مقدمة
1 - العوامل المؤثرة في صناعة وتجارة النسيج في الغرب الإسلامي
2 - المواد الخام النسيجية في الغرب الإسلامي
3 - صناع النسيج في الغرب الإسلامي منذ القرن 5-9ه/11-15م
4 - مراحل ومراكز صناعة النسيج في بلدان الغرب الإسلامي
5 - أسواق النسيج ونظمه التجارية في الغرب الإسلامي منذ القرن 5-9ه/11-15م
6 - المبادلات التجارية للنسيج في بلدان الغرب الإسلامي (5-9ه/11-15م)
الخاتمة
الملاحق
ثبت المصادر والمراجع
مقدمة
1 - العوامل المؤثرة في صناعة وتجارة النسيج في الغرب الإسلامي
2 - المواد الخام النسيجية في الغرب الإسلامي
3 - صناع النسيج في الغرب الإسلامي منذ القرن 5-9ه/11-15م
4 - مراحل ومراكز صناعة النسيج في بلدان الغرب الإسلامي
5 - أسواق النسيج ونظمه التجارية في الغرب الإسلامي منذ القرن 5-9ه/11-15م
6 - المبادلات التجارية للنسيج في بلدان الغرب الإسلامي (5-9ه/11-15م)
الخاتمة
الملاحق
ثبت المصادر والمراجع
اقتصاد النسيج في الغرب الإسلامي في العصر الوسيط
اقتصاد النسيج في الغرب الإسلامي في العصر الوسيط
تأليف
محمود هدية
بسم الله الرحمن الرحيم
والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين [النحل: 80]
وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون [الأنبياء: 80]
إلى خير الخلق محمد
صلى الله عليه وسلم .
أبي الحنون وأمي الحبيبة.
إخوتي الأعزاء.
زوجتي الفاضلة.
ابنتي فريدة.
أهدي هذا العمل.
مقدمة
اكتسب الغرب الإسلامي دورا بارزا في تشكيل حضارة البحر المتوسط من خلال موروثاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وعلى وجه الخصوص الاقتصادية منها؛ باعتبارها إحدى ركائز الاتصال مع الشعوب والبلدان التي جاورت الغرب الإسلامي؛ ومن هذا المنطلق تكمن أهمية النسيج في تلك المنطقة، خاصة في العصر الوسيط؛ تلك الفترة التي شكلت جانبا مهما من تاريخ الغرب الإسلامي.
إذ تطور الغرض من اتخاذ المنسوجات كملابس ومفروشات في الغرب الإسلامي؛ لتمثل مظهرا من مظاهر الحضارة، يرى مردوده في الحياة العامة، في المساجد ودور العبادة والقصور والدواوين وفي كافة مناحي الحياة، خاصة بعد أن اتخذ النسيج طرزا ونوعيات ميزت أقاليمه في طرق الصنع وسبل التجارة، وصارت خاماته ونوعياته من العلامات المميزة له، فضلا عن الدور الذي أدته تجارة النسيج في تدعيم السياسة الاقتصادية والتجارية في بلدان الغرب الإسلامي؛ لذا اعتلت تجارة النسيج الصدارة وأصبحت واحدة من أبرز التجارات التي ترأست قوائم المبادلات التجارية في منطقة الغرب الإسلامي طيلة العصور الإسلامية.
ونبع هذا التميز من اهتمام مدن الغرب الإسلامي بالنسيج وتجارته بإقامة العلاقات التجارية مع مدن الغرب المسيحي، وبلاد السودان الجنوبي ومصر، وبلدان المشرق الإسلامي. وقد ساعد هذا على تبادل الخبرات ومواد النسيج الخام، فضلا عن سعي حكومات الغرب الإسلامي لإنشاء القيساريات والأسواق التي أولت اهتمامها بصناع وتجار النسيج.
ويمثل هذا الكتاب أهمية كبيرة للمهتمين بدراسة التاريخ الاقتصادي للغرب الإسلامي؛ لأنه يستعرض البيئة الزراعية لتلك المنطقة، فضلا عن الوضع الصناعي الذي اتبع، والتقسيمات الصناعية وصنوف الصناع، هذا بالإضافة إلى الوجود التجاري من أسواق وقيساريات ونقابات، والعلاقات التجارية التي امتدت شرقا وغربا، وقد جاء الكتاب في ستة فصول:
الفصل الأول:
تناول أهم العوامل المؤثرة في النسيج من زراعة وصناعة وتجارة، مع ذكر أهمية النسيج والمنسوجات في الغرب الإسلامي.
الفصل الثاني:
عرضت فيه للنباتات النسيجية الأولية ومناطق زراعتها، بالإضافة للصوف ومراكز توطنه، وأهم المراعي ببلدان الغرب الإسلامي، وتطرقت بالحديث عن زراعة التوت، ونباتات الصباغة، وأهم مناطق إنتاجها بالغرب الإسلامي.
الفصل الثالث:
تطرقت فيه بالحديث عن أصناف صناع النسيج في الغرب الإسلامي؛ من مبتدئين وصناع ومعلمين، كما ذكرت صناع النسيج من حرارين وقطانين وصوافين وكمادين وصباغين، وكذلك فئات صناع النسيج من علماء ونساء وصبية وغلمان بالإضافة لأهل الذمة.
الفصل الرابع:
ذكرت فيه مراحل صناعة النسيج من تجهيز وغزل وتصنيع، فضلا عن مجال مراكز الصناعة الحريرية والصوفية والقطنية وكذلك الكتانية، بالإضافة للصناعات الأخرى التي ارتبطت بصناعة النسيج من صباغة وغيرها.
الفصل الخامس:
أفرد لدراسة أسواق النسيج في الغرب الإسلامي وأهم المنشآت التجارية، مع ذكر أهم أسواق النسيج، ونظم النسيج التجارية وفئات تجار النسيج، وكذلك مقاييس وموازين وأسعار النسيج، بالإضافة لطرق بيعه، والحسبة على النسيج وتجاره داخل أسواق الغرب الإسلامي.
الفصل السادس :
جاء لدراسة أشكال المبادلات التجارية للنسيج في بلدان الغرب الإسلامي من منتجات النسيج الخام والمنتجات الصناعية (المنسوجات)، وكذلك المبادلات التجارية للنسيج مع بلاد السودان والسودان الغربي، والبلدان المشرقية (الهند والصين)، والبلدان المصرية، وبلدان الغرب المسيحي من ميورقة والجمهوريات الإيطالية.
وأخيرا أتمنى من الله العلي القدير التوفيق والسداد.
الفصل الأول
العوامل المؤثرة في صناعة وتجارة النسيج في الغرب الإسلامي
(1) الواقع الجغرافي للغرب الإسلامي
نظرا لأهمية الواقع الجغرافي للغرب الإسلامي وجب التنويه له حتى يتسنى تكوين تصور جغرافي لمناطق زراعة وصناعة وتجارة النسيج في الغرب الإسلامي.
فيطلق لفظ بلاد المغرب على المنطقة التي يحدها المحيط الأطلسي من جهة الغرب،
1
ومن جهة الشرق أرض مصر،
2
ويحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن جهة الجنوب فتحد بلاد المغرب جبال الرمل (الصحراء الكبرى) التي تمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى ما وراء الصحراء وحتى برقة شرقا.
3
وتنقسم بلاد المغرب إلى ثلاثة أقاليم رئيسية: فتبدأ بإقليم المغرب الأدنى الذي يمتد من الأجزاء الغربية من طرابلس والأراضي التونسية والأجزاء الشرقية الجزائرية،
4
ثم إقليم المغرب الأوسط الذي يمتد من الأراضي الجزائرية حاليا وجبال بني مزغنة وتلمسان،
5
بالإضافة لإقليم المغرب الأقصى الذي يمتد من وادي ملوية وجبال تازا شرقا، حتى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا حتى جبال أطلس جنوبا.
6
وضمت بلاد المغرب العديد من المعالم الجغرافية من موانئ ومرافئ وجبال ووديان (أنهار)، وانتشرت بها الجبال على طول الشريط الساحلي وما يقع خلف ذلك الساحل من أراض وصحار وجبال كجبال نفوسة، وجبال درن، وجبال أطلس
7
التي تعد من أبرز المعالم الجغرافية في بلاد المغرب الإسلامي.
8
وشكلت هذه الجبال مصدرا لتدفق الأنهار
9
ويعتبر نهر وادي سوليت ونهر وادي ملوية اللذان يصبان في البحر المتوسط من أهمها، فضلا عن العديد من الأنهار الداخلية كنهر وادي أم الربيع،
10
ونهر وادي سوس ووادي الشليف،
11
ونهر وادي سجلماسة ونهر فاس،
12
بالإضافة لنهر وادي سبو،
13
ونهر وادي تنفست،
14
ونهر وادي درعة؛
15
مما أدى لوجود المدن والتجمعات السكانية على ضفاف تلك الأنهار.
وارتبطت طبيعة المغرب - في أقاليمه الثلاثة - بنشاطه الاقتصادي، نتيجة لكثرة السواحل التي يشرف عليها؛ سواء على المحيط الأطلسي أو البحر المتوسط، ولرداءة خلجان السواحل المطلة على الأطلسي، ازدادت أهمية السواحل المطلة على المتوسط. والأراضي المغربية في مجملها متوسطة الخصوبة متعددة التربة؛ لاختلاف مناطقها؛ فمنها التربة الجيرية، والرملية التي تكثر في المغرب، والسوداء التي تعتبر من أجود الأنواع والتي تكونت حول الأنهار، وفيها أيضا الأراضي ذات التربة الحمراء.
16
أما الأندلس فيقترب شكلها من مثلث وتحيط بها مياه البحر من ثلاث جهات: فمن الشرق والجنوب يحدها البحر المتوسط، ومن الغرب والشمال الغربي يحدها مياه المحيط الأطلسي، ومن الشمال يحدها جبل البرتات،
17
كما يحيط بها عدة سلاسل جبلية تكاد تطوقها، كما انتشرت بها الوديان الخصبة التي تجري فيها الأنهار.
18
وبذلك وجد التنوع في سطح أرض الأندلس؛ فكان له أثره على المناخ، إذ يغلب على الأراضي الأندلسية مناخ البحر المتوسط وهو حار جاف صيفا، دافئ ممطر شتاء،
19
وعلى المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية الجاف بشكل عام، وتسقط الأمطار في النصف الشمالي من الأندلس أكثر من النصف الجنوبي.
20
وكان لتنوع مظاهر السطح والمناخ في الأندلس بهذا الشكل أن أرضها امتازت بالخصب حتى وصفها ابن غالب
21
بقوله: «الأندلس شامية في طيب أرضها ومياهها، بما فيه من اعتدالها واستوائها، أهوازية في عظيم جبايتها، عدنية في منافع سواحلها، صينية في جواهر معادنها، هندية في عطرها وطيبها.» وقال عنها الزهري: «هي أبرك بقاع الأرض وأكثرها نسلا ... ومن بركتها أنه لا يمشي الإنسان فيها فرسخين دون ماء، ولا يمشي ثلاثة فراسخ إلا وجد فيها الخبز والزيت.»
22
وتعددت مصادر المياه في الأندلس متمثلة بمياه الأنهار الكثيرة؛ إذ «يشقها أربعون نهرا»
23
وتكثر فيها العيون والآبار التي لجأ الأندلسيون إلى حفرها في المناطق التي لا تتوافر فيها المياه؛ من أجل تلبية احتياجاتهم وسقي زراعاتهم، فضلا عن غزارة الأمطار الساقطة بكميات كافية للزراعة في بعض جهاتها،
24
فكثرة الأراضي الخصبة مع توافر مياه السقي شجعا الفلاحين الأندلسيين على استغلال أراض كثيرة في الزراعة؛ مما ترتب عليه زراعة أغلب المحاصيل الزراعية في الأندلس.
25
ومن أبرز الملامح الجغرافية للغرب الإسلامي بصفة عامة كثرة الجزر الموجودة به والمطلة عليه، فكان منها جزر كبيرة ومعروفة ومنها صغيرة ومجهولة،
26
فتمتعت كل جزيرة من تلك الجزر بعدة خصائص ميزتها بدرجات متفاوتة عن باقي الجزر كجزر البليار
Baliares
27
التي من أشهرها جزيرة ميورقة، وغيرها من الجزر،
28
وجزيرة صقلية،
29
التي تعتبر من الجزر التي مثلت أهمية كبيرة للطريق البحري بين بلاد المغرب ومدن الغرب المسيحي وبخاصة الجمهوريات الإيطالية، الذي استخدم باستمرار في عمليات السفر والنقل البحري؛ نظرا لقصر المسافة بينهما، فضلا عن وجود العديد من الموانئ الخاصة لإرساء السفن بها للراحة أو التجارة، هذا بالإضافة لأهميتها التجارية التي اشتهرت بها،
30
فكان لموقعها - في وسط البحر المتوسط - أهميته الاقتصادية؛ مما جعلها محط أنظار القوى التجارية، فنشأت حوله قوى حضارية كبرى منذ القدم وتصارعت عليه، وساهم ذلك في إيجاد تسهيلات كبيرة لتجارة الشعوب التي تقع على هذا البحر، ولا يمكن أن يغفل موقع صقلية المتوسط في قلب رقعة اقتصادية موحدة مترامية الأطراف امتدت من الأندلس إلى بلاد الشام.
31
وحصل التجار المسلمون في صقلية على رخص للسفر إليها من أجل أعمالهم التجارية قبل سيطرتهم عليها، ليزاولوا نشاطهم التجاري ضامنين العودة بحرية وسلامة إلى أوطانهم عندما يرغبون، بالإضافة للمعاملات التجارية البحرية بين أوروبا وأفريقيا حتى نهاية القرن العاشر الميلادي/الرابع الهجري، التي بدأت في صقلية وإن كانت محدودة.
32 (2) الأيدي العاملة
من المقومات الرئيسية لقيام الصناعة وازدهارها الأيدي العاملة الماهرة والقادرة على أداء الأعمال الموكلة إليها، فأطلق على من يعملون في الصناعات المختلفة صناعا،
33
واشتهرت العديد من المدن في الغرب الإسلامي بصناعها، كما ذكر ابن أبي زرع
34
أن أكثر الأهالي في عدوة القرويين بفاس القديمة كانوا صناعا، وفي تلمسان كان الصناع فئة كبيرة يعيشون حياة كريمة وينعمون بأوقات لراحتهم، وتونس كان أغلب سكانها من الصناع وخاصة صناع النسيج.
35
واتصف صناع الغرب الإسلامي بالدقة والجد والصبر في أداء أعمالهم، فجاء وصف ابن غالب
36
مصداقا لهذا القول عند حديثه عن صناع الأندلس بقوله: «صينيون في إتقان الصنائع العملية وأحكام المهن التصورية؛ فهم أصبر الناس على مطاولة التعب في تجويد الأعمال ومقاساة النصب في تحسين الصنائع.»
وقد شجع حكام الغرب الإسلامي الصناع على مزاولة أعمالهم خاصة إبان الحكم الموحدي (541ه/1146م-668ه/1269م) بعد اتساع نطاق الدولة الإسلامية، وتبادل الخبرات الصناعية بين رحاب الدولة سواء من الأندلس أو غيرها من البلدان في مختلف الصنائع.
37
وسعت السلطة في بعض الأحيان إلى مساعدة عمال وصناع النسيج من فترة لأخرى، فهناك رواية عن ربيع القطان
38
أنه في أوقات الحج كان السلطان بالقيروان يعطي صناع القطن كميات من القطن لغزلها وذلك في وقت محدد وسعر محدد: «يحسبه عليهم بدينارين القنطار، وكان يسوى دينارا ونصف، فطرح علي منه ثلاثة قناطير، فهممت أن أعمله وأهيئ ثمنه وأغزله.»
39
ويفهم من هذه الرواية أن السلطات - في بعض الأوقات - كانت تراعي أحوال العمال ولا تجور عليهم بل تعطيهم أكثر مما يستحقون. (3) النقل ومشاكله
كان للطبيعة الجغرافية أثر في أن يصبح البحر المتوسط من أنسب طرق الاتصال البحري الذي ساعد تجار وسكان الغرب الإسلامي على التنقل والسفر وممارسة التجارة البحرية،
40
وعلى الرغم من ذلك فلم يخل من بعض الصعوبات التي وقفت حائلا أمام تقدم العمليات التجارية فأعاقتها، وكان للرياح دور في البحر المتوسط خاصة في تحديد أوقات السفر منه وإليه؛ فتعذر السفر خاصة في الفترات التي تزداد فيها سرعة الرياح،
41
فساعدت الرياح الشرقية في البحر المتوسط على حركة السفن وساهمت في تنشيط حركة التجارة،
42
التي نشطت في فصلي الربيع والخريف، فيذكر ابن جبير
43
ذلك: «فالمسافرون إلى المغرب وصقلية وإلى بلاد الروم ينتظرون هذه الريح الشرقية في هذين الفصلين انتظار وعد صادق.» فلهذا اعتمدت الملاحة في البحر المتوسط على التجديف؛ لأن سرعة الرياح بطيئة في معظم أوقات السنة؛ فساد الهدوء خلال فترات طويلة من العام.
44
وكثيرا ما تسبب هياج البحر في تلف السلع والبضائع والأطعمة الموجودة على سطح السفن، بل كان سببا في حدوث التلف في السفن نفسها؛ مما هددها بالغرق؛
45
لأن شدة هبوب الرياح يصاحبها هياج للبحر وسقوط للأمطار والبرد، فكان له دور في فساد البضائع وإلحاق الضرر بالأمتعة الموجودة على سطح السفينة ؛ ما بث حالة من الرعب والخوف في قلوب المسافرين والتجار.
46
ففي خطاب مؤرخ في عام 494ه/1100م، من أحد التجار الأندلسيين بالإسكندرية، يبرهن على أن الأسعار قد تأثرت بعدم وصول السفن التجارية في وقتها، فيذكر كاتب هذا الخطاب أن الحرير ازداد سعره نظرا لتأخر وصول مراكب الأندلس المحملة بالحرير، لعدم توافق الرياح المناسبة للإبحار، وقد استغل التجار هذا الموقف، وأحجم كل من لديه كمية من الحرير عن بيعها، أملا في زيادة السعر.
47
وتأثر ازدياد الأسعار بطول المسافة التي تقطعها القوافل، وبالضرائب المفروضة، وتكاليف الشحن.
48
ومن المشاكل التي تعرض لها التجار خاصة تجار النسيج، الحرائق التي كانت تحدث بصورة خاصة في الأسواق؛ مما يعرضهم لخسارة أموالهم، ففي عام 525ه/1130م، وقع حريق بأحد أسواق مدينة قرطبة، ويعرف باسم «سوق الكتانين»، والتهم هذا الحريق الكثير من بضائع التجار.
49
ووقع حريق في عام 533ه/1138م في سوق مدينة فاس؛ فكانت الخسائر كبيرة، وقد أسفر عن إفلاس العديد من التجار،
50
ووقع عام 607ه/1210م حريق كبير في سوق مراكش، ومشكلة هذا الحريق أنه وقع في الليل وظل مشتعلا حتى الصباح، وقد التهمت النيران معظم ما وجد في هذه الأسواق من سلع وبضائع «وذهبت في لكائنة للتجار الواردين والقاطنين والقاصين والدانين، على الأخطار الجسيمة، ما لا يحصى، وافتقر فيها أمة من ذوي اليسار، وأصبحوا يتكففون الناس حيارى على الأقطار».
51
وتعرضت فاس لحريق آخر عام 646ه/1248م فيذكر ابن أبي زرع
52
عن حريق السوق فيقول: «وفيها احترقت أسواق فاس من قنطرة الصباغين بقرب باب السلسلة؛ فأحرقت سوق السقاطين والغمادين والسبيطريين والصباغين والصوابنيين، ووصلت إلى باب الجنائز من جامع القرويين، فوقف هنالك الشيخ الصالح عبد الله القشتالي بعد أن أحرقت مصاريع باب الجنائز ...» وسوق الصباغين بفاس الذي تعرض للسيول عام 725ه/1324م،
53
وأسواق الخياطين وأسواق البزازين.
54
وعلاوة على ذلك فقد اهتم الحكام بإقامة روابط وعلاقات تجارية داخل الغرب الإسلامي وخارجه بإنشاء الطرق والمراكز والأسواق التجارية، التي ربطت مراكزه بشبكة من الطرق والمسالك الرئيسية والفرعية وارتبطت بالطرق الخارجية وباتجاهات مختلفة، فمكنت هذه الشبكة من المسالك والطرق التجار من ممارسة أنشطتهم التجارية داخله وخارجه، ففي المغرب الأقصى لم ينقطع إنشاء تلك الطرق والمسالك حتى في حالات الحروب والفوضى السياسية.
55
كما أثرت عوامل القطع والسرقة على حركة التجارة في بلدان الغرب الإسلامي، فكانت من أبرز العوامل التي أثرت وبشكل ملحوظ على حرية التنقل داخل أرجاء الغرب الإسلامي وعبر موانئه، والنتيجة في الغالب خسارة للأموال، وإزهاق للأرواح، وفقدان في كثير من الأحوال للحرية،
56
ونتيجة لغياب الأمن في بعض الفترات اضطر المسافرون والتجار لأن يستخدموا الطرق البحرية البديلة في أسفارهم وتجاراتهم؛ مما زاد من أهمية بعض الطرق على حساب الأخرى؛ ففاق السفر عن طريق البحر وجعله يفوق السفر عن طريق البر.
57 (4) أعمال القرصنة والقطع البحري
انتشرت أعمال القرصنة في البحر المتوسط وأثرت بشكل كبير على سير حركة التجار، وتشير القرصنة - بشكل كبير - إلى فترة العصور الوسطى، وإلى كل الغارات المخربة التي سببت أضرارا أو عرقلة بأي شكل من الأشكال على التجارة والملاحة البحرية؛ مما أثر على التجار والبحارة تأثيرا سلبيا بدرجات متفاوتة سواء كانت تلك الغارات موجهة من الخارج أو من الداخل - غارات حكومية - وما نتج عنها من مطاردات للمسافرين والتجار والسفن التجارية بهدف السلب والنهب.
58
والقرصان
La Corsale
هو ذلك الشخص الذي يهاجم السفينة بغض النظر عن هويتها في البحر أو على الساحل وما ينتج عن ذلك من قتل وسرقة وخطف،
59
ولا بد أن يتمتع القرصان بعدة خصائص منها: إجادة الملاحة، وخوض المعارك والحروب البحرية، بالإضافة إلى كونه تاجرا ماهرا.
60
وازدياد حركة القرصنة في حوض البحر المتوسط الغربي يرجعه ماس لاتري
Mas latrie
61
إلى عدة أسباب، منها: التوسع الهائل للتجارة البحرية التي واكبت الحروب الصليبية وساعدت على انتشار أعمال القرصنة البحرية، كذلك الاعتراف القانوني في بعض الأحيان بشرعية ممارسة القرصنة، من جانب حكومات الغرب المسيحي.
وازدادت غارات القراصنة على شواطئ الغرب الإسلامي، وبالأخص على المدن والمراكز التجارية، كمدينة تونس التي مثلت مركزا تجاريا كبيرا بموقعها المتميز على البحر المتوسط، ففي شهر شوال من عام 702ه/1301م أغارت ثلاث سفن تابعة لقراصنة كتالونيين على مرسى تونس، واستولوا على مركب تابع لتجار من بيزا، محمل بالصوف قيمته ثلاثون ألف دينار،
62
وأغار أحد القراصنة الكتالونيين وهو القرصان بيدرو رابلتة على مدينة بونة وبنزرت واستولى على مركب تجار مسلمين محمل بالعود والقطن والتمر قيمته عشرة آلاف دينار.
63
وكذلك تجارة النسيج والملابس كانت عرضة للعديد من غارات القرصنة،
64
وهو ما حدث في عام 800ه/1397م إذ تعرضت سفينة محملة بالصوف قادمة من ميورقة في طريقها لبرشلونة لغارة من القرصان الباسكي بيرو بايا
الذي حرقها بعد أن استولى على كل البضائع التي عليها.
65
وظهر تأثير القرصنة واضحا، خاصة قراصنة ميورقة،
66
على حجم المبادلات التجارية بين الموانئ الكتالونية ومدن المغرب الإسلامي خلال القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، خاصة على المنتجات الزراعية والجلد والصوف والأقمشة، وتجارة الملابس، وغيرها من البضائع.
67
كما كانت الحروب والهجمات سببا مباشرا في تراجع بعض المدن، وكان للفتن التي اندلعت في أوائل العصر الموحدي، وبالأخص غارات بني غانية،
68
في حرير مدينة قابس المغربية،
69
وفي عام 637ه/1239م، تعرضت مدينة فاس لغزوات المرينيين، التي كانت سببا في خراب المدينة وتعطل أحوالها في كل الميادين.
70 (5) المعاهدات والاتفاقيات والمراسلات التجارية
كان للمعاهدات والمراسلات والسفارات التي عقدت بين حكام وخلفاء وسلاطين الغرب الإسلامي، وحكام وملوك الممالك والبلدان الأخرى خاصة الغرب المسيحي، دور في نمو حركة التجارة في الغرب الإسلامي التي أسست على عدة قواعد ومبادئ كان أهمها: ضمان حرية التجارة وأمان التجار في أموالهم وأنفسهم، بالإضافة لحماية السفن من القراصنة والكوارث البحرية، كذلك تعيين القناصل في المدن والموانئ التجارية وإنشاء الفنادق في تلك الموانئ،
71
واستفادت بعض الدول في البداية من تلك التعديلات والمزايا التجارية وبالأخص بيزا، في حين ظل التجار الجنويون والبنادقة ممنوعين من ذلك في بعض الموانئ التجارية خاصة في موانئ المغرب.
72
وشهدت فترة حكم الموحدين (541ه/1146م-668ه/1269م) العديد من الرسائل والمعاهدات التي نصت بنودها على احترام حرية التجارة واحترام السفر في البر والبحر، خاصة من قبل القراصنة الذين شكلوا عقبة أمام سير العلاقات بين الدول، ودائما ما حرص الحكام والخلفاء على ذكر البنود المتعلقة بالحماية من القرصنة ومعاقبة مرتكبيها مع توفير الضمانات اللازمة لذلك،
73
فحاولت الخلافة الموحدية حماية سواحلها من غارات القراصنة من خلال عقد المعاهدات والاتفاقيات وكذلك المراسلات التي حملت آيات الشكوى من تكرار تلك الأعمال، التي نتج عنها في بعض الأوقات توتر للعلاقات أثر على حركة التجارة، وتظهر تلك المراسلات والمعاهدات حجم المعاناة التي تعرضت لها الخلافة الموحدية من أعمال القطع والتخريب.
74
كما قدم بنو مرين (668ه/1269م-869ه/1461م) بعض التنازلات من أجل الصلح مع أراجون مقابل أن تصان بنود وشروط المعاهدات مع ضمان سلامة الرعايا المرينيين ومصالحهم.
75
وعقدت الدولة الحفصية (625ه/1228م-981ه/1574م) العديد من الاتفاقيات من أجل توفير الأمن في البحر والبر، ومكافحة القرصنة وعدم تشجيعها، ومعاقبة مرتكبيها خاصة من المسيحيين،
76
حفاظا على العلاقات المعقودة والعلاقات الطيبة بين صقلية والدولة الحفصية.
77
ولكن مع بداية القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي تزايدت أعمال القرصنة الأراجونية والحفصية؛ مما ترتب عليه كثرة الرسائل والشكاوى، التي نصت صراحة على عدم تشجيع القرصنة ومعاقبة القراصنة، وهو ما جاء في معاهدة الصلح بين كل من «أبي عبد الله محمد الثاني» (694ه/1294م-709ه/1309م) والملك «خايمي الثاني» ملك أراجون في 18 ربيع الأول 701ه/21 نوفمبر 1301م.
78
وسعت السلطة الحفصية عن طريق تلك المعاهدات والاتفاقيات إلى المساعدة في الحد والتقليل بقدر المستطاع من غارات القرصنة التي هددت الحياة البحرية والتجارية، ولو كان ذلك بصورة شبه رسمية عن طريق منع القراصنة من الاستيلاء على السفن التي تحميها معاهدات الصلح.
79
ولعب بنو نصر (629ه/1232م-897ه/1492م) دورا يكاد يكون سلبيا أو دور الضعيف الذي لا يمتلك إلا الشكوى والعبارات الرنانة، التي استنكر بها رد الفعل الأراجوني بتجاهله لطلبات غرناطة لمنع قراصنة أراجون والحد من نشاطهم على أقل تقدير، وهو ما يتضح من عدد الرسائل التي أرسلتها غرناطة إلى الحكومة الأراجونية ومعاهدات الصلح التي كثرت وتجددت ولكن دون جدوى، خاصة في الفترة من (695ه/1296م-779ه/1377م). (6) الأهمية النسبية للمنسوجات والملابس عند الغرب الإسلامي
اتخذ الإنسان المنسوجات والملابس في المراحل الأولى من حياته وقاية تدفع عنه الحر والبرد، ومرحلة التزين كانت مرحلة تالية اعتبرت من أسباب التحضر، ودورا من أدوار الاعتزاز بالمظهر؛ ما أوجب الاهتمام بها وبطريقة صنعها وإجادتها. وتعد الملابس والمنسوجات من الضروريات التي رافقت الإنسان منذ بداياته الأولى؛ إذ بدأ الإنسان يستعين أولا بالنباتات ليستر عورته، يقول جل جلاله:
فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ،
80
ومع مرور الوقت شعر بالحاجة إلى كساء يقيه برد الشتاء القارس، ويحميه من رطوبة الأمطار كما قال سبحانه وتعالى:
وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم ،
81
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان أحب الثياب إلى النبي
صلى الله عليه وسلم
أن يلبسها الحبرة. والحبرة: ثياب من قطن محبرة أي: مزينة» (متفق عليه)، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «كان أحب الثياب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
القميص.»
82
وكغيرهم عمل سكان الغرب الإسلامي على ستر العورة واتخاذ الزينة من المنسوجات والألبسة كما جاء في القرآن الكريم، وسنة خير الخلق محمد
صلى الله عليه وسلم
الذي لا ينطق عن الهوى، فجاء قوله جل جلاله:
يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ،
83
كما أن أول من عمل بمهنة الحياكة والخياطة هو سيدنا إدريس عليه السلام؛ الأمر الذي أضفى على هذه المهنة المزيد من التقدير والاحترام، فمارسها العديد من الناس وتفاخروا بها وتوارثوها جيلا عن جيل، وفي هذا الإطار يقول ابن خلدون:
84 «اعلم أن المعتدلين من البشر في معنى الإنسانية لا بد لهم من الفكر في الدفء كالفكر في الكن، ويحصل الدفء باشتمال المنسوج للوقاية من الحر والبرد، ولا بد لذلك من إلحام الغزل حتى يصير ثوبا واحدا، وهو النسج والحياكة، فإن كانوا بادية اقتصروا عليه، وإن مالوا إلى الحضارة فصلوا تلك المنسوجة قطعا يقدرون منها ثوبا على البدن بشكله وتعدد أعضائه واختلاف نواحيها، ثم يلائمون بين تلك القطع بالوصائل حتى تصير ثوبا واحدا على البدن ويلبسونها، والصناعة المحصلة لهذه الملاءمة هي الخياطة.»
وجاء القرآن الكريم بالعديد من الآيات التي تذكر النسيج والمنسوجات وهو ما يعطي أهمية لها ولصناعتها وبالتالي تجارتها، فمن أمثلة المنسوجات التي شرفت بذكرها الجلباب بقوله عز وجل:
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ،
85
والجلباب كما ذكره ابن منظور:
86 «ثوب أوسع من الخمار دون الرداء، تغطي به المرأة رأسها وصدرها.» وقيل: «هو ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة.» وقيل هي «ملاءتها التي تشتمل بها.» وقوله جل جلاله:
يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين ،
87
السندس هو «الرقيق من الديباج ورفيعه».
88
أما الإستبرق فهو «الغليظ من الديباج وما خشن».
89
وقال كذلك سبحانه وتعالى:
ونمارق مصفوفة ،
90
وكما ذكر ابن منظور:
91 «النمرقة والنمرق والميثرة ما افترشت است الراكب على الرحل كالمرفقة، غير أن مؤخرها أعظم من مقدمها ولها أربعة سيور تشد بآخرة الرحل ووسطه.» كما وردت الأريكة وهي «الفرش المزينة في السرر».
92
وقد ورد ذكر الأرائك في القرآن الكريم في قوله جل جلاله:
هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون ،
93
وفي قوله عز وجل:
متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ،
94
ذكر الرفرف وهو الرقيق من الديباج «ثياب خضر يتخذ منها للمجالس»
95
وقال سبحانه وتعالى:
وزرابي مبثوثة ،
96
والزرابي «كل ما بسط واتكئ عليه، وقيل هي الطنافس لها خمل رقيق متعددة الألوان.»
97
وارتدى سكان الغرب الإسلامي الصوف، فكان أكثر الملابس انتشارا لبرودة الجو في بعض مناطقه خاصة في الأندلس وخاصة في فصل الشتاء، كما انتشرت المنسوجات الصوفية نظرا لتوافر المراعي الخصبة به وظروف الجو المناسبة لتربية الأغنام،
98
لما يعطيه الصوف من رمزية دينية وروحية لهؤلاء الزهاد من خشونة الملمس؛ عملا بقول الرسول
صلى الله عليه وسلم : «نوروا قلوبكم بلباس الصوف؛ فإنه مذلة في الدنيا ونور في الآخرة.»
وحرم الإسلام لبس الحرير للرجال، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم.»
99
وقد أجاز الحنفيون للرجال ارتداء الألبسة التي لحمتها من الحرير وسداها من نسيج آخر، أما المالكيون فلم يتفقوا بشأن هذا الأمر،
100
وقد جاءت بعض النوازل لتعرض أمورا حول لبس الحرير خاصة لبعض الصناع وصنعهم ملابس الحرير للرجال؛ فسألوا عن الحرير وبيعه هل هو أمر مباح أم محرم، فقد «سئل ابن عتاب عمن صناعته عمل الحرير، وهل هو في سعة من عمل عمائم منه وشبهها مما لا يلبسه إلا الرجال؟ وهل بيعها مباح له؟ فقال: لا بأس ببيعها وعملها، وإن كانت مما «يلبسه» الرجال؛ لأنه قد يشتريها من لا يلبسها ومن يصرفها في غير ملبس.»
101
ومراد التحريم حظر ارتداء الرجال الحرير. وإمكان البيع بأن المشتري لهذا الثوب المصنوع من الحرير أو لعمامة من الحرير قد لا يستعمل ما اشتراه لنفسه وإنما يهديه لمن لا ذنب عليه في لبسه أو في أمر آخر غير اللبس، وقيام هذا الاحتمال كاف لرفع التحريم عن ناسج الحرير وبائعه.
واستعمل أهل الغرب الإسلامي البرنس ثوبا خارجيا، والبرنس كما عرفه ابن سيده
102
هو: «كل ثوب رأسه منه ملتزق به سواء أكان دراعة أو ممطرا أو جبة.» ويرى دوزي:
103 «أن البرنس قد يعني في القديم طاقية، إلا أنها تشير في العصور الحديثة إلى معطف ضخم له قلنسوة.» وهو القميص، ويتكون من قطعتين من القماش تحاكان من الجانبين ومن أعلى، بحيث يترك جزء يكون فتحة للرأس ويتميز بطوله إلى نصف الساق وبفتحة في الطوق تمتد إلى الصدر،
104
كذلك الدراعة وهي ثياب لا تكون إلا من الصوف خاصة للفقراء، وهي لباس للمرأة والرجل،
105
والدرع «ثوب تجوب المرأة وسطه وتجعل له يدين وتخيط فرجيه».
106
كذلك الملف وهو ثوب ناعم من الصوف، والغفارات، وهي ثوب يغطي الرأس كما كان يستعمل في تغطية البدن «وهي خرقة تلبسها المرأة فتغطي رأسها».
107
وكذلك الإزار وهو الثوب الذي يحيط بالجسم كما يشير ابن منظور:
108 «الإزار كل ما واراك وسترك.» وقيل الإزار الملحفة، وهو ما يلتحف به ويستر به البدن من أسفله، والجبة وهي نوع من الثياب يلبسها الرجل والمرأة،
109
والملحفة ويعرفها ابن منظور بقوله: «اللحاف والملحف والملحفة: اللباس الذي فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به. واللحاف: اسم ما يلتحف به.»
110
أما البرد فهو ضرب من الثياب فيه خطوط موشى ... «والبردة هي كساء صغير يلتحف به على شكل مربع أسود تلبسه الأعراب ... وهي الشملة من صوف مخططة.»
111
ويصف دوزي
112
البرود قائلا: البردة هي قطعة طويلة من القماش الصوفي السميك الذي يستعمله الناس لإكساء أجسامهم به خلال النهار، المتخذ كذلك غطاء أثناء الليل، أما لون هذا القماش فأسمر أو رمادي.
هوامش
الفصل الثاني
المواد الخام النسيجية في الغرب الإسلامي
يعد النسيج واحدا من أهم مقومات النشاط الاقتصادي في الغرب الإسلامي؛ لما تمتعت به طبيعة المنطقة من خصوبة التربة وتوافر الموارد المائية فضلا عن تنوع المناخ؛ مما أدى لتوافر مواده الخام وهو ما انعكس على صناعة النسيج وبالتالي تجارته، وما لاقاه النسيج من تشجيع سكان الغرب الإسلامي لمزاولة العمل الزراعي وزراعة المحاصيل النسيجية كالقطن، والكتان، والقنب وغيرها، وزراعة التوت ونباتات الصباغة، بالإضافة لانتشار المراعي وأماكن تربية الأغنام في معظم بلدان الغرب الإسلامي، وهو ما ساعد في تطوير وازدهار المواد النسيجية خلال فترة الدراسة منذ القرن 5ه/11م، حتى القرن 9ه/15م. (1) النباتات النسيجية (1-1) القطن
يسمى القطن عند العرب بأسماء عدة منها الكرفس، والبرس والعطب
1
والخرفع والطوط،
2
وظل لفظ القطن
Algodon
مستخدما من سكان إسبانيا لفترات طويلة،
3
كما يسمى القطن حديث الزراعة بالقور، والقديم والعتيق منه يسمى القسم أو القضم،
4
وتعمر غلة القطن في بعض الأحيان نحو العشرين سنة؛
5
لأن الفلاحين في بعض الأماكن كانوا يلجئون لقطع نباتات القطن بالمنجل لتكون صالحة للإنبات مرة أخرى وهو ما يعرف ب «التشذيب».
6
والقطن من النباتات ذات الأصل الهندي، تنمو شمال بلاد الهند أو جنوبها،
7
أدخل إلى بلاد الغرب الإسلامي على يد الفاتحين العرب في القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي، وانتشرت زراعته بشكل سريع في الجهات التي امتازت بالتربة الطميية وغزارة المياه،
8
فزرع في الجوانب المحاذية للمنطقة الاستوائية في بلاد المغرب، ثم نقله المسلمون إلى الأندلس وشبه الجزيرة الأييبرية.
9
ومن اللافت للنظر أن بعض الإشارات المصدرية ترجع بداية زراعة القطن وبخاصة في الأندلس إلى القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، وهو ما ذكره بعض مؤلفي هذا القرن - وليس قبل ذلك التاريخ - لأن عريب بن سعد (المتوفى في القرن الخامس الهجري) صاحب كتاب «تقويم قرطبة» لم يذكر في مؤلفه أي إشارات عن القطن، وقد كتب مؤلفه في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، ما يفسر أن البداية الحقيقية للقطن في الأندلس كانت منذ القرن 5ه/11م.
والقطن نبات ضعيف يتميز بدقة عيدانه، واستدارة ثمرته، وينشق عنها ألياف القطن؛ فلهذا أطلق عليها البعض «صوف الشجرة»
10
ويزرع بعلا وسقيا، والأرض الملائمة لزراعته هي الأرض الحرشا، ويقول ابن بصال ت499ه/1105م
11
في ذلك: «ويوافق من الأرض بالأندلس الحرشا المحسومة، لأنه في هذه الأرض يسرع بنفعه، ولا يتأخر عن وقته، ويكثر حمله، وأما أهل صقلية فينتخبون له الأرض الكريمة، وقد يفعل هذا أهل السواحل بالأندلس وذلك موافق له فيها.» ويزرع في شهر شباط/فبراير أو في آذار/مارس،
12
وقد تتأخر زراعته إلى منتصف شهر أيار/مايو.
