كانت هي الفاعلة والخالقة، وأوزوريس هو ناتج فعلها، وهو ناتج طيب خير (كلمة أوزوريس تعني التقي أو الطيب)، وكما أنتجت أوزوريس أنتجت أيضا ابنها حوريس، وعلمته المبادئ الإنسانية العليا والفلسفة والحكمة.
ولم يكن وفاء إيزيس لزوجها مجرد الوفاء لرجل كما صوره توفيق الحكيم في مسرحيته، بدليل أن زوجها مات لسنين طويلة ثم أنجبت حوريس.
لم يكن الوفاء الزوجي عند الإلهة إيزيس هو الوفاء لشخص أو رجل معين، وإنما كان الوفاء لمبادئها الإنسانية العليا وأهمها العدل.
وكان غريبا ومخالفا للتاريخ وقوف إيزيس على خشبة المسرح وقوفا صامتا وراء نوت ومسطاط حين كان يحتدم الصراع الفكري حول المبادئ والفلسفة، أو ظهورها بمظهر الأرملة الباكية الضعيفة التي تقبل الرشوة أو الخطيئة، على حين يظل مسطاط قويا صامدا كالإله العظيم.
وتظهر فلسفة توفيق الحكيم القائمة على عدائه للمرأة واضحة في سطور مسرحيته حين يقول الملاح لإيزيس ساخرا إنها تعوق مركبه عن الملاحة، وإن الملاحة لا يعطلها إلا شيئان: «سكوت الهواء، وانطلاق لسان امرأة.»
مع أن إيزيس كانت حسب القصة التاريخية هي «إلهة الملاحة» أيضا، وكان المصريون يلجئون إليها حين تسوء أحوال البحر لتحمي الملاحين من الغرق.
إن إيزيس توفيق الحكيم ليست هي إيزيس المصرية القديمة، ليست هي الإلهة إيزيس التي انتشرت فلسفتها وعبادتها في مصر، واجتازت البحار والقارات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وظلت قائمة حتى بعد ولادة المسيح بأربعة قرون تقريبا (حتى عام 394 ميلادية) حين جاء الإمبراطور تيودور وحطم تماثيل إيزيس ومعابدها في الإمبراطورية الرومانية. ولا يزال في مدينة «كولونيا» بألمانيا الغربية بقايا تمثال إيزيس المصرية، وعلى قاعدته حفرت هذه الكلمات: «إيزيس التي لا تقهر.»
إن هذه المسرحية ليست إلا محاولة لإعادة بعض الحق وبعض العدل لإلهة الحق والعدل «إيزيس».
د. نوال السعداوي
القاهرة. أبريل 1986
Bilinmeyen sayfa