الإسلام والتسعير ونحوه أو حول أجور العقار - ضمن «آثار المعلمي»
الإسلام والتسعير ونحوه أو حول أجور العقار - ضمن «آثار المعلمي»
Araştırmacı
محمد عزير شمس
Yayıncı
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٤ هـ
Türler
الرسالة الثالثة والعشرون
الإسلام والتسعير ونحوه
وحول أجور العقار
17 / 889
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الإسلام والتسعير ونحوه
كثُر الضجيج من ارتفاع أجور العقار، وكتب بعض أهل العلم ما يفهم منه أن غلوّ المُلَّاك في زيادة الأجور عمل مذموم، فهو عنده إمّا حرام عليهم، وإمّا قريب منه.
فإن كان يراه حرامًا فالمنع من ارتكاب الحرام معلوم من الشرع بالضرورة.
وإن كان يراه دون ذلك إلا أنّه قريب منه، فلا ريب أنّه فاشٍ منتشرٌ عظيم الضرر، وما كان كذلك فلولي الأمر بل عليه منعُ الناس منه، وعليهم طاعته، قال الله ﵎: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [سورة النساء: ٥٨].
وفي الصحيحين (^١) وغيرهما من حديث ابن عمر عن النبي ﷺ: "السمعُ والطاعةُ على المرء المسلم فيما أحبَّ وكرِهَ، ما لم يُؤمَر بمعصية، فإذا أُمِر بمعصية فلا سمعَ ولا طاعةَ".
وفي الصحيحين (^٢) وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ أنّه قال: "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني".
_________
(^١) البخاري (٧١٤٤) ومسلم (١٨٣٩).
(^٢) البخاري (٧١٣٧) ومسلم (١٨٣٥).
17 / 891
فقد أوجب الله طاعة أولي الأمر كما أوجب طاعة الوالدين، ولا ريب أنّه لو لم يجب طاعة أولي الأمر والوالدين (^١) إلا فيما كان واجبًا بنصّ الشرع، لما ظهرت لتخصيصهم فائدة، [ص ٢] فإن ما كان واجبًا بنصّ الشرع فإنّه يجب طاعة كل آمرٍ به كائنًا من كان، ولو لم يجب طاعة ولي الأمر إلا فيما كان واجبًا بنص الشرع لاختلَّت المصالح وعمّ الفساد.
فأمّا قول الله تعالى عَقِبَ ما تقدم: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾، فذلك كما بيّنه الحديث السابق فيما إذا أمر الأمير بعملٍ لا يراه معصية لله، والمأمور يرى أنّه معصية لله.
فأمّا ما يعترف المأمور أنّه ليس بمعصية لله، ولكنه يقول: لم ينص الشرع على وجوبه عليّ، فيكفي في دفعه أن يقال له: قد نصّ الشرع على وجوب طاعة أولي الأمر، ولم يعارض ذلك شيء.
وأمّا أحاديث التسعير فليس فيها نهي عنه، وإنّما فيها أنّ النّاس طلبوا من النبي ﷺ أن يُسَعِّر فقال: "إنّ الله هو القابض الباسط الرازق المسعِّر، وإنّي لأرجو أن أَلْقَى الله ﷿ ولا يطلبني أحدٌ بمظلمةٍ ظلمتُها إياه في دمٍ ولا مال". فهذه واقعة حالٍ، وقوله ﷺ: "إنّ الله هو القابض الباسط الرازق المسعِّر ... " إنّما هو تعليل للامتناع عن التسعير في تلك الواقعة.
ويحتمل أن يكون غلاء السعر الذي حدث حينئذٍ لم يكن مصطنعًا، فكان التاجر يجلب المال من المواضع البعيدة غالبًا، فيزيد عليه المعروف، [ص ٣] فلم يكن هناك مبرِّرٌ لإجباره بأن يبيع بخسارة أو بدون ربح. وهذا حقٌّ
_________
(^١) في الأصل: "والواجبين" سهوًا.
17 / 892
لا غبارَ عليه، فليس للإمام أن يُسعِّر حتى يتبين له جَشَعُ التجار وتواطؤهم، وعدم قناعتهم بالربح بالمعروف، وتضرر الناس بذلك.
ولنفرضْ أنّ بلدًا من بلاد المسلمين حاصرها العدوّ، ولم يكن فيها طعام إلا عند رجلٍ واحدٍ، فأبى أن يبيع لأحدٍ منهم قوتَه إلا بجميع ما يملك في ذلك البلد وغيره، فيبيع ما قيمته درهم بمائة ألف درهم ونحوها، هل يمكِّنُه أمير الواقعة من ذلك؟
فإن تبيّن وجوبُ التسعير في هذه الواقعة مثلًا تبينَ أنّ امتناع النبي ﷺ منه إنّما كان لأنّ الحال حينئذٍ لا تستدعيه.
وأحاديث النهي عن الاحتكار معروفة، ولم يعتذر عنها بشيء، إلا أنّ سعيد بن المسيّب لما روى الحديث عن معمر قيل له: إنّك تحتكر، فقال: كان معمر يحتكر.