13
ويحتاج القطن للحرث والتسميد الكثير قبل الزراعة ونثر البذور، وبعدهما تبدأ عملية الزراعة،
14
ففي شهر آب/أغسطس تبرز براعم القطن، ويشرع الفلاحون في جمعه في أيلول/سبتمبر، وتبدأ عملية الحصاد في الصباح الباكر، ويحصد جيدا ثم يجمع باليد بكل رفق ولين، ثم يجفف في الشمس ولا يترك مدة طويلة معرضا لأشعتها حتى يحتفظ ببعض رطوبته وليونته ببقائه في الظل،
15
لأنه متى جمع في الحر كسر جوزه واختلط بالقطن ولا يمكن التخلص منه،
16
ويكون جمعه بعد النضج وبروز أليافه،
17
وإذا خزن القطن دون أن ينشر في الشمس فإنه يفسد، وقد تكون الرطوبة نفسها هي سبب فساده.
18
وزرع القطن في بلدان الغرب الإسلامي وازدهر وكثر مع تطور الأساليب الفلاحية لزراعته، فانتشر ببلدان المغرب وبخاصة المناطق المنخفضة منها،
19
وكذلك الأطراف الشمالية للصحراء والسهول الساحلية وأيضا السهول العليا بالمغرب الأقصى؛ حيث مثلت تلك المناطق مكانا خصبا لزراعته.
20
وانتشرت زراعة القطن في بعض مدن وقرى المغرب الأدنى والأوسط كقرطاجنة فمن «غلاتها القطن والقنب»
21
وكذلك قفصة،
22
هذا بخلاف مدينة تونس الكثيرة القطن «فيظهر الانتفاع به.»
23
كما زرع في شرق بجاية،
24
بالإضافة لمناطق الزاب وبخاصة في مدينة المسيلة فكانت كثيرة القطن،
25
وطبنة التي عرفت بزراعة القطن واشتهرت به.
26
ومن مدن وقرى المغرب الأقصى التي اشتهرت بزراعة القطن: فاس؛ فزرع في مناطق السهول والهضاب التي تقع غربها والتي تميزت بخصوبة تربتها وتوافر مواردها المائية؛ ما شكل حزاما حولها من المساحات المزروعة بالقطن،
27
وعرفت مدينة سجلماسة بزراعة القطن على مساحات كبيرة من أراضيها؛ فذاع صيتها بجودة إنتاجها ومن ثم تصديره إلى سائر بلاد المغرب،
28
ومدينة البصرة
29
التي امتدحها الجغرافيون لكثرة زراعة القطن بها فحمل للكثير من البلاد.
30
وزرع القطن بكثرة في مدينتي «داي» و«تادلة»، حيث ذكر الإدريسي
31
أن «بأراضيها كثيرا من القطن ولكنه بمدينة تادلة يزرع أكثر مما يزرع بمدينة داي، ومن مدينة تادلة يخرج القطن كثيرا ويسافر إلى كل الجهات.» لدرجة أن أهالي داي لا يحتاجون لأي قطن آخر بخلاف الذي تنتجه أراضيهم لكثرته وجودته.
32
بالإضافة لزراعته في قرية أم ربيع التي تقع في جنوب وادي أم الربيع في جنوب غرب بلاد المغرب، فوجدت بها الكثير من مزارع القطن بفضل الماء والتربة الخصبة التي وفرتها تلك المنطقة والملائمة لزراعة القطن،
33
فضلا عن زراعته في بعض مناطق وقرى المغرب الأقصى، مثل كرت، وماستية، ودوفانة، وزرع أيضا في مستغانم فاشتهرت بالقطن فكثر بها،
34
وزرع أيضا بأحواز سلا بكميات كبيرة.
35
وهو ما أكده ابن الخطيب
36
بأنها: «معدن القطن والكتان.» تلك كانت المناطق التي عرفت واشتهرت بزراعة القطن في مدن وقرى المغرب خلال فترة الدراسة وما قبلها.
وأما المناطق التي انتشرت بها زراعة القطن في الأندلس فهي عديدة؛ نظرا لجودة أراضيها ومحصولها ،
37
فمنها مدينة رنده التي وصفها ابن سعيد
38
نظرا لكثرة قطنها قائلا: «فيها مزارع القطن كثيرة.» كما كثرت زراعة القطن في منطقة وادي آش بالأندلس،
39
وفي حصن بكيران الذي يقع إلى الغرب من مدينة شاطبة بالقسم الجنوبي من الأندلس.
40
وكثرت زراعته في إشبيلية فاتسعت حقوله بها لفترات طويلة
41
وبخاصة في جبل الشرف لطبيعة تربته التي جعلت قطنه يتميز بالكثرة والجودة، حتى إنه يفيض عن حاجتها فيصدر إلى باقي البلدان ،
42
وهو ما يؤكده العذري
43
عند ذكره مدينة إشبيلية قائلا: «ومن فضائل تربة إشبيلية التي انفردت بها، وخاصتها التي لا تشارك فيها ما تنبته أرضها من القطن الذي يحسن ويزكو في بقعتها.» وأيد ابن غالب
44
ذلك عند حديثه عن إشبيلية بقوله: «من فضائلها (إشبيلية) التي انفردت بها ما تنبت أرضها من عجيب قطنها الذي يحسن فيها ويزكو بها.» وهذا ما أشار إليه ياقوت الحموي
45
بأنها «مما فاقت به على غيرها من نواحي الأندلس زراعة القطن.» كما أشير أيضا إلى أن القطن «يجود بإشبيلية فيعم بلاد الأندلس.»
46
هذا بالإضافة إلى أن بعض مدن الأندلس قد تأثرت بشكل كبير بزراعة القطن حتى أطلق على إحدى القرى
Algodonales
وهي من قرى مدينة قادس، وقد بقي هذا الاسم حتى في إسبانيا المسيحية.
47
وخلال الفترات التي خضعت فيها صقلية للحكم الإسلامي انتشرت وتطورت زراعة القطن بأراضيها، والمسلمون هم الذين أدخلوا تلك الزراعة إلى أراضي صقلية،
48
فزرع في كل من جزائر البقدونية، وبرطنيق، وقوصرة،
49
وفي قرية ميلاص،
50
ولكن مع زوال الحكم الإسلامي من صقلية ومع بدايات القرن السابع الهجري/الرابع عشر الميلادي، بشكل محدد تقلصت زراعة القطن بعد خلوها من سكانها المسلمين؛ وهو ما يوضح ويبرز كيف أسهم المسلمون في إدخال زراعة القطن إليها ونشرها، فتبوأت مركز الصدارة في إنتاج وتصنيع وتجارة القطن في مناطق البحر المتوسط بحوضيه الغربي والشرقي ولفترات طويلة.
أما عن جزر البليار وبخاصة الجزيرة الكبرى وهي جزيرة ميورقة فخلال فترة الحكم الإسلامي توسعت وانتشرت زراعة القطن بأراضيها؛ نظرا لاهتمام الحكام المسلمين بتلك الزراعة.
51 (1-2) الكتان
يعد الكتان من النباتات النسيجية التي انتشرت في العديد من بلدان الغرب الإسلامي، فهو نبات ليفي نسيجي يبلغ طول نبتته نحو ذراع، دقيق الأوراق والساق، أزرق الزهر له بذور حمراء اللون،
52
عرف في بعض المناطق عند العرب باسم الزير،
53
ويزرع الكتان في شهر تشرين الثاني/أكتوبر ويحصد في شهر أيار/مايو ويفضل التبكير في زراعته،
54
والأرض الملائمة له هي الأرض الرملية الرطبة - الأراضي الغرينية السقوية - الغالب عليها الحرارة مع الملوحة حتى يرق الكتان ويغلظ ساقه ويكثر بذره،
55
كما هو الحال في بعض المناطق في بلاد المغرب، وبخلاف المناطق الحارة فقد زرع الكتان في المناطق ذات المناخ المعتدل كما بالأندلس، وخاصة في المناطق الجنوبية منها، بالقرب من شاطبة وطركونة وعلى السواحل الجنوبية للبحر المتوسط،
56
وهو ما يوضح أن الكتان من النباتات التي تتأقلم بصورة جيدة مع المناخ السائد، فزرع في المناطق الحارة وشبه الحارة في المغرب، وفي المناطق المعتدلة في الأندلس وصقلية.
وانتشرت زراعة الكتان في بلدان الغرب الإسلامي خلال فترات طويلة، نتيجة اهتمام الخلفاء والسلاطين المسلمين بالزراعة والزراعات النسيجية ومنها الكتان باعتباره مصدرا للكساء، فزرع في مناطق مختلفة من بلدان الغرب الإسلامي؛ وبالأخص في بلاد المغرب،
57
وعلى سبيل المثال؛ فقد انتشرت زراعة الكتان في مدن وقرى المغرب الأدنى؛ كما في بونة،
58
وفي قرطاجنة،
59
وأيضا في قسطيلية في الجنوب،
60
وزرع في سبيبة،
61
وفي توزر،
62
وفي أراضي رادس
63
فكان أهلها لا يجنون أي محصول آخر غيره.
64
كذلك عرفت بعض مدن وقرى المغرب الأوسط بزراعة الكتان كمنطقة الأطلس الأوسط الشمالي التي انتشرت بها زراعته،
65
وكذلك في نيجساس التي استغلت وجود العديد من الجداول المائية في زراعة الكتان بأرضيها،
66
وأيضا في جبال بجاية،
67
وكذلك في جيجل وفي جبل جيانة،
68
وفي المسيلة حيث ذكر الإدريسي
69
أن «أهلها يزرعون الكتان وهو عندهم كثير.» وفي كل من فزرونة ومتجية.
وعن زراعة الكتان في مدن وقرى المغرب الأقصى، فقد اشتهر به عدد منها وبخاصة في المناطق المحيطة بمدينة فاس،
70
وفي البصرة انتشرت زراعته حتى عرفت ب «بصرة الكتان»
71
وهو ما أكده صاحب كتاب الاستبصار
72
بقوله: «وتعرف أيضا ببصرة الكتان؛ لأن أهلها يتبايعون بالكتان.» وزرع في أراضي مدينة مغيلة،
73
وفي مغرة،
74
ودرعة كذلك،
75
وفي منطقة الحمر يجني سكانها الكثير من الكتان،
76
كما وجدت في وادي أم الربيع مزارع الكتان،
77
وزرع أيضا بكميات كبيرة في المناطق المحيطة بمكناسة،
78
وفي المناطق المحيطة بسلا،
79
وفي مدينة ازاجن أو اسجن بفضل العيون المائية الموجودة داخلها.
80
ومن الملاحظ أن الإدريسي لم يذكر زراعة الكتان - عند حديثه السابق عن مدينة توزر ومغيلة خلال القرن 6ه/12م - ما يوضح أن زراعة الكتان لم تكن معروفة في هاتين المدينتين خلال تلك الفترة، في حين ذكرهما ابن الوازن عند الحديث عن الكتان، وذلك من خلال مقارنة ومطابقة نص الإدريسي الذي يرجع الى القرن 6ه/12م وما ذكره ابن الوزان القرن 10ه/16م.
وبالنسبة للأندلس فالمناطق التي زرع فيها الكتان عديدة ومميزة بإنتاجها، خاصة في جبل شلير والقرى المتصلة به، ووصف بأنه أفضل من كتان الفيوم؛ المدينة المصرية المشهورة بجودة كتانها على مستوى البلدان.
81
وامتازت البيرة والمناطق التي تحيط بها بكثرة الأماكن المزروعة بالكتان،
82
ويرى الحميري
83
أن كتان البيرة «يربو جيده على كتان النيل»، وهو ما أطلق عليه العامة «القطن اللبيري» واعتبر من أجود أصناف الكتان،
84
وتركزت زراعته في مدينة أندرش فإليها نسب «الكتان الفائق» كما وصفها الحموي،
85
بالإضافة إلى مدينة قونجة وهي من أعمال البيرة فكتانها أفضل من كتان غيرها وقد عرف بالقونجي.
86
وزرع في بجانة فعرفت أراضيها الكتان بكميات كبيرة،
87
وكذا المرية التي وصفت بأنها بلد الكتان،
88
وإشبيلية التي خصصت له الحقول الشاسعة لزراعته، وقرطبة،
89
وشبرب حيث يجود فيهما.
90
وفي برجة أيضا كثر الكتان،
91
فضلا عن زراعته في مدينة لاردة بكثرة؛ فتميز كتانها بطيبه، فمنه ما يتجهز به إلى جميع نواحي المنطقة،
92
بالإضافة إلى الكتان الأروني المنسوب إلى أرون وهي ناحية من أعمال باجة بقرب الأندلس،
93
ولما كانت التربة الرملية موجودة بمالقة فقد زرع الكتان بها ومعها؛ ففاق كتان البلاد المصرية،
94
وزرع في المناطق ذات التربة الرملية المناسبة لزراعته كما في قادس.
95
هذا وقد اشتهرت صقلية بزراعة وتصدير الكتان الجيد والرقيق منه،
96
حيث زرع في قرية ميلاحي وهي إحدى الحصون الكبيرة بها، فكان يتجهز منه بالكتان الكثير،
97
وفي قرية منجية وهي إحدى المعاقل بين الجبال في صقلية زرع الكتان بكثرة،
98
بالإضافة إلى الجزائر الصقلية،
99
كما تناثرت زراعة الكتان في مناطق قليلة بميورقة.
100 (2) الألياف النباتية الثانوية (2-1) القنب
القنب نبات ليفي من فصيلة الكتان،
101
من أصل فارسي عرف باسم البذور الملكية (شاه دنج) في بلاد فارس،
102
وقد أدخله الفينيقيون إلى بلاد المغرب.
103
والقنب أنواع منه البري والهندي،
104
له أوراق تشبه ورق الشجر، وسيقانه طويلة وفارغة وبذوره مستديرة،
105
يفضل في زراعته التأخير، ويزرع في الأرض النجيبة، خاصة السوداء والرملية الكثيرة السماد، وفي الجو الحار الذي يتخلله الرطوبة في الفترة من فبراير (شباط) إلى مارس (آذار)، أو في منتصف نيسان وهي الفترة التي يجود فيها القنب ويحسن،
106
وعلى الرغم من ذلك فزراعته لا تتطلب العناية مثل زراعة الكتان، ولكنه يحتاج نفس كميات المياه تبعا للمنطقة المزروع بها، حيث تختلف من الأماكن الحارة إلى الأماكن المعتدلة، وتشبه عملية ريه ري محصول الأرز في إبقاء الأرض مغمورة بالمياه مدة طويلة،
107
ويزرع بطريقتين؛ الأولى: بكثافة للحصول على الألياف، والثانية: يزرع متباعدا للحصول على البذور.
108
وتمر زراعة القنب بعدة مراحل؛ تبدأ بحرث الأرض بطريقة جيدة، ثم عملية البذر التي تتم نثرا، ولتعميم غرس القنب تنثر البذور من الشمال إلى الجنوب ثم من الشرق إلى الغرب، ثم تغطى بقليل من الطين، وبعد عملية النثر تكون عملية الخف والحصاد، ثم عملية التعطين ومنها يحصل على ألياف القنب،
109
وبعدها تدق سيقانه حتى تتنثر وتفكك ويسمى نسيجه قنب.
110
والإشارات قليلة عن زراعته أو أماكنها في بلدان الغرب الإسلامي، فقد زرع في أراضي المغرب الأدنى في قرطاجنة حيث ذكر الإدريسي:
111 «من غلاتها القطن والقنب والكروياء والعصفر.» وكانت زراعته موجودة في بعض مدن وقرى المغرب الأوسط بشكل منتظم في نواحي بجاية مع الكتان، خاصة إبان القرن 7ه/13ه،
112
وفي ضواحي عنابة التي اشتهرت بزراعة الكتان وتجارة ثياب الكتان كان أكثر أموالها من الكتان،
113
وفي جيجل التي لم تكن أراضيها صالحة إلا لزراعة الشعير والكتان والقنب الذي ينمو بكمية كبيرة،
114
وزرع أيضا في عدد من مناطق المغرب الأقصى في سهل مغيلة،
115
ووجد في منطقة جبل شفشاون،
116
وزرع بكثرة في أسجن أو أزاجن لوجود الأراضي المناسبة والمياه الدائمة لزراعة القنب.
117
ووجد القنب في بعض مدن وقرى الأندلس وبخاصة في مدينة شاطبة بالقرب من نهر شنيل قرب إستجه الذي استخدم لسقي البساتين وحقول القطن والقنب،
118
وزرع في مالقة،
119
وزرع في صقلية منذ فترات طويلة، واستمرت حتى انتهاء الحكم الإسلامي، وزرع في قرية ميلاص،
120
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ظل اسم القنب
Alconba
يطلق على قرية في الأندلس.
121 (2-2) الحلفاء
تنبت الحلفاء بالقرب من البرك ومصادر المياه، فهي نبات له أطراف تشبه سعف النخل والخوص،
122
وهو ناعم لين وصلب صلد معا.
123
تستخدم الحلفاء بعد النضج في صناعة الحبال ومفردها «حلفة»، والحلفاء قبل أن تنضج يطلق عليها «النلق»
124
ومن أشهر الأماكن المعروفة بزراعة الحفاء في الغرب الإسلامي قرطاجنة فسميت ب «قرطاجنة الحلفاء»
125
واشتهرت مدينة لقنت في الأندلس بنمو نبات الحلفاء؛ فكان يتجهز بها إلى معظم البلاد كما ذكر الحميري:
126 «ويتجهز منها بالحلفاء إلى جميع بلاد البحر.» كما انتشرت في نواحي تدمير، فضلا عن وجودها في قرى إشبيلية فزرعت في مجموعة الجزر الموجودة على ضفة نهرها.
127 (2-3) النخيل
تنجح زراعة النخيل في الأراضي الرملية والسهول في البلاد الحارة، وأحسن الأراضي الملائمة له هي الأرض السبخة المالحة،
128
وإذا لم تكن الأرض مالحة؛ فيلقى فيها ملح، ويفعل ذلك كل سنة فيجود النخل فيها،
129
ويزرع النخل في شهر يناير (كانون الثاني)،
130
ويزرع على شكلين؛ إما على نواة أو فسيلة،
131
وينبغي أن تلقح النخلة في كل عام، وإذا لم تلقح تحمل تمرا رديئا أو لا تحمل شيئا،
132
ويعمر النخل مدة خمسمائة عام،
133
واتخذ من خوص النخيل الحصر والمكاتل والأواني والمراوح ومن ليفها الحبال، فضلا عن جمال المنظر.
134
فوجد النخيل في العديد من مدن وقرى المغرب الأدنى خاصة قابس حيث ذكر المقدسي
135
أنها «كثيرة النخل والأعناب والتفاح»، فكانت مليئة بأشجار النخيل وبها العديد من أنواع التمور،
136
وقسطيلية التي تتميز بكثرة التمور فيها ورخص ثمنها حتى إن بها نهرا عظيما لا يكاد يرى منه شيء بسبب أشجار النخيل التي غاب فيها،
137
وفي بلاد الجريد؛ ولذلك سميت بهذا الاسم نظرا لكثرة النخيل بأراضيها.
138
أما عن بلدان المغرب الأقصى فاشتهرت المناطق الواقعة في الجنوب في الصحراء، وبخاصة في أودغست، بأن «النخل ببلادهم كثير جدا.»
139
لذلك عد تمر النخل من أهم المزروعات التي حرص أهل أودغست على زراعتها؛ وذلك لتوافر الظروف المناسبة لزراعته،
140
وفي سجلماسة حيث «كانت كثيرة النخل والأعناب»
141
وبها أكثر من ستة عشر نوعا من التمور.
142
أما عن الأندلس فقد تناثرت بها فصائل النخيل بسبب طبيعة مناخها، ففي مدينة البحيرة وجدت أشجار النخيل،
143
وفي مدينة آلش، ولا يفلح في غيرها من بلاد الأندلس لأن أرضها سبخة،
144
وفي قرطبة،
145
وفي لبلة التي عرفت بغزارة ما فيها من تمور،
146
وفي مالقة كثرت أشجار النخيل، خاصة في جهة الساحل.
147 (2-4) القسطل
شجرة تنبت في بعض بلدان الغرب الإسلامي، في جوفها ألياف تستخدم في عمل الثياب، وقد وجدت هذه الأشجار بصفة خاصة في الأندلس حيث ذكر المقري
148
عنها: «ومن غرائب الأندلس أن به شجرتين من شجر القسطل، وهما عظيمتان جدا إحداهما بسند وادي آش، والأخرى ببشرة غرناطة، في جوف كل واحدة منها حائك ينسج الثياب، وهذا أمر مشهور.»
وبساحل شذونة نبت المقل الذي يعظم جماره حتى يكون قلبه مثل قلب النخل، وكانت تصنع منه الغرابيل.
149 (2-5) التوريري
نبات ينمو ببلاد السودان وبخاصة في الرمال، عرف ب «التوريري»، وهو نبات طويل الساق ودقيق، ثماره كبيرة وعند النضج تنتفخ ويؤخذ منها ألياف تشبه «الصوف الأبيض» كانت تستخدم في صنع الثياب والأكسية الخاصة التي لا تتأثر بالنار.
150 (2-6) التوت
من النباتات التي نقلها العرب إلى الغرب الإسلامي،
151
وموطنه الأصلي بلاد الصين والهند، ويزرع فيها بعلا وسقيا،
152
وهو على أنواع مختلفة، يفضل بعضها عن بعض في الطعم واللون، فمنه الحلو ومنه الحامض؛ فالحلو يقال له الفرصاد وعند بعض العرب التوث، وهو لفظ فارسي، والعربي منه توت،
153
والحامض منه يقال له الشامي، أما في اللون فمنه أبيض متوسط في الكبر والصغر وهو أحلاها، ومنه أزرق وأحمر وأسود وأصفر وأغبر، ويزرع التوت في شهر فبراير (شباط) إلى آخر مارس (آذار)، وزراعته تكون على شكل شتلات وقضبان،
154
ويزرع حبا، وأجوده زرعا ما زرقته الطيور على شطوط الأنهار والسواقي ويتحمل كثرة الماء.
155
وللتوت أهمية اقتصادية، فورقة هي الغذاء الرئيس لدودة القز، التي تعد مصدرا مهما لصناعة الحرير، حيث يستخرج من شرانقها الحرير الخام الذي يستخدم في صناعة المنسوجات الحريرية،
156
ونظرا لأهميته نشأت بعض الخلافات حول زراعة أشجاره، كما أوردتها النوازل الفقهية، فمنها النازلة التي كان فحواها أن لأحدهم شجر توت بملك رجل آخر، فصادف أنه يوجد في تلك الأرض إحدى الأشجار التي تضر بالتوت وتعدم منفعته وهي «الدردار»؛ وعليه فقد طالب صاحب التوت بإزالة شجرة «الدرار» حرصا منه على سلامة الشجرة،
157
أو أن تحدث الخلافات حول بيع ورق التوت قبل أن ينضج ويورق،
158
وغيرها من النوازل التي توضح مدى اهتمام مزارعي وصانعي الغرب الإسلامي بزراعة أشجار التوت ومن ثم تربية دودة القز (دودة الحرير).
كل ذلك ألزم المتشاركين في ورق التوت لإبرام عقود شراكة لمنع الخلافات فيما بينهم؛ لهذا قال البرزلي
159
إن «ورق التوت سلعة تضمن بالعقد.» فأبرمت العقود لهذا الغرض؛ فحددت بها أسماء المتشاركين، وكذلك الجهة والحدود بالإضافة لكمية الورق. ويبين بها أيضا الأضرار التي تلحق به من حشرات أو غيرها مما من شأنه أن يؤثر على أوراق التوت، فيذكر ابن العطار
160
بعض الأمور التي تضر بورق التوت: «في ورقه تعفن من توالي الغيوث، أو من دود وقع فيه، أو صفرة غلته من وهج الشمس أو ما شابه ذلك من جوائحه وقدروا ما أفسد منه بهذه الجائحة»؛ فاستلزم الأمر أن يقوم صاحب ورق التوت باستئجار عامل لرعاية شجر التوت، أو يشاركه في الحرير الناتج منها.
161
غير أن ما أوردته المصادر حول زراعة التوت بأرض المغرب كان قليلا وغير كاف لإبراز مكانة بلاد المغرب الإسلامي في صناعة الحرير، ولكن من المؤكد أن أبرز الأماكن التي زرعت بها أشجار التوت كانت قابس، التي احتضنت غابتها الكثير من أشجار التوت، وهو ما انعكس على جودة الحرير بأراضيها، الذي كان من أفضل منتجاتها وذاعت شهرته في العالم الإسلامي ولهج بذكره الكثير،
162
فيذكر البكري
163
عن جودة أشجار التوت بأنه «يقوم من الشجرة الواحدة منها من الحرير ما لا يقوم من خمس شجرات من غيرها .» وعن قابس ذكر صاحب الاستبصار أن بها «شجر التوت كثير ويربى بها الحرير، وحريرها أطيب الحرير وأرقه، وليس يعمل بإفريقية حرير إلا بها.»
164
وكان للفتن التي اندلعت في أوائل العصر الموحدي دور في خراب وقطع أشجار غابة قابس التي قضت على أشجار التوت وإنتاج الحرير خلال القرن السادس والسابع الهجريين، وهو ما يؤيد عدم تعرض التجاني بالذكر لحرير غابة قابس عند حديثه عنها،
165
وهو ما أكده أيضا ابن عبد الظاهر
166
في القرن التاسع الهجري بحديثه عن مدينة قابس بقوله: «دخلت إلى مدينة قابس بالقرب من القيروان؛ فرأيت مدينة عجيبة غير أنها خربة جدا وليس بها إلا القليل من الناس والعمارة.»
ووجد التوت في بعض قرى ومدن المغرب الأوسط والأقصى، حيث زرعت أشجار التوت في غابة مدينة القل التي حوت على أشجار التوت، فكان سكانها يكسبون ثروات كبيرة من تربية دودة القز.
167
كما زرع التوت بالريف المحيط بفاس فربي به دود القز،
168
وفي شرسال التي انتقلت إليها تربية دودة القز عن طريق المدجنين ومسلمي الأندلس، فغرسوا العديد من أشجار التوت وصار الحرير من أهم موارد المدينة،
169
كما ساهم المدجنون في زراعة أشجار التوت الأبيض بصفة خاصة في قرية خميس مطغرة أو خميس متغارة.
170
أما زراعته في الأندلس؛ فقد زرع على نطاق واسع؛ لجودة أرضها وصلاحيتها لنمو أشجار التوت، بجانب وفرة الأمطار واعتدال المناخ وملاءمة درجة الحرارة، بالإضافة إلى نسبة الرطوبة التي تطلبتها زراعة التوت،
171
فزرع في جبل شلير،
172
وفي أراضي مرسية حيث زرعت به أكثر بساتينها، الأمر الذي جعلها مختصة بزراعته؛ ومن ثم كثر الحرير بها دون سائر البلاد، على الرغم من أن غرناطة كانت تسمى بلاد الحرير إلا أنه يجلب إليها من مرسية، فضلا عما يزرع بها، كذلك انتشرت زراعة التوت في مالقة وبخاصة في القرى التابعة لها كنارجة وبلش.
173
واشتهرت ألمرية بالتوت؛ فتفوقت على غيرها في صناعة الحرير، فوجدت بها أشجار التوت بكثرة، واستغلت في تربية دودة القز وإنتاج الحرير بأنواعه المختلفة،
174
كما زرعت أشجار التوت في مدينة جيان ،
175
وفي مدينة بيغوا، وأشار المقدسي
176
إلى ذلك قائلا: «وهي جبلية ... كثيرة التوت.» وفي أشكوني حيث يوجد بها التوت من غير زراعة.
177
وفي مدينة بسطة كان بها من التوت ما لا يحصى،
178
ووادي آش الذي اشتهر بالحرير،
179
وكذلك في فنيانة التي وصف أهلها بأنهم «أهل غلة وحرير» حيث يزرع بها التوت وينتج بها الحرير، كما وجد بها طرز للديباج،
180
والبيرة كثيرة أشجار التوت فعرفت بصناعة الحرير،
181
وبرجة التي كانت أكثر «غلتهم الحرير»
182
وفي قرية دلاية التي اشتهرت بحريرها الغالي الثمن،
183
وأندرش التي وصف حريرها بالذهب،
184
كما زرعت أيضا أشجار التوت الأبيض في نواحي غرناطة،
185
وهذا النوع من التوت بري؛ إذ ينبت بطبعه دون غراسة، بالإضافة لانتشارها في وادي الثمرات بأرض لورقة «من غير غرس أصلا».
186
أما أراضي صقلية فكانت زراعة التوت بها قليلة وفي مناطق محددة، خاصة في مدينة شنت ماركو، التي كانت كثيرة الحرير نتيجة وجود أشجار التوت التي زرعت بأراضيها.
187 (3) الألياف الحيوانية الأولية (3-1) الصوف
الصوف نسيج مكون من شعيرات تغطي أجسام بعض الحيوانات من الفصيلة الثديية التي أهمها الأغنام، ويختلف الصوف عن الألياف النباتية في أن الأخير أملس وأكثر ليونة من الصوف، بالإضافة لاختلافه في التركيب الكميائي له؛ فيتميز الصوف بعدة خصائص، منها الملمس اللين والدفء والنعومة، كذلك الارتداد، وهي الصفة التي يتميز بها الصوف عن غيره من الألياف النباتية، والارتداد في الصوف أن يستعيد حجمه الطبيعي إذا ما ضغط عليه ثم أزيل عنه.
188
وكان لانتشار النشاط الرعوي على غيره من الأنشطة الفلاحية في المجتمع المغربي، أثره في أن يمثل مركز القوة؛ في إنتاج الألياف النسيجية من تربية الماشية بأنواعها وبخاصة الغنم، ومركز الضعف؛ في إهدار العديد من الأراضي لمزاولة هذا النشاط على حساب الزراعة؛ ولهذا كان الرعي عنصرا أساسيا في عمليات الإنتاج النسيجي في مناطق الغرب الإسلامي عامة، والمجتمع المغربي خاصة،
189
ويذكر صاحب الاستبصار
190
في هذا الصدد أن بلاد المغرب الأوسط «كثيرة الغنم والماشية، طيبة المراعي، وفيها تجلب الأغنام إلى بلاد المغرب وبلاد الأندلس لرخصها وطيب لحومها.» وهنا إشارة إلى أن بلاد المغرب ساهمت في نقل الأغنام - من غنم، ومعز، وبقر - إلى البلدان الأندلسية، وخاصة من مرسى فضالة، فيذكر الإدريسي
191
أن منها «تحمل الغنم أيضا والمعز والبقر.» وهو ما يوضح أن بلاد الأندلس ولفترات كبيرة كانت تفتقر للأغنام، باستثناء بعض الأماكن التي سيرد ذكرها.
وساهمت الظروف الطبيعية من تضاريس ومناخ في نمو الثروة الحيوانية، ووجود غطاء نباتي متعدد، وتنوع البيئات الجغرافية ببلدان الغرب الإسلامي؛
192
ما انعكس على الصناعات النسيجية في تلك المنطقة.
وتميز الغرب الإسلامي بجغرافيا زراعية ساعدت في ظهور بوادر الاستقرار والثبات داخل المجتمع الفلاحي خلال فترات الاستقرار التي تعقب فترات التحول السياسي،
193
فالرعي نوعان؛ الرعي المختلط: بمناطق الزراعة ويكون فيها صاحب الماشية هو صاحب الأرض، والرعي الصحراوي: يكون فيها الراعي هو صاحب الماشية،
194
وهو ما يعطي تفسيرا حول امتهان العديد من القبائل والعشائر لحرفة الرعي؛ فأطلق عليهم الشاوية، هذا بخلاف أن سلاطين بني مرين اعتمدوا في تربية ماشيتهم على تلك العشائر وعلى غيرها من القبائل البدوية.
195
فكان لوجود المراعي وكثرتها في مناطق الغرب الإسلامي أثره في إثراء اقتصاد حكوماته، حيث تظهر حصيلة الخراج المتحصل من بلدان المغرب الإسلامي في عهد بني مرين مدى الازدهار الرعوي بها، من مراع عامة أو مراع خاصة بخلفاء بني مرين؛ فحصيلة الخراج التي تحصلت عليه الدولة من تلك المراعي كانت كما يأتي: الخراج من فاس 150000 مثقال، ومن مراكش 150000 مثقال، ومن سجلماسة ودرعة 150000 مثقال، ومن مكناسة 60000 مثقال، ومن سبتة 50000 مثقال، ومن أنفى 40000 مثقال، ومن تازة 30000 مثقال ، ومن عصاصة ومليلة والمزمة ما قيمته 30000 مثقال، ومن طنجة 30000 مثقال، ومن مدينة أسفي 25000 مثقال، ومن أغمات 25000 مثقال، ومن أزمور20000 مثقال، ومن بادس 10000 مثقال.
196
واشتهرت العديد من المدن المغربية بمراعيها كمدن المغرب الأدنى لتنوعها - وكان لهذا التنوع أثره في انتشار بعض سلالات الأغنام التي أنتجت أنواعا جيدة من الصوف، وكان هذا نتيجة للتبادل الثقافي والاقتصادي بين بلدان الغرب والشرق - وبخاصة شبه جزيرة جربة التي يصفها القلصادي
197
بقوله: «وما خصت به لين صوف ورطوبته، وتصير الشاة من غير الجزيرة فيها بعد إقامة سنة مثل شياهها في رطوبة الصوف.» وهو ما يعكس مدى جودة المراعي الموجودة بجزيرة جربة؛ مما أثر على جودة صوفها، وهو ما أكده التجاني
198
بقوله إنها اختصت «بحسن الأصواف المحمودة الأوصاف التي ليس بإفريقية لما ينسج من أثوابها نظير.»
ومن مدن وقرى المغرب الأوسط والأقصى كثيرة الخصب والزرع، كثيرة الغنم والماشية لحسن وطيب مراعيها،
199
مدينة البصرة المغربية التي عرفت ببصرة الذبيان،
200
وبجاية الشهيرة بأغنامها ذات الصوف الجيد والحسن،
201
وعنابة التي قصدها التجار لشراء صوفها الجيد،
202
وانتشرت نوعية من الأغنام قيل إن أصولها من بلاد فارس وبالأخص من مدينة كيس، واعتبر صوفها من أجود الأصواف التي انتشرت في سجلماسة،
203
ووجدة،
204
ولعل تلك الأغنام التي يطلق عليها أغنام المرينو
Merinas-Merino ، جلبت إلى بلاد الأندلس منذ القرن الخامس والسادس الهجريين/الحادي والثاني عشر الميلاديين وتميزت بجودة صوفها،
205
في حين يرجع البعض أصل كلمة المرينو إلى لفظ «مرن» للدلالة على نعومة الأصواف ودقتها ومرونتها،
206
أو نسبة لبني مرين،
207
وقد ظهر لفظ المارينو في الوثائق الجنوية في عام 707ه/1307م ويعكس قيمة تلك الأغنام في الصناعة النسيجية الجنوية،
208
كما وجد نوع آخر من الأغنام وهي الكباش الدمانية وهي نوع من الضأن، إلا أنها أجمل شعرا، كما ذكر البكري:
209 «وعندهم الكباش الدمانية خلقها خلق الضأن إلا أنها أجمل، وشعرها شعر الماعز لا أصواف لها، وهي أحسن الغنم خلقا وألوانا.»
وامتازت المنطقة الواقعة في أطلس الوسط بأنها منطقة جبال متوسطة الارتفاع كجبال الجزائر بمراعيها،
210
كما امتدت المراعي في بلاد المغرب وبخاصة الأقصى منه، سواء في السهول أو على قمم الجبال أو في الصحراء، لتجعل من الثروة الحيوانية عمادا أساسيا في بنيان الاقتصاد المغربي،
211
كما في فاس التي كثرت فيها الأغنام حتى بلغ سعر الكبش، في وقت من الأوقات، درهما ونصفا، وسعر البقرة ربع درهم،
212
وانتشرت الأغنام في جبال بني مزغنة، فكانت أكثر أموالهم من المواشي من البقر والغنم السائمة في الجبال.
213
وطنجة لا تمتلك قطنا ولا كتانا، ولباس أهلها من الصوف؛ نتيجة وجود ثروة حيوانية غنية من غنم وبقر وغيرها،
214
كما اشتهر حصن يرارة الواقع في الطريق بين فاس وسجلماسة بصناعة الصوف «وهو بلد يحسن فيه الغنم، وأصوافها كثيرة، ومن أجودها وأحسنها.»
215
وأدت الأمطار الصيفية النازلة على الجبال الواقعة في جنوب المغرب لانتشار المراعي الطبيعية بها، حيث أشار البكري
216
لكثرة المراعي وانتشارها بأودغست بقوله: «والغنم والبقر أكثر شيء عندهم، يشترى بالمثقال الواحد عشرة أكباش وأكثر.» ولا شك أن ميدان تربية الماشية عد من أهم ميادين النشاط الفلاحي في مدينة تسكنها قبائل صحراوية مثل قبائل صنهاجة اللثام،
217
هذا بالإضافة الى أغنام قسنطينة، فيصفها ابن الصباح
218
بقوله: «كثيرة الخصب والرخاء، بها الصوف من أغنام العربان.» كما تميزت سبتة - وبالأخص المناطق الواقعة بالقرب من تامسنا - بجودة الصوف؛ نظرا لتوافر قطعان الأغنام بكثرة.
219
ونظرا لأهمية الأغنام بصفة خاصة والثروة الحيوانية بصفة عامة وإسهامها في دعم الاقتصاد الأندلسي، لاعتماد الصناعات الغذائية والجلدية والنسيجية عليها، فقد كانت محط أنظار واهتمام حكام الأندلس؛ لأجل ديمومتها والإفادة منها ومن منتجاتها ومنافعها الأخرى؛ لارتباطها بالحياة المعيشية واليومية بشكل دائم ومستمر؛ إذ امتازت الأندلس بمراعيها الجيدة والموزعة على معظم مناطق الأندلس،
220
وبخاصة المنطقة الواقعة بين مالقة وغرناطة وألمرية،
221
ويمكن القول إن أغلب مناطق الأندلس امتازت بوفرة مراعيها وكثرتها، فوصف ابن حوقل
222
ذلك بقوله إنها: «رخيصة الماشية لكثرة المراعي، غزيرة النتاج والمواشي، معدومة الحوائج قليلة الآفة وليس بها عاهة، ولا وحش يؤذيهم من سائمتهم.»
وليس هذا فحسب بل إن مروج إشبيلية تميزت بأعشابها الكثيفة التي لا تتهشم صيفا، ويتمادى كلؤها رطبا، فيصلح إنتاجها وتدوم ألبان ماشيتها، وهي كافية لرعي أعداد كبيرة من المواشي؛ حتى وصفها العذري
223
بقوله: «ولو اقتصرت مسارح الأندلس عليها لوسعتهم.» وذكر ابن غالب
224
ما يدل على ذلك «ولو كان يقتصر عليها بالمسارح أهل الأندلس لاتسعت لهم.» وحازت هذه الثروة اهتماما كبيرا من قبل متوليها كما يشير إلى ذلك عريب بن سعيد.
225
وعن الرعي فقد عرف إقليم الشرف بتربية المواشي والأغنام بمختلف أنواعها بأعداد كبيرة تكفي لحومها معظم سكان الأندلس، وعرفت أحواز قرطبة بكثرة مراعيها واقتناء المواشي فيها والاستفادة منها، واشتهرت مدينة أوريولة وطليطلة بتربية الأغنام،
226
هذا فضلا عن جزيرة شاشين فبها الأغنام البيضاء «لا يكاد يوجد بها شاة سوداء.»
227
وتميزت المناطق الرعوية الموجودة في مالقة عن بقية المراعي الأخرى من حيث نوع الرعي ما بين المختلط بمناطق الزراعة أو الرعي شبه الصحراوي.
228
وكان لرعي الأبقار والضأن أهمية كبرى لا سيما في السلاسل الجبلية والسهول القاحلة، التي أكسبت رندة - التي كانت غنية بالماشية - شهرة واسعة في إنتاج الصوف، وكانت هذه الماشية تربى في برجة وفي أنتقيرة، بينما كانت البيرة «يسرح بها البعير ويجم بها الشعير.» وكانت أشكر «مسرح البهائم».
229
وامتلكت كل قرية ما يجاورها من سفوح الجبال لرعي حيواناتهم بها، وكان الرعاة في مملكة غرناطة يزاولون نشاطهم قرب الحدود مع قشتالة.
230
أما صقلية فكانت كثيرة المواشي من خيل وبغال وحمير وبقر وغنم،
231
ومن أبرز سلعها الصوف وشعر الماعز.
