اختير لمنصب الإفتاء، فلم ينقطع في هذا المنصب عن إلقاء الدروس بالجامع الأزهر، وإصلاح التعليم فيه.
واستفاضت شهرة الشيخ في العالم الإسلامي من تخوم الصين ومراكش إلى إفريقية الجنوبية، واعتمد عليه المسلمون في استجازة ما يجوز وتحريم ما يحرم، وهم بين الحضارة الحديثة وجمود الجامدين حائرون فيما يأخذون وما يدعونه من أمور الدنيا والدين، ويدل على استفاضة هذه الشهرة فتوى «الترنسفال» التي أقامت الدنيا وأقعدتها عدة شهور؛ لأنه أفتى فيها بتحليل طعام أهل الكتاب ولبس ملابسهم، كما أفتى بالإجازة في أمر صناديق التوفير توضيحا للمقصود من تحريم الربا المضاعف بنص القرآن الكريم، وقد كانت الأسئلة تتقاطر على «المفتي» من أرجاء العالم الإسلامي، فيبادر إلى الإجابة عنها على ما في الجواب أحيانا من العنت والاصطدام بجهالة الجامدين ومنافعهم الموروثة في كل قطر من أقطار المشرق والمغرب، ولا يغلو من يقول إنه فارق الدنيا - وهو في الخامسة والخمسين من عمره - وله في كل بلد إسلامي دليل ينير الطريق من فتاواه ودروسه وسيرته التي ارتفع بها مكانا عاليا من النزاهة النادرة والخلق المتين.
الفصل التاسع
الساسة المصلحون
وعلى الجملة ينبغي أن يقال: إن هؤلاء المصلحين المعلمين قد عملوا غاية ما في الوسع للإصلاح والتنبيه وإقامة القدوة المثلى لمن تابعهم من المصلحين والمنبهين.
Bilinmeyen sayfa