وقد تقدم القول في الأصل، والكلام هنا في معقول الأصل.
وهو ينقسم على أربعة أقسام: لحن الخطاب، وفَحْوَى الخطاب والحَصْر، ومعنى الخطاب.
فأما لحن الخطاب: فهو الضمير الذي لا يتم الكلام إِلا به، وهو مأخوذ من اللَّحْن، وهو ما يبدو في عرض الكلام من معناه، نحو قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: الآية ١٨٤].
معناه: فأفطر، فعدّة من أيام أخر، فهذه حجة يجب المصير إليها والعمل بها، وقد يلحق بذلك ما ليس منه، وهو ادعاء ضمير يتم الكلام دونه نحو استدلالنا على أن العَظْم نحله الحَيَاة لقوله: ﴿قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ [يس: الآية ٧٨]، فيقول الحنفي المراد بذلك: مَنْ يحيي أصحاب العظام، فمثل هذا لا يجوز تقديم مُضْمَر إِلا بدليل استقلال الكلام دونه.
فَصْلٌ
وأما الضرب الثاني، وهو فَحوى الخطاب، فهو ما يفهم من نفس الخطاب من قصد المتكلم لعرف اللغة، نحو قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا﴾ [الإسراء: الآية ٢٣].
فهذا يفهم منه من جهة اللغة المنع من الضَّرب والشَّتم، ويجري مجْرى النص على ذلك، فوجب العمل به، والمصير إليه.
فَصْلٌ
وأما الضرب الثالث وهو الحَصْر، فله لفظ واحد، وهو "إِنما" وذلك قوله ﵇: "إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ".
فظاهر هذا اللفظ يدل على أن غير المعتق لا وَلاءَ له وقد يرد له، وقد يرد مثل هذا اللفظ لتحقيق المنصوص عليه، لا لنفي ما سواه نحو ذلك: "إِنما الكريم يُوسُف"، "وإِنما الشجاع عَنْتَرةُ" "ولم يرد نفي الكريم يُوسُف"، و"إِنما الشجاع عَنْتَرةُ" ولم يرد نفي الكرم من غير يوسف، ولا نفي الشجاعة من غير عنترة وإنما أراد إثبات ذلك ليوسف ﵇ وأن يجعل له مزية في الكَرَم على غيره إلا أن الظاهر ما بدأنا به أولًا، فلا يعدل عنه إِلا بدليل.
1 / 75