232 (4) الألياف الحيوانية الثانوية
تتعدد الألياف الحيوانية الثانوية في بلدان الغرب الإسلامي طبقا للظروف البيئية والمناخية التي ساعدت في توطن بعض الحيوانات ذات الوبر، أو الشعر، أو الفراء، سواء على البر أو في البحر، فاختلفت في حجمها وأماكن توطنها. (4-1) صوف البحر
اختصت بلاد الغرب الإسلامي بوجود بعض الألياف الطبيعية النادرة التي كان البحر مصدرها، كصوف البحر؛ وهو عبارة عن ألياف نسيجية تستخلص من أحد الحيوانات الرخوية
تواجدت على سواحل بلاد الغرب الإسلامي وبخاصة المغرب والأندلس، وهي نوع من الحيوانات ذات الصدف تلتصق بالصخور الموجودة على الساحل عند خروجها بواسطة تلك الألياف، واختلف لون هذه الألياف ما بين الأخضر والأسود، وهو ما عرف عند مسلمي الغرب الإسلامي ب «صوف البحر»
233
ويذكر الإصطخري
234
نصا عن هذا الحيوان عند ذكر شنترين: «وتقع بشنترين في وقت من السنة من البحر دابة تحتك بحجارة على شط البحر؛ فيقع منها وبر في لين الخز، لونه لون الذهب، لا يغادر منه شيئا، وهو عزيز قليل، يجمع وتنسج منه ثياب تتلون في اليوم ألوانا.»
ويذكر ياقوت الحموي تفصيلا عن هذا الحيوان وأطلق عليها «الجندبادستر» عند حديثه عن سرقسطة:
235 «انفردت بصنعة السمور ولطف تدبيره، تقوم في طرزها بكمالها، منفردة بالنسج في منوالها، وهي الثياب الرقيقة المعروفة بالسرقسطية، هذه خصوصية لأهل هذا الصقع، وهذا السمور المذكور هنا لا أتحقق ما هو، ولا أي شيء يعنى به، وإن كان نباتا عندهم أو وبر الدابة المعروفة، فإذا كانت الدابة المعروفة فيقال لها الجندبادستر أيضا، وهي دابة تكون في البحر وتخرج إلى البر وعندها قوة ميز، وقال الأطباء: الجندبادستر حيوان يكون في بحر الروم، ولا يحتاج منه إلا إلى خصاه، فيخرج ذلك الحيوان من البحر، ويسرح في البر؛ فيؤخذ ويقطع منه خصاه ويطلق، فربما عرض له الصيادون مرة أخرى، فإذا علم أنهم ماسكوه استلقى على ظهره وفرج بين فخذيه؛ ليريهم موضع خصيته خاليا فيتركونه حينئذ.» وما قد ذكره المقري
236
مستشهدا بابن غالب عند حديثه عن قرطبة - ولكن من اللافت أن النصين متطابقان لدرجة كبيرة في الوصف؛ إذ يذكر وبر السمور الذي يصنع بقرطبة قال: «هنا السمور المذكور ... لم أتحقق ما هو ولا ما عني به، إن كان نباتا عندهم أو وبر الدابة المعروفة، فإن كانت الدابة المعروفة فهي دابة تكون وتخرج إلى البر، وعندها قوة ميز.» ومن الواضح في نص ياقوت الحموي أنه يمتزج بالخرافة والأسطورة عند ذكره لهذا الحيوان.
ووجد صوف البحر على ساحل تونس وعرف هذا الحيوان ب «أبو قلمون» أو «القرمود» كما ذكره العامة من أهل بلاد المغرب،
237
كما وجد على شاطئ صفاقس، حيث يصف العمري
238
عملية استخلاص تلك الألياف بقوله: «وهو مما يخرج من البحر بصفاقس المغرب، أنا رأيته كيف يخرج، يغوص الغواصة في البحر فيخرجون كمائم شبيهة بالبصل بأعناق في أعلاها زويرة، فتنشر في الشمس؛ فتتفتح تلك الكمائم الشبيهة بالبصل عن وبر؛ فيسمط، ويخرج صوفه ويغزل منه طعمة لقيام حرير.» (4-2) الأوبار والأشعار والفراء
اهتم سكان الغرب الإسلامي بتربية الحيوانات الوبرية؛ وبخاصة الإبل منها؛ لتوافر البيئات المناسبة. ويذكر ابن أبي زيد
239
أنواع الحيوانات التي يؤخذ منها الوبر حيث يقول في نازلة: «ولو قال غصبته ثوب وبر وقع ذلك على أي ثوب من الوبر شاء، إن قال ثعالب، سنجابا أو سمورا أو دلقا أو غيره من أصناف الوبر ولا يدخل في ذلك الضأن.» ومن هذا النص يتضح أن الوبر يؤخذ من حيوانات الفراء كالثعالب والسناجب والسمور أو السنور.
ومن بين الحيوانات ذات الوبر والشعر: (1)
الإبل: أخذت الإبل مكانة مهمة وبارزة في قائمة المواشي التي وجدت في بلدان الغرب الإسلامي وبخاصة بلدان المغرب، ويرجع الاهتمام بتربيتها إلى أن هذا النوع من الحيوانات يتميز بضخامته وقدرته على حمل الأثقال وتحمله للجوع والعطش، هذا إلى جانب تطبعه مع ظروف البيئة الصحراوية، فهو يعتمد في شربه على مياه الآبار المالحة التي يكثر تواجدها في تلك المناطق،
240
كما أن الجمل هو الحيوان الوحيد الذي يمكن الناس من القيام برحلات يتراوح طولها بين ألف وألفي كيلومتر؛ لذا فقد انتشر في بلاد المغرب وهو ما نوه إليه ابن حوقل
241
بقوله: «عندهم من الجمال الكثيرة في براريتهم وسكان صحاريهم التي لا تدانيها في الكثرة إبل العرب.»
واستخدمت الإبل كمصدر له أهميته من مصادر الغذاء، لما تدره من ألبان ولحوم، إلى جانب أنها وسيلة نقل هامة استغلت في المجال التجاري والترحال، كما استفيد بجلودها وأوبارها في صناعة الأكسية والفرش، وتميزت بلاد المغرب بنوع من الإبل عرف بالمهاري، وآخر عرف بالنجيبي.
242
ووجدت الإبل ببلاد المغرب في جزيرة جالطة بالقرب من طبرقة حيث قدرت بأعداد لا تحصى،
243
ووجد في جبل لونيسا حيث يصف الإدريسي
244
أهله بقوله: «وهم قوم ظواعن رحالة، والإبل عندهم كثيرة اللقاح، حسنة النتاج، وهم ينسجون المسوح من أوبارها.» (2)
الماعز: من الحيوانات التي اعتمد على أشعارها ووبرها للحصول على النسيج، وقد شبه النويري
245
شعر الماعز بأنه «صوف»، وقدر عدد الماعز بأقل من الغنم في مناطق الغرب الإسلامي؛ لأنه يفضل المرتفعات عن السهول.
246
فوجد الماعز في بلدان المغرب في هسكورة التي امتازت بأعداد كبيرة منها، بجانب الأغنام لأنها تعيش في مجموعات كبيرة بجبالها،
247
وكان لصاحب أودغست أكثر من مائة ألف رأس من الغنم والماعز، كان يعتمد على دخلها ببيع أصوافها وشعرها؛ ما يوضح اهتمام سكان أودغست بتربية الماعز وكان على رأسهم حاكمها،
248
كما وجد الماعز في قادس لوجود نبات الرتم؛ فكان يرتع عليه؛ ولهذا كان يجود ويحسن،
249
وتميزت صقلية بسلعها التي من بينها شعر الماعز.
250 (3)
اللمط: اللمط أو اللمت، وهو حيوان يشبه البقر الوحشي، وصفه البكري
251
بقوله: «وهو دابة دون البقر، لها قرون دقاق حادة لذكرانها وإناثها، وكلما كبر منها الواحد طال قرنه حتى يكون أكثر من أربعة أشبار، وأجود الدرق وأغلاها ثمنا ما صنع من جلود العوائق منها، وهي التي طال قرناها لكبر سنها؛ يمنع العجل علوها.» كما وصفه كذلك بأنه: «صابر على العطش وهو على شبه الغزال لكنه أغلظ منه.»
252
ولحم هذا الحيوان جيد، وله طعم الثور إلا أنه أطيب منه قليلا، ويدخر مملحا في الآنية للحفاظ عليه مدة طويلة وللحفاظ على مذاقه،
253
أشار صاحب الاستبصار
254
إلى وجوده في أودغست بقوله: «ومنها تجلب الورق الخصيفة الجياد، فإن اللمط بأرض أودغست كثير جدا.» (4)
الفنك: وإلى جانب اللمط وجد ببلاد الغرب الإسلامي حيوانات الفنك، واختصت به بلدان المغرب، وهو حيوان في قدر الغزال، ويتخذ منه الفراء لصناعة الثياب، فانتشر الفنك في بلاد المغرب حيث كانت «دواب الفنك أكثر شيء في هذه الصحراء، ومنها يحمل إلى جميع البلاد.»
255
ووجد في قسطيلية فيذكر البكري
256
عنه: «ولا يعرف وراء قسطيلية عمران ولا حيوان إلا الفنك.» (5)
السمور: السمور أو السنور، حيوانات طاردة للفئران،
257
وهي أغلى أنواع الفرو،
258
وتميزت الأندلس بسمورها،
259
واشتهرت بصناعة السمور؛ العديد من المدن، وبالأخص مدن الأندلس، فعرفت به كل من قرطبة،
260
وسرقسطة.
261 (6)
القنيلة: حيوان أصغر وأطيب وأحسن وبرا من الأرنب، وكثيرا ما يلبس فراؤها، ويستعمله أهل الأندلس من المسلمين والنصارى، ولا يوجد في بر البربر إلا ما جلب منها إلى سبتة فنشأ في جوانبها، وقال ابن سعيد:
262 «وقد جلب في هذه المدة إلى تونس حضرة أفريقيا.» وهو ما يوضح أن هذا الحيوان موطنه الأصلي بلاد الأندلس، وانتقل فتوطن في سبتة ثم في تونس نتيجة عملية التبادل التجاري والزراعي بين شقي الغرب الإسلامي، المغرب والأندلس.
كما وجد الدلق وهو حيوان من فصيلة السموريات يقرب من السنور، في الحجم، وهو أصفر اللون ببطنه وعنقه، ويميل إلى البياض.
263
هكذا شكلت تربية الأنعام دعامة أساسية في النظام الفلاحي والحيواني في بلاد المغرب بصفة خاصة، وقد خصصت إما للنقل وخدمة الزراعة على مستوى الحياة اليومية، أو التي كانت تقدم مادة أولية صناعية من صوف وشعر ووبر ساهم في البناء الاقتصادي للأسرة المغربية.
264 (5) نباتات الصباغة
كان لازما ذكر أهم أنواع نباتات الصباغة في أراضي الغرب الإسلامي، بكونها عماد صناعة الصباغة التي شكلت الضلع الثالث في استكمال صناعة النسيج بصفة عامة، نظرا لما أولاه زراع وفلاحو الغرب الإسلامي من اهتمام بزراعة نباتات الصباغة؛ للحصول على أفضل الإنتاجيات؛ لاستخدامها في أمور الصباغة، أو في صناعة الأدوية وغيرها من الصناعات والتجارات. ومن أبرز تلك النباتات: (أ)
القرمز: من نباتات الصباغة المهمة التي استعملت في كثير من بلدان الغرب الإسلامي، وقد اعتبر أفضل من آلك الهندي في عمليات الصباغة،
265
والقرمز هو حشرات صغيرة الحجم تنمو على شجر البلوط،
266
تجمع من شهر مارس (آذار) حتى شهر مايو (آيار)، ويتطلب جمع القرمز الخبرة في جمعه وكسره؛ حيث تبدأ عملية جمعه في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس، ثم يجمع ويكدس في آنية، وينقع في الخل لمدة اثنتي عشرة ساعة، ثم يجفف في الشمس، ثم يجمع مرة أخرى حتى يصير حبوبا حمراء، وبعدها تكون صالحة للصباغة،
267
ومن الأمثال التي انتشرت في مجتمع الغرب الإسلامي وتعكس في حقيقة أمرها خبرة سكان الغرب الإسلامي في عمليات الاهتمام بالقرمز وجمعه: «اركب واهمز، وامشي لجمع القرمز.»
268
ويذكر علي جمعان الشكيل نقلا عن صاحب كتاب «المعتمد» الذي يصف القرمز بقوله: «حيوان يكون على الشوك كأنه العدس، ثم لا يزال يكبر حتى يصير في قدر الحمص، فإذا كمل نضجه انفتح وخرج من ذلك الحيوان صغار تكبر، وهو أحمر اللون ويصبغ به الصوف والحرير ولا يأخذ في الكتان والقطن.» كما ينقل عن داود الأنطاكي أن القرمز: «حيوان يتولد على ورق الأشجار ... وينمو إلى أن يصير في حجم الحمص، مستدير، شديد الحمرة، نتن الرائحة، يخرج كذبابة ذكر وأنثى ... ويصبغ الواحد منه عشرة من أمثاله من الحرير والصوف صبغا عظيما؛ إذا طبخ ووضع الحرير فيه وهو يغلي خفيفا.»
269
غير أن الجاحظ
270
يعطي نصا مفصلا عن القرمز فيذكر: «وزعم أن القرمز حشيشة تكون في أصلها دودة حمراء تنبت في ثلاثة مواضع من الأرض: في ناحية المغرب بأرض الأندلس، وفي رستاق يقال له تارم، وفي أرض فارس. ولا يعرف هذه الحشيشة وأماكنها إلا فرقة من اليهود يتولون قلعها كل سنة في ماه اسفندارمذ، فتيبس تلك الدودة ويصبغ بها الإبرسيم والصوف وغير ذلك، وخير ما يصبغ في الأماكن بأرض واسط.»
وانتشرت أشجار البلوط بالأندلس وهي الموطن الأساسي لنمو حشرات القرمز، فقد ذكرها ابن حوقل
271
عند حديثه عن الأندلس بقوله: «وفيما يعانون صبغه بدائع بحشائش تختص بالأندلس، تصبغ بها اللبود المغربية.» وكانت مزروعة بقلعة أوريط،
272
وإن أطيب أنواع القرمز الذي انتشر كان في كل من إشبيلية ولبة، بالإضافة الى مدينة شذونة، وبلنسية،
273
فضلا عن اشتهار صقلية بطيب قرمزها.
274 (ب)
القرطم: ويسمى البهرمان أو الإخريج أو الإحريض والمريق،
275
وهو نبات زهره العصفر،
276
أو حب العصفر،
277
ويستخدم لأغراض الصباغة وهو على نوعين: شائك وغير شائك، والثاني أفضل من الأول في الجمع والصبغ، ويزرع القرطم في شهر شباط (فبراير)، وإن تأخر ففي شهر مارس (آذار)، والأرض الملائمة لزراعته هي الأرض الرطبة؛ لذلك تنجح زراعته في البلاد المعتدلة التي تتميز برطوبة هوائها ،
278
فهو يزرع بعلا وسقيا،
279
ومن فوائده أنه يستخدم للصباغة.
280
ونظرا لطبيعة الأندلس المناخية فقد انتشرت زراعة العصفر في العديد من المناطق، فاشتهرت بزراعته إشبيلية؛ حيث يعم عصفرها الأندلس ويتجهز به إلى كل قطر، وقد حاز البر بما استقبلته جهاته والبحر بخواص منافعه،
281
وتميزت مدينة لبلة بجودة عصفرها،
282
وفي مناطق البيرة،
283
كما زرع في مدينة مرسية.
284 (ج)
الزعفران: نقله العرب إلى الأندلس، ويسميه الأندلسيون الجادي أو الكركم،
285
والزعفران هو جنس من النباتات البصلية المعمرة، وهو أنواع، منه بري ومنه زراعي صيفي، توجد في وسطه شعرات حمر هي الزعفران، وورقه خيطان دقاق، وأجوده الشديد الحمرة زكي الرائحة،
286
والوقت المناسب لزراعته هو شهر مايو (أيار)، والأرض الملائمة لزراعته هي الأرض السوداء والرملية والحرشا المضرسة ويزرع ببصله، وتنجح زراعته في المناطق الباردة، والزعفران لا يحب الماء الكثير،
287
إلا أنه زرع في البساتين لفوائده في الصباغة وفي الطعام، وكدواء أيضا.
288
وعن مناطق زراعة الزعفران في بلدان المغرب، مدينة أبة الواقعة غرب مدينة الأربس؛ فقد اشتهرت بزراعة الزعفران؛ فكان «بها من الزعفران ما يضاهي الزعفران الأندلسي في الكثرة والجودة.»
289
كما كان بمدينة أولية الزعفران الجيد.
290
وعن أهم مناطق زراعة الزعفران في الأندلس مدينة طليطلة التي تميزت بكثرة زعفرانها الذي يعم البلاد، المتناهي بالجودة حتى إنه يتاجر به فيصدر إلى الآفاق، وسهول طليطلة ويسمى عند أهلها بالعصفر،
291
وفي بسطة اختص أهلها بزراعته وامتازوا به عن غيرهم من البلدان، ولا يوجد أطيب منه فيها،
292
فبها من الزعفران ما يكفي حاجة الأندلس بأكملها من كثرته فيها،
293
فضلا عن أنه زرع في مدينة بياسة بكثرة ويصدر إلى الآفاق، وفي مدينة أبدة.
294
وينبت في بلنسية ويزكو بها،
295
وتكثر مزارع الزعفران في مدينة وادي الحجارة ويحمل إلى الجهات الأخرى،
296
كما اشتهرت بزراعته سهول مدينتي المرية وبسطة، وعملوا على تصنيعه، فمهر أهالي بسطة أكثر من غيرهم بتصنيعه وتصديره، بالإضافة إلى سهول مدينة إشبيلية.
297 (د)
شجر الحناء: كثرت زراعة الحناء في عدد من بلدان الغرب الإسلامي وبخاصة المناطق الجنوبية؛ لارتباطها بالمناطق الحارة الكثيرة المياه ،
298
خاصة بلدان ومدن المغرب الإسلامي، فمن مدن المغرب الأوسط التي عرفت بزراعة الحناء كانت توزر؛ حيث زرعت بها الحناء بكميات كبيرة،
299
كذلك في قرية بني وازلفن القريبة من مدينة تنس.
300
ومن أهم مناطق زراعة الحناء في مدن وقرى المغرب الأقصى سجلماسة؛ فقد زرعت بأراضيها الحناء وتجهز بها إلى سائر بلاد المغرب،
301
وأودغست التي اهتمت بزراعة شجر الحناء: «وبها جنان حناء لها غلة كبيرة.»
302
ويذكر عنها في موضع آخر: «وأشجار الحناء وهي في العظم كشجر الزيتون.»
303
وأصبحت زراعة أشجار الحناء في أودغست من أهم المزروعات التي اهتم أهلها بزراعتها؛ حتى إنها تكاد تكون المركز الرئيسي والموطن الأصلي لزراعتها في بلاد السودان الغربي، وترجع هذه الأهمية إلى أن غلة الحناء عدت من أهم السلع التي اهتم تجار أودغست ببيعها في أسواقها وتداولها مع المدن السودانية والمغربية.
304
كما انتشرت زراعة الحناء في مدينة درعة كما يذكر ابن سعيد:
305 «وأكثر ما ينبت عليه الحنا التي تحمل إلى الأقطار المغربية.» ويذكر الإدريسي
306
أيضا أن أهالي درعة «يزرعون غلات الحناء والكمون والكروياء والنيلج، ونبات الحناء يكبر بها حتى يكون في قوام الشجر، يصعدون إليه، ومنها يؤخذ بذره ويتجهز به إلى كل الجهات، ونبات الحناء لا يؤخذ بذره إلا في هذا الإقليم.»
أما عن زراعة الحناء في أراضي الأندلس فكانت نادرة وقليلة جدا؛ لطبيعة مناخ الأندلس، فجاءت زراعتها بكميات محدودة جدا واستخدمت - نظرا لقلتها - بغرض استخدامها في العلاج والتزيين والصباغة.
307 (ه)
النيلة: النيلة أو النيلج نبات أدخلت زراعته من الهند إلى بلاد الغرب الإسلامي على يد الفاتحين العرب، فهي نبات يحتاج إلى الحرارة والسقي لتتم زراعتها بشكل جيد،
308
وتركزت زراعة النيلة في بعض الأماكن القليلة في الغرب الإسلامي، فزرعت في كل من منطقة السوس،
309
وجبل آيت وأوزكيت من منطقة هسكورة من بلاد المغرب،
310
وكانت بلدان المغرب في العصر المريني من أكثر البلدان تصديرا للنيلة لكثرة الطلب عليها في أمور الصباغة.
311
هوامش
الفصل الثالث
صناع النسيج في الغرب الإسلامي منذ القرن 5-9ه/11-15م
(1) أصناف صناع النسيج في الغرب الإسلامي
أعلى الإسلام من شأن الحرف والصناعات والقائمين عليها بشكل عام، بعد أن كانت تلاقي نوعا من الاحتقار والازدراء والمهانة في ثقافات العالم القديم من عبرانيين ويونان ورومان، وكذلك العرب قبل مجيء الإسلام،
1
فإن أراد أحدهم أن يسب شخصا يقول له: «يا ابن الصانع!»
2
غير أن تلك المفاهيم الخاطئة عن الصناعة قد تأرجحت بين التحقير تارة والتقدير تارة أخرى، خلال فترات كبيرة من تاريخ الغرب الإسلامي، فالأمير محمد بن عبد الرحمن (228-273ه) في حديثه إلى وزيره هشام بن عبد العزيز يقول: «كنا لا نخلف آباءكم في فيكم، ولا نخلفكم في أبنائكم، فعند من نضع إحساننا ونرب معروفنا؟ عند أبناء القزازين والجزارين والحجامين وأشباههم من الغاصين للهيئة، المخلين بالأبهة.»
3
وعد الصناع في القيروان من طبقة العامة والدنيا بها،
4
غير أنه خلال الفترات اللاحقة من تاريخ الغرب الإسلامي في العهد الحفصي إبان القرنين 7-8ه/13-14م ونتيجة لتطور الصناعة أصبحت بعض صناعات النسيج من المهن التي عمل بها أفاضل الناس، ولم تكن من المهن والحرف الوضيعة التي حط من شأنها العامة،
5
هكذا يتضح أن الصناعة ومفهومها تغير حسب ثقافة المجتمع المحيط بها، فكلما اختلط المجتمع بالحضارات الأخرى من خلال الصناعة والتجارة، كما حدث خلال العهد الحفصي؛ تطورت الصناعة وعكست حضارة مجتمعها.
وارتبطت الصناعة ارتباطا لصيقا بالمواد الخام اللازمة لها، لأن من دونها تنعدم الصناعة، فصناعة النسيج قامت على نوعين من المواد الخام؛ المواد الخام الزراعية القائمة على الكتان والقطن والقنب وغيرها من النباتات النسيجية، والمواد الخام الحيوانية المرتكزة على الصوف والحرير وصوف البحر والأشعار والأوبار وغيرها من الألياف الحيوانية.
وانقسمت صناعة النسيج إلى قسمين: صناعات نظيفة: وهي التي يتعاطاها أصحابها دون أن تتسخ ثيابهم أو أبدأنهم أو يلوثوا أماكنهم التي يشتغلون بها، كالخياطة التي لا يتسخ بها البدن ولا الثياب ولا المكان، والوراقة والبزازة والصرف والحياكة وفتل الحبال والغزل والرفو، وصناعات وسخة: وهي التي يتسخ بدن أو ثوب متعاطيها، أو تلوث المكان الذي يعمل به، كالقصارة والصباغة؛ ولهذا اتخذت أماكنها خارج المدن، وقد عمل القصارون خارج أبواب المدن.
6
ويذكر الدمشقي
7
في هذا الشأن أن الصناعات انقسمت إلى: صناعات علمية وصناعات عملية، فمن الصناعات العلمية الفقه والنحو والهندسة، والصناعات العملية كالحياكة والفلاحة ومشط الصوف والكتان.
ونتيجة لإلمام صناع الغرب الإسلامي بأمور صنعتهم، عملوا فيما بينهم على إدراك وفهم واستيعاب طبيعة عملهم بخلق جو من التنافس الحرفي والمهني فيما بينهم، وهو ما أكده ابن غالب عن مهارة وحذق الأندلسيين لصنائعهم فقد فاقوا أهل العدوة المغربية وقطعوا معاشهم وأخملوا أعمالهم وصيروهم أتباعا لهم ومتصرفين بين أيديهم، ويضيف المقري
8
أن الأندلسيين «متى دخلوا في شغل عملوه في أقرب مدة وأفرغوا فيه من أنواع الحذق والتجويد ما يميلون به النفوس إليهم ويصير الذكر لهم.»
ومن الإشارات التي توضح ما وصلت إليه الصناعة في بلدان الغرب الإسلامي، الصفات التي اتصف بها حرفيوه وصناعه؛ إذ تميزوا بالخبرة والمهارة في صنعتهم، وعلى سبيل المثال صناع الحرير والقطن؛ حيث تقدموا فيها على غيرهم في هذا الشأن، فيذكر أن حاكم أراجون جيمس الثاني أرسل صناعا مسلمين للحرير من إسبانيا إلى صقلية - التي كانت تتبعه في ذلك الوقت - في حين استقدم صناعا مسلمين للقطن من صقلية للاستفادة من مهاراتهم وخبرتهم،
9
أو ما فعله جيمس الأول ملك أراجون في عام 636ه/1238م، وبعد سيطرته على بلنسية وسقوطها من قبضة المسلمين؛ فقد أعطى صناع المدينة المسلمين فرصة ليساهموا في ازدهار المدينة صناعيا لتعود لسابق عهدها مركزا للنسيج، ولم يكتف جيمس بهذا، بل منحهم امتيازات خاصة لمواصلة صنعتهم وإنتاج سلعهم الجيدة والشهيرة؛ فمنح الحرفيين الورش والمصانع والحوانيت ملكا لهم دون البيع لمدة عشر سنوات، بالإضافة لتزويدهم بكل ما يحتاجونه من أدوات ومواد خام خاصة بعملهم؛ فكانت جميعها معفاة من الضرائب.
10
ويتضح من تلك الإشارات السابق ذكرها؛ أن ما تمتع به حرفيو وصناع النسيج بالغرب الإسلامي من مهارة وإتقان في فنون صنعتهم وجد نوعا من أنواع التنافسية الصناعية بينهم؛ فكثر الطلب عليهم في البلدان والمقاطعات الأوروبية وازدادت أعمالهم وتنوعت، نظرا لخبراتهم الكبيرة والطويلة في صناعة النسيج. (2) أصناف صناع النسيج في الغرب الإسلامي
أدى التماسك بين أصحاب الحرف والمهن إلى ظهور الأصناف وبخاصة فيما يتعلق بالنسيج، والأصناف كما يوضحها ابن منظور
11
بقوله: «الصنف النوع والضرب من الشيء، يقال صنف من المتاع، والجمع أصناف وصنوف.» وهو التميز بين الأشياء ويقال عنه «التصنيف».
والحرفيون هم من تجمعهم حرفة واحدة أو ينتمون لحرف أخرى، ويكونون فيما بينهم كتلة واحدة أو ما يشبه نقابة حرفية، وهي عبارة عن عقد تأسيسي يحدده العرف ويسلم به الداخلون ويقسمون على احترامه، وانصب اهتمامه على عدة أمور، منها:
تنظيم أمور الحرفة والحفاظ على أسرارها.
الحفاظ على ثبات الأسعار للمنتجات الصناعية.
الحفاظ على مستوى الصناع.
مواجهة الأخطار والنكبات.
12
وأظهرت النزاعات والخلافات والاعتداءات - خارجية أو داخلية - بالإضافة إلى الكوارث والنكبات بين أهل الحرف أنفسهم، لأن يتضامنوا ويتحدوا بخلق نوع من التأمين المادي لمجابهتها، كرغبة أحدهم في الزواج ولا يملك ما يكفيه للزواج؛ فيتكاتف الصناع بمساعدته بطريقة تحفظ كرامته وتعينه على قضاء حاجته، مثلما حدث في سلا إبان القرن 8ه/14م فقد استحدث النساجون فيها بالاشتراك مع تجار النسيج صندوقا احتياطيا كان دخله من درهم واحد، يؤخذ عن كل قطعة قماش تباع، ورصدوا المتجمع في ذلك لمواجهة الضرائب العادية والاستثنائية وما يواجههم من أخطار ومشاكل،
13
في حين يرجع البعض بداية ظهور الأصناف - النقابات - في الغرب الإسلامي وبخاصة في إفريقية إلى العهد الحفصي، غير أن الأصناف في بلاد المشرق الإسلامي ترجع إلى القرن الثاني الهجري أو القرن الرابع الهجري.
14
وعلى ما يبدو، فإن كثيرا من سمات التخطيط الإسلامي ساهمت في تواجد أهل الحرف والصناعات داخل المدن، وهو ما وضح عند تخطيط مدن الغرب الإسلامي بوجود بعض التجمعات الخاصة لكل مهنه أو حرفة؛ فكان لكل نوع منها شارع أو سوق باسمه،
15
بدلالة أبواب وأرباض المدن التي سميت بأسماء مهنها؛ كوادي القصارين بالقيروان،
16
وحي الكمادين،
17
وقنطرة الصباغين،
18
ومقابر القصارين،
19
وطاحونة الحلفاويين بتونس،
20
وحي الطرازين بقرطبة.
21
هذا ومن اللافت للانتباه أن صناع الغرب الإسلامي - في بعض المدن - كانت لهم شارات خاصة بهم، فكان لكل صنعة شارة تميزها عن غيرها، وتبرز كل فرقة من أهل الصناعة عن الأخرى خاصة عند الاقتضاء والنزاعات التي قد تنشب بينهم، والشارة عبارة عن علم يحمل شعار كل صنعة وما يناسبها، وهو ما ذكره القلقشندي
22
عن بني مرين وخروج السلطان للاحتفال بليلة العيد بقوله: «وفي ليلة العيدين ينادي والي البلد في أهلها بالمسير، ويخرج أهل كل سوق ناحية، ومع كل واحد منهم قوس أو آلة سلاح، متجملين بأحسن الثياب، ويبيت الناس تلك الليلة أهل كل سوق بذواتهم خارج البلد، ومع أهل كل سوق علم يختص بهم عليه رنك أهل تلك الصناعة بما يناسبهم.»
وقد أسهمت التطورات الداخلة على أهل الحرف والمهن في تنظيم هيكلهم وإكسابهم نظاما متدرجا فيما بينهم، ولم تكن هذه التدرجات واضحة المعالم في بداية الحكم الإسلامي، لكن سرعان ما تمكن الصناع والحرفيون من تكوين سلم حرفي فيما بينهم، من خلال تحديد مراحل هذا التدرج، فيبدأ بالمبتدئ، ثم الصانع الأجير، ثم الصانع، ثم المعلم، وفي النهاية يتربع على قمة السلم الحرفي أهل الحذقة والخبرة من الصناع وهم النقباء أو الأمناء. (2-1) المبتدئ
بين ابن منظور
23
معنى المبتدئ قائلا: «من أبدأت بالأمر، ابتدأت به وبدأت الشيء: فعلته ابتداء.» فالمبتدئ هو أدنى درجات الحرفيين، فهو الصبي أو الغلام «فإن عطب الصبي أو الغلام»
24
وينضم هذا المبتدئ إلى معلمه ليكتسب ويتعلم أسرار المهنة وتقاليد أهلها، وفي بعض الأحيان لم يكن يتقاضى المبتدئ أجرا نظير عمله، بل إن ولي أمره كان يدفع أجرا لمعلمه مقابل تعلم وليه الصنعة، وفي بعض الأوقات كان أجر المبتدئ هو عمله كما ذكر «وقال أيضا فيمن دفع غلامه إلى من يعلمه الخبز والطبخ، يكون العبد عند معلمه على أجر معلوم.»
25 «أرأيت إن دفعت غلامي إلى خياط أو قصار ... يعلمونه ذلك العمل بأجر معلوم ودفعته إليهم ... وكذلك إن دفعته إليهم ليعلموه ذلك بعمل الغلام سنة.»
26
كما حدث لأحمد بن محمد بن زكري الذي كان يتيما فربته أمه وأرسلته ليتعلم حرفة الحياكة وكانت أجرته نصف دينار في الشهر «وأتت به يتعلم الصنعة وأدخلته في طراز عند معلم ليتعلم الحياكة وبقي عنده حتى تعلم النسج.»
27
وفي بعض الأوقات حصل أولئك الصبية المبتدئون على أجر مقابل تأدية عملهم، خاصة أن ذلك العمل كان بنظام العمل لا بالوقت، كما ذكر ابن أبي زيد:
28 «فيمن أجر غلمان يخيطون مشاهرة وهو يقاطع الناس على الثياب، فيطرح على أحدهم ثوبا على إن فرغ منه اليوم فله بقية يومه، وإلا فعليه تمامه في يوم آخر لا يحسب له في الشهر.»
فلهذا عمد الصناع وأولياء أمور أولئك المبتدئين إلى تحرير عقد ليحفظ كل طرف منهم حقه ، بتحديد نوعية العمل، والوقت، بالإضافة إلى الأجرة المتفق عليها، وفي ظل تلك الظروف عانى المبتدئون من ثقل الجهد الموكول إليهم نتيجة لاستغلال معلميهم لهم بشكل قاس ومهين، خاصة إن كانوا أيتاما لا ولي لهم أو معيل. أما في حالة تعلم الأبناء للحرفة أو للصنعة من الآباء والأجداد فإنهم يتقنونها بشكل بارع حتى يتوارثوا الحرفة فيما بينهم ولا تندثر، مثلما فعل أهل الذمة وبخاصة الصناع اليهود.
29 (2-2) الصناع الأجراء
الأجراء هم من يمارسون أعمالهم لحساب الغير لقاء أجور محددة يتقاضونها ممن استأجرهم، وكان يشترط عند استئجار الصناع الأجراء أن تحدد الأجرة والوقت حتى لا تنشب خلافات بين الطرفين؛ فكان «لا يجوز لرجل أن يستأجر رجلا في شيء؛ خياطة أو صبغ أو خرز أو دلالة حتى يتفق معه على أجرة معلومة.»
30
وقد يشترك في بعض الأحيان أكثر من عامل أجير في تأدية عمل واحد فيما بينهم، كالخياطة مثلا، فكانوا يقسمون العمل فيما بينهم،
31
والأجراء كغيرهم من العمال يبدأ عملهم في الصباح؛ فمن عادتهم العمل بعد صلاة الفجر وقد يستمر العمل إلى صلاة المغرب، ويتوقف العمل يوم الجمعة ويخفف في شهر رمضان، وتختلف مواعيد العمل من الصيف إلى الشتاء؛ نظرا لطول مدة النهار في الصيف وأثرها على أداء الصناع،
32
وبعض الحالات كان يؤجر الأجير لمدة تطول تصل لشهر «بأن يؤجر نفسه في خياطة شهرا.»
33
ونظرا لطبيعة مجتمع الغرب الإسلامي وما تمتع به من خصوصية؛ يؤدي الأجير في أغلب الأوقات عمله داخل بيت من استأجره، إما لعدم وجود من يتابع العمل من الرجال أو لحرص أصحاب العمل على خصوصيته، وفي بعض الأحيان يفسد الصانع ما جاء لإصلاحه أو لعمله، أو يفقد العمل الموكل إليه، كقول أحدهم: «فإني استأجرت خياطا يخيط لي في بيتي فضاع ما استأجرته له.»
34
وقد روعي عند استئجار الصناع الأجراء أن تحدد مواعيد عملهم، وطبيعة العمل الموكل إليهم، ومواصفات الإنتاج، مع التنويه بضرورة القيام بتوابع العمل، وعلى من تقع المسئولية فيما يخص الأدوات، بالإضافة لضمان الصانع لعمل يده.
35
فضلا عن تحديد المقاسات والأطوال، وهو ما جاء ذكره في أحد العقود بشكل جلي ففي «عقد تاريخه شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، فيه أنه دفع إلى مفرج بن مبارك النساج؛ عشرة مثاقيل قديمة طيبة، على نسج أربعين شقة خز، كل شقة من ستين بيتا، سعة كل شقة أربعة أشبار، وطولها ست عشرة ذراعا.»
36
ويذكر الونشريسي
37
في إحدى النوازل عن استئجار صانع لعمل عمامة بقوله: فكانت «عادة هذا الصانع إذا استؤجر على عملها يكتال عرض العمامة بمعاينة ربها، يتفق معه بثمن معلوم بعد أن يحيطا خبرا بصفتها ولونها، وربما يريه مثلا يتفقان عليه ويذكر وقت الشروع كاليوم ونحوه، وتارة يشترط تقديم الثمن، وتارة يؤخر إلى الفراغ من عملها.»
وهنا لا بد من الحديث عما يتقاضاه الصانع الأجير وبخاصة أجير النسيج؛ لأن في ذلك عرفا يقاس عليه ويقدر، فلا يجوز أن يستأجر أحد في أمور خياطة ولا غيرها إلا بعد الاتفاق على أجرة ووقت معلومين يرضي الطرفين،
38
فمنهم من تقاضى «نصف دينار في الشهر»
39
لأنه أحيانا وبعد الاتفاق ينكر صاحب الثوب أو صانعه قيمة الأجرة «فيقول رب الثوب بدرهمين والصانع بأربعة.» نظير خياطته،
40
أو يؤجر على خياطة ثياب تسمى له وتوصف، أو يصنعها بيده دون غيره وهو من شروط الاتفاق، لأن كثيرا من الصناع ونتيجة لكثرة الأعمال الموكلة إليهم كانوا يعطون الثياب التي لديهم لصناع آخرين حتى يفوا بميعادهم ولا يفقدوا زبائنهم، إما لشهرتهم ودقتهم في الصنع، أو لظروف منعتهم من القيام بالعمل في وقته،
41
أو أن خياطا يعرض عمله وأجرته على أحد بقوله: «أخيط لك هذا الثوب بمثل ما خطت به لفلان من الأجر والصناعة والصباغ، يصبغ لرجل ثوبا فهو بهذه المنزلة، وكل هذا مكروه عند مالك، وكذلك في الإجارة يقول أؤاجرك نفسي مثلما آجر فلان نفسه.»
42
وفي بعض الأوقات - وإن قلت - أنكر الأجير العمل الموكل إليه وقيمته، كالذي أوكل إليه أن يبيع فروا ثم حصل على ثمنه لنفسه، وادعى أن الفرو له وليس لمن استأجره،
43
وهو ما يعني أن الأجرة والإجارة «لا تكون إلا بتسمية معلومة وأجل معلوم.»
44
وقد يحدث هذا نتيجة لعدم وجود عقود أو شهود على ذلك الأمر، أو أحدهم «يحبس العين على الأجرة.» أي يحجب ما كلف بعمله حتى يحصل على أجرته.
45 (2-3) الصانع
الصانع هو المنتصب لبيع صنعته بمحله،
46
وانقسم الصناع لفئتين؛ الأولى: وهم الصناع المشتغلون بأجرة خاصة في الأماكن التابعة للسلطة كدور الطرز أو من يعملون لدى الصناع الكبار والمعلمين، والثانية: هم من يعملون لحسابهم في حوانيتهم أو منازلهم، إما بتعلمهم الحرفة أو الصنعة، أو أنها متوارثة عن الآباء والأجداد وفي حالة تعلم الأبناء الحرفة أو الصنعة من الآباء والأجداد فإنهم يتقنونها بشكل جيد يسمح لهم بمزاولتها.
47
ووجب على الصانع احترام معلمه أثناء مزاولة عمله، ومن مظاهر هذا الاحترام أن يمشي خلفه، ويقضي له حاجاته، مطيعا لأوامره، مدافعا عن مصالحه، يتحمل عنه العقوبة والهوان،
48
فضلا على أن يتبع إرشاداته ونصائحه، ولا يتبعه في أمور الغش والتدليس التي عادة ما اشتهر بها بعض من صناع النسيج.
49 (2-4) المعلم
هو الصانع المنتصب لعمل، ويملك عناصر الإنتاج والصنعة من رأس المال والأيدي العاملة، ومحل الصناعة والعمل، وكذلك التنظيم؛ لهذا ألزم بأن يقع عليه الضمان فيما يصنعه وما يقع تحت إشرافه من صناع ومبتدئين وأجراء، فكانت علاقته بهم مبنية على الاحترام، يعلمهم أسرار الصنعة ويمكنهم فيها ويعاونهم ويعاونونه، وقد يدفع الصناع أجورا مقابل العمل لديه، وفي الغالب كانت زهيدة، خاصة المبتدئين منهم والذين تكفل عنهم أولياء أمورهم بدفعها.
