ولما بلغ من العمر ثلاثين، طلبه أعيان أهل الميدان للقيام بوظائف الِإمامة والخطبة والتدريس والتعليم في جامع كريم الدِّين (١)، فتمنع جهده، وأظهر أن مطلوبهم ليس عنده، فاستعانوا عليه بشيوخه، واجتهدوا في طلبهم له لما يعلمون من تمكنه في العلم ورسوخه، فأجاب دعوة شيوخه في الحال، وقابل الأمر بالامتثال، وانتقل بعياله ومتاعه إلى الميدان، سنة ألف ومائتين وست وثلاثين، وكان لهم به من الحظوة والسرور ما كان، فانقاد له الكبير والصغير، وأحبه الجليل والحقير، وقدموه على الملك والمال، والأهل والعيال، وكان هو لهم بمنزلة الوالد والشقيق، والرفيق الرَّقيق، يُجل كبيرهم، ويرحم صغيرهم، ويعظهم بما ينفع، ويذب عنهم الأذى جهده ويدفع.
ومما وقع له من الأمور الغريبة، والحوادث النادرة العجيبة، أنه في سنة اثنتين وستين ومائتين وألف في رمضان، كان جالسًا في حجرته قُبيل الزوال يتدارس القرآن مع أحد أولاده، إذ جاءه رسول القاضي فقال له: إنّ القاضي يرومك فبادر لمراده، فقام ممتثلًا، وللِإجابة مستعجلًا، فلما دخل عليه، نظر القاضي بعين المقت إليه، وقال له: أنت الذي قد استملت الناس إليك، حتى صاروا لا يعتمدون في مصالحهم إلاَّ عليك، وأن
_________
(١) هو المعروف الآن بجامع الدقاق، وقد عمره الصاحب الكبير كريم الدين المتوفى سنة ٧٢٤ هـ، وكان حسن الخلق، عاقلًا سمحًا داهية وقورًا، مرض نوبة، فزينت مصر لعافيته، (انظر: الشذرات ٦/ ٦٢).
وقد دُعي المترجم -وهو جدنا الأعلى- إلى الِإمامة والخطبة والتدريس في هذا الجامع سنة ١٢٣٦ هـ، وكاتب هذه السطور هو خطيبه ومدرسه بعد أسلافه، منذ عام ١٣٣٤ هـ حتى الآن. (وكتب هذا سنة ١٣٨١ هـ) محمَّد بهجة البيطار.
1 / 7