Yirminci Yüzyılda İslam: Bugünü ve Geleceği
الإسلام في القرن العشرين: حاضره ومستقبله
Türler
وهذه الحروب - ولا نكران - كانت من أعظم الأخطار التي امتحنت بها الأمم الإسلامية، ولكننا نعتقد أن الخطر فيها إنما كان على نقيض المفهوم من هذا الخطر في عرف الجملة من مؤرخيها؛ لأنها في الواقع لم تنهك قوى الأمم الإسلامية، ولم تتركها موقنة بالهزيمة في نظر نفسها، بل تركتها وقد أورثتها إفراطا في الثقة برجحانها وإفراطا في سوء الظن بأعدائها، وقد كان هذا هو باب الخطر الجسيم إلى عدة قرون.
ومن آثار الحروب الصليبية التي لا تفوت أحدا من المؤرخين: أنها وقفت عوامل الشقاق بين الأمم الإسلامية ردحا من الزمن، وأنها جاءت بالترك العثمانيين من أواسط آسيا إلى أرض الروم، ودفعتهم إلى مقابلة الغارة بمثلها في صميم الديار الأوروبية، وأنها أيقظت الشرق الإسلامي كله من تخوم الصين إلى جوف الصحراء الكبرى في القارة الأفريقية، وإن أحمق الحمقى من الصليبيين كان أنفعهم وأقدرهم على إذكاء الحمية في نفوس الأمراء والسلاطين، وإن منهم لمن شغله الملك فوق اشتغاله بالدين.
وقد كان يوسف صلاح الدين بطل الحروب الصليبية غير مدافع في نظر الأوروبيين ونظر الشرقيين، ولكن الصفة التي كانت غالبة عليه - ولا شك - هي صفة الحلم الراجح والأناة الهادئة وإيثار الكسب بالسلم والمطاولة على الكسب بالعنف والهجوم، إلا أن هذا الرجل الحليم الرصين ثارت ثائرته حتى الجنون حين سمع بعزم «أرنولد» صاحب الكرك على فتح الحجاز، وإعداده العدة في البر والبحر لاقتحام المدينة والمساس بالقبر الشريف، وسرى وعيد «أرنولد» في المشرق كله، فنسي الخصوم خصومتهم والطامعون مطامعهم، وأقسم صلاح الدين ليقتلن «أرنولد» بيده، فكانت وقعة «حطين» التي تعد من وقائع التاريخ الحاسمة، وظفر صلاح الدين بشرذمة من الملوك والأمراء عفا عنهم جميعا إلا «أرنولد» هذا؛ فإنه لم يقبل فيه شفاعة من أحد، وتناول سيفه وضرب عنقه بيده، وهو يقول: «برئت من شفاعة محمد إن قبلت في هذا الأحمق شفاعة شفيع».
وقد استنكر الصليبيون أنفسهم حماقة «أرنولد» هذا ؛ لأنهم أدركوا أنها استثارت في نفوس المسلمين كل قوة كامنة، وأكسبتهم وقعة «حطين» بعد هزيمتهم في الوقائع التي سبقتها، وهكذا كان الشأن في أحمق الحماقات التي اقترفها شذاذ الصليبيين فإنها أفادت من أرادوه بشرها، وارتدت على أصحابها، وعجلت بالتوفيق بين المتنازعين والمتنافسين، وقد بطلت فيهم حيلة الموفقين.
وليس هذا الذي نعنيه من آثار الحروب الصليبية في نفوس المسلمين، فإنها آثار ظاهرة لم يغفل عنها أحد من مؤرخي تلك الحروب.
ولكننا نعني الأثر الذي عاد بالضرر الوخيم بعد عصر الحروب الصليبية بقرنين أو ثلاثة قرون، وهذا الأثر الوخيم العقبى: هو إفراط المسلمين في الثقة بأنفسهم وإفراطهم في سوء الظن بالأمم الأوروبية وكل ما يأتي من نحوها، حتى أوشكوا أن يوقنوا أنها لا تأتيهم يوما بشيء يحتاجون إليه، ولولا هذه الثقة لما خطر لرجل كسليمان القانوني في حصافته واقتداره أن يتبرع بالامتيازات الأجنبية لأبناء الأمم الأوروبية الوافدين على بلاده، ولم يكن في وسعها أن تقسره عليها لو لم يتبرع بها في غير اكتراث بعقباها.