50
وهو ما تؤكده النوازل الفقهية كالذي «دفع غلامه إلى من يعلمه الخبز والطبخ، يكون العبد عند معلمه.»
51
ما يوضح رغبة أولياء الأمور في دفع صبيانهم وغلمانهم ليتعلموا حرفة أو صنعة، أو كالتي «دفعت غلامي إلى خياط أو قصار ... يعلمونه ذلك العمل.»
52
أو أن هؤلاء الصبية يدفعون أنفسهم لأحد المعلمين دون علم ولي أمرهم لتعلم حرفة «أريت أن صبيا آجر نفسه وهو صغير بغير إذن وليه.»
53
وقد نهي عن اتباع أوامر المعلمين فيما يتعلق بمخالفة الشرع في عملهم، التي يسفر عنها الغش والتدليس، خاصة بعض الخياطين - المعلمين - فكان يكلف الصانع الذي يعمل لديه أن يخيط بالخيط غير المفتول؛ لأن الخيط إذا لم يفتل لا تكون خياطته قوية بل ضعيفة، أو يأمره بأن يوسع بين الغرزتين أثناء الخياطة، وفي بعض الأحيان يخيط الثياب المنهي عن خياطتها أو التي لا يجوز لبسها.
54 (2-5) العريف أو النقيب أو أمين الصنعة
ظهر من بين الصناع أفراد مهرة نبغوا في أعمالهم وصنعتهم أطلق عليهم العرفاء، فوجد عريف لكل مهنة وحرفة، خاصة من الحاكة وتجار البز، يلجأ إليه عند وقوع الخلافات في أمور الصنعة والبيع، أو الوقوف أمام بعض الإجراءات الحكومية التعسفية التي كان يلاقيها الصناع في بعض الأوقات،
55
لأنه من أهل المعرفة بالهندسة والصناعة،
56
لهذا تمتع الأمين بسلطات واسعة بين أبناء صنعته فهو مرجعهم في نزاعاتهم الشخصية والمهنية،
57
فوقع على عاتقه اختيار الصناع الجدد لكل حرفة أو صنعة،
58
فهو وسيط بين أهل حرفته والمحتسب في كل ما يتعلق بشئون الحرفة، وله حكم ظاهر وواضح على الصناع، يطلعهم على قواعد وأسس العمل المهنية، بالإضافة إلى أنه المسئول أمام المحتسب عن أي مخالفة فيما يتعلق بالأمانة المهنية للصناع،
59
وللعريف رئيس يسمى عريف العرفاء، أو شيخ العرفاء، فيذكر ابن عبدون
60
في هذا الشأن «يجب على القاضي أن يجعل في كل صناعة رجلا من أهلها فقيها، عالما، خيرا، يصلح بين الناس إذا وقع بينهم الخلاف في شيء من أمورهم ولا يبلغون الحاكم، وهو شيء حسن جدا، وهو العريف، ويجب أن يكون أهل ثقة عارفا بأمور الصنعة، يأمر بعدم خلط الأموال، وأن يراقب الموازين والمكاييل وكذلك السنوج.»
ومن طريقة اختيار العريف - الأمين - نشأت صلة بين السلطة الحاكمة وهؤلاء العرفاء؛ فبواسطتهم أشرفت السلطة على معظم المهن وسير الأمور بالأسواق بالطريقة التي تقبلها.
61
وعلى أثر ذلك كان للحرفيين والصناع دور مهم في مجتمع الغرب الإسلامي، وإن كان ذلك بشكل عام، فتمثل ذلك الدور المجتمعي في: (1)
تعليم أسرار المهنة للصبية المتدربين. (2)
المراقبة الفنية للمتدربين في المهنة الواحدة ومنع الغش والتدليس. (3)
المشاركة في تحديد الأجور وأسعار السلع، ويكون ذلك بصفة خاصة للأمناء. (4)
هو حلقة الوصل بين الحرفيين والصناع والسلطة عن طريق المحتسبين في توصيل طلباتهم وشكواهم للسلطة.
62 (3) تضمين صناع النسيج
جاءت مسألة تضمين الصناع والأجراء الموكل إليهم صنع أو إصلاح شيء ما كأمر ضروري؛ لأنه لو ترك الصناع على حالهم دون تضمين؛ نتج إهمال وضياع وهلاك الأموال والأمتعة، فتكثر الخيانة ويقل الحذر؛ فوجب عليهم الضمان. وفي الأصل أن الصناع الأجراء لا ضمان عليهم؛ لأنهم مؤتمنون، ولأنهم أجراء ولا ضمان على الأجير بقوله
صلى الله عليه وسلم : «لا ضمان على مؤتمن.»
63
وبقوله
صلى الله عليه وسلم : «إن على اليد ما أخذت حتى تؤدي.» فتعددت الأسباب التي أدت للتضمين ما بين التلف، والعدوان، والغصب، ووضع اليد، والتسبب في الإتلاف؛ فكلها أمور أوجبت التضمين على الصناع.
64
والصانع الأجير أو الأجير المشترك لا يضمن ما أتلفه، فوقع الضمان على الصانع الذي يبيع ما يصنعه أو يصلحه؛ لأنه نصب نفسه لأعمال الناس؛ ما أوجب عليه الإتقان في عمله؛ «لأن الصناع ضامنون لما تلف عندهم بأجر أو بغير أجر إلا أن تقوم لهم بينة بأنه تلف من غير سببهم.»
65
لهذا وقع التضمين على صناع النسيج كالقصار فلا ضمان عليه «إلا ما ضيع أو فرط أو تعدى.»
66
والصباغ والخياط يضمن الثوب إذا أفسده أو أخطأ في إصلاحه أو ضيعه،
67
وكذلك الغسال يضمن الثوب إذا ضيعه أو أفسده أو أخطأ فيتحمل قيمة الثوب،
68
والحائك يضمن قيمة الغزل.
69 (4) شركة الأبدان لصناع النسيج
شركة الأبدان هي اتفاق يشترك فيه اثنان أو أكثر من الصناع في عمل ما يجمعهما ومكان واحد، وأجاز الفقهاء شركة الأبدان على شروط محددة: (1)
أن تكون الصنعة واحدة. (2)
الجودة والرداءة واحدة. (3)
أن تكون النية مجتمعة. (4)
أن يكون العمل يحتاج إلى آلة كالكمد والنجر والنسج والصيد. (5)
يعملان في موضع واحد (حانوت) بينهما على السواء أو قدر الأجزاء المشتركة.
70
لهذا قدر الربح على ما ينتج كل صانع من عمله كالخياطين، ويتوقف عمل أحدهما على عمل الآخر، فأحدهم يجهز الغزل والآخر يقوم بالنسج أو الخياطة وغيرهما.
71
فمن موجبات شركة الأبدان ألا يعمد أحدهم إلى التفاوض في أمور الصنعة من دون الآخر، أو الاقتراض من غير الآخر، وأن يسعيا معا ولا يفترقا، وهو ما ألزم كتابة عقود لتوثيق الحقوق؛ فجاءت صيغة عقد شركة الأبدان في الصنعة كما يلي: «اشترك فلان وفلان الحدادان أو الكمادان في عمل الحديد أو الكمد بسوق كذا من مدينة كذا، يقعدان في حانوت واحد، ويعملان فيه على السواء، بعد أن يقيما من أموالهما بالسواء ما تحتاج إليه صناعتهما من آلة ورأس مال، ويكون ما أفاء الله تعالى عليهما فيها من رزق بينهما نصفين، وعلى كل واحد منهما تقوى الله تعالى وبذل النصيحة وإخلاص النية والاجتهاد.»
72
ومن موجبات هذه الشركة أن يعملا معا في حانوت واحد كما ذكر الإمام سحنون:
73 «أرأيت الصباغين أو الخياطين إذا اشتركوا على أن يعملوا في حانوت واحد، وبعضهم أفضل عملا من بعض، أتجوز الشركة بينهم؟ قال مالك: إذا اشتركوا على أن يعملوا في حانوت واحد فالشركة جائزة.» هذا وقد تشارك عدد من الصناع في عمل بعض الثياب، وفي هذا الإطار يذكر ابن أبي زيد
74
أنه «ولو شهدوا في ثوب أنه غزل من قطن فلان، ونسج فلان، قال: فالقطن قطن من شهدوا له بالقطن، والغزل غزل من شهدوا له بالغزل، والنسيج نسيج من شهدوا له بالنسج.»
فمن الواضح أن شركة الأبدان لم تكن موافقة لأحكام الشرع بشكل دائم، واعتبرها الفقهاء شركة فاسدة بسبب اختصاص البعض بالعمل وبالسلف وهو ما أفسدها.
75 (5) صناع النسيج في الغرب الإسلامي (5-1) القزاز أو الحرار
القزاز لفظ فارسي يقصد به القائم على تربية دود القز، كما أطلق على صانع الثياب الحريرية، والحرار هو صانع الحرير،
76
ولم تقتصر مهنة القزازة على الرجال فقط بل عملت بها النساء أيضا؛ فكثيرا ما اشتركت النسوة فيما بينهن في شراء بعض الأدوات الخاصة بغزل الحرير ك «ماعون الحرير»، ومنهن من كن يضطررن للاستدانة لشراء تلك الأدوات.
77
وانقسم صناع الحرير إلى عدة أقسام: (1)
إما صانع يعمل بالأجرة عند غيره وينفذ تعليمات معلمه، ويأخذ المشورة والرأي منه. (2)
أو يأتيه الناس بالغزل ينسجه لهم وهو ما سمي بالقبالة.
78
واتصف قزازو وحرارو الغرب الإسلامي بدرجة عالية من المهنية والمهارة فيما يخص صنعتهم؛ ما أثر على مكانتهم الصناعية داخل مجتمعهم، كالذي تلقى تهديدا بالقتل من أحد الصناع المنافسين لإتقانه عمله وجودة منتجه! إذ حدث لأحد صناع الحرير المغاربة المقيمين بالقاهرة هو وأخته، أن تلقى تهديدا من قبل بعض صناع الحرير المصريين المنافسين له داخل المدينة، وأنه إن لم يتوقف عن العمل لانقطاع سبل عيشهم بسبب حزقه ومهارته في صناعة الحرير وعدم قدرتهم على منافسته؛ فإنهم سيقتلونه.
79
وقد توجب على القزاز أو الحرار أن يراعي عدة أمور، منها:
منع وصول النجاسة إلى الغزل أو الثياب.
عدم مشيه بقدميه على الغزل وبها نجاسة، كما لا توضع على الأرض النجسة أو على موضع نجس، أو نشر الغزل على حائط أو حبل نجس.
أمر صناعه وصبيانه بمراعاة تلك الأمور.
لذا وضعت المعايير والقواعد لضمان جودة صنع ثوب الحرير، منها أن الثوب لا يقل عن اثنين وأربعين بيتا في النول، وواحدة وعشرين أوقية في الوزن، فما خالف ذلك كان مغشوشا،
80
وأفضل الحرير الذي تكون سداه قوية ومتينة، ناعمة الملمس، والثوب الجيد هو الذي انتظم نسجه وثقل وزنه، أما الرديء منه «فهو ضعيف السدى، خفيف الوزن، رخو النسج، غير زاهي اللون.»
81
وتوجب على القزاز والحرار عدم خلط الغزل الغليظ والرفيع؛ لأن بعضهم أخذ الغزل الرفيع لنفسه وبدله بأغلظ منه لغيره، أو بغزل الغزل العفن الضعيف مع الغزل الرفيع ما اعتبر نوعا من التدليس،
82
أو يحتفظ بعضهم بالخيوط التي تفيض عن الغزل والخياطة، أو يترك أحدا من صبيانه وغلمانه يرميها، ولكن وجب عليه أن يعطيها لصاحبها مع الثوب، ومنهم من يخيط الثوب أو الخرقة ويكملها بغزل سوقي رديء من عنده أو من غزل زبون آخر ليكملها به، ومنهم من يشتري الغزل وينسجه لنفسه ويبيعه، فيستخدم الشمع أو الدلك أو بعض المواد التي يترتب عليها إضعاف الغزل؛ لأن أغلبهم تساهل في ذلك من أجل البيع والكسب دون بذل مجهود.
83
كما لجأ القزازون لأمور الغش والتدليس في صنعتهم، بغلي غزل الحرير الأبيض الذي عرف ب «المصرقة أو المسرقة» نصف غلي وإخراجه ولم يكتمل بعد ليصبغ؛ ما يضعف الغزل، وبالتالي نسجه عند استعماله،
84
فبعضهم باع الغزل إلى الخياطين ولكن سرعان ما يتغير بمجرد غسله لأنه «يتصوف وينفش ويرجع إلى أصله شعرا.» ومنهم من ينسجه ويبيعه خرقة، أو يمزجه لصنع ثياب أخرى تكون ضعيفة، أو استخدام بعضهم الشمع أو الزيت أو السمن أو الصمغ أو النشا لجعل الغزل أكثر نعومة ولمعانا وبريقا فتصير الثياب صفيقة الشكل والملمس بتدليك وجه الغزل والثياب بها.
85 (5-2) الكتان
تختلف خيوط الكتان بتنوع خيوطه وأصنافه، فأجوده المصري الجيزي؛
86
لأنه من النوعيات الجيدة وذات الشهرة العالية؛ ولهذا عندما سئل أحد الفقهاء عن المرأة الغازلة التي تغزل الكتان وتمسك الخيوط بفيها، خاصة في شهر رمضان أثناء فتلها لخيوطه، كانت تستخدم لعاب الفم في ترابط الخيوط وتماسكها، وبما أن الكتان الجيزي من نوعية الكتان ذي الطعم المالح؛ لهذا نهى الفقهاء عن وضع تلك النوعية في الفم لأنه يبطل الصوم؛ فكان الرد «إن كان الكتان مصريا فجائز مطلقا، وإن كان دمنيا
87
له طعم يتحلل فهو كذوي الصناعات.»
88
وتظهر جودة الكتان كلما كان مورقا ونقيا؛ ما يساعد على سرعة غزله ونسجه، وكلما كان ألين وأملس وأرطب كان أفضل، على عكس الرديء منه فإنه يتميز بالخشونة وتفتق النسج وكثرة ما يعلق به،
89
فتوجب على الصناع تجفيف الكتان في الشمس لكي يفرد ويفند، لأن بعض النسوة كن يدلكن الكتان بالماء كي يزيد وزنه؛ فوجب عليهن تجفيفه، كما توجب على اللواتي يغزلن في بيوتهن أن يبعن غزلهن إلى الشيوخ المعروفين بثقتهم في مخالطة النساء، لأن ذلك يعبر عن طبيعة الإسلام والعادات والتقاليد الإسلامية التي تمنع مخالطة الأجانب من الرجال، وفي حالة شرائهن من الأسواق توجب عليهن عدم الجلوس على أبواب غزالي وصانعي وتجار الكتان ما كان يعرضهن لمضايقات الصناع والتجار، لهذا خصص للنساء موضع لبيع غزلهن داخل الأسواق.
90
ومن طرق الغش التي اتبعها صناع الكتان أثناء غزلهم ونسجهم الكتان ؛ خلط ما يخرج من الكتان الناعم الذي يعرف بالقنداس وبيعه على أنه كتان خالص،
91
وكذلك جمع السحاح وهو بقايا الكتان بعد ندفه ثم بيعه وهو يشبه بلقط الصوف أو بيعه مكببا كما في غزل القطن،
92
فكان يرافق الكتانيين بعض الصناع كصناع الخيش وهو الغليظ من رديء الكتان يصنعون منه بعض الأكسية والمنسوجات،
93
كما منع الكتانيون من رش الكتان بالماء أو بجعله في أماكن رطبة كي يرطب، فيثقل وزنه عند البيع.
94
واعتاد الكتانيون استخدام الجير المطفي في تبييض الكتان؛ لهذا خصص موضع لهم عرف ب «دار المبيض».
95 (5-3) القطان
القطان هو حائك القطن، وقيل عنه إنه تاجر القطن، وصلب عمله ندف وحل القطن، وهي العملية التي تعرف بالحلج، والنداف ذلك الشخص الذي يقوم بتنظيف القطن وفرده، وعمليتا الندف والحلج تحتاج لأيد عاملة كثيرة من العمال،
96
لأن ندف القطن يكون بشكل متكرر حتى تزول القشرة السوداء وبقايا بذوره التي تعلق به، لأن وجودها في غزل القطن يزيد من وزنها ويجلب الفئران والحشرات الضارة له؛ ما يعرض الغزل والثياب للتلف والقرض.
97
ولجأ بعض القطانين من أصحاب السمعة السيئة لوضع القطن بعد ندفه في الأماكن الندية حتى يرطب ويثقل وزنه عند البيع؛ ما اعتبر من أنواع الغش والتدليس، ومنهم من يجمع القطن المتطاير على الحوائط أثناء الندف ويخلطه مع القطن الصافي الذي يسقط من النداف أثناء عمله سافل البسطة، وهي الحجر الصلد الذي يستخدمه القطان في عملية الندف، ثم يبيعه على أنه قطن صاف، وهو ما نهى عنه المحتسبون، أو يقوم أحدهم بخلط القطن الأبيض بالقطن الأحمر، ذي النوعية الرديئة والأقل جودة من القطن الأبيض، وبيعه بسعر واحد دون إخبار الزبائن عن أمر القطن، كما لجئوا إلى تخبئته أسفل القطن الأبيض أثناء البيع وخداع المشتري فلم يعرف إلا عند الغزل،
98
ومنهم من حشا الثياب بالقطن البالي خاصة، فيجعل القطن الجيد في مواضع التقليب وبخاصة في المقدمة والأعمدة، ويترك القطن البالي في الأطراف.
99 (5-4) الصواف
والصواف من يقوم بصنع المنسوجات الصوفية، ومنهم يصنع العمائم، كانوا يضعون أمام مواضعهم قوالب خصصت لعمل العمائم تلف عليها وسميت عندهم بالرءوس،
100
وعمل بعض الصوافين في أربضة خصصت لصناعة الصوف، كما بتلمسان؛ فكان بها ربض مخصص في إنتاج الصوف، خاصة الموضع المعروف فيها بمسجد إيلان،
101
ومنهم من امتلك مواضع ودروبا خاصة به تنتج منسوجات الصوف، بها العديد من العمال والصناع والخدام.
102 (5-5) الحائك
هو من يقوم بنسج الغزل ليصنع ثوبا، واعتبرت الحياكة من الصناعات الضرورية بل إن وجودها من فروض الكفاية في المجتمع،
103
ولابن خلدون
104
قول في الحياكة اعتبر وصفا دقيقا لها؛ فهي «نسج الغزل من الصوف والكتان والقطن إسداء في الطول وإلحاما في العرض وإحكاما لذلك النسج بالالتحام الشديد؛ فيتم منها قطع مقدرة فمنها الأكسية من الصوف للاشتمال، ومنها الثياب من القطن والكتان للباس.» في حين اعتبرها البعض الآخر من المهن الرذيلة.
105
وحدد السبكي
106
للحائك معايير يتبعها في عمله بقوله: «ومن حقه ألا ينسج ما يحرم استعماله، ويجوز جعل طراز من حرير، بشرط ألا يجاوز قدر أربع أصابع.»
واستخدم الحائك بعض أدوات لإتمام عمله كالحجر الأسود الخشن لتنقية شقق الثياب من القشور، والموازين والأرطال لوزن الغزل بعد إتمامه العمل أو عند استلامه من الزبائن، والجرن وهو عبارة عن إناء عميق بقدر أن يوضع فيه الغزل والثياب لتغسل أو تفرك لإزالة الشوائب والعوالق التي بها، وصنع في العادة من الحجر، ويوضع خارج موضعه، ويغطى بأغطية من الخشب حتى لا تقصده الحيوانات لا سيما الكلب للشرب فينجس الماء، وفي حالة عدم تغطيتها وجب أن «تغسل بالتراب سبع مرات لتنظيفها.»
107
وعملية صنع وتجهيز الثياب تتم على حسب رغبة الزبائن، ففي البداية يقوم الحائك بتنقية الغزل، ثم يحدد الأطوال والمقاسات للثياب المراد صنعها،
108
وبعد تحديد القياس وجب عليه أن ينسج الثوب المصطحب وهو الثوب غير معقد الخيوط، ويزيل تلك الخيوط الغليظة التي لا تتماشى مع النسج؛ كي لا تفسده وتقلل من قيمته، وكذلك المحافظة على قوة الخيوط أثناء النسج كي لا تقطع فوجب عقدها وليس فتلها؛ لأن ذلك يضعف الخيط والثوب،
109
ما استوجب عليه الحذر عند أخذ تلك الأطوال كي لا يفسد الغزل ولا يتحمل ضمانه، وقد حدث أن تعرض الحاكة لبعض الخلافات ومنها أن ينسج الثوب على قياس خطأ فيقول أحدهم: «أمرتني بأن أنسج ثوبك ثلاثا في ست، وقال ربه: بل تسعا في أربع.»
110
أو «أراد صاحب الثوب أن ينسج غزله سبعا في ثمان فنسجه ستا في سبع.»
111
وكان على صاحب الغزل أن يسلم الحائك الغزل وزنا ويستلمه بالوزن، وذلك بعد غسله تجنبا لأمور الغش والتدليس؛
112
لأن الغزل الذي لا يغسل يصبه العفن؛ فوجب على الحائك أو صاحب الغزل غسله، وهو ما أشارت إليه أمثال العامة في تحذيرها من هذا بالقول: «كل شيء يهون، إلا الغزل المعفون.» فلا ينفع في بيع ولا شراء ولا حياكة.
113
ونصب للحاكة عريف منهم «طاهرا مأمونا بصيرا بما يجري من الخطأ والتدليس.»
114
للمراقبة والإشراف لمنع إهدار الوقت والإهمال في أمور الصنعة - في بعض الأحيان - وتفقد أمورهم، ويلجأ إليه عند وقوع الخلافات، مثلا: أن يدعي صاحب الغزل أن الحائك قد أبدل غزله وأعطاه بدلا منه،
115
أو يدعي أن الثوب قد بغرض المساومة والسرقة،
116
كما نهى العريف الحاكة عن استخدام نثر الدقيق أو ماء الخبز أو النشا أو الجير المشوي أثناء الغزل؛ لأنه يداري عيوب النسج؛ ما اعتبر نوعا من أنواع الغش والتدليس،
117
فوضع بعض الغرامات على من يغزل وينسج الغزل المنقوض.
118
وعن أجرة الحاكة فقد اختلفت من حائك لآخر حسب جودة إنتاجه ودقة نسجه بالإضافة لخبرته وشهرته بين الناس؛ فبعضهم حصل على أجرته مقدما؛ ما جعله يتكاسل في الانتهاء من نسج الثياب،
119
أو يحصل على أجرتهم بطريق مشاركة صاحب الغزل في الغزل إذا «قيل للحائك اقطع ما زدت وخذه لنفسك، وادفع قيمة الغزل ما لم يكن في القطع ضرر؛ فيخير صاحب الغزل بين إعطائه أجرة مثله في نسجه أو يشاركه في الثوب.»
120
أو يذهب أحد الزبائن إلى حائك ويجده ينسج ثوبا ولم ينته من عمله فيريد أن يأخذه منه ويعطيه ثمنه.
121
ونتيجة لكثرة الأعمال الموكلة للحاكة استخدموا الكثير من العمال والأجراء والصبية لمساعدتهم في أعمالهم، ففي بعض الحالات - وإن قلت - استخدم أحدهم نحو خمسين عاملا، في حين الغالب على معظمهم ما بين خمسة أو ستة عمال ومبتدئين.
122 (5-6) الخياط
اتسم خياطو الغرب الإسلامي بقدر كبير من الحرفية والمهارة في أمور صنعتهم، نظرا لتبادل الخبرات الحرفية مع غيرهم من الصناع، فكان بمدينة تونس في عام 690ه/1289م سبعة خياطين من مدينة جنوة،
123
ما يعطي صورة عن الرواج الصناعي والتجاري لتونس خلال تلك الفترة من خلال وجود العديد من الصناع، وبخاصة صناع النسيج؛ لأن أسلوب وطريقة الخياطة تختلف من بلد لآخر، كطلب أحدهم من خياط بأن يحل أكمام جبة بقوله: «إن المستنصر خلع علي جبة جربية من لباسه، وتفصيلها ليس من تفصيل أثوابنا بشرق الأندلس، وأريد أن تحل أكمامها، وتصيرها مثل ملابسنا. فقلت له: وكيف يكون العمل؟ قال: تحل رأس الكم ويوضع الضيق بالأعلى والواسع بالطرف. فقلت: وبم يحير الأعلى؟ فإنه إذا وضع في موضع واسع سطت علينا فرج، ما عندنا ما يصنع فيها إلا أن رقعنا بغيرها.»
124
ونصح خياط ابنه بقوله: «يا بني لا تكن كالإبرة تكسو الناس وأنت عريان.» أو كالذي سأل أحد الخياطين عن حرب شهدها فوصفها بمفردات صنعته بقوله: «لقيناهم في مقدار الخلفان، فصيرونا في مثل قوارة، فرحنا عليهم من وجهين كأنا مقراض، واصطفت الصفوف كأنها دروز، وتشابكت الرماح كأنها خيوط، فلو طرحت إبرة لم تقع إلا على زر رجل.»
125
واختلفت أنواع الخياطة ما بين درز وهي الدقيقة الضيقة، وشل وهي الواسعة الخفيفة،
126
وعلى الخياط أن يحرص بأن تكون الإبرة - أو كما أطلق عليها العامة الميبر أو المئبر
127 - دقيقة وضيقة الغرزة، والخيط المستخدم يكون قصيرا؛ لأنه إن طال انسلخ وانقطع فتله فتضعف خياطته، ولا يخيط بفرد خيط واحد وإنما يخيط بخيط كامل مفتول حتى تقوى الخياطة ولا تتفتل وتضعف،
128
لهذا وجب على الخياطين اختيار الإبر الجيدة الصنع خاصة المصنعة من الفولاذ، لأن إبرة الخياطة تسن ثلاث دفعات وتصقل، وأحسنها المدورة العين.
129
وكان على الخياط أن يجود تفصيله للثوب ويحسن فتحة الجيب، وكذلك سعة التخاريص - وهو ما يزيد من عرض الثوب تحت الكمين - ويجعل الكمين معتدلين والذيل مستويا،
130
فمنهم من يقص الثوب ويخرطه بقدر كبير ليصير ضيقا في الخواصر، أو يكون جزءا أكبر من الجزء الآخر وهو من عيوب الخياطة، كما لجأ بعضهم إلى حشو أكمام وكف الثوب بالرمل، خاصة أثواب الخز؛ لأنها من الأثواب التي توزن قبل وبعد الخياطة، لتصير ثقيلة الوزن فيسرق منها بقدر الوزن.
131
ووجب عليه أيضا أخذ رأي صاحب الثوب في طريقة الخياطة المطلوبة، لو أن طريقة الخياطة تنقص من قيمة الثوب بعد إتمامه، ويعطي لصاحب الثوب تصورا للطريقة والأسلوب الذي يريد الخياطة بها إما بالوصف، أو يعطيه ثوبا يصنع مثله،
132
وتعين على الخياط أن يقدر أجرته قبل بداية العمل، وخاصة الثياب الثمينة كالديباج والحرير، على أن يأخذها وزنا لأن هذه النوعية من الثياب تؤخذ وزنا وليس قياسا؛ لغلو ثمنها،
133
وأن يتحرز عند القياس والقطع، لأن كثيرا من الزبائن كانوا يفوضون الخياط بأن يقطع القياس المناسب على أن يكفي لعمل ثوب بقدر لا يزيد ولا ينقص، وإن لم يكف فكان الخياط يتحمل ثمن الثوب عقابا له على عدم تقديره في القطع،
134
كما لجأ بعض الخياطين لأخذ ما تبقى من خرطات وقصاصات الثياب ليستكملها في ثوب آخر دون علم صاحبها؛ فتعين على الخياط أن يجمع قصاصة الثوب فيحفظه عند طيه للثوب ويعطيها لصاحبها،
135
أو بعمل الطواقي والأقباع من الثياب والخرق الملبوسة، بعد أن تغسل وتصقل حتى تصير كأنها جديدة، فتباع بسعر الجديد أو بما يقاربه، فإذا غسلت تقطعت وتمزقت وهو من باب الغش،
136
أو برقع الثياب؛ لهذا كان يشترط أصحابها رؤية الرقع قبل الخياطة،
137
وحرص على عدم ضياع الثوب حتى لا يقع الضمان عليه، فلجأ الزبائن للف الثياب المرادة خياطتها في قطعة قماش - منديل - حتى تكون معروفة ومميزة خاصة الثوب الغالي الثمن.
138
ومن عادة بعض الخياطين المماطلة وعدم الالتزام بالمواعيد في إنجاز العمل حتى يتردد الناس عليهم باستمرار،
139
بأن يقول لصاحب الثوب: «يفرغ ثوبك بعد ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر ثم لا يفي له بذلك.» وهو ما نهى عنه
صلى الله عليه وسلم
بقوله: «ويل للصانع من غد وبعد غد، وويل للتاجر من تالله وبالله.»
140
فوجب عليه الانتظام في عمله بأن يبدأ بالأول فالأول، ولا يقدم أحدا على آخر.
141
وفي الأوقات التي كثرت فيها أعمال الخياطين، وخاصة المعروفين منهم، لجئوا لإعطاء الثياب لأحد من غلمانهم أو صبيانهم ليخيطها،
142
أو يستأجر خياطا آخر على أجر معلوم «ويأخذ على خياطته درهما»؛ لذا اشترط الزبائن عليهم بأن يخيطوها بأنفسهم ولا يعطوها لأحد،
143
وفي بعض الأحيان اعتاد الناس إعطاء الثياب دون شرط أو قيد في أجرة أو وقت، ويدفعون لهم ما يطلبون لثقتهم فيهم وجودة إنتاجهم، خاصة لأهل الثقة من الخياطين.
144
ولجأ بعضهم لعقد اتفاق مع الخياط ليسرع في خياطة ثوبه بإعطائه أجرا مضاعفا «تعطيني الثوب بعد غد ولك ثلاثة دراهم.» أو يستأجره لمدة معلومة لعمل ثياب، ويشترط عليه ألا يصنع لأحد غيره وله الأجرة مقدما،
145
أو يعطيه ثوبا ويطلب منه أن يخيطه قميصا، والزائد منه يأخذه،
146
كل هذا على سبيل التحفيز للخياط لإنجاز العمل الموكل له، وفي حالة إخلاله بعمله كان يعرض في بعض الأوقات للعقوبة والمساءلة لعدم التزامه بوعده، وأمر الخياطون بأن تكون أجرة الخياطة متناسبة مع ثمن الثوب، بحيث لا تتعدى الأجرة ثمن الثوب؛ لأن هذا فيه إخلال. كما نهي الخياطون عن خياطة ثوب امرأة تعرف بالبغاء، والمتبرجة من النساء ، وكذلك للمكاس وغيره ممن تشوبه سمعة سيئة،
147
هذا فضلا عن عدم خياطة أثواب الحرير للرجال.
148
ووجب على الخياط المحافظة على سلامة حانوته أو منزله ومقر صنعته من السرقة أو الحريق؛ لأنها عرضة للحريق أو السرقة أو ضياع أو إتلاف الثياب،
149
وبالنسبة للنسوة اللاتي اعتدن أن يخطن بأنفسهن فكانت منازلهن مقرهن الدائم وبخاصة الفقيرات منهن، فكن يخطن ثياب أهل بيتهن، أو يفضلن قضاء وقت فراغهن في الخياطة.
150
وعلى الرغم من كل هذا فكانت الوضعية الاجتماعية والمالية للخياطين كسائر طبقات الصناع، فمنهم من عانى من الفقر الشديد وعدم القدرة على الإنفاق على أسرته، كأحد الخياطين كان «يخيط بالربع، فتزوج امرأة على أن ينفق عليها من صنعته، ثم طلقها، ثم طلبت نفقتها؛ فادعى فقره.»
151
وبعضهم اضطر للعمل داخل المساجد أو أعلى أسطحها لعدم قدرته على امتلاك حانوت خاص به، كما فعل بعض خياطي تونس؛ إذ لجئوا إلى الرواق الشرقي بجامع الزيتونة بأعلى سطحه؛ مما دعا السلطة لاستغلال تواجدهم بالأعلى بصفة مستمرة في مراقبة المنطقة المحيطة بالمسجد.
152 (5-7) القصار
القصارة هي عملية بل وغسل الغزل من الحرير أو الكتان أو الصوف أو القطن،
153
ونشره، فإذا جف أعيد عليه بالماء حتى يبيض وينقى بإزالة «الوسخ والدنس واللييس والغلظ»، والقصارة تمر بعدة مراحل، ووجدت أفران (الكوش) خاصة لغلي الغزل بمدن الغرب الإسلامي، كالتي كانت خارج مدينة فاس؛ لأنها من الأماكن الباعثة للروائح الكريهة وغير المستحبة،
154
وعلى القصار عند مباشرة عمله ألا يقصر بماء نجس غير طاهر، ولا يبسط الغزل أو القماش على أي شيء نجس، ولا يمشي عليه بأقدامه تجنبا للنجاسة.
155
وتتم عملية القصارة على عدة مراحل؛ فمثلا قصارة الحرير، تبدأ بوضع القصار قدرا من النحاس (القصرية) على النار ويملأ بالماء، فإذا بدأ بالغليان رميت فيه قطع الصابون الصغيرة التي تجرد بالسكين، حتى ينحل الصابون ويغلي، وبعدها يضع القصار القماش المراد قصره ويقلب بواسطة قضيب خشبي يوضع بين لفات القماش حتى لا تتداخل بعضها في بعض، ويقلب من أعلى إلى أسفل والعكس، وبعد أن تنظف ينزل القدر عن النار ويخرج القماش ويغسل بالماء العذب غسلا جيدا، ثم يمشي القصار بقدميه على القماش من أجل أن يصل إليه الماء بشكل جيد.
156
وقد يستعجل بعض القصارين عملية القصر باختصار بعض مراحلها، ما يعرض الغزل إلى الهدر والتلف،
157
أو باستخدام بعض المبيضات التي تفسد الغزل أو الثياب المراد قصرها كالكبريت،
158
أو روث الحيوانات،
159
أو الجير غير المطفى؛ فيتسبب في حرق الثياب،
160
ولكن أفضل ما استخدم لتبييض الغزل الرماد، فلم يسلم من الغش؛ لهذا كثيرا ما تعرض بائعوه للمساءلة من المحتسبين.
161
وبعد عملية القصارة يدخل الغزل مرحلة جديدة وهي مرحلة العصر والتجفيف؛ لأنه لو ترك الغزل مبلولا لفترة طويلة أصابه التعفن، فتجفيف الغزل يتم باستخدام المفتل، وذلك بلي الغزل وعصره، وكثيرا ما أصيب الغزل بالوهن وإضعاف خيوطه،
162
أو عن طريق ضربه على الحجارة، أو ضربه بالمزاريب، أو ضربه على القصرة أو الطابية التي يستخدمها القصار في عصر الثياب مما عرض الغزل للقطع كذلك.
163
ولما ارتبطت القصارة بوجود الماء، انتشر القصارون على ضفاف الأنهار والعيون والموانئ حيث وجد بميناء سبتة خمسة عشر مقصرا،
164
وبأرباض فاس أكثر من مائة وعشرين دكانا للقصر «يغسلون القماش في برج جميل مشمس يسقونه من حين لآخر بماء النهر فيكون مكسوا بالعشب طوال السنة عندما تنشر الثياب.»
165
وعلى سواحل مدينة المرسى والحمامات انتشر القصارون فكان أكثر أهلهما من قصاري الأقمشة،
166
وصفاقس فكان «القصارون يقصرون القماش وينشرون بجوارهم».
167
وبعد عملية التجفيف يدخل الغزل المرحلة الأخيرة وهي النشر في الشمس، ونهي عن نشر الثياب لأكثر من ثلاثة أيام حتى لا تهون وتفقد ألوانها لكثرة تعرضها لأشعة الشمس،
168
فنشر القصارون الغزل والثياب المقصورة بجوارهم كما هو الحال في باب المنشر بمدينة توزر،
169
ونفس الأمر في سبتة التي كان بها المقاصر مقسمة بين مقاصر غزلية - للغزل - وعددها تسعة عشر مقصرا، ومقاصر للثياب وعددها خمسة وعشرون مقصرا تقع تحت الأسوار والأبراج والأبواب بمدينة سبتة، فلكل مقصر برج من أبراج السور تنشر فيه الثياب والغزل نهارا وتجمع ليلا،
170
كما اشتهرت سوسة بقصرها للثياب بتقصير ثياب القيروان الرفيعة والثياب التي تنتج في سوسة نفسها.
171
لهذا خصصت بعض الأماكن والمواضع لنشر الغزل والثياب، عرفت لدى العامة؛ فتجنب الحطابون السير بها حتى لا تثقب أحمالهم الثياب وتقطعها،
172
لأن منهم من ينشر الثياب بطريقة خاطئة بنشرها على الحجارة وفي الطرقات؛ ما يعرضها للسرقة أيضا،
173
أو بنشرها في موضع تكثر فيه الرياح وتشتد فتقذفه الرياح بعيدا؛ فوجب على القصار تخير الوقت المناسب لنشر غزله.
174
هذا وقد استخدم القصار بعض الأدوات التي تساعده في نشر الغزل أو الثياب المقصورة، كالمشجب؛ وهو عود مربوط في طرفيه حبل يعلق في أحد أركان البيت، أو استخدم المقصر لنشر الثياب عليه،
175
بالإضافة إلى الحبال أو الخشب لنشر الثياب، والتي ذكرها العامة في أمثالهم بقولهم: «بالنهار حلبة، وبالليل خشبة.» ويقصد ب «الحلبة» حبل القصار، و«الخشبة» ما تعلق عليه الثياب.
176
وتعرض القصارون في عملهم لبعض الأمور، بأن يخطئوا في قصر الثياب بحرق جزء منها فتقطع وتثقب، أو إساءة تخزينها بوضعها في أماكن بها فئران فتقرضها،
177
أو يعطي الثياب لرفاء لإصلاحها دون علم صاحبها؛ ما اعتبر نوعا من أنواع الغش؛ فحذر المحتسبون من ذلك وأمروا الرفائين والدقاقين بألا يصلحوا ثوبا إلا بوجود صاحبه منعا للغش، ومنهم من يعير ثياب زبائنه لغير أصحابها بقصد تأجيرها لكسب المال، ويتعلل بأنه لم ينته من تقصيرها، خاصة في أوقات المواسم والأعياد،
178
أو يقصر الثياب القديمة ويبيعها على أنها جديدة، فإن لبست ثم غسلت ظهرت سمرتها وتغير لونها وتقطعت سريعا.
179
في حين ادعى بعض القصارين ضياع الثياب بعد حصلوهم على الأجرة المتفق عليها، أو أنهم لجئوا للهروب بعد إعطائها لقصار آخر لاستكمالها دون علم صاحب الثوب ودون إعطائه أجرته،
180
أو يضيع الثوب ويعطي صاحب الثوب ثوبا آخر تفاديا للمساءلة من المحتسبين.
181 (5-8) الغسال
الغسال أو كما أطلق عليه في بعض بلدان المشرق «البابا»
182
فالمعلومات المتوافرة عنه قليلة وغير كافية، لكن ما ذكر في بعض كتب النوازل يوضح أن مهنة الغسال من المهن المحتقرة داخل مجتمع الغرب الإسلامي، فالغسال هو ذلك الشخص الذي يغسل المنسوجات المقصورة، أو يغسل الغزل الذي يدخل مرحلة الكمادة، وأيضا الثياب الوسخة التي يرتديها أصحابها، وتتم عملية الغسل بالأيدي أو عن طريق استخدام لوحة خشبية تحك بها الثياب مع إضافة المياه لغسلها وتنظيفها، فعمل في مهنة الغسال الرجال وبعض النساء كما كان بالقيروان، وعمل بها أيضا أهل الذمة في بلدان الغرب الإسلامي، وهو ما نهى عنه الفقهاء لارتباطهم بعدم طهارة الثياب.
183
ويحصل الغسال على عمله عن طريق الخياطين، يرسلون إليه الثياب لغسلها بعد إتمام خياطتها بناء على طلب أصحابها، أو يتجول الغسال بين الأحياء والشوارع والبيوت مناديا على الثياب الوسخة، لأن كثيرا ممن لم يكن لهم خادمات في بيوتهم أعطوا الغسال ثيابهم لغسلها، حتى إذا تجمعت لديه كمية تكفيه ويستطيع غسلها يذهب بها لأحد الأماكن المخصصة لذلك، أو يذهب بها لأحد المجاري المائية لغسلها، وأجرت تلك المواضع في كثير من الأحيان إلى الغسالين بمقابل مادي، سواء من قبل السلطة أو من المسيطرين على تلك الأماكن.
