فاعلم أنك الملقي لها وهي أعز النفوس عليك من حالق، والمورط لها وهي المزلقة لذلك في أضيق المضائق، وحينئذ أنت المهلك لها قصدا، والقاتل لها عمدا، وما مثلك إلا مثل من سلك طريقا فيها مهواة قد تحققها، وظهر خوفه منها، وأنذر البشر عنها، فلما دنا من المهواة غمض عينيه، وطرح نفسه فيها، وهو المتظاهر بالمخافة منها، أفترى هذا معدودا في زمرة العقلاء، أو منخرطا في مسلك السفهاء والجهلاء، فأحذرك يا مسكين أن تسخر بنفسك فتذبحها شفار جهلك، وإياك أن تذعن لتزوير الشيطان، وإن تدلي بحبل غروره إلى العصيان، فتصير صفقتك خاسرة، وتجارتك بائرة، وأعد لخوفك هربا، ولرجائك طلبا، فمن خاف شيئا فهو منه هارب، ومن رجا شيئا فهو له طالب، واقرن بالخوف والرجاء العمل بمقتضى الحجا، فهو حجة الله عليك ووديعته لديك.
واعلم أن الناس أربعة: رجل آتاه الله علما فنشره في العباد، فهذا معدود في زمرة السابقين، وأهل الوراثة للأنبياء والمرسلين عليهم صلوات رب العالمين وهو الذي أراد الله تعالى بقوله:{ إنما يخشى الله من عباده العلماء}(1) وبقوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط}(2) وإياه عنى النبي بقوله: (ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا إلا من أحياه الله بالعلم) وبقوله: (إن الفتنة لتجيئ فتنسف العباد نسفا ينجو منها العالم بعلمه) وبقوله: (النظر الى وجه العالم عبادة) وبقوله: (العلماء ورثة الأنبياء).
Sayfa 2