Irshad al-Fuhul ila Tahqiq al-Haq min 'Ilm al-Usul
إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول
Araştırmacı
الشيخ أحمد عزو عناية، دمشق - كفر بطنا
Yayıncı
دار الكتاب العربي
Baskı Numarası
الطبعة الأولى ١٤١٩هـ
Yayın Yılı
١٩٩٩م
وَالسَّبَبُ: هُوَ جَعْلُ وَصْفٍ ظَاهِرٍ مُنْضَبِطٍ مَنَاطًا١ لِوُجُودِ حُكْمٍ، أَيْ: يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ وُجُودَهُ.
وَبَيَانُهُ: أن الله سُبْحَانَهُ فِي الزَّانِي مَثَلًا حُكْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَكْلِيفِيٌّ، وَهُوَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي وَضْعِيٌّ، وَهُوَ جَعْلُ الزِّنَا سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ بِعَيْنِهِ وَذَاتِهِ، بَلْ بِجَعْلِ الشَّرْعِ.
وَيَنْقَسِمُ السَّبَبُ بِالِاسْتِقْرَاءِ إِلَى الْوَقْتِيَّةِ، كَزَوَالِ الشَّمْسِ، لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ، وَالْمَعْنَوِيَّةِ كَالْإِسْكَارِ لِلتَّحْرِيمِ وَكَالْمِلْكِ لِلضَّمَانِ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلْعُقُوبَةِ.
وَالشَّرْطُ: هُوَ الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ بِكَوْنِهِ شَرْطًا لِلْحُكْمِ.
وَحَقِيقَةُ الشَّرْطِ: هُوَ مَا كَانَ عَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحُكْمِ، فَهُوَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ، يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ، أَوْ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ السَّبَبِ، لِحِكْمَةٍ فِي عَدَمِهِ، تُنَافِي حِكْمَةَ الْحُكْمِ أَوِ السَّبَبِ.
وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْحَوْلَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُجُوبِهَا، وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، فَعَدَمُهَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ صِحَّتِهِ، وَالْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِي سَبَبِيَّةِ الزِّنَا لِلرَّجْمِ، فَعَدَمُهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَهَا.
وَالْمَانِعُ: هُوَ وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ، يَسْتَلْزِمُ وُجُودُهُ حِكْمَةً، تَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْحُكْمِ، أَوْ عَدَمَ السَّبَبِ، كَوُجُودِ الْأُبُوَّةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ ثُبُوتِ الِاقْتِصَاصِ لِلِابْنِ مِنَ الْأَبِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَبِ سَبَبًا لِوُجُودِ الِابْنِ، يَقْتَضِي أَنْ لَا يَصِيرَ الِابْنُ سَبَبًا لِعَدَمِهِ.
وَفِي هَذَا الْمِثَالِ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْأُصُولِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُقْتَضِيَ لِلْقِصَاصِ هُوَ فِعْلُهُ، لَا وُجُودُ الِابْنِ وَلَا عَدَمُهُ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حِكْمَةً مَانِعَةً لِلْقِصَاصِ، وَلَكِنَّهُ وَرَدَ الشَّرْعُ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ لِفَرْعٍ مِنْ أَصْلٍ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُمَثَّلَ لِذَلِكَ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي بَدَنِ الْمُصَلِّي، أَوْ ثَوْبِهِ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ الصلاة، عند من يجعل الطهارة شرطًا، فههنا قَدْ عُدِمَ شَرْطٌ وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَوُجِدَ مَانِعٌ وَهُوَ النَّجَاسَةُ، لَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهَا وَاجِبَةً فَقَطْ.
وَأَمَّا الْمَانِعُ الَّذِي يَقْتَضِي وُجُودُهُ حِكْمَةً تُخِلُّ بِحِكْمَةِ السَّبَبِ، فَكَالدَّيْنِ فِي الزَّكَاةِ، فَإِنَّ حِكْمَةَ السَّبَبِ -وَهُوَ الْغِنَى- مُوَاسَاةُ الْفُقَرَاءِ مِنْ فَضْلِ مَالِهِ، وَلَمْ يَدَعِ الدَّيْنُ فِي الْمَالِ فَضْلًا يُوَاسَى بِهِ، هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ قال أن الدين مانع.
_________
١ ناط الشيء ينوطه أي: علقه. ا. هـ الصحاح ولسان العرب مادة نوط.
1 / 27