184
وتتم عملية الغسل على أكثر من مرحلة، فكلما فرغ من جزء نشره على حبال أو على الجدران، ثم يكمل ما تبقى لديه، وفي كثير من الأحيان تعرض الغسال للسرقة إما عن طريق سرقة قطع الثياب أو سرقة الحبال بما عليها من ثياب،
185
وكثيرا ما تحمل الغسال قيمة الأثواب التي تسرق منه أو التي تستبدل أو تغالط.
186
واستخدم الغسال عددا من العمال الأجراء لمساعدته في عمله يأخذون الثياب ويذهبون بها إلى البحر لغسلها، واستخدم عددا من الأدوات التي تساعده على ذلك من أوان ودسوت،
187
بالإضافة للمواد التي تساعده على تنظيف ما علق بالمنسوجات من أوساخ، فاستخدم الأشنان في إزالة الدهون من على الحرير،
188
كما استخدم الأترج في إزالة الحبر، واستخدم اللبان الحار لإزالة الشمع من على الطراز، واستخدم الأشنان وخل الخمر في إزالة السواد من الثياب، واستعملوا أيضا العديد من المواد لإزالة ألوان الصباغة باستخدام حب الرمان والكبريت والصابون، بالإضافة للعديد من الطرق لغسل المنسوجات الرفيعة والثمينة كالشاش والشرب للمحافظة عليها، فكان لدقة الغسال في تأدية عمله وإخلاصه بعد غسله للثياب يجد صاحبها صعوبة في التعرف عليها من نظافتها كغسالي فاس التي كان بها مائتا دكان لهؤلاء الغسالين.
189 (5-9) الكماد
الكمادة هي تغير اللون وذهاب صفائه وبقاء أثره، والكمدة هي تغير اللون،
190
وكمد الثوب أي دقه بصقال الكمد، وهي مرحلة تأتي بعد الغسل والقصر، وتشترك الكمادة والقصارة في نفس الوظيفة، فلهذا خلط العامة بين أدوات القصار وأدوات الكماد، وأطلق على الخشبة التي استخدمها القصار مكمدة في حين أنها مقصرة،
191
فأكمل القصار والكماد كل منهما الآخر في العمل، فأشار البعض بأنها حرفة واحدة، وأمر أصحاب النسيج «القصار أن يدفعه بعد كمال عمله للكماد.»
192
في حين أشار بعض الفقهاء إلى أن القصارة حرفة والكمادة حرفة أخرى، وهو ما أشار إليه البرزلي
193
بأن «الكمادين والقزازين يجعلون النشا في الكمد.» هو ما يوضح استقلالية الكمادة وأنها حرفة بذاتها.
وخصص للكمادين بمدينة تونس حي بالقرب من باب قرطاجنة عرف بحي الكمادين يعملون فيه بالأجرة،
194
في حين الكثير من سكان صفاقس كانوا من القصارين والكمادين.
195
ومن اللافت للانتباه أن أصحاب الثياب شاركوا الكمادين في تكميد ثيابهم «وإن كمد الكماد الثوب وكمده معه صاحبه فأصابه خرق، فإن كان من كمد صاحب الثوب فلا ضمان على الكماد.»
196
وهذا لم يمنع قصاري النسيج من التدليس والغش في صنعتهم؛ مما دفع الفقهاء والمحتسبين إلى مراقبتهم ومحاسبتهم، كعدم استخدام النشا في الكمادة لأنه يظهر النسيج في حالة على غير حالتها فتبدو جديدة «كمعالجة الثوب القديم بالقصارة ومع الكمد يوهم ذلك أنه جديد.»
197
وما عرف بتبليط الشقق «فكان التبليط جائزا إن لم يكن فيه - نشا - من العلوك وما في معناها مما يغتر به المشتري؛ فيظن أن ذلك من صحتها مما خالطها مما يسد عيونها.»
198
ووجب على الكماد تكميد الثياب بشكل جيد؛ كي لا يكون الثوب «مخلخلا ويتصفق».
199
وتنظيف الثياب مما يعلق بها، وتمييزها وتقسيمها حتى لا تخلط مع غيرها فتضيع أو تتبدل.
200 (5-10) الصباغ
الصباغ وهو معالج الصبغة، وحرفته الصباغة، وعمل الصباغون خارج المدن؛ لما ينبعث من روائح كريهة أثناء عملهم، ولأنها من المهن التي تلوث المكان فتواجدوا بجوار الأنهار والمجاري المائية،
201
وقد اشتهرت مدينة نارجة بالصباغة خاصة الحرير.
202
واستخدم الصباغون عدة ألوان ما بين حيوانية ونباتية تساعده في صبغ المنسوجات، وبعض الألوان المقلدة لعملية الصبغ كاستخدام المثنان لصنع اللون الأخضر،
203
أو البقم للحصول على اللون الأحمر، أو استعمال الحناء عوضا عن الفوة، فلا تثبت الألوان لمدة طويلة وبمجرد أن يعرض الثوب للشمس تغير لونه،
204
وكثر استخدام اللون الأحمر، وكان يحصل عليه من حب الرمان فنسب إليه، كالذي ذكر في بعض هدايا يوسف بن تاشفين ومنها: «ألف شقة من لون حب الرمان.»
205
كما لجئوا لاستخدام العفص والزاج لصبغ الثياب باللون الأسود، ولكن بمرور الوقت تصير كحلية اللون،
206
أو يصبغ بعضهم الثياب ب «الحربث» لأنه أرخص من النيلة كما يذكر ابن الحاج
207
ومن الغش والخديعة أيضا ما يفعله بعضهم من صنع الغزل بالحربث وهو يحرق الغزل ويذهب بقوته ويترك الصبغ بالنيلة وهي نافعة للغزل غير مضرة له، وقد استخدم بعض الصباغين البول في الصباغة وهو ما عرف بالأرشلة لأنه من النجاسة، بالإضافة إلى أنه يخرق الثوب، كما أن لونه يذهب بعد فترة من صباغته به،
208
ووجب على الصباغ ألا يصبغ بمحرم كالصبغ بالدماء مثلا.
209
وكثيرا ما تحدث بعض الخلافات حول الصباغة «بأن يقوم أحد الأشخاص بإعطاء الصباغ ثوبا لكي يصبغه، فيقوم بصبغه أحمر، فيقول صاحب الثوب: إني أمرتك بصبغه أصفر.» أو «لكثرة الألوان التي كان يستخدمها».
210
وفي بعض الأحيان أجر الصباغون الثياب التي عندهم في المناسبات أو سلفوها،
211
ونهي الصباغ عن صبغ الثياب القديمة وخياطة الممزق منها وبيعها على صفة الجديدة،
212
كل هذا كان من باب الغش والتدليس الذي اعتاد بعض الصباغين فعله، أو يتلف الثوب إما عن طريق القطع أو السرقة بنشرها على الحوائط وفي الطرقات بين حوانيتهم؛ لأنهم مدوا الحبال بينها لنشر المنسوجات المصبوغة،
213
أو بالحرق بتركها فترة طويلة تصبغ على الموقد.
214
وحاول الصباغون تفادي أمور السرقة والتبديل وضياع الثياب المراد صباغتها، بأن يكتب الصباغ اسم صاحب الثوب بالحبر عليها؛ منعا لسرقتها أو اختلاطها أو فقدها،
215
كما عملوا على قياس شقاق البز أو شقاق الكتان بتحديد الطول والعرض؛ ضمانة للصباغ وصاحب الثوب، وهو ما ألزمه المحتسبون عليهم.
216
واختلفت أجرة الصباغة من لون لآخر وحسب المادة المستخدمة، لهذا كانت تحدد الأجرة عن طريق اتفاق يعقد بين الصباغ وصاحب الثياب، ففي بعض الأحيان وقع الخلاف بين الصباغ وصاحب الثوب حول القيمة المتفق عليها مقابل صبغ ثوب «هو أن يقوم الصباغ بصبغ الثوب بعشرة دراهم عصفرا، ويقول صاحب الثوب بل بخمسة؛ فالصباغ مصدق لأنه لا يكلف نفسه خسائر.»
217
وفي الغالب كانت أجرة الصباغة لا تتعدى 10٪ من قيمة الثوب.
218 (5-11) الفراء
الفراءون هم صانعو الفراء، وتكمن صنعة الفراء في صنع الملابس والثياب المصنوعة من فرو الحيوانات، وكان من عادة بعض الفرائين أثناء بيعهم أن يعرضوا الفرو السيئ ويخصوا الجيد لأصحاب المال والنفوذ من مجتمع الغرب الإسلامي؛ لهذا أمر المحتسبون بأن يعرض الفرو على الملأ وينادى عليه حتى يتمكن الفقير قبل الغني من الشراء، ولا يكون حكرا على أحد،
219
وكثيرا ما لجأ الفراءون لترتيب وتنظيف وجوه الفراء كي تبدو حسنة وجيدة لتواري عيوبها، باستعمال بعض المواد لتحمير الفراء البالية لتبدو جيدة، وكان بعضهم يمد الفراء ليصير طويلا عن طريق الضرب بالمقراض؛ فإذا لبس فترة قصيرة رجع إلى حالته،
220
ومنهم من يقوم بتوسيع فتحة أطواق الثياب؛ فوجب عليهم استخدام خيط الحرير الغليظ ليقاوم الشد والجذب أثناء الخياطة؛ لهذا أمر الفراءون بأن تكون الخياطة جيدة وضيقة الغرزة،
221
أو بحشو وتبديل الفرو القديم بالجديد؛ لذا كان عليهم عريف منهم لمراقبتهم وتفقد أمورهم.
222 (5-12) الحصار
الحصار وهو صانع الحصر، وللحصارين عريف أو أمين خاص بهم يختار من الصناع المهرة، كما كان في بلدان الغرب الإسلامي،
223
واستخدمت الحصر في فرش الجوامع والمساجد في تونس، وصنعت من «سعف رفيع محكمة الصنعة» ففرش بها جامع الزيتونة،
224
وتصنع الحصر من الحلفاء، فلجأ بعضهم لصنعها من الحلفاء القصيرة بعد أن تطبخ الحلفاء بغرض خداع المشترين بأنها مصبوغة وجيدة، وهو ما عرضها للقطع والتلف؛ فوجب على الحصارين إجادة وتحسين الخياطة في الحصر أو البرغ، بأن يأخذوا لويتين أو ثلاث لويات من الحبال من اليمين والشمال حتى يشتد الحبل فلا تكون هزيلة، ومنهم من يقصر الحصر ليوفر الحبال،
225
وفضل أن تكون تلك الحبال من غزل الكتان وبخاصة الخيوط المعتدلة منها وبطريقة جيدة، فلا تكون «مثل الغربال، وهو أبيات أعلاها مائة، وما دونه تسعون، وما دونه ثمانون، وما دونه سبعون، وما دونه ستون.»
226
ومن الحصارين من يصنع الحبال والأربطة،
227
فصنعوا الحبال من الليف أو الخوص كحبال القلس وهي حبال استخدمت في السفن.
228 (5-13) صانع الغرابيل
صنعت الغرابيل من الحلفاء ومن الشعر أيضا، وعرف صانع الغرابيل بالغزال، ووجب صنعها من الشعر بأن تغسل جيدا، وألا يستخدم شعر الحيوان الميت؛ لأنه خشن ويتقصف بشكل سريع،
229
ويسمر حديد المغازل ويشد خياطته حتى لا تنحل ويصير الغربال معوجا،
230
ووجب عليه تنظيم الخصاصات وهي فتحات وثقوب الغربال،
231
وفي قرطبة استقر صناع الغرابيل بالقرب من المسجد وبخاصة في سوق «بلاط مغيث».
232 (6) فئات صناع النسيج في مجتمع الغرب الإسلامي
مارست فئات عديدة من مجتمع الغرب الإسلامي النسيج؛ فاشتهر بعضهم بمزاولته في مراحله كافة من تصنيع وبيع وتجارة، خاصة ممن عاصر فترة الدراسة وما قبلها من الأئمة والعلماء من مشاهير وأعيان ونساء وصبية ممن أشارت لهم كتب التراجم والسير والمناقب والنوازل. (6-1) فئة العلماء
عمل بالنسيج الكثير من العلماء؛ لارتباط تلك الصناعة بأمور الزهد والتقشف ورغبتهم في الحصول على قوت يومهم من صنع أيديهم؛ فزاولها المتصوفة في بلدان الغرب الإسلامي،
233
كالعالم ظاهر بن يزيد الزاهد من أهل قرطبة، فكان قزازا يبيع القز ويصنعه.
وقد انتسب للقطن من عمل به وتاجر فيه، ومنهم قاسم بن مطرف بن عبد الرحمن أبو محمد من أهل قرطبة، كان يعرف بالقطان،
234
كذلك ربيع القطان فقد امتلك حانوتا لبيع القطن، ومحمد بن سليمان ابن أحمد أبو عبد الله (ت419ه/1028م) من أهل إشبيلية عرف بالقطاني، وأبو جعفر حمديس القطان عمل في القطن وكان يبيعه في السوق، وأبو عمران موسى كان حلاجا، وأبو الربيع سليمان بن عبد الرحمن بن المعز الصنهاجي المعروف بالتلمساني احترف النسج وأقام بسلا، كذلك أبو الحسن علي بن عبد الله القطان المعروف بابن الحلاج الذي ورث حانوت قطن عن والده، فعمل في ندف القطن حيث يذكر «كنت أعمل القطن، فنتفرغ من العمل بالعشي؛ فيضيق الوقت، وكانت نوالات بنيت غصبا على وادي القصاري.»
235
ومن هؤلاء الذين عملوا بالكتان وانتسبوا لصنعتهم به، أبو عمرو هاشم بن مرور التميم فكان يشتري الكتان ويوزعه على الفقراء والأرامل.
236
ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء من عمل في هذا المجال كالرفاء والمطرز، منهم عبد الرحمن بن يوسف بن نصر من أهل قرطبة كان رفاء يرفأ الثياب ومنها يتعيش.
237
وتأتي الخياطة ضمن تلك المهن التي انتسب إليها عدد من العلماء، كالوليد بن سعيد بن وهب الحضرمي الإشبيلي أبي العباس (ت419ه/1028م) الجباب، والجباب هو من يبيع الجباب ويخيطها، فعرف بها وعمل بالخياطة بمراكش، وعمل أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن الصنهاجي (ت592ه/1195م) في حياكة الجبب، وكذلك أبو محمد عبد الله الشريف الذي عمل بالخياطة «فكان يأكل من كد يده من الخياطة وبعض التجارة وكان بسوق الصوافين من بجاية.»
238
وكذلك أبو العباس أحمد بن إبراهيم المعروف بابن القطان عمل بالخياطة ثم احترف التجارة، فكان يخرج من تلمسان إلى سبتة وفاس ويعود بالمال الوفير،
239
كما تعايش محمد بن أحمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم الأنصاري الساحلي (ت735ه/1335م) من حرفة الخياطة، وأبو سعيد خلف بن محمد الخولاني «فرأس ماله مقص بنصف درهم، وحلقة بربع، وإبرة مخروبة، وكان إذا خاط بدرهمين لا يخيط شيئا حتى ينفقهما.» ومنهم من كان دقيقا بالخياطة لدرجة الإبهار مثل عبد الله سبحان الله، فيقول: «خطت لبعض المشايخ ثوبا بالديار المغربية فلما دفعته إليه أخذه ونشره ... فإذا كل غرزة في هذا الثوب مكتوب عليها سبحان الله.»
240
ومحمد بن أحمد بن طاهر المعروف بالخدب، عمل بالخياطة في مدينة فاس، وأبو إسحاق إبراهيم بن علي الخياط عمل بالخياطة في حانوت له بحي القبابين بتلمسان.
241
ومنهم من كان «معلما » للخياطين كالإمام أبي عبد الله محمد بن يعلى التاودي، وكذلك محمد بن يوسف الزاوي (ت807ه/1405م) فكان خبيرا في الخياطة واستقر بمصر وزاول حرفته بها، ومحمد بن عبد الله التونسي أبو عبد الله (ت888ه/1483م) عمل بالخياطة بمدينة الإسكندرية،
242
بالإضافة للشيخ أحمد بن محمد بن عبد الله الغماز من الخياطين «وكان طول مجاورته بمكة يتسبب فيها بالخياطة.»
243
ومحمد الخياط بسويقة الدوح بفاس، وسيدي محمد أبو طاق الخياط.
ومنهم من خالط تجار البز كالشيخ علي بن محمد المراكشي، فجالس تاجرا للبز في باديس «فكان يعطيه أثوابا من حانوته يخيطها له بالأجرة.»
244
وكذلك العابد الفاضل مروان الخياط مارس عمله في بيته بخياطة جبب الصوف ،
245
بالإضافة لأبى زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن النجار من مراكش واستوطن بتلمسان من العاملين بحياكة الصوف بتلمسان، امتلك العديد من ورش وتربيعات الصوف في الموضع الذي يسكنه بدرب شاكر في تلمسان، خصص أغلب هذا الدرب له ولعماله وخدامه العاملين. ويذكر ابن مرزوق
246
عن مدى إتقانه لمهنته «فكان يحترف بإقامة عمل الحاكة من الصوف الرفيع.»
وأطلق لقب البزاز على بعضهم ممن عمل في بيع الحرير أو ثيابها، وهي لفظة تقال لمن يبيع البز، واشتهر به جماعة من المتقدمين والمتأخرين،
247
فهذا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد التميمي التاهرتي أبو الفضل (ت395ه/1004م) كان بزازا، وعمل محمد بن عبد الله بن هاني بن هابيل اللخمي أبو عبد الله (ت410ه/1019م) من أهل قرطبة بزازا،
248
وكذلك هشام بن محمد بن عبد الفاخر المعافري، ويحيى بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن قحطة الأنصاري أبو بكر من أهل قرطبة، ومحمد بن عبد الله المطماطي، وسليمان بن يحيى المعروف بابن ستهم كان يتاجر بالبز ويقصد الأسواق بتجارته،
249
ويحيى بن سحنون من أهل بادس كان من تجار البز.
250
وأشير لمن عمل مقصرا للثياب،
251
فهذا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن مسافر الهمذاني الوهراني أبو القاسم (ت411ه/1020م) من أهل بجانة، فكان معاشه من ثياب يبتاعها ببجانة ويقصرها ويحملها إلى قرطبة، فتباع له ويبتاع في ثمنها ما يصلح لبجانة، ويجلب كتبه فيقرأ عليه من ذلك، وكان يرد قرطبة كل عام إلى أن وقعت الفتنة، فإذا سكنت أطال سكن داره ببجانة، وإن خاف صار بألمرية، فكان غير مستقر إلى أن مات،
252
وكذلك الشيخ أحمد بن سوسان ممن عاش ببلاد المغرب، فقد عمل بالخياطة والقصارة.
253
وكان عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الأنصاري (ت413ه/1022م) من أهل قرطبة ويعرف بالقنازعي ونسب لصنعته وهي عمل القنازع فكان يصنعها، ويرجح أنها صناعة القلانس أو هي غطاء للرأس يشبه القلانس،
254
كذلك أحمد بن عبد الله أبو عمر (ت404ه/1013م) من أهل قرطبة عرف بالقنازعي، ومحمد بن محمد بن سليمان السوسي الروداني، فكان يحسن عددا من الحرف والصناعات الدقيقة كالطراز.
255
ومن الصناعات الأخرى صناعة الحصر، وأطلق على صانعيها الحصارين،
256
منهم أبو عمر الحصار (ت429ه/1037م)، والفقيه أبو عمران المارثي «فكان يعمل الخوص بيده في خلوته، ويبيعه ويتصدق منه؛ لأنه كان يرى كراهية البطالة عن شغل لمثله.»
257
وكذلك عروس المؤذن الشهيد كان يتعيش من عمل الحلفاء،
258
كما عمل محمد بن سحنون المصري (ت705ه/1305م) بالحلفاء وتقوت منها،
259
ومنهم من عمل بالصناعات الثانوية للنسيج كأبي الغصن السوسي الذي عمل في صناعة الغرابيل، وتعايش منها واقتات.
260
وأطلق أهل الأندلس على صانع القلنسوة القلاس،
261
فهذا محمد بن عيسى بن رفاعة الخولاني أبو عبد الله (ت337ه/958م) من أهل رية، يحيى بن نجاح أبو الحسين، مولى جعفر الحاجب الفتى الكبير، مولى الحكم بن عبد الرحمن المستنصر من أهل قرطبة (ت422ه/1030-1031م) عرف بابن القلاس وتوفي بمصر.
262 (6-2) النساء
أعطى الإسلام للمرأة المسلمة حرية كاملة في التصرف في أملاكها، وجعل لها ذمة مالية منفصلة بعيدة عن زوجها، ولم يمنعها من ممارستها لبعض الأعمال والمهن التي لم تخرج عن إطار الدين الحنيف، وهو ما أيده ابن حزم
263
في أن النساء يساهمن في النشاطات الصناعية «فمن النساء الطبيبة والحجامة والسراقة والدلالة والماشطة والنائحة والمغنية والكاهنة والمستخفة والمعلمة والصناع في المغزل والنسيج.» فكان النسيج من بين تلك الصناعات التي دارت في فلك المبادئ والشريعة الاقتصادية للإسلام وبرعت فيها النساء بصفة خاصة.
264
ومن المفيد الإشارة إلى أن بعض الحرف لم تقتصر على الرجال فقط، بل شارك فيها عدد كبير من النسوة فاحترفن أغلبهن الغزل والنسج،
265
فبرزت - المرأة في الغرب الإسلامي - في ممارسة أعمال الغزل والنسج للصوف والقطن والكتان بالإضافة إلى تربية دودة القز لإنتاج الحرير،
266
في حين يرى البعض أن حق المرأة في ممارسة العمل في بلدان الغرب الإسلامي، وبصفة خاصة في أعمال الغزل والنسج، مثبت وظاهر أكثر من أي مكان آخر،
267
على عكس النساء الغازلات في مصر وبخاصة اليهوديات، فتطلب منهن العمل داخل منازلهن مع أخذ رخصة من السلطة تبيح لهن العمل بمنازلهن حتى تستطيع السلطات تقدير الضرائب المقدرة عليهن،
268
فقلما حدث هذا داخل مجتمع الغرب الإسلامي، فقد حدث لامرأة من غرناطة تبيع الحرير أن تعرضت للتهديد والضرب بالسياط في حالة عدم دفع ما عليها من ضرائب؛ فأباح العلماء عدم الإكراه والتهديد والإجبار في أخذ الضرائب وبخاصة من النساء.
269
فوجد النول والمنسج في معظم بيوت الغرب الإسلامي؛ نتيجة لملاءمة تلك المهنة لطبيعة المرأة وجلوسها لفترات طويلة داخل منزلها؛ فلجأت إليه لقضاء أوقات فراغها من جهة، ومن جهة أخرى للمساعدة في نفقات البيت والأولاد والزوج عند افتقاد العائل أو الاحتياج للمال،
270
وهو ما دفع البعض لأن يطلق على هذا الوضع الصناعي للنسيج ب «دولة النساء» نتيجة لارتباط أعمال النسيج ومتعلقاته بطبيعتهن،
271
أو كما اصطلح على تسميته في بعض بلدان المغرب الإسلامي ب «التويزة» التي تعني باللهجة المغربية العمل المشترك أو الخدمة المشتركة، وهي أن النساء كن يخرجن لمجالس يغزلن فيها لامرأة منهن في منزلها؛ ما تدعوهن هي لغزله من كتان أو صوف إعانة أو رفقا،
272
أي أن نساء الغرب الإسلامي كن يتشاركن في الغزل بمراحله المختلفة.
بالإضافة لذلك كن يلجأن إلى استلاف واقتراض المواد الخام من الجيران لإكمال الغزل المطلوب منهن «إلا أنه أعوزني شيء من الصوف فطلبته من جارة لي فكملت به الكساء.»
273
فلهذا اتسم النسج النسائي بالطابع العائلي، بينما نسج الرجال اتسم بالحرفية والمهنية والتنظيم.
274
ويذكر ابن حزم
275
أنه في بعض الأوقات كان النساء يرغمن على عمل الغزل للحفاظ عليهن وصونهن فيقول: «وقرأت في سير ملوك السودان أن الملك منهم يوكل ثقة له بنسائه يلقي عليهن ضريبة من غزل يشتغلن بها أبد الدهر؛ لأنهم يقولون: إن المرأة إذا بقيت بغير شغل إنما تتشوف إلى الرجال، وتحن إلى النكاح.»
واتخذ من بعض النساء الماهرات، العارفات بأمور صنعتهن والمتقنات، معلمات ومدربات للصبايا لتعليمهن فنون النسج من غزل ونسج وخياطة وطراز وغيرها، فكانت الصبايا يذهبن لمعلماتهن في بيوتهن يتعلمن الخياطة والطراز، ومثال على ذلك والدة أبي عبد الله محمد بن محمد الربعي «فكانت معلمة للبنات تغزلهن ... فإنهن يغزلن مصليات .»
276
ومنهن من ذاع صيتهن في هذا الشأن واستمرت تعلم وتدرب الأطفال لمدة ثمانية أعوام،
277
أو إحداهن طالبها الناس بأن تنشئ مكانا لغزل النسيج لجودة غزلها ودقته، حتى إن أخاها لم يلبس إلا من إنتاجها.
278
ويتبين من هذا أن أعمال الغزل للنساء احتضنتها منازلهن في أغلب الأوقات؛ لأن المحتسبين والفقهاء أوصوا بذلك الأمر منعا للفتنة،
279
بالإضافة إلى أن بعضهن كن يغزلن في البوادي خلف قطعان الماشية والأغنام، كما كانت تفعل نساء جبل بني منصور من بلاد المغرب، فكن يخرجن خلف الغنم لممارسة أمور الغزل.
280
ومدحت المرأة لإتقانها أمور الغزل والنسج، وهو ما نطقت به أمثال العرب: «نعم لهو الحرة الغزل.»
281
وهو ما أكده رسولنا الكريم
صلى الله عليه وسلم : «نعم لهو المؤمنة في بيتها الغزل.» وما أكدته أمثال العامة في بلدان الغرب الإسلامي: «كل مر، تغزل أمك جر.» أو «كلما قلبت غزلي، لطمت صدري.» و«معها غزل، وعليها غزول.»
282
ويرجع السبب في ذلك إلى أن النساء كن يتقن مهنة الغزل بشكل دقيق كنسوة تونس ومكناس اللائي اشتهرن بغزل الصوف والحرير والقطن وأخرجن قطعا فنية غاية في الدقة والجودة،
283
فبعضهن كن يقررن ويقدرن وزن وقيمة الغزل قبل البدء في غزله ونسجه بمجرد النظر إليه نتيجة لخبرتهن،
284
لهذا عملت النساء بنسج الثياب والطراز حسب ما يتماشى مع النسق والاتجاه العام داخل المدن والقرى بتوجيه من التجار أو الزبائن أصحاب الثياب، كما صنعت نساء جبل زهون من بلاد المغرب «وتنسج النسوة فيه أقمشة صوفية مصنوعة حسب طراز البلاد».
285
فانقسم دور النساء في صناعة النسيج في بيوتهن إلى:
أولا:
الإنفاق على البيت: فبالنسبة للنساء الفقيرات اللائي احتجن للمال، واضطررن للعمل، كن يغزلن النسيج مقابل أجر ووقت معلومين؛ ما جعلهن ملتزمات بالوقت لاحتياجهن للمال، حتى إنهن لم يتوقفن عن العمل في أوقات الصيام خلال شهر رمضان لتوفير نفقات بيوتهن والمحافظة على مصدر رزقهن، ومن ثم فقد أخذن الرخصة من الشيوخ لصحة صومهن، وخاصة من يغزلن الكتان ويضعنه بأفواههن، فأباح الشيوخ صومهن، وذلك على حسب نوع الكتان أو النسيج المستخدم،
286
أو أنهن كن يطرحن الغزل للبيع من أجل الإنفاق على البيت، كما فعلت جارية أبي عمرو ميمون بن عمرو، فكانت تغزل وتبيع غزلها وتنفق عليه من ذلك،
287
أو لجأن لتغطية نفقات المنزل من مأكل ومشرب وغيره،
288
كما كانت تصنع عائشة بنت الشيخ أبى موسى عمران الحاج سليمان المنوبي التي عرفت بالسيدة المنوبية؛ فغزلت الصوف وأصبح مورد رزقها، أو من تركها زوجها للجهاد ولم يكن لديها عائل فعملت في الغزل والنسج في بيتها، كزوجة بكار المرواني التي أبت مساعدة أحد لها، فغزلت وباعت غزلها لنساء البلدة اللائي تخصصن في هذا الأمر فقالت: «فلنا من العجائز من ينظر في حالنا ويبيع غزلنا ويتفقد أحوالنا.»
289
أو كالتي دفعت غزلها إلى أحد الشيوخ ليبيعه ويشتري لها لعدم قدرتها على الخروج لبيع الغزل، أو أنها تعففت عنه.
290
ثانيا:
ما تعلق بالإنفاق على أولادهن: فبعض نساء الغرب الإسلامي كن يغزلن ويخطن الثياب لأولادهن؛ لتوفير النفقات ولاستغلال أوقات فراغهن،
291
أو عمل أولادهن بأمور النسيج فتغزل الأم ويبيع الأولاد في السوق، وبذلك يشترك كل من الأم والأولاد في عملية إعداد النسيج ومن ثم بيعه، كما حدث بالنسبة لأولاد «استأجروا أنفسهم في غنم يرعونها يتخذون من صوفها بغير إذن أربابها؛ فما اجتمع عندهم من ذلك أعطوه إلى أمهم فتعمله لهم ثم يبيعونه في السوق.»
292
ثالثا:
مشاركة أزواجهن في الإنفاق على البيت: يتضح دور نساء الغرب الإسلامي جليا في تلك الأمور التي تتعلق بمشاركة الزوج في تغطية نفقات البيت، فمنهن من أعطت زوجها الغزل ليبيعه للإنفاق على البيت، فتقاسما العمل فأصبحا شريكين فيه،
293
كالقاضي المصعب بن عمران الهمذاني الذي تولى أمور القضاء للأمير هشام بن عبد الرحمن «الرضا» الذي كان يجالس ويشارك زوجته العمل أثناء جلوسها على النول ويصنع لها الخيوط،
294
أو كما فعلت زوجة القاضي عبد الله بن محمد بن مسحور الهواري بغزلها كسوة من القطن لزوجها ليرتديها،
295
أو من اقتات من عمل بناته في الغزل كالمعتمد بن عباد؛ فبعد أن سجن بأغمات عاش مما تنفقه بنته من غزل «واستقر بأغمات، واقتات من غزل بناته.»
296
وكذلك زوجة الشيخ الفقيه أبي بكر بن هذين الذي كان عيشه من غزلها، فيشتري الكتان فتغزله وينسج منه أبدانا، وما يزيد عن حاجتهم يشتري به كتانا.
297
وكغيرهن، تطرقت النساء لأمور الغش والتدليس في عملهن، فمنهن من كانت تدلك الصوف بشحم الخنزير ليلين ويرطب فيصير كالحرير في ملمسه فيباع بثمن مرتفع، كما فعلت نساء مدينة الشاشين «إذا استجارت المرأة منهم الصوف، مشطت الشاة كل صباح، ودهنت صوفها بشحم الخنزير؛ فيلين الصوف، ويأتي كالحرير، فيتخذون منه الثياب.»
298
أو تدلك الكتان بالماء لكي يرطب ويثقل وزنه،
299
أو تخلط الغزل الجيد بنوع رديء، أو تبيع الغزل مكببا.
300
ومن الأمور التي منعت النساء عن عملها عند الغزل أو البيع، الاختلاط بالرجال خاصة في الأسواق؛ لهذا وجب عليهن أن ينتدبن أحدا للبيع أو الشراء نيابة عنهن،
301
كما خصص لهن مكان لبيع غزلهن، ولهن شيوخ معروفون بثقتهم في مخالطة النساء يبتاعون لهن أو يرسلن منتجاتهن إليهم، أو يرسلن منتجاتهن مع سيدات قعيدات كبيرات في السن للسوق لبيع الغزل،
302
كما منعن أيضا من الجلوس في حوانيت الصناع والتجار للبيع أو للشراء،
303
وعلى الرغم من هذا لم يمنع عمل النساء في السوق وخارجه كمن عملت سواقة - الدلالة - تنادي على السلع والأمتعة على المنازل لبيعها وعرضها على النساء.
304
وقد حذر ابن عبدون
305
من مخالطة النساء اللائي عرفن بالبغاء وممارسة الرذيلة، وإبعادهن عن حوانيتهم واللائي لقبن «بالطرازات»، وربما سموا بهذا الاسم؛ لأن هذه النوعية من النساء كن يرتدين الملابس المطرزة والمزركشة بغية إظهار مفاتنهن وإثارة الرجال.
ويبدو أن النساء لم يمارسن الأعمال الأخرى المرتبطة بالنسيج من قصارة أو كمادة أو صباغة أو غيرها؛ لأنها من الأعمال الصعبة التي استلزمت القوة لتأديتها، ولكن من المؤكد أنهن مارسن أمور الغزل والنسج والخياطة، وهي المهن التي تماشت وما أمر به الدين الحنيف، والظروف الاجتماعية من عادات وتقاليد. (6-3) الصبية والغلمان
كما وضح أن الصبية والمبتدئين، عملوا في صناعة النسيج لدى الصناع والتجار،
306
حتى يكتسبوا خبرات معلميهم ويصيروا فيما بعد صناعا معروفين؛ فاستخدمهم الصناع في أمور الغزل والنسج وبخاصة الحرير؛ لأنه من أنواع النسيج الدقيقة ويتطلب نوعا من الرقة والدقة والليونة من قبل الصناع حتى لا تتقطع خيوط الغزل؛ فاستخدمت الصبية والغلمان في هذا الأمر نظرا لملمس أيديهم الناعم، وهو ما يحافظ على خيوط الحرير من القطع.
307
فدفعت النساء - خاصة الفقيرات منهن - أولادهن إلى الصناع المشهورين ليعلموهم أسرار الصنعة بدرجة تؤهلهم فيما بعد أن يكونوا صناعا مهرة، أو دفعوهم لأحد التجار المعروفين ليخبرهم طرق البيع وفنونه، كأبي ميسرة بن نزار أحمد الفقيه الذي أرسلته والدته لأحد تجار الثياب «الرهادنة»، «وكان عنده عدد من الصبيان، فكان يعطيهم سلع الزبائن كي يبيعوها.»
308
وأبي العباس السبتي الذي يعطي نموذجا لإحدى الأسر الفقيرة التي توفي عائلها ويتم أولادها، فحملته أمه لأحد البزازين ليتعلم صناعة يتعيش منها، ولم تكن الأم تمتلك شيئا سوى غزل الصوف الذي تبيعه وتقتات منه،
309
أما في حالة أن الوالدين ميسورا الحال فكان لا يجوز لهما إرسال أبنائهما لتعلم الغزل بأجر عند الصناع لأنهما لا يحتاجان لذلك،
310
ومن الصبية من عمل بالنسيج داخل البيت تحت إشراف أهله وذويه.
311
فضلا عن إرسال الصبايا من الفتيات إلى معلمات النسيج لتعلم أمور الخياطة والطراز، فكن يذهبن إلى بيوت - كما وضح سابقا - المعلمات لتعلم فنون الصنعة، وغالبا ما كانت تلك الجلسات تدور في جو من الروحانيات والتعبد، فكن يعلمن الأطفال النسج وهم يصلون على النبي
صلى الله عليه وسلم ، واعتادوا على ذلك؛ فصار هذا الأمر عادة من عادات النسج «وكانت معلمة للبنات تغزلهن، وكنا نرى أن كثرة تردد الشيخ إلينا إنما كان ليسمع الصلاة على النبي
صلى الله عليه وسلم
من أفواه الصغار، فإنهن يغزلن مصليات على النبي
صلى الله عليه وسلم
حسبما هو معلوم في ذلك عندهن.»
312
ورغبة من الصناع في المحافظة على مهنتهم وأسرارها وتوريثها لأولادهم، ساعدوهم وأكسبوهم خبراتهم التي تجمعت لديهم عبر السنين وتوارثوها أبا عن جد،
313
وهو ما جاءت به أمثال العامة: «صنعة ولدك، ولو كان حشاش.»
314
ونذكر حادثة وقعت وهي أن أحدهم كان يقيم مع أبويه وإخوته وسافر إلى بلد آخر وكان حائكا، وبدأ ينسج في ذلك البلد حتى جمع مالا كثيرا فاشترى به أملاكا، فلما توفي أبوه طالبه إخوته بنصيبهم من عمله وأمواله على الرغم من أن أباه لم يساعده. والمقصود من تلك الحادثة أن مهنة النسيج كانت منتشرة بين أفراد الأسرة خاصة، وبين معظم الأسر عامة.
315 (6-4) أهل الذمة
عمل العديد من الصناع الذميين في حرف وصناعات النسيج، فمنهم من كان يصنع الغزل ويبيعه، ومنهم من كان يقوم بعمليات الصباغة للمنسوجات والثياب،
316
وكان أكثرهم في بلاد المغرب «حمالين وخياطين وكيالين.»
317
وفي الأندلس مارس الصناع اليهود الصناعات الرذيلة والوضيعة خاصة صناعة الأصباغ؛ فهيمنوا عليها، على الرغم من أنهم نبذوا بسبب الأوساخ والإزعاج الذي يسببونه والروائح الكريهة التي تصدر عن عمليات الصبغ،
318
والبعض الآخر عمل في جمع القرمز وتصنيعه.
319
أما من أسلم من اليهود فأتيح له ممارسة بعض الحرف كما في فاس «وأما من أسلم من اليهود فاحترف بخياطة الملف والثياب وضفر القيطان الذي يخاط مع الثياب ونسج العقد ونسج قلنسوة وتبطينها وصبغها وتصفيفها.»
320
وهو ما يوضح ممارسة اليهود لمعظم الأنشطة الصناعية والتجارية للنسيج وبخاصة في فاس؛ فكان بها أكثر من ألفي يهودي عملوا في صناعة الحرير والثياب الأرجوانية.
321
هوامش
الفصل الرابع
مراحل ومراكز صناعة النسيج في بلدان الغرب الإسلامي
بلغت صناعة النسيج في بلدان الغرب الإسلامي مرحلة من التقدم كانت بدايتها من القرن 4ه/10م، واستمرت حتى القرن 8ه/14م،
1
وهو ما أكده عدد من المؤرخين والرحالة منذ القرن الرابع الهجري؛ فابن حوقل
2
الذي زار الأندلس عام 337ه/948م أعطى وصفا يعكس تقدم صناعة المنسوجات بأنها فاقت في جودتها وصناعتها وحجمها إنتاج أي بلد آخر، فتفوقت على ما كان يصنع بالعراق على الرغم مما تمتعت به بغداد في هذا الشأن إبان تلك الفترة.
واستمر هذا حتى القرن الثامن الهجري حيث يقول العمري:
3 «إن أهل الأندلس ... يلبسون الثياب الرفيعة الملونة من الصوف والكتان ونحو ذلك، وأكثر لباسهم في الشتاء الجوخ، وفي الصيف البياض.» ولأن تصل صناعة النسيج لهذه الدرجة من الإتقان، فلا بد أنها قد مرت بعدة مراحل من الإعداد للتصنيع والغزل، ومن ثم خروجها على شكل منسوجات حريرية وصوفية وقطنية وكتانية، وهو ما سيبين فيما يلي: (1) مراحل صناعة النسيج (1-1) مرحلة التجهيز
تدخل المواد الخام النسيجية - الحيوانية أو النباتية - عدة مراحل حتى تصير في النهاية منتجا يلبس أو مادة جاهزة للتصنيع، ومن بين تلك المرحل والخطوات: (أ)
تجهيز الصوف: لا يدخل الصوف مراحل كثيرة حتى يخرج في صورته النهائية على هيئة ألياف وشعيرات ناعمة تكون صالحة للاستخدام في أمور الغزل والنسج أو حتى الاستعمال الشخصي؛ فالصوف يحصل عليه من جزة الفروة التي تغطي جسم الضأن من الخرفان أو الكباش، وتقص بالمقراض لتكون مناسبة، ثم تضرب بالقضيب لتفرد وتلين، وبضربها تتبين نوعية هذا الصوف من الخرفان أو الكباش، لأن صوف الخرفان يكون أطول من صوف الكباش،
4
وبعدها ينظف الصوف من الوذح، وهو ما يعلق به من أبعار وبول الغنم أو التبن أو الحسك.