إن الأمم الإسلامية قد أنكرت على الأوروبيين الذين قدموا في جيوش الصليبيين ضروبا من الخشونة والجلافة حسبتها من البربرية التي تعافها وتشمئز منها، ورسخ في نفوسهم أن هؤلاء القوم ليسوا بالمسيحيين؛ لأنهم لم يعملوا بوصية واحدة من وصايا المسيح التي يحفظها المسلمون، وكان أنكر ما استنكروه: سماحهم بجلب النساء من بلادهم لمعاشرة الجند معاشرة الأزواج بغير زواج، وكان أشد من ذلك نكرا لديهم: أنهم يعظمون الصور والتماثيل تعظيم عباد الأصنام للطواغيت والأوثان، فلم ينظروا إليهم نظرة الأعلين إلى الأدنين وحسب، بل وقرت في أخلادهم سخافة ما يدعون من حق المطالبة بشيء قط باسم المسيح عليه السلام، فهم في دعواهم مبطلون، وهم غير أهل لتلك المطالبة لو كانوا صادقين.
مثل هذا الشعور قد يحيك بصدور الأمم في أوقات كثيرة فلا يضيرها؛ بل يمدها في قوتها إذا خامرها في إبان النمو والصعود، ولكن الظروف التي تطورت إليها الحروب الصليبية لم تكن من هذه الأوقات، بل صادفت على النقيض فترة ذات وجهين من قبل الشرق ومن قبل الغرب، فكانت في الشرق فترة هبوط في النهضات العلمية، وكانت في الغرب فترى صعود في النهضة العلمية الحديثة، قامت بعدها أوروبا مقام القيادة على هذه النهضة، وتخلف الشرق زمنا عن اللحاق بها، وليس أخطر على الأمم من الاكتفاء بالذات والاعتزاز بالرجحان في أمثال هذه الظروف.
هبطت النهضات العلمية في الشرق بعد القرن الثاني عشر على أثر الغارات التي تعاورته في كل مكان، وانصبت كوارث هذه الغارات خاصة على معاهد العلم والمكتبات، فعصفت بالعشرات منها ما بين بخارى وسمرقند ومرو وبغداد ودمشق وحمص، وسائر المدن التي اشتهرت بمعاهدها ومكتباتها في الزمن القديم، ويحصى عدد الكتب التي احترقت خلال غارات التتر والمغول وغارات الصليبيين بمئات الألوف، وعدد المعاهد والمكتبات بالعشرات والمئات، وانصرف الأمراء وطلاب العلم عن العناية بالمدارس والمصنفات إلى التأهب والاستعداد لدفع المغيرين ممن كانوا يتوقعون غاراتهم واحدة تلو أخرى بغير انقطاع، وكثرت مطالب الحكام من المحكومين اضطرارا في أول الأمر، ثم اختيارا واعتسافا مع تمادي الزمن حتى ساءت الصلة بين الحاكم ومحكوميه، وتراخى الزمن على أثر الحروب الصليبية، واستقرت الأحوال بعض الاستقرار، فعاودت البلاد الإسلامية الوسطى شيئا من رخائها على طريق التجارة الهندية، ثم انقطع هذا الطريق واتجه الرواد إلى غيره من الطرق حول القارة الأفريقية، فاجتمع سوء الحكم إلى سوء الحال، وشاعت الشبهة عن حق وعن باطل بين الرعاة والرعية، وهذه هي الفترة التي كان ينبغي فيها للشرق الإسلامي أن يطلب المعرفة، ويؤمن بضرورة العمل على التقدم، أو يؤمن بمزايا العلم الحديث، ولكنها كانت - بحكم هذه الظروف جميعا - هي الفترة التي أعرض فيها الشرق عن كل حديث، وعما يأتي على الخصوص من قبل القارة الأوروبية، فتأخر عن ركب الحضارة العصرية زهاء قرن كامل، لو أنه استفاده ناهضا ومجاريا للنهضة في مضمارها لما قصر عن اللحاق بالسابقين.
وجاءت المدارس العصرية من جانبين كلاهما مظنة للتهمة، وكلاهما موضع للحذر والاتقاء.
Bilinmeyen sayfa