والواجب في مثل هذا أن يُحمَل احتكار معمر وسعيد على وجهٍ غيرِ الوجه المنهي عنه؛ كأن يقال: إن التمر مثلًا يكثُر في الموسم، ويُعرَض للبيع، فيشتري أرباب البيوت وسائر الناس حاجتهم بحسب ما يتيسَّر لهم، وليس كل محتاج للقوت يستطيع أو يرغب أن يشتري قوتَ سنته دفعةً واحدة، فيبقى الأكثر يشتريه التجار، فشراء التاجر حينئذٍ وادخاره إلى أن يحتاج الناس إلى التمر لقُوْتِه، وحينئذٍ ترتفع الأسعار في الجملة، فيُخرِجه حينئذٍ للبيع= عَملٌ لا تظهر فيه مفسدة. بل لو مُنِع التجار من الشراء حينئذٍ لتضرر أهل النخل؛ لأنّ مصلحتهم تقضي بأن يبيعوا كثيرًا منه حينئذٍ ليقضُوا حاجاتهم الأخرى.
17 / 893
فهذا ــ والله أعلم ــ هو الذي كان يقع من معمر وسعيد، وكان سعيد يتّجر في الزيت، والزيت يُجلب بكثرة في موسم معين من السنة، ويكون حال جالبيه كحال أرباب النخل في بيع التمر سواء.
وإذا كان هذا محتملًا في فعل الصحابي والتابعي الذي يوجبه حسن الظن بهما، بل هو الظاهر بل هو الواقع إن شاء الله، فكيف يُترك لأجله العملُ بالحديث البتة؟
17 / 894
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حول أجور العقار
كثر الضجيج هذه الأيام من ارتفاع أجور العقار، وكتب في ذلك فضيلة الشيخ عبد الله الخياط وغيره، والقضيةُ وما يشبهها مفتقرة إلى تحقيق علمي مُشْبِع لا أزعم أنّي أهلٌ له، ولكنني سأحاول كتابة ما عسى أن يكون حافزًا لمن هو أهل له على النظر في القضية وفَصْلِ القول فيها.
يقول أرباب العقار: هذه أموالنا، لا يحلُّ شيء منها لغير مالكه إلا بطيبةٍ من نفسه، كما ثبت ذلك بالنصوص الشرعية القطعية ــ وقد ذكر فضيلة الشيخ عبد الله الخياط بعضها ــ ولا تَطِيب أنفسُنا بأن نؤجرها إلا بأجرة نرضاها، وليس في الشرع ما يوجب علينا أن لا نزيد على مقدار معين.
فيقال لهم: قد قال الله ﵎: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠]، وقال النبي ﷺ: "لا يُؤمِن أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّه لنفسه" (^١)، وقال ﷺ: "مَثَلُ المؤمنين ... " (^٢)، مع ما ذكر فضيلة الشيخ عبد الله الخياط من أدلة الحثِّ على الفضل والرحمة.
فيقول أرباب العقار: إنّنا نُؤاخِي المستأجرين بقدر ما يُؤاخوننا، ونُحِبُّ
_________
(^١) أخرجه البخاري (١٣) ومسلم (٤٥) من حديث أنس بن مالك.
(^٢) بياض بالأصل، وتتمة الحديث ــ وهو مشهور ــ: "في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهَر والحمَّى". أخرجه البخاري (٦٠١١) ومسلم (٢٥٨٦) من حديث النعمان بن بشير.
17 / 895
لهم ما يحبُّونه لنا، ونَعطِف عليهم بقدر ما يَعطِفون علينا، ونُفضِل عليهم بمثل ما يُفضِلون علينا لو كانوا مكاننا، ونَرحَمهم بقدر ما يرحموننا، ونحن واثقون أنّهم لو كانوا أرباب الدور وكنّا المستأجرين لعاملونا بمثل ما نعاملهم به الآن على الأقل.
أرأيتَ قبل أن تعلن الحكومة حرية العقار، أليس قد كان النقص والحيف نال الملَّاك باعتراف الشاكِين الآن؟ فهل حاسبَ المستأجرون أنفسَهم، فزادوا ما يرون أنّ العقارات تستحقّه؟
هيهات! بل عارضوا ما ارتأته الحكومة من إعلان حرية العقار أشدّ المعارضة. هذا، مع أنّ حقّنا حقٌّ يُحتِّمه الشرع، وما يزعمونه من حقٍّ غايته أن يكون مرغَّبًا فيه. وقد قال فضيلة الشيخ عبد الله الخياط: ....... (^١) [ص ٢] فهذا هو الحقُّ الذي لا مَحِيدَ منه.
هذا، ومنّا فقراء وأراملُ لا مورد لهم إلا ذاك البيت أو الدكان، ولعلهم لو زادوا ما زادوا ما كفاهم، فكيف يُطلَب منهم الفضل والإيثار؟ ومنّا من له ثروةٌ لا بأس بها، ولكنّه يرى أنّ للصدقة مواضعَ هي أحقُّ بها من تخفيض كراء داره. ومنّا ومنّا ...، فمن عسى أن يكون أحكمَ من الشريعة التي تركت الأمر إلى الملَّاك، واكتفت بالترغيب، ووكَّلت كلَّ أحدٍ إلى نفسه، وهو أعرفُ بها من سائر الناس.
_________
(^١) بياض في الأصل.
17 / 896