5
وتتباين أطوال وأشكال الصوف؛ بحسب مدة بقاء الصوف على بدن الضأن ومكانه على جسمه؛ لهذا يفضل الحصول على الصوف الذي مر عامان على بقائه على بدن الضأن؛ فالصوف المتخذ من جذع وعنق الغنم يكون قصيرا، والمتخذ من ثني الغنم فهو طويل وقوي، وصوف الظهر يأتي في المرتبة الأولى المفضلة للصناع والتجار، أما صوف الجنبين والخاصرة فهو في المرتبة الثانية، وبالنسبة لصوف البطن فيكون في المرتبة الثالثة، كذلك صوف الفخذين يقبع في المرتبة الرابعة للصناع والتجار من حيث الاختيار.
6
وبعد تنظيف الصوف من الوذح وما يعلق به يغسل غسلا جيدا فيصير جاهزا كي ينفش وتسرح أليافه وتنفك، فالألياف الطويلة تمشط عن طريق مشط كبير مصنوع من الخشب أو الصدف، وهو من الأدوات الأساسية التي تفك بها عقد الصوف، وقد احتكر صناعتها بعض الصناع اليهود وخاصة المقيمين في مدينة فاس خلال القرن 7-8ه/13-14م،
7
وبالنسبة للألياف القصيرة يتم تنقيتها عن طريق مشط يتكون من لوحين بهما أشباه مسامير يحك بها الصوف؛ فيعلق بالمسامير ما بقى متشبثا بالصوف من عقد، وما حل من الصوف فيصعد لأعلى اللوح فيصير جاهزا ليدخل مرحلة جديدة،
8
كما استخدمت بعض النباتات الشوكية في تسليك شعيرات الصوف، وهو ما عرف عند صناع المغرب بصفة خاصة ب «القرظاج» وهو ما ذكره ابن قزمان بقوله: «أر بعد لس شير من قزظاج ولا تهجم فلس اغرنون.»
9
ثم يدخل الصوف مرحلة الغزل التي أطلق عليها «العميتة» فكانت تتم باليد،
10
وتكمن في تحويل ألياف الصوف لخيوط، وغالبا ما تقوم بتلك العملية النساء؛ لما تطلبته عملية الغزل من المهارة والدقة وهو ما يتناسب وطبيعة التوافق الجسمي للمرأة.
11 (ب)
تجهيز الكتان: تعتبر زراعة الكتان من الزراعات التي تحتاج للكثير من الماء، وهو ما وجد ببلدان الغرب الإسلامي نتيجة كثرة الأودية العذبة والعيون والآبار بها، بالإضافة إلى التربة الرملية الصالحة لزراعة الكتان، فيزرع الكتان بداية من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) ويحصد في شهر مايو (آيار)، ويضاف إليه روث البهائم ويزرع بطريقة تسهل وصول المياه إليه ومن ثم غمره، فحرص الفلاحون على ألا يسقى الكتان بالمياه المالحة؛ لأنها تفسده، فروي بالمياه العذبة، ثم ينظف وينقى من الأعشاب الضارة الموجودة به للحصول على أفضل إنتاجيه من ألياف الكتان، ومن العلامات التي تشير لنضجه وبداية حصاده اصفرار اللون،
12
وبعدها تبدأ عملية الجمع، فيجمع الكتان في حزم، كل منها يقارب في مجمله راحة اليد؛ ليستطيع العمال والفلاحون تطويقها بكلتا يديهم وهو ما يقارب حجم الذراع أي ما يعادل «47سم» تقريبا، ثم يترك الكتان لمدة أربعة أو خمسة أيام في الشمس مع تغطية بذوره حتى تجف، ثم تفرك الأوراق الجافة المعلقة على سيقانه، وتوضع الجذور لأعلى ويوجه الكتان في اتجاه معاكس مع الحرص والحفاظ على سلامة البذور كي لا تتفتح وتفسد.
13
وبعدها مرحلة نقع الكتان وغمسه بالمياه أو كما أطلق عليها المقريزي «الهدار»
14
التي تتم في برك ومستنقعات مياه خصصت لذلك أو في الأنهار، كما كان يحدث في نهر قرطبة وبخاصة في أيام الصيف؛ مما أدى لتغير طعم ورائحة مياه النهر،
15
وتستمر هذه المرحلة من شهر أبريل حتى يونيو، بترك مياه البرك لفترة لتسخن بواسطة الشمس؛ نظرا لارتفاع درجات الحرارة في هذه الأوقات من السنة، وفضلت المياه العذبة للحصول على ألياف كتان بيضاء، أما المياه الراكدة العكرة التي ينقع فيها الكتان فتخرج الكتان رمادي اللون ومعها تقل جودة الكتان، وفي بعض الأحيان كان يلقى روث البهائم في المياه للإسراع في نضج الكتان.
16
أما عملية الغمر فيوضع الكتان في حزم مع غمر الأجزاء السفلية منها في الماء، ثم توضع أحجار أو عوارض خشبية ثقيلة عليها كي لا تطفو سيقانه على السطح، وبعد عملية الغمر يتم إخراج الكتان لتهويته في الشمس مع ضرورة تقليبه من مرة لأربع مرات، حتى يصير الكتان ناضجا بنسبة كبيرة، وهذه العملية تتم في شهر يوليو.
17
وبعدها تبدأ المرحلة الثالثة من مراحل تجهيز الكتان وهي الحلج، وذلك بغمر الكتان في الماء، ثم تبدأ مرحلة «تعطين الكتان»، وتستغرق هذه العملية ما يقرب من الشهر مع الأخذ في الاعتبار أن مدة الغمرة تختلف من منطقة لأخرى حسب درجة الحرارة، ففي المناطق الحارة تستمر هذه العملية مدة ثلاثين يوما كما هو الحال في بلاد المغرب، أما في المناطق الرطبة فكانت تصل إلى خمسين يوما متتالية حتى ينضج الكتان، كما في الأندلس وصقلية، وتعرف عملية النضج عن طريق إمساكها بالأصابع مع الضغط على ساق الكتان، فإذا فصلت أليافه عن الساق أصبح صالحا، أو عن طريق أخذ بعض سيقانه وضربها على المياه، فإذا تسلخت صارت ناضجة، وفي هذه الحالة يتم رفع الكتان من برك المياه تجنبا للتعفن،
18
ثم يخرج الكتان ليجف من سبتمبر حتى أكتوبر وبعدها يضرب الكتان بالمطارق الحديدية أو الخشبية للحصول على الألياف.
19
وتبدأ مرحلة التصنيع من حيث ما انتهت إليه مرحلة التجهيز، فجودة الكتان تبدأ من تلك المرحلة، وهو ما يعني أن أي تقصير في مرحلة من المراحل السابقة يأتي سلبا على جودة الكتان، وهو ما أبرزته إحدى وثائق الجنيزة التي تبين أن لون الكتان كان متغيرا عن لونه الطبيعي والمعتاد؛ ويرجع ذلك لأن الكتان لم يحظ بالوقت الكافي حتى يجف في الشمس،
20
فأولها مرحلة تمشيط الكتان وهي تتم بواسطة الفلاحين أو عمال مأجورين، لديهم الخبرة الكافية للقيام بتلك العلمية، مستخدمين أمشاطا خاصة معدة لذلك،
21
وبعدها تصير ألياف الكتان جاهزة للغزل، ثم تجمع الخيوط على شكل خصل وتجهز للصباغة وتلف على بكر أو قضبان خشبية.
22 (ج)
تجهيز الحرير:
23
قبل الحديث عن الحرير ومراحل تصنيعه وإنتاجه، لا بد من الإشارة إلى تلك الحشرة التي تنشأ عليها صناعة الحرير، والتي تعد عماد صناعة الحرير ألا وهي دودة القز، فهي دودة صغيرة تقطن الأشجار؛ تتغذى على ورق التوت، وتحقق لنفسها قدرا من الحماية عن طريق ما تنسجه من لعابها كي تحفظ نفسها من البرد والحرارة والرطوبة، وتنتج خيوطا لامعة ومنها يصنع الحرير.
24
ولكن سرعان ما انتشرت صناعة الحرير في الإمبراطورية البيزنطية زمن الإمبراطور جستنيان 536م،
25
وتعتبر صناعة الحرير من الصناعات القلائل التي قامت بمدينة تونس في أربطة حصينة وورش، وتباع في الأسواق في العصر الأغلبي للحفاظ على سرها، وقد انتقلت صناعة الحرير لبلاد المغرب الإسلامي في عهد بني الأغلب (184ه/800م-296ه/909م) إلى قابس ومنها إلى تونس،
26
فكان أول مصنع أنشئ في أرض أوروبية أقيم بمدينة بليرم في صقلية،
27
ومنها وصلت أساليب تربية دودة القز وصناعة الحرير إلى إيطاليا، والتي بلغت أوج ازدهارها في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.
28
وتبدأ عملية إنتاج الحرير في فصل الربيع حيث يجلب البزر «الشرانق» لتدخل عملية التحضين، وهذه العملية قامت بها النساء بانتقاء الشرانق لرعايتها وتحضينها، وتمت هذه العملية في الأندلس كما ذكر عريب بن سعد (ت القرن 5ه)
29
في شهر فبراير: «وتبدأ النساء بتحضين دود القز حتى تفقص.» فتحضن النساء البزر (الشرانق) لمدة أسبوع بوضعها تحت أثداء النساء وصدورهن، ثم تخرج وتنثر على أوراق التوت المقطعة، فتأكل لمدة ثلاثة أيام، وتسمى تلك العملية ب «الإطعام»، ثم تنقطع عن الأكل وهو ما يعرف ب «التصويم»، وتتكرر هذه العملية أكثر من مرة، حتى يجيء موعدها فيكثر لها العلف حتى تنتج الصلجة أو «الفليجة»
30
وتتم عملية فقس دود القز في شهر مارس وفيه «يتولد الحرير»
31
نتيجة لاعتدال الجو وملاءمة نسبة الرطوبة لها.
32
ومع عملية الفقس تبدأ الديدان في نسج الخيوط حولها، وروعي عند بداية ظهور الخيوط إبعادها عن المياه، وخاصة مياه المطر حتى لا تلين «الفليجة» - الصلجة - وتثقب عن طريق الفراشات ولا ينتج الحرير، وقد ذكر ابن قزمان
33
تعرض دود القز للماء والأمطار في بعض أزجاله. ولهذا كانت تنقل الفليجات (الشرانق) قبل خروج الفراشات إلى الشمس حتى تموت، وتستخلص خيوط الحرير، ثم تترك الفليجات الباقية ليثقبها الدود وتخرج الفراشات لتفقس وتبيض وتستمر دورة حياة «دود القز» مرة أخرى.
34
وتبدأ مدة حياة الدودة من التحضين إلى الفقس تتغير حسب الأقاليم والطقس ما بين سبعة وثلاثين وخمسين يوما، وتصل في الأندلس لستين يوما،
35
ويسمى الحرير قبل أن ينقى من أغراسه «درفس»
36
والمنقى يعرف ب «الإبرسيم» وهو الحرير الخام.
37
ولما كان الحصول على ورق التوت لازما لتغذية دود القز؛ فقد تعاون الكثير من الزراع والصناع بالاشتراك فيما بينهم لإنتاج الحرير، أطلق عليها الفقهاء «شراكة في علوفة الحرير»؛
38
وهو ما أغرى كثيرا من الفلاحين والزراع في بعض الأوقات لبيع أوراق التوت قبل أن تورق على الأشجار لتهافت صناع الحرير ومربي دودة القز لشرائها؛
39
وهو ما أوجد بعض الخلافات والخصومات والجوائح؛
40
فأوجب تدخل الفقهاء لحلها. فعندما سئل الفقهاء عما هو جائز في شركة علوفة الحرير، أجاب بأن يقوم صاحب أشجار التوت باستئجار أحد ليجمع الورق الخاص بحصته في الشركة أو أن يقوم بتربية الدود بنصيب معلوم على أن يكون ذلك منصوصا في عقد محرر بينهم،
41
وأوجز ابن سراج
42
شروط الشراكة في علوفة الحرير بقوله: «الشرط الأول: أن يكون الورق قد ظهر وبدأ صلاحه، الشرط الثاني: أن ينظر إلى الورق ويحزرها ويعلم مقدارها بالحزر والتخمين، الشرط الثالث: أن يشترطا أنهما إن نفد الورق واحتاجا إلى ورق آخر أن يشترياها معا من غير أن يختص أحدهما بشراء دون الآخر، الشرط الرابع: أن يكون العمل معلوما إما بالشرط وإما بالعادة، الشرط الخامس: أن يكون العمل معلوما بينهما على حسب الشركة كما كان الشراء بينها كذلك.» أما عند قسمة لوز الحرير فكان بعضهم يريد قسمته بالوزن أو بالعد، فأوجب الفقهاء أن يقسم بالوزن لأن العد تؤثر عليه الأحجام،
43
كل تلك الخلافات أوجبت كتابة عقود تحفظ وتضمن حقوق الطرفين المشتركين في شركة وزراعة ورق التوت.
وبعدها يدخل الحرير مرحلة الجمع، التي تبدأ من شهر أبريل بجمع إنتاج الحرير من المزارع والقرى قبل أن يرسل إلى دور الطراز، وهو ما يذكره ابن سعد
44
أنه يتم في شهر مايو ويبدأ دخول الحرير في مرحلة التصنيع الفعلي بإصدار الأوامر للمنتجين بأن يسلموا غزلهم إلى دور الطراز، بقوله: «أيام شهر مايو عددها ثلاثون يوما ... وفيه تخرج الكتب في القرمز والحرير والغاسول للطراز.»
ثم تأتي المرحلة الأخيرة من مراحل تصنيع الحرير بإصدار الكتب والمراسيم وإعطاء الأوامر إلى المسئولين عن مراقبة عملية صناعة الحرير والإشراف عليها من قبل المحتسبين والمشرفين، وتتم في شهر أكتوبر، بتسليم الحرير لدور الصناعة لإتمام أعمال الصباغة، فيخبر ابن سعد:
45 «وتخرج الكتب في الحرير والصباغ السماوي للطراز.»
ومن خلال ما ذكره ابن سعد عن مراحل تصنيع وإنتاج الحرير وبخاصة في الأندلس، يتضح أنها خضعت لرقابة حكومية أشرف عليها في جميع مراحلها، فكان إنتاج الحرير بمثابة عمل قومي تباشر عليه الدولة، وهي تلك الفترة التي تميزت بها الأندلس بإنتاج الحرير، ولكن مع ضعف الحكومات الإسلامية في الغرب الإسلامي وعدم الاهتمام بمربي وصناع الحرير وسقوط العديد من المعاقل والحصون الإسلامية في الأندلس، والتي كانت من أهم المراكز الصناعية لإنتاج الحرير، فضعفت وانهارت تلك الصناعة، وخير مثال على ذلك قرطبة وألمرية.
كما تعد عملية حل الحرير من أهم الأعمال في إنتاج الحرير، ويتم فيها تحويل الشرانق إلى خيوط لاستعمالها في الصناعة أو البيع، وتتمحور تلك العملية في تفريغ الشرنقة أي تحويلها إلى خيط متصل، ولهذه العملية مراحل كثيرة أهمها التخنيق، وهي قتل الفراشة داخل الشرنقة حتى لا تخرج وتثقب الفليجة، ثم سلق الشرانق حتى تلين خيوطها ويسهل حلها، ثم إزالة الرغس أي اللزوجة التي تصاحب الحرير وهي لعاب دود القز،
46
وإمساك خيط الشرنقة ونزع ما لا يصلح للاستعمال، وأخيرا جذب بضعة خيوط لعدة شرانق وجمعها وحلها معا، ولفها على الدولاب حتى إذا بردت التصق بعضها ببعض وصارت خيطا واحدا، هو الذي يحول في النهاية إلى خيط صالح للاستعمال. ولإتمام عملية حل الحرير لا بد من توافر عدة أدوات، منها: «الخلقين» وهو عبارة عن إناء نحاسي واسع العمق يملأ بالقدر اللازم ماء، وتضرم النار تحته حتى غليان الماء، فتسلق الشرانق فيه حتى تتخنق، ويتم تحريك الشرانق داخل الإناء عن طريق عصا، وذلك بطريقة دائرية لفصل الشرانق عن الخيوط، حتى تصير لامعة وساخمة وبراقة بعد تنقيتها.
47
وكذلك لا بد من توافر «الدولاب» وهو عبارة قطعة خشبية لها ماسكة من الحديد لتديره، مثبتة على قاعدة خشبية ترتكز على ست خشبات، خمس منها ثابتة، والسادسة متحركة - سهلة الخلع - يمكن حلها عند عملية فك الحرير الذي يكون مشدودا على الدولاب ويثبت فوق الخلقين، وفوق الدولاب لوحة خشبية يركز عليها ثلاث أو أربع خشبات وبكر لبرم الخيط، وجدت به كرة خشبية تساعد على تسليك الخيوط على الدولاب أثناء البرم، وأطلق على هذه الآلة الطاحونة، وعرفت تلك العملية بردن الحرير،
48
وبعدها تنزع الخيوط وتوضع على سقالة خشبية لنشرها حتى تجف، وبعد أن تجف تكب على سقالة خشبية مستديرة، وبعده تجمع الخيوط لتفتل، وبذلك تكون خيوط الحرير جاهزة لأن تدخل مرحلة جديدة وهي الغزل، وكانت تتم باستخدام المغزل.
49 (د)
تجهيز القطن: كما ذكر - سابقا - أن القطن يشرع في جمعه في الصباح الباكر بداية من شهر سبتمبر قبل أن تشتد حرارة الشمس، ويكون باليد بكل رفق ولين، ثم يعرض في الشمس ليجفف، ثم يرفع ولا يترك لفترات طويلة في الشمس حتى يحتفظ ببعض رطوبته وليونته ببقائه في الظل،
50
لأنه متى جمع في الحر كسر جوزه واختلط بالقطن ولا يمكن التخلص منه، وهو ما يهدر الكثير من الوقت في تخليصه، وإذا خزن القطن دون أن ينشر في الشمس فسد،
51
ومن مراحل تجهيز القطن المهمة التخلص من محارين القطن وهو كل ما يعلق به من قشور وحب أثناء عملية جمعه، وتعرف هذه العملية بالحلج، ثم يدخل بعد ذلك مرحلة جديدة وهي الندف وهي فك القطن من العقد وتشابك نسيجه، ليحل وينفش فيكون جاهزا للغزل.
52 (1-2) مرحلة الغزل
لإتمام تلك المرحلة لا بد من توافر الأدوات اللازمة لعملية الغزل من أنوال ومغازل وعمال وغيرها من الأدوات التي تساعد في عملية الغزل، والتي اعتبرت قوام صناعة النسيج برمتها، فبدونها لا تكتمل العملية الصناعية للنسيج، وهو ما أوضحه ابن الخطيب
53
من خلال النص الذي أورده حول دار الطراز المريني بفاس يتضح أن به «آلات النسج وضخام المناول»، وألواح الرسوم الخاصة بكتابة أسماء الخلفاء والملوك على الثياب والأعلام، بالإضافة لأدوات التنعيم والصقل والتصفيق كالشمع الذي خزن بكميات كبيرة حتى بلغ مخزونه «جبال الشموع»، فضلا عن خيوط الذهب والفضة التي كانت تطعم بها الثياب الملوكية. واستخدمت المغازل في عملية الغزل وهي من العمليات التمهيدية التي تكمن في خروج الألياف بشكل مبروم ومنتظم حتى تصير جاهزة.
54
والمغزل عبارة عن قضيب دقيق الطرفين،
55
يصنع من الخشب أو من الحديد أو النحاس،
56
استخدم لغزل الألياف النسيجية واستخدمته النساء بصفة خاصة، فكن يجلسن في وضعية القرفصاء - متربعة - ويضعن الخيوط باليد اليسرى، وتلف حول الكف، أو أنها تلف الخيوط على قضيب من الغاب، وتضع المغزل في اليد اليمني، ويتم إيصال أو لضم الخيط بالمغزل عن طريق خيط مغزول آخر كي يسهل عملية اللضم، وهو ما عرف بالطعمة، ثم ترفع اليد اليسرى في مستوى الكتف الأيسر، ويمسك المغزل من الأسفل عن طريق سبابة وإبهام اليد اليمنى، ويبرم الخيط من اليسار إلى اليمين مع رفع اليد اليسرى لأعلى، ومن ثم يلف حول المغزل، وتتكرر تلك العملية بنفس الخطوات للحصول على الخيوط والكمية المطلوبة ثم تكبب أي تلف وتجمع.
57
وللحصول على غزل منتظم ودقيق لجأت النساء إلى الجلوس في أماكن مرتفعة حتى يخرج الغزل متقنا ودقيقا، أو إلى الجلوس على مقاعد مرتفعة أو في النوافذ، أو لجأن لحيلة أخرى عن طريق ثقب فتحة في أرضية سقف المنزل، وفي العادة يكون بين كل طابق وآخر، ويتركن المغزل يتدلى إلى فناء البيت، فيمثل ثقل المغزل دورا في أن يظل الخيط مشدودا فيبرم برما قويا وجيدا، فيخرج الغزل في شكل منتظم ودقيق.
58
بالإضافة لذلك استخدم النول أو المنوال في عملية الغزل وهو تلك الخشبة التي يلف عليها خيوط النسج،
59
وعرف بالقرناس أو القرنور أو القرنون وهو تحريف للفظة المغزل المستخدم في إسبانيا
Cardus ،
60
وجودة صنع المردن من الأمور المهمة التي توكل لأهل الأمانة من الصناع وأكثرهم صلاحا ودينا؛ لأن تعاملاتهم تكثر مع النسوة، وأجود أنواع المرادن المصنوع من خشب السنط الأحمر الخالي من السوس والغرق؛ لأنه لو كان به عند البرم انكسر.
61
وقسمت الأنوال حسب الاستخدام، منها البدائي الذي استخدم في صناعة بعض الأقمشة والثياب للفقراء والبدو - ولعله المردن السابق ذكره - أما النوع الأكثر تطورا فهو الذي خصص لصناعة الأقمشة المزركشة والثمينة،
62
ومنها النول العمودي البسيط، وهو من الأنواع القديمة التي كانت منتشرة وأطلق عليها النوال أو النير، وهو ما ذكره الونشريسي
63
عن «مسألة كراء الحاكة النير الذي ينسجون به مع الغرس الذي فيه من النيارين، فإذا فرغوا من النسج أخذوا غرسه وأتوا بغرس آخر في منسجهن، وكانت هذه المسألة حيرت الصناع منهم عن صناعة الحياكة والحرارة.» ويتضح من النص السابق أن النير عبارة عن منسج استخدم في عملية النسج يتكون من خشبتين أفقيتين متطابقتين ممدودة عليهما السدى، وتشدهما دعامتان عموديتان، وتمر الخيوط بواسطة اليد من خلالهما،
64
ومن النساجين والغزالين من مارس أعماله على المغازل، وبخاصة في الطريق أو أمام المنازل والحوانيت، فكان يرتدي سروالا قصيرا فتنكشف عورته أثناء الغزل، فبعضهم كان يلجأ لوضع حصر أمام المغزل حتى لا تراهم أعين الناس.
65
ولضرورة وجود النول وتوافره في الأسواق انتشر صناع الأنوال في مدن الغرب الإسلامي، كما في فاس؛ فقد تخصصت جماعة من الصناع في صناعة الأنوال ودواليب الغزل التي استخدمها الحاكة،
66
لتوافر المواد الخام من أشجار البقس وبخاصة حول مدينة سلا وضواحي مدينة تطوان وفاس،
67
ومن لم يمتلك من الصناع المناسج لجأ لاستئجارها من الصناع على أجر معلوم ومدة معلومة،
68
غير أن ذلك لم يمنع حدوث بعض الخلافات بين النساج وصاحب المنسج حول الأجرة المتفق عليها، أو على مقدار النسج الذي ينسج على المنسج، في أن يقول أحدهم: «إن عملت ملحفة واحدة إلى ذلك الأجل تعطني خمسة دراهم، وإن عملت اثنتين تعطني عشرة دراهم.» أو ما يتبقى من غزل يعلق بالمنسج فيأخذه صاحب المنسج ولا يعطيه إلى النساج الذي بدوره كان يأخذه من صاحب الغزل دون وجه حق.
69
وخصص النول الأفقي للرجال فهو معقد بعض الشيء، فهو مكون من عدة أجزاء منها الدواسة، وهي عبارة عن بدال أو رافعة تدار بواسطة القدم للتحريك والدرء، والدف وهو الجزء الذي يتم من خلاله عملية النسج الفعلية، وتشمل أجزاء كبيرة من النول، بالإضافة إلى المشط وهو عبارة عن قطعة خشبية وضعت بها بعض المسامير والأسلاك، يمر بين الخيوط كي يحافظ على المسافات بينها، ويقوم بضم خيوط اللحمة، بالإضافة إلى المكوك، وهو عبارة عن أداة تحمل خيط اللحمة داخل علبة من الخشب،
70
ويجلس النساج خلف النول.
71
وتبدأ عملية النسج بتحريك النساج الدواسة بقدمه، وتمرير مكوك الخيط باليد، ثم تحريك قدمه اليمنى وينتهى باليسرى، حتى يتمكن من تمرير المكوك الذي يحمل خيوط اللحمة، ثم يقوم النساج بقذف المكوك بواسطة اليد يمينا ويسارا على التوالي، بحيث يتمكن من دمج خيوط اللحمة والسدى، ثم يقدم بيده لتحريك المشط لضم الخيوط المنسوجة من السدى أو اللحمة بعضها لبعض، أو ضم الحبيكة كي لا تخلل وتتصفق؛ فيكون بينها عيون تضعف من قوة الثوب، وبعدها يقوم النساج بتحريك قطعة الثياب بواسطة القلاب.
72
ويرجع البعض بداية ظهور الأنوال بهذا الشكل إلى الهند بين القرن 5-9ه/11-15م وسرعان ما انتقل إلى بلدن الغرب الإسلامي.
73
وعلى كل ما سبق تأثرت البيئة المحيطة في الغرب الإسلامي بتطور صناعة الغزل وبخاصة في تونس؛ فأدى ذلك إلى ظهور بعض التجمعات الكبرى وبخاصة حول الحواضر والمدن لجمع الغزل من المناطق المحيطة، كما حول الناحية الجنوبية من مدينة تونس التي تعرف ب «مسبحة مقرين للغزل» فكانت مستودعا كبيرا للغزل المتجمع من المدن والبوادي ومعامل ومصانع الغزل المختلفة ليدخل مرحلة التصنيع، وقد حرصت السلطة على حماية هذا الموضع؛ لأهميته الصناعية والتجارية.
74 (1-3) مرحلة التصنيع
قبل الاستطراد في تلك المرحلة وذكر خطواتها والتطرق لأهم مواضعها ومنتجاتها ومراكز صناعتها، لا بد من الإشارة إلى دور الطراز الخاصة والعامة في بلاد الغرب الإسلامي، التي انتشرت خلال فترات تاريخها، فبوجودها تأثرت صناعة النسيج؛ مما ساهم في تنوع الإنتاج النسيجي بإنتاج نوعيات تميزت بها بلدان الغرب الإسلامي عن غيرها واشتهرت بها. (أ) دور الطراز في الغرب الإسلامي
75
أطلق الطراز أول الأمر على الكتابة الزخرفية الموجودة على المنسوجات، فهو لفظ أعجمي مأخوذ من كلمة طرازيدين أو ترازيدين وتعني التطريز وعمل المدبج، وقد شاع مدلولها على الدور والمصانع التي تقوم بإعداد تلك الصناعات،
76
وانقسم الطراز إلى: الطراز الخاص وهو ما خصص إنتاجه للخلفاء والملوك، والطراز العام ووجه إنتاجه لعامة الناس والبلاط أيضا، وكلاهما خضع للمراقبة من قبل السلطة.
77
فدور الطراز الخاصة أماكن معدة لصناعة ثياب الخلفاء والسلاطين والملوك، فاتخذ لها أمهر النساجين والحاكة والخياطين وأفضل الصباغين لإنتاج ما يتطلبه البلاط، وهو ما ذكره ابن خلدون
78
بقوله: «وكانت الدور المعدة لنسج أثوابهم في قصورهم تسمى دور الطراز لذلك.» وكلف شخص يتولى الإشراف على خزائن المنسوجات عرف ب «الوكيل» وهو القائم بشئونها.
79
وحوت دور الطراز كل ما يلزم لصناعة ثياب ونسيج الخلفاء والملوك وخاصتهم؛ فلم تهتم بإنتاج ما يحتاجه السوق المحلي بشكل كبير؛ فسعت جاهدة لإنتاج أجود الثياب التي حظر بيعها في الأسواق وللعامة، فخضعت للرقابة الحكومية من قبل المحتسبين حتى لا يتدنى إنتاجها، وتخرج المنسوجات مثلما حدد لها عن طريق المحتسبين ثم تختم فتصير جاهزة،
80
فزودت بالأنوال وبخاصة الضخام منها التي تنسج الخيام - كما وضح - كالأنوال الخاصة بصناعة الثياب «وآلات النسج وضخام المناول»، كما كان بها ألواح الرسوم الخاصة بكتابة أسماء الخلفاء والملوك على الثياب والأعلام، بالإضافة لأدوات التنعيم والصقل والتصفيق كالشمع الذي خزن بكميات كبيرة حتى بلغ مخزونه الكثير بها «جبال الشموع»، فضلا عن مواد الصباغة «عقار الصبغ»، فضلا عن خيوط الذهب والفضة التي كانت تطعم بها الثياب الملوكية.
81
وأسندت وظيفة الإشراف على دور الطراز للمقربين من الخلفاء والملوك، وأطلق على القائم عليها اسم «صاحب الطراز» فكان يشرف ويراقب على الأعمال، ويدفع الرواتب وغيرها من «أمور الصباغ والآلة والحاكة فيها وإجراء أرزاقهم وتسهيل آلاتهم ومشارفة أعمالهم، وكانوا يقلدون ذلك لخواص دولتهم وثقات مواليهم وكذلك كان الحال في دولة بني أمية بالأندلس.»
82
فكان الصقالبة والفتيان المعروفون بالأكابر في عهد بني أمية هم من تولوا هذا الأمر منذ خلافة عبد الرحمن الناصر ومن بعده ابنه الحكم المستنصر؛
83
فكان يتفقد دار الطراز ويطلع على أمورها بنفسه ويتابع العاملين بها ويستفسر عن أوضاعهم وما يتعلق بسير أعمالهم.
84
وأول من اتخذ الطراز هو الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك،
85
والأمير عبد الرحمن بن الحكم وهو أول من أنشأ دارا للطراز في الأندلس،
86
كما يذكر ابن الخطيب:
87 «وفي أيامه اتخذ الطراز الذي كان حديث الرفاق، وطرفة أهل الآفاق.» وهي في الأصل تطور واتساع لدار البرد أو الدار البردية التي كانت تقع غرب قصر قرطبة التي كانت من بنيان الأمير عبد الرحمن بن معاوية.
88
ويدلل انتشار دور الطراز في مدن الغرب الإسلامي وبخاصة مدن الأندلس على مدى اهتمام الدولة لتوثيق الأحداث والمناسبات عن طريق تطريزها وتصويرها على الأعلام والرايات.
89
وسعى الخلفاء والحكام على توفير ما تتطلبه دور الطراز من مواد خام وبخاصة في عهد الأمويين الذين أصدروا الأوامر للولاة في شهر أيار (مايو) من كل عام بجمع إنتاج الحرير وإرساله لمعامل الطراز الموزعة بمناطق الأندلس المختلفة،
90
وهو ما أشار ابن الخطيب
91
إليه بقوله: «ومن آثاره التي ضربت بها الأمثال وقضيت منها العجائب، حال الطراز ببابه لنسج ما يحتاج إليه من الخلع والكسى وملابس الحرم وغير ذلك ... ولو تتبعنا أصنافهم وما كانوا يحاولونه من صناعاتهم ويناغون به المشرق من بضاعتهم ومقدار جراياتهم ونفقاتهم لضاق عنه الكتاب.» ويفهم من هذا النص أن منسوجات الغرب الإسلامي وبخاصة الأندلسية المصنعة بدور الطراز كانت تضاهي في جودتها ودقتها وحجم المصنوع منها؛ المنسوجات المشرقية التي ذاعت شهرتها آنذاك، كما يعتقد أن تلك التقاليد الخاصة بدور الطراز ظلت باقية في غرناطة بعد سقوط العديد من الممالك الأندلسية على يد إسبانيا ولفترات طويلة.
كما وجدت ببلاد المغرب دور الطراز التي أنتجت كل ما يتعلق بالخلفاء والحكام من ثياب ومنسوجات، فكان بالقيروان دار طراز خاصة بها، وما يدل على ذلك وجود باب من أبواب القيروان يعرف ب «باب الطراز»
92
كما أشار الإدريسي
93
إلى وجود دار طراز اختصت بإنتاج الحرير في مدينة قابس «فكان بها فيما سلف طرز يعمل بها الحرير الحسن». وفي هذا إشارة، على الرغم من أن قابس لم تكن عاصمة إدارية للحكومات الإسلامية في الغرب الإسلامي، فإنها كانت قاعدة لإنتاج الحرير في فترات ليست قليلة، وهو ما يعكس وضع المراكز الصناعية ومراكز إنتاج النسيج في بلدان الغرب الإسلامي، ورغم عدم توافر نصوص تاريخية تذكر وجود دور للطراز بالمغرب في عهد المرابطين فإن الدلائل الأخرى تساعد على افتراض وجود بعض دور للطراز في عهد المرابطين، خاصة في زمن يوسف بن تاشفين (400-500ه/1009-1106م) والذي اتخذ قرارا يفضي إلى إثبات اللقب الذي اتخذه في طرازه دون وجود دور للطراز،
94
غير أن خلفاء الموحدين حرموا على أنفسهم الطراز في بداية حكمهم، فلم يكن لهم شيء من طراز «فكانوا يتورعون عن لباس الحرير والذهب؛ فسقطت هذه الوظيفة من دولتهم واستدرك منها أعقابهم ...»
95
لكن بعض الإشارات الأخرى تشير إلى وجود دور طراز في مدينة أغمات في العصر الموحدي،
96
ووجد بفاس دار طراز لملوك بني مرين اختصت بإنتاج الثياب والخيام والأعلام الخاصة بهم وببطانتهم وفرق الجيش، فخضعت لسلطانهم وتصرفاتهم لإنتاج ما يلزم للبلاط السلطاني،
97
وينوه برنشفيك
98
إلى أن الحفصيين لم يمتلكوا دور طرز خاصة بهم على غرار سلاطين الأندلس والمشرق الإسلامي.
أما عن الأندلس فكان بها من دور الطراز الكثير؛ كدار الطراز والخلع بقرطبة، التي أنشأها الأمير عبد الرحمن الأوسط، وتقع في مقدمة السوق العظمى غربي قصر الخلافة،
99
وأمر بأن يعين بها مملوكه «خلف الفتى الكبير» ناظرا عليها وذلك في عام 313ه/925م، وعرفت آنذاك بدار البرد،
100
وبإشبيلية وجدت دار للطراز خاصة أيام إبراهيم بن حجاج اللخمي الذي استقل بإشبيلية وقرمونة فبها «يطرز فيها على اسمه كفعل السلطان إذ ذاك.»
101
وبمقالة أيضا دار طراز للمنسوجات على غرار إشبيلية وقرطبة.
102
ووجد بصقلية دار طراز على أيام الفاطميين وظلت قائمة إلى عهد الملك الصقلي وليام الطيب (1166-1189م)، واستمر يعمل بها في مصانعها ومعاملها صناع مسلمون على الرغم من انتهاء الحكم الإسلامي بها، أمثال يحيى بن فتيان الطراز، فيطرز بالذهب داخل دار الطراز، وهي الصورة التي نقلها ابن جبير
103
بقوله: «ومن أعجب ما حدثنا به خديمه المذكور، وهو يحيى بن فتيان الطراز، وهو يطرز بالذهب في طراز الملك.» ومن جملة الهدايا التي أرسلها المعز بن باديس إلى المعز لدين الله الفاطمي عام 420ه/1029م «الثياب الصقلي والثياب السوسي والفرقات والعمائم الصقلي عدة ألوف.»
104
ما يعكس دقة الصناعة الصقلية ودور الطراز في تلبية احتياج البلاط.
وعن دور الطرز العامة فقد انتشرت في معظم المدن والتجمعات العمرانية بالغرب الإسلامي؛ نتيجة لامتلاكها القدرة على الإنتاج لتلبية احتياجات ومتطلبات العامة وكذلك احتياجات البلاط إن لزم الأمر، كما بتدمير حيث يذكر العذري
105
أن بها «عمل الطراز العجيبة والصناعة الغريبة»، وببسطة فكان بها «الطراز الشريفة».
106
ولكي تتضح أهمية دور الطراز العامة في الغرب الإسلامي كان لا بد من الحديث عن مراكز صناعة النسيج في الغرب الإسلامي. (2) الصناعات النسيجية ومراكز صناعتها
مع توافر المواد الخام والمقومات الزراعية والصناعية اللازمة لتصنيع النسيج، برزت العديد من المواضع التي اختصت بإنتاج نوع معين من خام النسيج، أو إنتاج أنواع معينة من المنسوجات، أو أن أهلها اختصوا وبرعوا في تصنيع أو صباغة أو التمهيد لتصنيع بعضها.
وهو الحال بالنسبة لسكان تونس وما حولها من الحاكة؛ فأنتجوا أجود المنسوجات كالعمامات الرفيعة المسماة بالعمامات التونسية، التي نالت قسطا كبيرا من الشهرة بالحياكة «فكان يغزل بها غزل ويباع زنة المثقال منه بمثقالين من ذهب، وبسوسة تقصر ثياب القيروان الرفيعة.»
107
وكذلك مدينة الأربس
108
فسكانها انقسموا إلى طائفتين الأولى من الحاكة والثانية من الفلاحين.
109
أما مدينة المرسى ومدينة الحمامات على ساحل البحر المتوسط فسكانهما اشتغلوا بقصارة الثياب وتخصصوا في صناعة الأقمشة الكتانية،
110
وسكان هنين عملوا في صناعة المنسوجات وبخاصة القطنية، وصفاقس فبعض سكانها عملوا بالنسيج،
111
ووهران التي أكثر سكانها من الحاكة.
112
كما اشتهر حصن بكيران بكثرة معامل وأماكن صناعة النسيج لإنتاج الثياب البيضاء التي فضلها أهل الأندلس؛ لهذا ارتفعت أسعارها بطريقة ملحوظة نظرا لكثرة الإقبال عليها، وراجت تجارتها، وأخذ تجار النسيج بالعمل على تصدير كميات كبيرة منها.
113
ولإيضاح الأهمية الاقتصادية لمراكز إنتاج النسيج في الغرب الإسلامي، وجب على الباحث التطرق بالحديث عن عاصمتين من أهم عواصم النسيج خلال فترة الدراسة، واللتان تنوعتا في إنتاج المنسوجات الحريرية والصوفية والقطنية والكتانية، واختلفتا في كمية الإنتاج على الرغم من تباعد الفترة الزمنية التي ازدهرتا فيها، وجمعتهما منطقة واحدة - الغرب الإسلامي - وهو ما استوجب إظهار تلك المفارقة.
مدينة ألمرية:
من المدن التي تبوأت الصدارة في إنتاج النسيج وبخاصة إنتاج الحرير كانت مدينة ألمرية الأندلسية؛ الأمر الذي جعل كل من زارها يتحدث عن منسوجاتها وعن دقتها وجودتها؛ فلم تكن فقط مركزا مهما في الغرب الإسلامي فحسب، لكنها تحولت إلى مصدر مركزي لإنتاج النسيج أيضا وبعض المصنوعات المرفهة للممالك المسيحية المجاورة.
114
وانتقلت صناعة الحرير إليها عن طريق بعض الممالك والمدن المجاورة وبالأخص مدينة بجانة التي عدت من أهم مراكز إنتاج وتصنيع الحرير إبان القرنين الثالث والرابع الهجريين/التاسع والعاشر الميلاديين؛ فكانت المنسوجات الحريرية بها «تحمل إلى مصر ومكة واليمن وغيرها.»
115
ومع بداية القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي وعلى أثر انتقال معظم صناع وحرفيي بجانة إلى مدينة ألمرية، وازدهرت وشهدت صناعة الحرير بألمرية تقدما ملحوظا وما واكب ذلك من انهيار اقتصادي وسياسي بإقليم بجانة خلال تلك الفترة.
