وإن قيل ليس بينهما فرق وذا ذاك، وذاك ذا فهذا هو التشبيه بعينه ويكون القرآن على قولهم حكاية، لأن المحاكاة المماثلة والمشابهة ولا شبه لكلام الله ولا مثل له، كما أن الله عز وجل لا مثل له ولا شبه له، ولو أن الكتابة هي المكتوب لكان إذا كتب أحدنا في كفه ألف لام ها ما يكون الله عز وجل حالا في كفه، ولما لم يصح ذلك دل على أن الكتابة غير الله عز وجل، ولما جاز على الرب جاز على صفة ذاته، فكما أن الرب عز وجل مكتوب في مصاحفنا، ومعبود في مساجدنا ومعلوم في قلوبنا ومذكور بألسنتنا غير حال في شيء مما ذكرناه فكذلك كلامه أيضا مقروء بألسنتنا على الحقيقة قال الله عز وجل: فاقرؤا ما تيسر من القرآن (المزمل: من الآية 20) ومتلو في محاريبنا على الحقيقة، قال الله عز وجل: واتل ما أوحي إليك من كتاب (الكهف: من الآية 27) ومحفوظ في صدورنا على الحقيقة قال الله عز وجل: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم (العنكبوت: من الآية 49) ومسموع محفوظ (البروج: 21) بآذاننا على الحقيقة قال الله عز وجل: بل هو قرآن مجيد* في لوح (21، 22) غير حال في شيء مما ذكرناه.
وللمصحف حرمة عظيمة ورعاية وكيدة بحيث لا يجوز للمحدث الأصغر والأكبر مس ما فيه وحواشيه ولا كتابته ولا دفتيه ولا حمله ولا مسه ولا بعلاقة احتراما قال الله عز وجل: لا يمسه إلا المطهرون (الواقعة: 79) والأدلة في ذلك أبين من عين الشمس لمن تدبر وعقل لا من اتبع هواه وجهل. فإن كنت قد أكثرت مما لا يحتاج إليه فلا ملام لما قدمت من الاعتراف والسلام.
صفة الحياة
ثم يعتقدون أن الله عز وجل حي بحياة أزلية قديمة لأن الصفات التي ذكرناها لا تقوم إلا بمن هو حي، قال الله عز وجل: الله لا إله إلا هو الحي القيوم (البقرة:
من الآية 255).
علاقة الصفات بالذات
ثم يعتقدون أن صفات ذاته لا يجوز أن يقال هي هو، ولا هو هي، ولا هو غيرها، ولا هي غيره؛ لأنها لو كانت هي هو لكانت الصفة الواحدة موصوفة بجميع الصفات التي ذكرناها والصفة لا تقوم بالصفات. ولو كان هو هي لم يكن موصوفا بها لأن الصفة معنى زائد على الموصوف ولو كانت غيره وهو غيرها لجاز لأحدهما أن يفارق الآخر لأن حقيقة الغيرين ما يجوز لأحدهما أن يفارق الآخر. بل يقال إنها صفات قائمات بذاته لم يزل موصوفا بها ولا يزال.
صفة الاستواء
Sayfa 388