116
وقد اشتهرت ألمرية ب «صناعة الوشي والديباج على اختلاف أنواعه، ومن صنعة الخز وجميع ما يعمل من الحرير ما لم يصر مثله في المشرق ولا في بلاد النصارى .»
117
وهو ما ميزها عن سائر البلاد فكانت تنتج الديباج
118 «ما حسن صبغه وانتظمت نقوشه ودق حريره وصفق نسجه وأشرق لونه وثقل وزنه وسلم من النار.»
119
وذكر الزهري
120
في حديثه عن مدينة ألمرية أن «فيها كان يعمل الديباج المحكم الصنعة مثل المرنجات المعروفة بالعداديات وثياب السندس الأبيض وهو ديباج أبيض ... كله لا يخفى على أحد من صناعته شيء، وفيها استنبطت ثياب المعمة المعروفة بالخلدي، ليس في ثياب الحرير كلها أتم منها مجالا ولا جمالا؛ لذلك سميت بهذا الاسم، وهو مشتق من الخلد ... وأكثر صناعة نسائهم الغزل الذي يقارب الحرير في سوقه وأكثر صناعة رجالهم الحياكة.» وصنع بألمرية من صنوف الحرير الكثير من الديباج والوشي والسقلاطوني والبغدادي والستور
121 «والأصبهاني والجرجاني بالإضافة إلى الستور الملكية والثياب المعينة والخمر والعتابي والمعاجر وصنوف أنواع الحرير.»
122
وفي هذا النص دليل على أن مصانع الحرير بألمرية اتبعت في صناعتها التقليد لبعض منتجات المشرق الإسلامي كالعتابي والأصبهاني والجرجاني وهو ما أشير إليه، ويعكس مدى ما وصل إليه صناع الغرب الإسلامي، وبخاصة صناع ألمرية، من مهارة في إتقان جميع صنوف المنسوجات الحريرية لدرجة أنها طابقت في جودتها ودقتها بلادها الأصلية،
123
وهو ما يوضح عمليات الصنع والبيع للمنسوجات المقلدة من الحرير ذات السمعة الجيدة من الجرجانية وغيرها الذي قد أنتج في ألمرية، حتى إن أبا من عدن طلب بعض الحرائر الجرجانية من ألمرية من أجل جهاز عرس ابنته فجاءت بسهولة من الأندلس،
124
ووجد بألمرية ثمانمائة طراز من طرز الحرير النفيسة وألف منوال للديباج.
125
مدينة فاس:
عاصمة النسيج في بلدان الغرب الإسلامي من الكتان والصوف والقطن والحرير، بفضل ما هيأته الطبيعة من جودة التربة وتوافر مصادر المياه بالإضافة إلى الأيدي العاملة الماهرة، وما يقدم إليها من مواد خام سواء محلية أو عن طريق التجار والمزارعين، فضلا عن كونها مركزا إداريا وسياسيا خلال فترات طويلة من تاريخها؛ ما أهلها لأن تكون إحدى عواصم النسيج في الغرب الإسلامي.
126
فخلال فترة حكم الموحدين وخاصة أيام الخليفة الناصر الموحدي 585ه/1189م، كان بفاس 3064 موضعا خاصا بالنسيج وطرزه ،
127
بالإضافة للعديد من الأماكن التي خصصت لصنع وبيع وتجارة النسيج ومتعلقاته،
128
كما وجدت بها بعض الأزقة والشوارع الخاصة بالحاكة والنساجين،
129
ما يعكس المكانة الاقتصادية والصناعية التي وصلت إليها فاس فيما يتعلق بصناعة النسيج، فهذا العدد الكبير من دور النسيج يبرز كيف أنها زجت بالعمال والصناع فأصبحت قبلة النسيج، ففي ظل حكم بني مرين كان لهم دار طراز بفاس باعتبارها دار حكم، واستمرت تنتج المنسوجات الفاسية،
130
وخلال القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، وعلى إثر ما سمح به تخطيط مدينة فاس من إقامة العديد من حوانيت النسيج، استمرت فاس في تقدمها النسيجي؛ فكان بها 250 محلا للحياكة، و150 دكانا لصباغة الغزل، بالإضافة للعديد من حوانيت القطانين وأسواقهم؛ فكان بها 30 دكانا لباعة الأشرطة القطنية وبعض السروج، وبعض الأماكن الخاصة ببيع الأقمشة الصوفية الغليظة، فكان عددها 100 دكان و141 دارا مخصصة لأمور الغزل تستجلب الصوف القادم من الرعاة والفلاحين المحليين فيدخل في تلك الدور لإنتاج الثياب والمنسوجات الصوفية، والعديد من الحوانيت الخاصة بالمنسوجات، فكان بجوار باعة الشمع العديد من باعة الخيوط النسيجية، وبجوارها حوانيت تبيع الحبال والخيوط وحبال الخيل وأرسانها المصنوعة من القنب، فضلا عن حوانيت بيع الكتان والثياب والكثير من الأسواق الخاصة بالنسيج،
131
والكثير من الحوانيت المعدة التي خصصت لصناع الأشرطة الكتانية والقلاع والشقق الكتانية، وكذلك قماش الكتان الغليظ الذي يستخدم في تغطية الشوارع والأسواق، كالذي استعمل في تغطية صحن جامع القرويين.
132 (2-1) المنسوجات القطنية ومراكز صناعتها
ارتدى مسلمو الغرب الإسلامي النسيج القطني كغيره من المنسوجات نظرا لتوافر المواد الخام الخاصة به، وهي القطن، في عدد من بلدانه، وذلك من وقت طويل، منذ دخوله على يد الفاتحين العرب، فتميزت مواضع دون غيرها بصناعة المنسوجات القطنية، فمن بين تلك البلدان بلاد المغرب، فلم تنشط بها مواضع لصناعة المنسوجات القطنية بقدر ازدهار المنسوجات الصوفية والكتانية، على الرغم من عدم قلة الأراضي المزروعة بالقطن، لكن لجأ سكانه لمزج القطن بالكتان تارة والصوف تارة أخرى والحرير، فأنتج القماش «السفساري» في تونس، وهو قماش مصنوع من حرير وقطن،
133
كذلك أنتجت نساء مكناسة أقمشة من الحرير والقطن أو من القطن والصوف حملت اسم البلد وذاع صيتها ببلدان كثيرة لنعومتها وجودتها،
134
وبرع سكان قصر طلمثية في إنتاج ثياب مصنعة من القطن والكتان نقلت إلى العديد من البلدان،
135
وصنع أهل ندرومة أقمشة قطنية غاية في الدقة والليونة،
136
ومدينة سلا التي كانت محطا للقطن والكتان فأنتج صناعها الأقمشة والملابس المصنعة من القطن الناعمة،
137
ومن القطن صنع الأودغستيون أزر سمونها الشيكات.
138
كما اشتهرت الأندلس بصناعة المنسوجات القطنية وبالأخص بوادي أش، فأنتج أنواعا من المنسوجات القطنية الرقيقة،
139
وهو ما يستنتج من قول الإدريسي
140
الذي جاء فيه: «وتصنع من حصن بكيران ثياب بيض تباع بالأثمان الغالية وهي من أبدع الثياب عتاقة ورقة حتى لا يفرق بينها وبين الكاغد في الرقة والبياض.» وأغلبها كانت ملابس للنوم أو ملابس داخلية، كما بأرون أصناف من المنسوجات القطينة العديدة،
141
بالإضافة لمدينة شبرب التابعة لبلنسية.
142
وصقلية التي اختصت بعض مدنها بإنتاج المنسوجات القطنية كمدينة بليرم؛ فكان بها العديد من الحوانيت الخاصة بالقطانين والحلاجين،
143
فاستمرت تنتج تلك النوعية لفترات طويلة على الرغم من انتهاء الحكم الإسلامي بها، وظلت العديد من المصطلحات الصناعية باقية لصناعها.
144 (2-2) المنسوجات الكتانية ومراكز إنتاجها
برع صناع الغرب الإسلامي في إنتاج المنتجات الكتانية بأصنافها العديدة وبالأخص مدن المغرب، فمن مدن المغرب الأدنى تونس أنتجت أنواعا مميزة من القماش عرف ب «القماش الأفريقي» وهو من الثياب الرفيعة المصنعة من القطن الممزوج بالكتان، أو من الكتان الخالص يسمو في جودته عن النصافي البغدادية، فاعتبرت من أحسن كساوي المغرب بفضل سكانها فمعظمهم كانوا من الحاكة، فضلا عن نسائها؛ فقد تميزن في أمور الغزل وأتقنه بشكل بارع،
145
وهو ما أكده الصومعي
146
في أن أحدهم كان يرتدي ثوبا من الكتان مصنوعا في تونس بقوله: «وعليه ثوب كتان من عمل تونس وفي القبة أقطفة ومخاديد وعليها ستور حسن.»
فمن بين مدن المغرب الأدنى والأوسط المعروفة بإنتاج المنسوجات الكتانية قسنطينة؛ فهي من بين المراكز المهمة والمعروفة بإنتاج المنسوجات الكتانية، وصدرت جزءا كبيرا من إنتاجها لمدن الجنوب في السودان،
147
وكذا مستغانم التي اشتهر سكانها بنسج الأقمشة الكتانية الرقيقة،
148
والمهدية التي نسب لها الثياب السوسية المهدوية،
149
وسوسة التي عدت من أبرز مراكز صناعة الكتان نظرا لانتشار زراعة الكتان هذه واحدة، والثانية أن صناعها برعوا وأجادوا في غزل الثياب وخاصة المرتفعة الثمن؛ فحملت إلى البلاد شرقا وغربا، فنسبت إليها الثياب الرفيعة السوسية.
150
وتميزت كل من صفاقس وعنابة بصناعة المنسوجات الكتانية فغالبية سكانهما كانوا من الحاكة،
151
ومدينة توزر التي اشتهرت بزراعة الكتان الجيد، ومدينة بجاية التي امتاز صانعوها بعمل الأقمشة والمفروشات والزرابي على الطراز المغربي لتوافر المواد الخام من كتان وقنب، قامت عليها صناعة الأقمشة الكتانية بها،
152
ومدينة قفصة المميزة بإنتاج الأقمشة الكتانية،
153
ومتيجة كانت من أهم مراكز إنتاج الكتان في الغرب الإسلامي.
154
ومن مدن المغرب الأقصى التي عرفت بإنتاج المنسوجات الكتانية مدينة سبتة؛ فقد تميزت بصناعات النسيج كافة، وقد تلت صناعة المراكب باهتمامها، فمنتجاتها صدرت إلى باقي البلدان في الشرق والجنوب والشمال بفضل تجارها والتجار الواردين إليها، لشراء منتجاتها وبخاصة «الكبوط» الكتاني الذي صدر لبلدان الغرب الأوروبي،
155
وزرع سكان جبل مغسة كميات كبيرة من الكتان؛ لأن معظمهم من حاكة الأقمشة الكتانية.
156
هذا وقد أنتجت درعة نوعا من ثياب الكتان المقاومة للنار، نتيجة لوجود نوع من الحجارة عرف ب «تاوطغيت» تحك بها اليدان حتى تلين لتستخدم في غزل ونسج الكتان، فيصنع منها القيود والحبال، وصنعت منها المناديل المقاومة للنار، التي خص بها ملوك زناتة وكانت عندهم «من أعظم الذخائر»،
157
فكان يباع بسوق بنكور نوع من البرانس المقاومة للماء، تهافت عليها التجار، والتي صنعت بها.
158
واشتهرت الأندلس بصناعة المنسوجات الكتانية، وكان أجودها كتان البيرة فهو «الرفيع الذي له الفضل البائن.»
159
ويضيف الحميري
160
قائلا: «فكتان هذا الفحص [البيرة] يربو جيده على كتان النيل.» كما ينسب ياقوت الحموي لأندراش الكتان الفائق،
161
ولكتان أرون فضل على سائر الكتان الأندلسي لجودة الزراعة والصنع؛ فتغنى شعراء الأندلس بكتانها، كما اشتهرت قادس بصناعة المنسوجات الكتانية؛ نظرا لتوافر البيئية الزراعية للكتان.
162
وعمل بالأندلس «الكتان الدني للكسوة ويجلب إلى غير مكان، حتى ربما وصل إلى مصر منها الكثير.»
163
كما أضاف ابن حوقل:
164 «ويستعمل عندهم للعامة وللسلطان من الكتان ثياب لا يقصر عن الديبقي ما كان منها صفيقا، ومن السلس الدقيق ما يستحسنه من لبس الشرب ويضاهي رفيع الشطوي الجيد.» وكانت باجة رائدة خلال القرن 5ه/11م في إنتاج الكتان، وبلنسية وكيران كانا مركزين لإنتاج الكتان.
165
وتبوأت صقلية خلال القرن 5-6ه/11-12م مكانة مميزة في إنتاج المنسوجات الكتانية ذات النوعية الجيدة التي نافست مثيلاتها في مصر والشام؛ فكان الثوب الصقلي المصنوع من الكتان يساوي في مصر إبان الحكم الفاطمي أكثر من عشرة دنانير مصرية كما ذكر الرحالة ناصر خسرو أثناء زيارته لمصر.
166 (2-3) المنسوجات الحريرية ومراكز صناعتها
ازدهرت صناعة الحرير في الكثير من المدن المختلفة لبلدان الغرب الإسلامي، ففي الأندلس ازدهرت صناعة الحرير خلال القرن 5-6ه/11-12م نتيجة اهتمام السلطات الحاكمة بإنتاج الحرير، فأصدرت له المراسيم الخاصة بإنتاجه، وتفاوتت درجة الإتقان والجودة من مركز لآخر، ومن مدينة لأخرى حسب المقومات الصناعية المتوافرة لديها، فكان لبعضها السبق ؛ إذ تربعت على عرش إنتاج المنسوجات الحريرية دون غيرها.
فالمعروف أن الحرير هو الخز قبل أن يغزل، وأطلق عليه المسلمون القز، وإذا غزل يسمى إبريسم وعند خلطه بالصوف يطلق عليه خزا، وبعد صباغته يسمى عند ذلك حريرا،
167
وأفضل أنواع الخز هو الذي سداه تكون قوية ومتينة، ناعم الملمس، وما انتظم نسجه وثقل وزنه، أما الرديء منه؛ فهو ضعيف السدى، خفيف الوزن، رخو النسج، غير زاهي اللون،
168
فعبر العامة وبخاصة المجتمع الأندلسي عن جودة الخز ودقته بالمثل الشعبي: «شبهت الخز بوبر المعز.»
169
وأجود أنواع الحرير الإبريسم «النقي الحسن اللون السالم من الأحلاف والأوساخ الملتبسة لبعض خيوطه، فتكون خيوطه شكلا واحدا ليس فيها بعض غليظ وبعض دقيق ولا معدة ... فهو أفضل.»
170
وأفضل أنواعه الكوفي، فكان يخلط في بعض الأوقات مع الكتان، مع اختلاف قدر الحرير أو الصوف.
171
أما الديباج؛ فأصله من بلاد فارس وهو من أكثر الأنواع شهرة ودلالة عن المنسوجات الحريرية،
172
فاختلفت أنواع وأغراض الديباج ما بين الملبس وللتعليق أو فرش داخل البيوت «فأفضله ما حسن صبغه وانتظمت نقوشه ودق حريره وصفق نسجه وأشرق لونه وثقل وزنه وسلم من النار.» وخير ما يعد منه يصنع لا بد أن يكون مائتي شبر، أما إذ كان للتعليق فكان مائة وعشرين شبرا.
173
ولم تكن ببلدان الغرب الإسلامي - وبخاصة بلاد المغرب - صناعة الحرير ومنسوجاته على نفس المكانة التي تمتعت بها الأندلس، والتي لاقت منسوجاته الكتانية والقطنية والصوفية من الشهرة ما لم تلقها المنسوجات الحريرية نفسها؛ فانتشرت تلك الصناعة في عدد من مناطق وبلدان المغرب ما بين غزل ونسج وطراز، كمنطقة السوس التي اشتهرت بصناعة الخز.
174
وقد احتكر الصناع اليهود صناعة الحرير الموشى بالذهب؛ حتى إنهم أطلقوا على أرباب العمل والعمال الذين يمارسون هذه المهنة اسم الصقليين نسبة لعملية الصقل التي تتم في صنع الحرير، أو نسبة ليهود صقلية الذين أتوا للمغرب وجلبوا معهم أسرار هذه الحرفة التي امتازوا بها، فصنعت شارات سلاطين بني مرين وبني حفص من الحرير الأبيض وكتب عليها بالذهب آيات من القرآن الكريم،
175
كما طعم الحرير بالذهب والفضة لتوشى به الأقمشة الحريرية كي تزيد من قيمتها، والتي قصر إنتاجها على كبار رجال الدولة والفئات الاجتماعية المترفة؛ ما جعل الثياب الحريرية من تلك الشاكلة ثانوية لدى الصناع والزبائن والإنتاج.
176
وفي المغرب الأدنى انتشرت المنسوجات الحريرية، وبالأخص مدينة قابس، التي بها طراز حرير وناسجو حرير كثر،
177
فإليها ينسب الحرير القابسي، وهو ما أشارت إليه رسائل التجار اليهود عند حديثهم عن جودة الحرير القابسي لكثرة الطلب عليه،
178
كانت مدينة تونس التي وجدت بها مراكز لصناعة الحرير قد بنيت لها أربطة محصنة وبعيدة عن أعين الناس؛ لأن صناعة الحرير بتونس لا تصنع بالأسواق بل في أماكن بعيدة عن أعين الناس للمحافظة على أسرارها وجودتها، وعرفت تلك الأربطة بفنادق الحرير،
179
كما ساعد الغرناطيون القادمون من الأندلس إبان القرن التاسع والعاشر الهجريين/الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين في أن تكون مدينة شرشال مركزا لصناعة الحرير؛ لأن جلهم من نساجي الحرير ومربي دود القز.
180
ومن مناطق إنتاج الحرير في المغرب الأوسط كانت مدينة توزر التي أنتجت أغطية من حرير وصوف بالإضافة للثياب الموشاة التي اشتهرت بها،
181
واشتهرت تلمسان بإنتاج وتصنيع الثياب التلمسانية المصنعة من صوف وحرير مختم وغير مختم ذاعت شهرته في كثير من المواضع.
182
ومن مدن المغرب الأقصى التي أنتجت المنسوجات الحريرية واشتهرت بتجارتها مدينة نول لمطة، التي مزجت بين الحرير والقطن أو بين الحرير والكتان، أو الحرير والصوف في إنتاجها، وتعددت ألوانها بين الأبيض والأحمر والأخضر ولاقت شهرة واسعة وعرفت بالثياب السفسارية،
183
ومدينة سبتة قبلة إنتاج النسيج خلال فترات طويلة من تاريخ الغرب الإسلامي؛ فكان بها العديد من الحوانيت لبيع وتصنيع وإنتاج الحرير، بالإضافة لكثرة أطرزة الحاكة فكانت لا تحصى، وإبان القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي وجد بها ما يزيد على خمسة آلاف مشغل للحياكة يعمل بها قرابة عشرين ألف عامل،
184
وفيها إحدى وثلاثون تربيعة خاصة بالحرارين وهم نساجو الحرير،
185
ويصفها ابن الصباح
186
بقوله: «مدينة سبتة حاضرة من حواضر الأندلس في الكسوة واللباس والسيرة والعادة ... كثيرة ألوان الثياب من لباس الحرير والملف والأفرنقيات والجباب في بلاد زناتة والقبلارات أطوارا أطوارا أي ألوانا ألوانا.»
كما تميزت الأندلس بإنتاج الحرير على نطاق كبير من «حرير الاستغزال»، والحرير «الأحمر النقي الطيب غاية الطيب» وحرير «السقلاطون» الذي استعمل في المناسج الفاخرة،
187
وهو من الحرير المطرز بخيوط الذهب ومن أفضل أنواع الحرير لكثير من التجار؛ لما يتمع به من ألوان براقة،
188
ففي بسطة وجدت الطرز الشريفة التي صنع بها «طرز الوطاء البسطي من الديباج الذي لا يعلم له نظير».
189
نتيجة توافر الأراضي المخصصة لزراعة أشجار التوت، وتوافر الأيدي العاملة المدربة والماهرة؛ ما جعل صناعها ينتجون نوعا من أنواع البسط لا يصنع مثلها في أي مدينة أخرى، وهو ما يعني تفرد بسطة بنوع من الديباج.
ووجد بتدمير «الطرز العجيبة والصناعة الغريبة»،
190
فتفوقت في هذا على قرطبة، وأجاد أهلها هذه الصناعة إجادة تامة،
191
أما مدينة مرسية فتخصصت في صناعة البسط الرفيعة والشريفة لخبرة صناعها في هذا الشأن وكذلك الثياب المطرزة بالذهب.
192
وعدت مالقة مركزا مهما لإنتاج النسيج وخاصة الحرير فكانت على قدر كبير من الأهمية الصناعية لألمرية،
193
فيذكر ابن سعيد
194
عند حديثه عن نارجة المالقية وعن دقة أهلها وحذاقتهم بصناعة الحرير وصبغه: «اجتزت في إحدى المرات مع والدي قرية نارجة فرأينا جماعات كبيرة من الأهالي نصبوا خيامهم في مكان مكشوف متسع في بطن وادي القرية وقاموا جميعا بجمع وغزل وصباغة الحرير، ولما سأل موسى وابنه الصناع: بما يعرف ذلك الموضع؟ قالوا: الطراز، قال موسى: اسم طابق مسماه، ولفظ وافق معناه، ثم قال الشعر: بنارجة حيث الطراز المنم، فرد ابن سعيد: أقم فوق نهر ثغره يبتسم.» ومعظم العمال، في أثناء عملهم، بعضهم يشرب، والبعض الآخر يغني ويطرب، في وسط جو مليء بالبهجة والسرور، وهي عادة اتخذها الأندلسيون بشكل عام، كما يذكر عنها ابن الخطيب:
195 «وحلل ديباجها البدائع ذات تطريز ... والحلل التي تلح صنعاء فيها بالطلب وتدعو إلى الجلب.»
كما أنتج الحرير بكميات كبيرة في حصن شنش التابع لمدينة مالقة،
196
الذي انفرد بصناعة الديباج المذهب والثياب المحلاة بخيوط الفضة الجافة التي تسمى «الدست» كما ذكره ابن الخطيب
197
في قوله: «إلى الدست الرهيف ذي الورق الهيف.» وأنتجت أيضا ثياب الحرير في العصر الموحدي، وبخاصة الموشاة بالذهب ذات الصنائع الغريبة، التي تصدر إلى المشرق والمغرب وتباع بأغلى الأسعار، وربما تجاوز ثمن الحلة الواحدة الآلاف، واستمرت في تقدمها حتى القرن 8ه/14م، فاتجهت المنسوجات الحريرية القادمة من نارجة نحو بلدان المغرب ومصر والأمراء المسيحيين في ممالكهم، كما شهدت بذلك المدونات النصرانية بكثرة إنتاج مالقة للديباج والوشي أثناء حديثها عن زيارة عدة سفن قشتالية لمالقة عام 806ه/1404م، وعودتها محملة بالضيافة من منسوجات الحرير الموشى واتصف بالجودة والرقة،
198
فكانت «أكثر بلاد الله حريرا.»
199
وبالنسبة لإقليم البشارات الذي كثرت به أشجار التوت فاتخذ منه مركز للصناعات الحريرية فكان به 600 قرية يعمل أهلها في هذا المجال،
200
وأنتجت قلعة أيوب أنواعا من الغفارات المذهبة حملت إلى العديد من الجهات،
201
كذلك قرطبة اعتبرت مركزا مهما لإنتاج الصناعات الحريرية من الديباج والوشي قبل أن تحل محلها ألمرية إبان القرن الخامس الهجري/العاشر الميلادي، فأصبحت قرطبة بعد ذلك سوقا رائجا لعرض وبيع المنتجات الحريرية المصنعة بألمرية،
202
وكذا الحال بالنسبة لمدينة جيان أو كما عرفت «جيان الحرير»؛
203
لكثرة إنتاجها من الحرير؛ فكان بها أكثر من ثلاثة آلاف قرية من قراها تعمل في صناعة الحرير نتيجة توافر الأيدي العاملة من زراع وصناع دأبوا على تربية دود القز ومن عملوا بالصناعات الحريرية، إذ يذكر الإدريسي روايتين عن الحرير في مدينة جيان؛ إحداهما، كما يبدو، قد أخذها من مصدر أقدم،
204
يذكر من خلالها أن جيان كان «لها زائد على ثلاثة آلاف قرية، كلها يربى فيها دود الحرير.»
205
والرواية الثانية وهي ربما تعبر عن وقته تقول بأن في «جيان قرى كثيرة تشف على ستمائة قرية يتخذ بها الحرير.»
206
ومدينة سرقسطة التي اشتهرت بإنتاج أفخم المنسوجات الحريرية وأفضلها نظرا لخبرة صناعها وشهرتهم في إنتاج الثياب وبخاصة «الثياب السرقسطية»، وقد قال ابن العذري
207
عن الثياب السرقسطية: «ولأهل سرقسطة الحكمة في صنعة السمور والبراعة فيه بلطيف التدبير يقوم في طرازها بكمالها منفردة بالنسج وهي الثياب المعروفة بالنسبة بالسرقسطية، ولا تدانى تلك الصنعة ولا تحكى في أفق من الآفاق.» ما يوضح دور الطرز العامة في سرقسطة التي أنتجت الثياب التي لا تضاهيها ثياب في كثير من البلدان نتيجة مهارة وحذاقة صناعه؛ مما جعلها تصدر إلى الكثير من الجهات.
208
وأنتجت غرناطة الحرير وصنعته بدرجات متفاوتة، فاشتهرت بنوع من الثياب المحررة عرف بالملبد المختم ذي الألوان العجيبة والتي تميزت به لفترات طويلة،
209
كما أنتج وادي آش مختلف أنواع الثياب من خيوط الإبريسم.
210
كما كانت قرى جبل شلير والمتصلة به بها «أفضل الحرير»
211
وهو ما أكده الزهري
212
بقوله عن جبل شلير: «إنها من أكثر بلاد الله حريرا.» كما كان حصن البيرة من أفضل المراكز التي أنتجت الحرير «وبكورة البيرة حرير كثير يفضل ويقدم على غيره.»
213
فصدر حرير البيرة إلى العديد من البلدان «ويعم الآفاق ويكثر حتى يصل إلى أقصى بلاد المسلمين.»
214
ففي عصر بني أمية جمع أيام الأمير الحكم وابنه عبد الرحمن «ألفا رطل حرير ، وألفا رطل عصفر».
215
كما أنتجت قرية فنيانة إحدى القرى الصغيرة من قرى الأندلس، والقريبة من وادي آش، نوعا من الحرير الفخم والجيد وهو من طراز الديباج.
216
وعرفت صقلية بصناعة وإنتاج الحرير، فكان من بين المنتجات التي لاقت رواجا كبيرا داخل الأسواق الصقلية خلال القرن 5ه/11م، فاعتبرت موضعا لإنتاج الحرير منذ عصر النورمان،
217
ومع بداية الحكم الإسلامي تميزت سيراكوزة بإنتاج الحرير السيراكوزي المنتج في شرق صقلية، بالإضافة لحرير مدينة بليرم ومازارا اللتين اشتهرتا بإنتاجه،
218
على يد الصناع المسلمين بعد أن أدخلوا دود القز إلى صقلية وطرق تصنيع الحرير، إذ أرسلت العباءات الحريرية الدقيقة الصنع من صقلية إلى مصر زمن الحكم الفاطمي للخليفة المعز،
219
بالإضافة للصناع اليهود الذين جلبهم روجر الثاني 542ه/1147م من الجزر اليونانية فساهموا في ازدهار صناعة الحرير مع الصناع المسلمين.
220 (2-4) المنسوجات الصوفية ومراكز صناعتها
عرف الصوف الجيد لدى الصناع والتجار بنقائه ولينه؛
221
فخير الأكسية المصنوعة من الصوف اللين، المستوية الدقيقة النسج الجيدة الصباغة القوية لحسن نسجها ونعومة صوفها ورقة ملمسها، ليس فيها غليظ أو دقيق، فوجب المحافظة عليها من الغبار ومن السوس، وأفضله اللبود الصينية، ثم المغربية وبخاصة اللبود الحمر منها،
222
فلجأ بعض النسوة لاستخدام بعض المواد التي تضفي على الصوف الليونة والنعومة، كما فعلت نساء جزيرة شاشين فكن يدهن الصوف بشحم الخنزير.
223
ومن مدن المغرب الأدنى التي اشتهرت بصناعة المنسوجات الصوفية مدينة قفصة التي امتازت بصناعة الأردية والطيالس والعمائم الصوفية فكانت غاية من الرقة،
224
كما صنعت بطرة - إحدى قاعدتي بلاد نفزاوة ببلاد الجريد - ثياب وأقمشة صوفية جيدة؛ فزاد الطلب عليها وصدرت إلى الإسكندرية وغيرها من البلدان،
225
ونسب إلى مدينة درجين، وهي من أواخر بلاد الجريد، القماش الدرجيني الذي يضاهي الثياب السجلماسية،
226
وسوسة فخلال فترات طويلة استمرت منذ القرن 5ه/11م حتى القرن 8ه/14م أنتجت أنواعا من الأكسية الرقيقة والثياب الصوفية مما لا يقدر أحد على صنعها؛ لمهارة أهلها في أمور الغزل والنسج دون غيرهم في هذا الأمر،
227
فقصدها المسافرون والتجار لشراء الثياب السوسية الرفيعة،
228
فيذكر صاحب كتاب الاستبصار
229
عنها أنها «مخصوصة بكثير الأمتعة وجود الثياب الرقاق وقصارها وجميع أشغال الثياب الرفيعة من طرازها وكمدها، لا يصنع ببلد مثل صنعته بهذه المدينة، والثياب السوسية معلومة لا يوجد لها نظير، لها بياض رائق وبصيص لا يوجد في غيرها، ومنها تجلب الثياب الرفيعة مثل عمائم المعمور وغيرها، تساوي العمامة مائة دينار وأزيد.»
ومن مناطق المغرب الأوسط تميزت مدينة وجدة بجودة أغنامها وصناعتها للأكسية الصوفية التي عرفت بالعبيدية، فكان الكساء الواحد منها يساوي خمسين دينارا أو أزيد،
230
ومدينة بجاية كان أكثر أهلها صناع أقمشة وأغطية صوفية،
231
كما اشتهرت جزيرة قرقنة بأكسيتها الصوفية الناعمة،
232
فضلا عن جزيرة جربة التي تميزت بشياهها الجيدة وصوفها الناعم الحسن والتي اختصت دون غيرها بحسنه؛ فبرع أهلها في عمل الصوف ومشتقاته من عمائم وأردية صدرت للعديد من البلدان،
233
ومن قسنطينة حملت المنسوجات الصوفية إلى الكثير من البلاد،
234
واشتهرت عنابة بصناعة الأغطية المقلمة «الحنبلي».
235
وتلمسان المدينة ذات الصناعات المعروفة والمعلومة، فيذكر ابن الحاج النميري
236
أن بها «مصانع يعجز عن وصفها كل لسان.» فلا عجب أن تكون الصناعات النسيجية وبخاصة الصوفية من بينها «فكان أغلب تكسبهم الفلاحة وحوك الصوف يتغايون في عمل أثوابه الرقاق ... بذلك عرفوا في القديم والحديث، ومن لدنهم يجلب إلى الأمصار شرقا وغربا.»
237
لأنها «دار مملكة يعمل فيها من الصوف كل شيء بديع من المحررات والأبدان وأحاريم الصوف والسفاسير والحنابل المكلكلة وغير ذلك ... ويوجد فيها كساء كامل وزنه تسع أواق ونحوها.»
238
فكانت بها مناطق وأحياء مخصصة في إنتاج الصوف كدرب ابن شاكر الذي امتلك أغلبه الصانع أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن النجار فكان ينتج الثياب الصوفية الرفيعة،
239
التي اشتهرت بها تلمسان كما يقول ابن مرزوق التلمساني:
240 «ثياب الصوف التلمسانية الخالصة.» فهذه الثياب كان منها المختم وغير المختم والتي نسجت من الصوف الخالص أو صوف وحرير؛ لأن صناعها من الرجال والنساء اتخذوا أنواعا من الكنابيش لا توجد في بلد آخر، بالإضافة إلى البرانس الرقيقة والرفيعة التي صنعت من الصوف،
241
كما يخرج من مسجد إيلان بتلمسان كل يوم «حمل للبضع من عمل الصوف، وهذا موضع من آحاد المواضع.»
242
أما عن بلدان المغرب الأقصى التي اشتهرت بصناعة المنسوجات الصوفية فمنها سجلماسة المدينة الشهيرة بمنسوجاتها الجيدة والمميزة على كافة الأصعدة وبخاصة الصوفية منها، فكان لموقعها المميز وتوافر المواد الخام الأولية بها وبالمناطق المجاورة لها، بالإضافة إلى الأيدي العاملة الماهرة من رجال ونساء احترفوا العمل بالنسيج، وأنتجت سجلماسة أقمشة رقيقة وصل ثمن إحداها إلى عشرين دينارا، وذلك خلال القرن الرابع الهجري/التاسع الميلادي،
243
فنساؤها ينسجن ثيابا من صوف رفيع تفنن في غزله واشتهرن به كما اختصصن بعمل نوع من الأزر،
244
على غرار ما يصنع في مصر ويفوقه، وبلغ ثمن الإزار خمسة وثلاثين دينارا ويزيد، كما عملن قطعا من الثياب تسمى غفارات ويصبغنها بأنواع جيدة ويبلغ ثمنها مثل ثمن الأزر، كما اختصت نول لمطة بصناعة برانس غالية وأثواب سفسارية تميزت بصناعتها لكثرة قطعان شياهها،
245
بالإضافة إلى جبل مديونة شرقي فاس، فكانت نساء أهل البلد يصنعن نوعا من البرانس الصوفية مقاومة للمطر عرفت بالبرانس المديونية،
246
وفي هذا إشارة إلى قدرة صناع الغرب الإسلامي على إنتاج ملابس مقاومة للأمطار لا تمتص الماء، فإن دل ذلك فإنما يدل على براعة الصانع الإسلامي في إنتاج مثل هذه الملابس في وقت توافرت فيه مواد خام محدودة.
وتميز سكان جبل بني يازغة من نواحي فاس بالصوف الناعم والرقيق فكان لينا كالحرير، فصنعت نساؤه منه المعاطف الفاخرة والأكسية الرفيعة كالحرير،
247
بالإضافة إلى نساء بلدة أفزة اللائي برعن في صناعة برانس وخمارات من الصوف فكن «يربحن من المال أكثر من رجالهن إلى حد ما.»
248
وسكان مدينة آزكي كانوا يلبسون ثياب صوف ينتجونها يسمونها بلغتهم «القداور».
249
وعرفت تادلة بصنع البرانس الصوفية الشهيرة،
250
وإقليم هسكورة كثير الأغنام أنتج نساجوه الأقمشة الرفيعة من الصوف لتلبية الاحتياجات المحلية من الثياب، وأشيد بثياب أسفي الصوفية لدقة صناعها فهي «بلد موصوف برفيع الثياب الصوفية»، التي ينتجها الصناع المحليون،
251
ومدينة أغمات إبان القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي قد اشتهرت بصناعة الأكسية والمنسوجات الصوفية من العمائم والأردية، التي حملت إلى بلاد السودان، غير أنها فقدت شهرتها في هذا المجال إبان الحكم المريني.
252
وعملت نساء مدينة فيقيق أقمشة صوفية غاية في الرقة والدقة شبهت بالحرير في نعومتها وبيعت بأسعار غالية في كل من تلمسان وفاس،
253
وحاك سكان مدينة محرس علي أو المحرس الجديد الأقمشة الصوفية الجيدة،
254
وصنع أيضا ببلاد ركراكة أكسية من الصوف في غاية الرقة والنعومة تلحفت بها نساء مراكش.
255
وتميزت مدينة أودغست بإنتاج المنسوجات الصوفية، فأنتج الأودغستيون اللثام والأكسية والغفائر من الصوف، وذلك لما مثله من عادة في حياتهم اليومية، مما أدى لازدهار صناعته لتلبية الاحتياجات المحلية، ومعها تطورت صناعة الثياب الصوفية خلال القرن 5ه/11م،
256
ويرجع إلى وفرة الأغنام بها التي تؤخذ من جلودها الأصواف اللازمة لصناعة هذه الملابس المتنوعة، كما نسجوا من أوبار الإبل الملابس والعباءات.
257
كما تميزت بعض المواضع الأندلسية بجودة إنتاجها للمنسوجات الصوفية، نتيجة لتوافر الأغنام الحسنة كثيرة الصوف والوبر والشعر في بعض من أماكنها، بالإضافة إلى مهارة صناعها فكانوا الحاذقين بأمور صنعتهم، وهو ما أكده ابن حوقل
258
إذ امتدح الصوف الأندلسي بقوله: «ومن الصوف قطع كأحسن ما يكون، منه الأرمني المحفور الرفيع الثمن، إلى حسن ما يعمل بها من الأنماط، ولهم من الصوف ... فيه وفيما يعانون صبغه.» وقد أنتجت مدينة «أشكر» نوعا من الحلل الموشاة من الصوف الرفيعة، عرف ب «الأشكري» نسبة إليها، وقد اختص الأعيان بارتدائها، وقد أشاد ابن الخطيب بها لجودة أغنامها أو «الإشكرلاط».
259
وكذلك جنجالة؛ فقد أنتجت من وطاء الصوف «ما ليس يمكن صنعه في غيرها باتفاق الهواء والماء.»
260 (3) صناعات ارتبطت بصناعة النسيج (3-1) صناعة الأصباغ
الصبغ هو الطريقة التي يتم بها رسب مادة ملونة على نسيج ما، شريطة أن يبقى اللون دون تغير بعد تعرضه للهواء والشمس،
261
وقد ارتبطت صناعة الأصباغ ارتباطا وثيقا بصناعة النسيج منذ بداياتها والتي انتشرت في العديد من المدن الإسلامية بصفة عامة وفي مدن الغرب الإسلامي بصفة خاصة، فكان لها مراكزها الصناعية المعروفة والشهيرة بها.
262
فبرع صباغو الغرب الإسلامي في استخدام الأصباغ المختلفة الألوان، مستفيدين من النباتات التي تدخل في صناعتها «ولهم ... الأصباغ فيه وفيما يعانون صبغه بدائع بحشائش تختص بالأندلس، تصبغ بها اللبود المغربية المرتفعة الثمينة والحرير وما يؤثرونه من ألوان الخز والقز.»
263
كما برعوا في تحويل المنسوجات القديمة إلى منسوجات تبدو جديدة بصبغها وتغيير ملمحها، وهو ما نهى عنه المحتسبون والفقهاء لاعتباره نوعا من أنواع الغش والتدليس.
264
وتعددت الألوان واختلفت باختلاف مكوناتها، ما بين الأبيض، والأسود، والأحمر، والأخضر، والأزرق، والأصفر، وما اشتق منها من ألوان، فاختلف الأحمر في درجاته ما بين الأرجوان، وهو شديد الحمرة، والبرهمان، وهو أقل منها في الحمرة، والمفدم والمضرج ثم المورد،
265
كما استعمل القرمز للحصول على اللون الأحمر، وكذلك العندم أو البقم، وهو خشب شجر عظام تنبت بأرض الهند، فورق هذا النبات مثل ورق اللوز الأخضر، وساقه وأفنانه حمراء، ويصبغ بطبيخ خشبه،
266
كما لجأ الصباغون إلى استخدام الحناء للحصول على اللون الأحمر أيضا .
267
فبجانب تلك المكونات استعمل الصباغون بعض المواد الأخرى للحصول على اللون الأحمر ك «الطرطار» وهو ما تسرب من غليظ الخمر. وقد نهى الفقهاء والعلماء عن استخدام الطرطار في الصباغة، فجاءت الأمثال العامية لتؤكد استعمال الطرطار في الصباغة «تلاقي الشب مع الطرطار، وخرجت صباغة هندية.»
268
كما استخدم اللك للحصول على اللون الأحمر وأيضا بعض الرخويات للحصول على اللون الأحمر، من بعض الحيوانات البحرية الرخوية من ذوات الصدف، فيكسر الصدف وتجمع في أحواض حتى تتحلل المواد بداخلها، ثم تجمع الرواسب للحصول على اللون الوردي والبنفسجي، وبعد نشرها في الشمس يحصل على اللون القرمزي بعد صبغها بهذه المادة؛ ما أعطى الملابس لونا براقا وناصعا.
269
أما الأصفر؛ فاستخدم العصفر والزعفران للحصول عليه، فيقال: «ثوب مزعفر - مصبوغ بالزعفران.» كما حصل على الأصفر بخلط الأبيض والأحمر،
270
فالأصفر درجات، منها الأصفر الفاتح، والجلوقي والجنار، كما استخدم الصباغون الأسود لصبغ الثياب، فكان منه درجات من أسود مفحم، وأجون وفاحم، وحالك وحائك، وحلوك ومحكوك، وخداري ودهوجي، وغربيب وغدافي،
271
كما حصل على اللون الأسود من لحاء شجر الجوز الذي انتشرت زراعته في المناطق الجبلية بالمغرب والمناطق المحيطة بالريف المغربي؛ فشجر الجوز قبل النضج يكون لونه أخضر، وبعد النضج يصير أسود بعد أن يقطف ويعرض للهواء، فكثر استعماله في كثير من مصابغ المغرب الأقصى.
272
واللون الأزرق أطلق عليه الأكحل أو السماوي،
273
فيحصل عليه من شجرة النيلج أو النيلة، وأدخلت النيلة إلى بلدان الغرب الإسلامي على أيدي الفاتحين المسلمين،
274
فهي من أهم مصادر اللون الأزرق، ويستخرج منها النيل المشتق من مصطلح أنيلين الإنجليزية
Aniline . والنيلج المعروف عند الصباغين هو نبات له ساق وفيه صلابة وله شعب دقاق، عليه ورق صغار على جانبي ساقه، ولونه يميل إلى الزرقة، وعرف بالعلظم، فيغسل ورقه بالماء الساخن؛ لأنه يتكون على ظهر الورق ما يشبه الغبار، ويؤخذ الماء الذي به النيل حتى يرسب فيه على ما يشبه الطين، ثم يصفى من الماء ويترك ويجفف،
275
ولصباغة الصوف بالنيلة يتم وضعه في وعاء به ماء ويضاف إليه قليل من الجير وخلاصة التمر المسحوق، والحناء المجففة المسحوقة ثم تضاف إليها النيلة المسحوقة، ثم يغلى، ويبرد ويغطس فيها الصوف باليد حتى يتشرب الصبغ، وبعدها يعرض لأشعة الشمس.
276
وتدرج الأخضر، من الفاتح إلى الداكن الذي عرف بالجوزي أو النفضي، كما ذكر العمري:
277 «والسلطان يمتاز بلبس الخز ولونه الخضرة والسواد، وقال: وهو اللون المسمى بالجوزي وبالغبار والنفضي.»
واستخدمت بعض المواد الأخرى لتثبيت الألوان، كالشب والملح،
278
فالشب استعمل لتبييض وتدليك الثياب بعد حياكتها وصبغها.
279
بالإضافة لاستعمال العصفر في عمليات الصبغ، فكان من النباتات التي استفاد بها مسلمو الغرب الإسلامي للحصول على اللون الأصفر.
280
وأجاد صباغو الغرب الإسلامي استخدام العديد من النباتات للحصول على الألوان؛ جعلت منسوجاتهم تلاقي الرواج التجاري في العديد من البلدان، وأبرزت مهارتهم، وأضفت نوعا من الجمال من كثرة ما استخدموه من ألوان، وهو ما توضحه رسالة أرسلها صباغ يهودي تبرهن على ما وصل إليه المسلمون في الصباغة، يقول: «خمسة أغطية رقيقة: واحد بلون دم غزال، وواحد بلون البنفسجي الخالص، وكذلك البني المحمر «المسك الملونة»، وواحد فضي، والأصفر المكثف واحد؛ واثنان آخران بألوان بيضاء نقية نظيفة؛ وآخر يميل إلى اللون الأصفر ؛ وثمان من سجاد الصلاة: اثنتان من اللون الأبيض واثنتان من الأزرق النيلي، واثنتان من الأخضر، واثنتان من الأحمر. وأرجوك يا سيدي، الأحمر يجب أن يكون الأحمر أحمر كما ينبغي أن يكون ممكنا، وهكذا الأبيض والأصفر. واربد الأبيض والأزرق، بدلا من لون البصل ويكون فاتح اللون، والرصاص الملون (أي الرمادي)، وتكون أفضل من البقية السابقة في قوائم الملابس والفراش الذين جلبوا من قبل.»
281
وشكلت الصباغة نسبة كبيرة من تكلفة المنسوجات، فقد أوردت وثائق الجنيزة في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، بعض الرسائل من قبل بعض التجار، التي توضح أن سعر 66 قطعة من الحرير غير مقصور تساوي 300 دينار، متوقع خسارة مبلغ 20 دينارا، وقدر قرمز للصباغة 58 دينارا، النفقات (ضرائب وغيرها) 25 دينارا، أجور الصباغين 20 دينارا، لصباغة «الأسود والأخضر» 24 دينارا، فإن مجموع التكاليف بخلاف ثمن الحرير 174 دينارا، والمجموع العام 474 دينارا لصبغ عدد 66 قطعة من الحرير، وبالتالي من أصل التكلفة الإجمالية من 474 دينارا، وأنفق 129 دينارا على الصباغة؛ ما يعني أن أكثر من ربع التكلفة كانت على الصباغة، وتكلفة مواد الصباغة أعلى أربع مرات بالنسبة لأجور الصباغين فضلا عن تكلفة الصباغة.
282
وانتشر الصباغون في معظم المراكز الصناعية في الغرب الإسلامي، فشيدت لهم أماكن خاصة بهم خارج أسوار المدن وبعيدا عن الطرق لما تسببه من أضرار وروائح كريهة بالإضافة إلى الضجيج المتكرر؛ فلهذا نصح الفقهاء وولاة الأمر بوجودها خارج نطاق المدن،
283
فكان بفاس 116 دارا للصباغة، لتوافر منابع المياه المتوافرة بها، فاعتاد الصباغون الذهاب إلى الأنهار والبرك الموجودة بها لغسل الغزل.
284
واشتهرت توزر بصباغها للمنسوجات، فبها موضع استعمل في عمليات الصباغة عرف بباب المنشر، كان يلجأ إليه القصارون والصباغون لنشر الثياب المصبوغة والأمتعة الموشية، بفضل ما وجد به من مياه ساعدت الصباغين على أداء عملهم كما ساهمت نوعيتها الموجودة بتلك الموضع على جودة الصباغة وتثبيت الألوان فتعطيها رونقا وجمالا.
285
وكان بسبتة نحو 25 مقصرا للصباغة، تقع أسفل الأسوار والأبراج والأبواب، لكل مقصر برج من أبراج المدينة،
286
وعرفت أودغست الصباغة، ولكن على نطاق ضيق، ويرجع الفضل في معرفة الأودغستيين لهذه الصناعة للمغاربة الوافدين عليها، وما جلبوه معهم من ملابس مصبغة بالحمرة والزرقة، فبدأ الأودغستيون يستفيدون من خبرتهم ويطبقونها.
287
وعدت الأندلس إحدى المعاقل الشهيرة والمركزية في صناعة الأصباغ بفضل هيمنة اليهود على تلك الصناعة، فوضع لهم عدد من المعايير والشروط الصارمة للحافظ على هذه الصناعة،
288
وقد استخدم أهالي حصن البلوط صبغة الزنجفور للمنسوجات،
289
واستفاد أهل الأندلس عموما وسكان إشبيلية ولبلة وشذونة وبلنسية خاصة من وجود القرمز لصبغ المنسوجات الحريرية والصوفية،
290
فيجمعه الصباغون من شجر البلوط ويستخلصون منه اللون الأحمر، فالحرير عادة كان يصبغ في موضع إنتاجه؛ إذ اشتهرت إحدى قرى مالقة وهي نارجة بصباغة الحرير، فكان أهلها ينصبون الخيام قرب النهر، وكانوا يعتبرون ذلك عيدا بالنسبة لهم؛ فأطلقوا حناجرهم بالغناء أثناء عملهم بصبغ الحرير، وعرف الموضع الذي يصبغون فيه الحرير بالطراز، فذكر ابن سعد
291
أن كتب حكام بني أمية من الحرير كتب عليها بالصبغ السماوي للطراز. (3-2) صناعة البسط
اعتاد العرب والمسلمون على استخدام البسط في فرش أرض دورهم وأرصفة المساجد، كما استخدموها في تزيين الجدران، واستعمل شعر الماعز في نسجها، ولكن بدرجة أقل من الصوف في صناعة البسط، أما السجاد الفاخر (البسط) فقد امتزج الحرير بالصوف عادة لإنتاج نوعيات جيدة ومميزة منه.
292
ومن بين تلك النوعيات الطنافس التي حرص على استخدامها مسلمو الغرب الإسلامي، وهو ما أكدته أمثالهم «الركوب على الخنافس، ولا المشي على الطنافس.»
293
فصنع سكان أودغست الأزر ويسمونها الشيكات،
294
بجانب السجاد والحصر المصنوعة؛ نظرا لأن هذه الصناعة قديمة بها، ومن ثم تطورت مع زيادة العلاقات مع بلاد المغرب.
295
والمسلمون الفاتحون هم أصحاب الفضل في إدخال هذه الصناعة إلى الأندلس، فعن مدينة جنجالة يذكر الإدريسي
296
أنه: «يعمل بها من وطاء الصوف ما ليس يمكن صنعه في غيرها باتفاق الماء والهواء.» فإليها ينسب الوطاء الجنجالي،
297
كما كانت مدينة بياسة وبسطة من أهم مدن إنتاج البسط التي لا نظير لها في البلدان،
298
فنسب لبسطة «طرز الوطاء البسطي من الديباج الذي لا يعلم له نظير.»
299
كما اشتهرت مدينة مرسية بصناعة «البسط الرفيعة الشريفة ، ولأهلها حذق بصنعتها وتجويدها لا يبلغه غيرهم.»
300
وتميزت تنتالة، إحدى قرى مرسية، بإنتاج نوع من البسط الجيدة «واختصت بالبسط التنتالية التي تسفر لبلاد الشرق، وبالحصر التي تغلف بها الحيطان المبهجة للبصر.»
301
بالإضافة لمدينة قونقة (كونكة) «فيصنع بها من الأوطية المتخذة من الصوف كل غريبة.» هذا كما اشتهرت مدينة ألش بصناعة البسط الرائعة والفاخرة التي لا مثيل لها في كثير من البلدان،
302
وتميزت مدينة تدمير بصناعة البسط،
303
وانتشرت أيضا صناعة البسط في مالقة، ولعل
Alfombra
الإسبانية، التي تعني سجادة أو بساط، جاءت من الكلمة العربية الحمرة أو الخمرة أي الحصير.
304 (3-3) صناعة الشاشية
صناعة الشاشية أو صناعة الطاقية هي إحدى الصناعات التي اشتهرت بها مدن وصناع الغرب الإسلامي، وأصل صناعة الشاشية جاء من مدينة شاش وإليها تنسب تلك الصناعة، فصنعت الشاشية في القيروان ومنها إلى بلاد السودان، فأشار الإمام سحنون
305
إبان القرن الثاني الهجري أن صناعة الشاشية كانت موجودة بالقيروان.
وتتكون الشاشية من قلنسوة مظفورة بالإبر، ثم تلبد بالماء والصابون، ثم تحلج بنوع من الخرشوف يسمى الكرضون والقلانس حتى تخرج شعرتها الحريرية، وتلين وتملس ثم تصبغ بالقرمز وتحلج مرة ثانية، وجعل لها زر من الحرير، ويؤكد على دخول الحرير في تلك الصناعة، وتلبس الشاشية على الرأس وتوضع فوقها عمامة في أغلب الأحيان.
306
وعرفت تونس بصنعها ولبسها،
307
وهو ما أكدته الأمثال العامة «خرجت الشاش ... قد الرأس.»
308
كما كان للأندلسيين دور في دفع هذه الصناعة بتونس؛ فنهضوا بها وطوروها وطبعوها بنمطهم الخاص؛ فأسست للشاشية حوانيت وأسواق خاصة بها فوجد بتونس أربعمائة حانوت للشاشية،
309
فكان بعض سكان تونس من صناع الشاشية فخورين بتلك الصناعة، وإن أحدهم يخدم فيها بإتقان وحسن صنع وصبغ، فكان الصانع منهم يفضل الخسارة على أن يفقد سمعته وسط الصناع والتجار من أهل صنعته؛ فكان لا يخرج عمله إلا وعليه خاتمه.
310
ولعل من بين أبرز العائلات الأندلسية التي عرفت بحذقها لهذه الصناعة عائلة «كرباكة» من مدينة كباكة، عائلة «سيدة» من مالقة، عائلة «طروال» من مدينة تريل، عائلة «العروسي» من جبل الأوراس قرب قرطبة ، عائلة «ويشكا» من جهة ويشكا، وعائلة «القسطلي» من قرية كاستيا في غرب البرتغال، لورقة، الريكاخون، الإيراني، الكاشو، الدرافل، كذلك عائلة الأخوة ذات الأصول الغرناطية العريقة بالإضافة للعديد من العائلات الأخرى، كعائلة بالمة من بالما، وعائلة وويشكه من ويشكة.
311
وانتقلت الشاشية إلى فاس ومنها سميت
Fez
بالفرنسية، على أيدي الصناع الأندلسيين،
312
وكان لصناع الشاشية أمين خاص بهم، فكان من أمهر الصناع وأكثرهم خبرة وحذقة بتلك الصنعة، وهو أمين الشواشية وفي العادة ينتخب من الصناع.
313 (3-4) صناعة الحبال
تعد الحبال من المواد النسيجية التي استعملت في الحياة اليومية بشكل شبه أساسي في بلدان الغرب الإسلامي وغيرها من البلاد، فصنعت الحبال من شعر الماعز أو الصوف أو من الألياف المستخرجة من النباتات الأخرى كالخوص أو لحاء الشجر أو القطن أو الكتان أو القنب، وأجود الحبال تلك المصنعة من القنب،
314
حيث يؤخذ ويدق ثم يفتل ويسمى هذا النوع من الحبال «القرن»
315
وهناك نوع آخر من الحبال وهو «الخيطة»
316
وهو حبل يتخذ من شجرة تعرف «السلب»، فهو أجود ما يتخذ من الحبال وتصنع منه مختلف الحبال ويمتاز بالصلابة وهو ليف المقل، وهناك «المغزل»
317 «وهو حبل دقيق يستخدمه النساجون.» وتغزل الحبال بالمغازل وتسمى المبارم، أو عن طريق البرم، الذي كان يتم بطريقتين إما شزرا أو يسرا.
318 (3-5) صناعة الحصر
ارتبطت صناعة الحصر بالنسيج، وأطلق على صانعيها الحصارون فصنعوا القفاف والسلال والمكانس، خاصة من الحلفاء الطويلة المتوافرة في العديد من المدن، بخاصة مدن المغرب الأدنى كمدينة قرطاجنة، فكان الصناع يصنعونها أمام عيون زبائنهم، واستخدمت الحصر في تغطية الحيطان أو الفرش على الأرض بالمنازل والمساجد، واختصت مرسيه بصناعة الحصر الفاتنة المبهجة للنظر «التي تغلف بها الحيطان المبهجة للبصر.»
319
ومن مدن المغرب الأقصى أودغست، وقد انتقلت صناعة الحصر لأودغست عن طريق الوافدين إليها من الشمال الأفريقي؛ فكان الأودغستيون يصنعون الحصر من نبات يشبه الحلفاء أو الديس، إلا أنه أقوى منه وأكثر سمكا.
320
ومن مدن وقرى الأندلس التي عرفت صناعة الحصر شذونة،
321
ومدينة لقنت،
322
كما وجدت بعض الأماكن الخاصة بإنتاج الحصر والسلال والأواني المصنوعة من الخوص بقرطبة.
323
وأطلق على صانع الحصر؛ الحصار،
324
فقد عمل بصناعة الحصر العديد ممن ذكرتهم كتب المناقب والسير، فمنهم أحمد بن سعيد بن محمد بن بشر أبو العباس (ت392ه/1001م) من أهل قرطبة، اشتهر بابن الحصار،
325
وأبو عمر الحصار الإمام الزاهد (ت429ه/1037م).
326
هوامش
الفصل الخامس
أسواق النسيج ونظمه التجارية في الغرب الإسلامي منذ القرن 5-9ه/11-15م
اعتبرت تجارة النسيج ولفترات طويلة من الدعائم الأساسية القائم عليها النشاط التجاري في الغرب الإسلامي، نتيجة للتطور الصناعي والتجاري الذي شهده النسيج خلال تلك الفترة وما قبلها، وهو ما جعل البعض ينعت هذا التطور ب «حضارة النسيج».
1
والتجارة كما يعرفها ابن خلدون:
2 «محاولة الكسب بتنمية المال بشراء السلع بالرخص وبيعها بالغلاء ... وذلك القدر النامي يسمى ربحا، فالمحاول لذلك الربح إما أن يختزن السلعة ... وإما أن ينقلها إلى بلد آخر تنفق فيه تلك السلعة أكثر من بلده الذي اشتراها فيه؛ فيعظم ربحه ... ولذلك قال بعض الشيوخ من التجار لطلب الكشف عن حقيقة التجارة: أنا أعلمها لك في كلمتين: اشتراء الرخيص وبيع الغالي، فقد حصلت التجارة إشارة منه بذلك إلى المعنى.» ويذكر الثعالبي
3
في هذا الشأن أن: «التدبير نصف التجارة ... والأرباح توفيقات ... والتجارة أمارة ... واشتر لنفسك وللسوق.» (1) أسواق النسيج في الغرب الإسلامي
من المعروف أن الأسواق هي محور الحياة الاقتصادية وبخاصة التجارة لأي بلد، ومرآة حياة أي مدينة وعنوان نشاطها التجاري والصناعي، بل والاجتماعي أيضا،
4
وقد حفلت بلاد الغرب الإسلامي بالكثير من الأسواق التجارية التي بيعت فيها المنتجات الزراعية والصناعية المحلية أو ما يرد إليها - من المناطق الأخرى - من بضائع سلع، كما هو الحال في سوق مدينة تفزة الذي كان يعرض منتجات مدينة فاس، خاصة من المنسوجات والأقمشة الكتانية والإبر وغيرها من أدوات الخياطة.
5
وتشابهت أسواق الغرب الإسلامي في مظهرها العام - تقريبا - مع أسواق العالم الإسلامي، فأغلبها مرتب، ومعظمها مسقوف كي لا تتعرض لعوامل الطبيعة من أمطار ورياح وأشعة الشمس، والبعض الآخر مكشوف،
6
ومعظمها ذات شوارع ضيقة،
7
كأسواق قابس التي بها جهاز من الصوف الكثير،
8
وكذلك أسواق المهدية فرتبت على حسب المهن والحرف والصناعات، فكل طائفة في سوق، وكذلك أسواق زويلة رتبت بأسواقها دكاكين البزازين،
9
كما وصفت أسواق فاس بأنها مرتبة ومنسقة،
10
ومدينة شلب، فكان الترتيب ميزة أسواقها طبقا لقول الحميري:
11 «مرتبة الأسواق.» كما اشتهرت مدينة طلبيرة بأسواقها الجميلة الترتيب،
12
وقرطبة التي كانت لا يشبهها «في كثرة أهل، وسعة رقعة، وفسحة أسواق، ونظافة محال.»
13
وقد اشتهرت بعض الأسواق بمنسوجاتها كسوق نكور التي يعمل بها برانس لا ينفذ منها الماء.
14
وعرفت بلاد الغرب الإسلامي عددا من الأسواق التجارية، منها الثابتة الدائمة التي تكاد تكون في كل مدينة، كما بسبتة فبها «مائة وأربعة وسبعون سوقا.»
15
وأسواق أخرى أسبوعية ونصف أسبوعية أو شهرية، كسوق الأحد ويعرض فيه المنسوجات الصوفية،
16
وسوق مدينة جربة الذي كان يعقد بشكل أسبوعي ويقصده الأعراب والتجار الوافدون «سائقين شياههم وحاملين معهم كمية وافرة من الصوف ».
17
وسوق مدينة آغلة الذي يقام أسبوعيا ويقصده العرب وفلاحو المنطقة لشراء الجلود والصوف والشمع.
18
ولما كان التخصص من سمات أسواق المدن العربية الإسلامية وأسواق الغرب الإسلامي بصفة خاصة، وهذه السمة ساعدت على تنظيم النشاط التجاري والاقتصادي بشكل عام، تجمع أهل كل حرفة ومهنة في مكان يساعدهم على ترابط أهل تلك الحرفة أو المهنة، ويسهل على رواد الأسواق عملية شراء ما يحتاجون، ويساعدهم على انتقاء الأجود والأرخص من البضائع، فيذكر ابن عذاري
19
أن لأهل كل حرفة في الأندلس سوقا خاصا بها، ومن بين الأسواق التخصصية؛ أسواق النسيج، فلم تكن ببعيدة عن مركز أي مدينة من مدن الغرب الإسلامي، فانتشر بها تجار وباعة النسيج كما حدث في عهد الخليفة أبي يوسف يعقوب (580ه/1184م-595ه/1199م) إذ استقر أصحاب المهن والتجار في الأسواق الجديدة المبنية بجوار المسجد الجامع بإشبيلية.
20
ومن بين الأسواق التخصصية أسواق الغزل؛ كسوق الغزل بالقيروان،
21
وأسواق الخياطين وأسواق البزازين،
22
وسوق الثياب والقراقين،
23
وسوق الأقمشة الصوفية.
24
وأسواق الصباغين هي الأخرى من الأسواق التخصصية، فكان الصباغون يرتادونها، ومن يريد شراء الثياب المصبوغة، أو من يرغب في صبغ الثياب كسوق الصباغين بفاس.
25
وكثرت بتونس أسواق النسيج ومن بينها سوق الغزل الذي ترددت عليه النساء بصورة كبيرة على عكس الرجال،
26
ما جعل العامة يطلقون أمثالهم «يدم تتقنع الحول، يفترق سوق الغزل.» ما يدل على ارتباط النساء بسوق الغزل،
27
ويعتبر سوق الغزل بسوسة من أشهر أسواق الغزل بالغرب الإسلامي، ويشتد التعامل التجاري به بين صلاتي الظهر والعصر حيث «عادة أهل سوسة في أن أكثرهم لا يغيب عن سوق الغزل حتى صلاتي الظهر والعصر.»
28
وسوق الخياطين بها معروف وعامر ومزدحم،
29
بالإضافة لسوق الوزر الذي يرجع للعهد الحفصي (625-981ه/1228-1574م)
30
فضلا عن سوق الحرارين أو سوق الخزازين كما عرف،
31
وسوق الرهادنة أو الرهادنية؛ وهم باعة الأقمشة والثياب المتجولون، فكان من الأسواق النشطة بتونس وقدرت مجابيه في عهد الخليفة أبي فارس عبد العزيز (772ه/1370م) «ثلاثة آلاف دينار ذهبا»،
32
وسوق القطانين بالقرب من جامع الزيتونة، وكان يشرف على ذلك السوق الأمين ومقره سوق الكتبيين.
33
بالإضافة لسوق الجبة بتونس الذي اشتهر ببيع الجبب الصوف،
34
وسوق القشاشين الشهير ببيع الثياب،
35
وسوق الأبارين والذي كان يقع شمال جامع الزيتونة بتونس «من الأسواق النادرة التي يتعامل فيها بالفضة لا بالذهب.»
36
لأن التعامل التجاري به يتم بالنقد على عكس الأسواق الأخرى؛ ما يعكس الأهمية التجارية لأسواق الغزل.
37
وسوق المغازل بمراكش عد من أنشط الأسواق مع سوق الدخان وسوق الصابون وسوق الصفر (النحاس)
38
وسوق خيوط الكتان بفاس، وهو بناء كبير محاط بأربعة أروقة كبيرة، خصص رواق منها لباعة الأقمشة الكتانية ومن يزينون الخيوط، كما خصص رواقان آخران للنساء اللائي يبعن الخيوط، وزرعت بساحة السوق أشجار التوت لنشر الظل، هذا ويذهب الناس لهذا السوق من أجل التسلية؛ فتقع بعض المناوشات من جانب النساء داخل هذا السوق،
39
وبفاس أيضا سوق للحرارين،
40
وسوق المركطين وخصص في بيع الثياب المستعملة،
41
وسوق الهبط لبيع الثياب المستخدمة، كما تذكر المناقب عن أحد المتصوفة قوله: «وكانت عندي جبة ألبسها تحت الجلابية بعتها ببعض أسواق الهبط بثلاثة دراهم.»
42
وبفاس أيضا سوق الورقة الذي خصص لتهيئة ورق التوت لصناعة الحرير،
43
وسوق التيالين وهو السوق المخصص لصناعة الغرابيل،
44
بالإضافة لسوق البز بتلمسان.
45
أما عن أسواق الأندلس فعديدة وكثيرة، وخاصة في المدن الكبيرة والشهيرة، فبقرطبة ربض الطرازين
Tegedores ،
46
وسوق الكتانين، وسوق للبز؛ الذي تعرض لحريق عام 525ه/1130م، وهو ما أكده ابن القطان
47
بقوله: «وقعت النار بسوق الكتانين بقرطبة واتصلت بسوق البز، فاحترقت أموال الناس.» كما وجد بقرطبة سوق الخيط
Crodoneros
وسوق الحصارين
Eivnagerors ، بالإضافة لشارع الخياطين
Calle de Los Alfayates ،
48
أما إشبيلية فكثيرة الأسواق والبيع والشراء وأهلها مياسير،
49
وبها سوق البزازين وسوق الخياطين،
50
كما وجد بها سوق صغير لبيع القرمز بالقرب من المسجد الجامع بإشبيلية،
51
بالإضافة لسوق باعة الحصر بطليطلة،
52
وحي السقاطين وهم بائعو الثياب المستعملة، فأورد ابن قزمان
53
في مجموع أزجاله لفظ آخر لسوق السقاطين أو السقطيين وهو سوق المرقطال، وقد ظل هذا الحي لفترة قريبة يحمل الاسم السقاطين
Zacatin
في الأندلس،
54
في حين ذكر السبتي
55
عن أسواق سبتة سوق السقاطين وخصص لبيع الآنية الصفرية، وبغرناطة شارع يعرف بشارع الصبغ،
56
وسوق الصباغين في مدينة لبلة،
57
ومالقة كان بها سوق مخصص للغزل اشتهرت به.
58
كما وجد بصقلية في مدينة بليرم بعض الأسواق المتخصصة في النسيج كسوق الطرازين وسوق القطانين وسوق الحلاجين، وقد تجاورت تلك الأسواق بعضها لبعض.
59 (1-1) الحوانيت
ارتبطت الحوانيت بالعملية التجارية داخل الأسواق والمدن لعرض السلع والبضائع، فنظمت حوانيت الصناع والتجار على أساس التخصص الحرفي لكل منهم، فقد: «رتبت كل صناعة منها على حسب ما يشكل لها، وأمن فيها التجار بأموالهم وقصد إليها الناس من أقطارهم.»
60
وحوانيت تجار النسيج بنيت داخل الأسواق وحول المساجد، وتكونت من طابق أرضي، وتتم عملية البيع خارج الحوانيت ولا يدخلها المشتري إلا في أضيق الحدود،
61
والحانوت من الداخل عبارة عن حجرة تنظم وتصف فيها السلع في صفوف داخل رفوف متراصة بعضها فوق بعض، أو داخل تجويفات تحيطها العقود المتجاوزة، ويواجه الحانوت حاجز خشبي لبيع السلع عليه.
62
ويذهب المشترون لأصحاب الحوانيت لشراء ما يحتاجون من المنسوجات بعد أن يحددوا ويسموا ما يحتاجون، في حين نهى الفقهاء التجار عن تسمية وتحديد نوعية معينة من الثياب للمشترين،
63
وقد اعتاد بعض تجار النسيج الجلوس في حوانيتهم في جو مظلم أو ذي إنارة ضعيفة لبيع سلعهم ليواروا عيوبها، وبعضهم اعتاد فتح حانوته في آخر النهار لقلة ضوء الشمس، فتحسن الثياب والمنسوجات في أعين مشتريها،
64
فحوانيت ودكاكين البز غالبا كان يسترها التاجر ويغطيها فلا تكاد السماء أن ترى من كثرة الحجب، فتبقى مظلمة؛ فتحسن الخرقة بسبب الظلام، فإذا خرج بها إلى الضوء ظهرت عيوبها من الغلظ والخفة وغيرهما،
65
ويذهب المشتري للحانوت ويختار ثيابا بعينها أو يعرض التاجر عليه بعض الثياب سواء بالقطعة أو بالجملة،
66
ومن عوائد التجار عند البيع أن لهم غلمانا وصبيانا يعملون لديهم اعتادوا أخذ مبلغ من المال - هبة - من المشتري كنوع من العطف، وفي الغالب برضاء التاجر لأنه «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه.»
67
ولجأ بعض التجار أحيانا للجلوس داخل الحوانيت أثناء البيع ليمعن النظر للنساء أثناء مرورهن في الأسواق أو عند شرائهن، أو أن بعض النسوة اعتدن الإتيان بأزواجهن ليشتروا ما تختاره، فإذا جلست على الدكان ذهب زوجها إلى مكان آخر وتركها؛ فيستغللن تورع التجار فيتمايلن ويتكلمن برقة لتسهيل أمور البيع والشراء،
68
فضلا عن نشوب الخلافات والخصومات بين النسوة أنفسهن وقت ازدحام السوق، فوصل الأمر في بعض الأحيان لتبادل الشتائم والضرب بينهن.
69
ولموقع الحانوت وقربه من مكان اكتظاظ الناس وتوافدهم عليه أثره في العملية التجارية وفي قيمة الحانوت وازدياد سعره خاصة القريب من المساجد ومداخل المدن، فسعر الحانوت بقيسارية غرناطة عام 865ه/1460م 750 دينارا من الذهب،
70
وتتم عملية البيع بعقود يذكر فيها مكان الحانوت والسوق التابع له والمدة والمساحة والمؤجر.
71
وكان بفاس في عصر المنصور الموحدي 9082 حانوت،
72
بالإضافة لحوانيت ودكاكين الكمادين التي استقرت بتونس،
73
وقرطبة التي بها كثير من الحوانيت قدرت ب 80452 حانوتا،
74
من حوانيت الشقاقين وحوانيت الصوافين بالإضافة إلى حوانيت الحرارين.
75 (1-2) القيساريات
ومن الأسواق التي عرف عنها التخصص في العالم الإسلامي «القيساريات»، وهي عبارة عن مؤسسة تجارية عامة متسعة الطرق، بها مجموعة من الحوانيت والدكاكين، ضمت مباني كالمخازن والحوانيت والمساكن لمبيت التجار،
76
استقرت بموضع أو بحي منعزل يغلق ليلا؛ لأن العادة جرت أن يكون للقيسارية باب يغلق ليلا ، وتلك الأبواب تفتح في ساعات الحركة التجارية وتحرس عن طريق مراقبين مخصصين لهذا الأمر،
77
وبها متاجر متنوعة يباع فيها الحرير الخام والملفوف في رزم، ولا يباع فيها أي نوع آخر غير الحرير، على الرغم من أن الأقمشة المختلفة كانت تغزل فيها وتنسج في قديم الزمان.
78
ومن القيساريات التي اشتهرت بها مدن الغرب الإسلامي وزخرت بتجارة النسيج، قيسارية القيروان التي كانت من الأماكن المشهورة، والتي تقع بالقرب من مسجد القيروان بسوق الضرب،
79
بالإضافة لقيسارية سوسة، واشتهرت بإعداد الكتان المنسوج وبيعه،
80
وقيسارية بجاية الشهيرة، وقيسارية مراكش التي تقع في شرق المدينة بالقرب من باب الصالحة وباب الشريعة،
81
وأمر المنصور الموحدي بعمارة هذه القيسارية في 585ه/1189م، ولعل تاريخ إنشائها يرجع إلى 580ه/1184م،
82
وقد تعرضت لحريق كبير عام 607ه/1210م وأحرقت حوانيت بيع النسيج، فقد ذكر ابن عذاري
83
أن «الضرر الجاري بقيسارية مراكش ... فتمكنت النار بيابس العيدان وشفوف الثياب.» وأعاد الناصر الموحدي بناء القيسارية رغم ما أصابها من جراء هذا الحريق الذي قضى على معظمها وأغلب تجارتها.
84
وقيسارية تلمسان الواقعة بالقرب من الجامع الكبير بتلمسان، وهي عبارة عن سوق كبيرة وموضع مهم للتجار العرب والأوروبيين، تعرض فيها الثياب والأقمشة القادمة من أوروبا وخاصة من أراجون، وهو ما عكسته العلاقات والاتفاقات التجارية بين الحكام، كالاتفاق الذي تم بين السلطان الزياني أبي سعيد عثمان بن يغمراسن (681-707ه/683-1307م) وألفونس الرابع حاكم أراجون؛ حول تعيين قس في القيسارية.
85
ومن أشهر قيساريات الغرب الإسلامي التي هي خير مثال لقيساريات النسيج؛ قيسارية فاس،
86
فيصفها ابن الصباح
87 (فاس) قائلا: «وهي مدينة فيها أسواق ومقاصير وعلالي وقيساريات وتجار من أقصى البلاد شرقا وغربا.» ومن خلال نص ابن الصباح يذكر أن بفاس قيساريات عدة، أو أنه بالغ في وصف قيسارية فاس الشهيرة لضخامتها وكثرة أسواقها، فبفاس قيساريتان إحداهما بعدوة القرويين والأخرى بعدوة الأندلس على وادي مصمودة،
88
فهي من القيساريات المرتبة المنسقة، خصص معظمها لأمور النسيج، وبها كل سوق على حدة، كسوق الملف وسوق خياطين الملف، وسوق الكتان الخام، وسوق القطن المغزول، وسوق الحرير المنسوج وغير المنسوج، وسوق صناع الحرير، وسوق الحرير المطبوخ، وسوق المنسوجات البالية، وسوق المفصل الجديد، وسوق الحاكة، وسوق الخياطين، وسوق الجلابية، وسوق البرنس، وسوق الكاغد، وسوق الإبر والمقص والمخيط والمساس.
89
وإبان القرن 10ه/16م وصف الوزان
90
القيسارية وصفا دقيقا، بأنها عبارة عن سوق منظم حسب التخصص المهني والحرفي، احتوت على اثني عشر بابا، أمام كل باب سلسلة تحجب دخول الحيوانات، وضمت القيسارية خمسة عشر حيا، منها اثنان اختصا بتجارة الأقمشة الحريرية من بيع الأشرطة والشراريب لكسوة الخيول، ومثلوا خمسين حانوتا، بالإضافة لباعة الحرير الملون لتطريز القمصان والوسائد، وكان لهم ما يعادل الخمسين حانوتا أيضا، فضلا عن حيين لباعة الأقمشة الصوفية القادمة من أوروبا ومعظمها من غرناطة، وبائعي الأقمشة وقلانس الحرير، ووجد بها مكان مخصص لصنع الفرش والوسائد والزرابي، وبها العديد من حوانيت الخياطين فكانوا يشغلون ثلاثة أحياء، بالإضافة لحي صناع عمائم الرأس، وبعض الأحياء الخاصة ببيع الأقمشة الكتانية وباعة القمصان والثياب النسائية، وحي خاص بصناع البرانس وحواشيها، وحي مخصص لبيع الثياب الصوفية الأوروبية الصنع، وحي آخر لبيع الثياب المستعملة وبخاصة الكتانية.
ووجد بها أيضا بعض الحوانيت الصغيرة الخاصة ببيع الزرابي التي كانت تباع بالمزايدة، وقيسارية سبتة التي كان موقعها خلف المسجد الجامع الأعظم،
91
هذا بالإضافة لقيسارية أسفي التي ذخرت بالعديد من التجارات.
92
ومن أهم قيساريات الأندلس؛ قيسارية ألمرية الواقعة في الجانب الغربي من المدينة، ويصفها العذري
93
بقوله: «فقد رتب كل صناعة فيها حسب ما يشكل لها.» فقسمت ونظمت فيها الحوانيت بشكل منتظم ومنسق، كل حسب حرفته وتجارته. وقيسارية إشبيلية التي ضمت سوق الثياب، وسوق الخياطين، وسوق الصباغين، وسوق السقاطين. وقد أمر الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي في572ه/1176م ببناء القيسارية حول المسجد الجامع، ونقل إليها سوق الخياطين وسوق البزازين، فكان لها أربعة أبواب ضخمة تحيطها، وسقفت تلك القيسارية بألواح الخشب المزخرفة.
94
وقيسارية قرطبة واتخذها المستنصر بالله (350-366ه/961-976م) بعد حريق سوق قرطبة عام 340ه/935م، فاكتظت بالأسواق؛ ما جعل المستنصر ينقل دار البرد منها.
95
وقيسارية غرناطة التي اشتهرت ببيع أنواع الحرير وصنوف السلع الفاخرة، وكثرت بها الحوانيت والأسواق، فوصفت بأنها كقيسارية فاس من حوانيت للقراقين والصاغة وغيرها، وتعرضت لسيل عام 883ه/1478م نزل على معظم المدينة حتى وصل إلى رحبة الجامع الأعظم فأثر على المدينة والقيسارية.
96
وقيسارية بلنسية الواقعة قرب الباب المسمى بباب القيسارية في الجنوب الغربي من سور بلنسية،
97
وقد ذكر ابن الأبار
98
عن قيسارية بلنسية أن لابن منتيال الوراق (ت611ه/1241م) دكانا بتلك القيسارية يقعد فيه للتجارة وبيع الكتب، وبطليطلة قيسارية كبيرة تعرضت لحريق في عام 873ه/1468م،
99
كما وجدت بعض القيساريات الأخرى كقيسارية بليش، بالإضافة لميورقة فكان بها قيساريتان إحداهما خاصة بالعطارين.
100 (1-3) الفنادق
أدى ازدياد النشاط التجاري في بلدان الغرب الإسلامي، وكثرة عدد التجار الأجانب الواردين إليها ، إلى بناء عدد من الفنادق داخل الأسواق التجارية لمبيت التجار سواء للراحة أو لقضاء الليل.
101
وقد شغلت هذه الفنادق مكانة مهمة في العمران الاقتصادي، وكثرت تلك الفنادق بصفة خاصة في مراكز المدينة حول المسجد الجامع،
102
وبجوار حمامات المدن،
103
وتأثر المسلمون بنظام الفندق اليوناني المعرف باسم
Agroa
والروماني المعروف باسم
Horrea ، وقد ظل اسم الفندق الإسلامي في الأندلس معروفا في إسبانيا المسيحية وعرف باسم
Alhondiga
أو
Alfondiga
واشتقت منه كلمة
Fonda
الإسبانية.
104
وسميت الفنادق بأسماء البضائع والسلع التي تباع فيها من الحبوب والكتان والخضراوات والتين والخمر وغيرها، كفندق الخمر،
105
وفندق الرماد الذي خصص لتبييض الغزل، واشتري الرماد من السلطة، المخزن،
106
وفنادق صباغي الحرير بغرناطة،
107
وبعضها نعتت بأسماء أصحابها كفندق زائدة بغرناطة،
108
وفندق السلطان،
109
أو ببلد من نزل بها من التجار مثل فندق الجنوية والشامية.
110
وتحولت الفنادق بمرور الوقت من مجرد نزل يقطن به التجار أثناء عمليات البيع والشراء، إلى سوق صاخب يختلط فيه التجار المقيمون بالقادمين مع سلعهم وبضائعهم، كما كانت تتم داخل الفندق الصفقات التجارية فضلا عن أمور البيع بالمزاد.
111
وخصص الفندق في المغرب لتخزين الثياب والأقمشة القادمة من أوروبا خاصة؛ فكانت تطل على الأسواق لتوفير الوقت والجهد، وحوت العديد من المخازن الكبيرة التي تتسع لسلع التجار المقيمين بها،
112
فكان بسبتة 360 فندقا،
113
وبفاس 467 فندقا،
114
وعن فنادق طليطلة فكان بها ما يقارب 600 فندق خصصت لخزن الأقمشة والحرير والبضائع،
115
وقرطبة بها أكثر من 1600 فندق.
116
بالإضافة للفنادق وجدت بعض الخانات، التي يأوي إليها الناس، وأشار ابن دحية
117
لبعض الخانات بضواحي فاس، كما وجد بغرناطة الخانات الخاصة بصابغي الحرير وتقع بالقرب من حمام البيازين.
118
كما وجدت التربيعات وهي عبارة عن سوق مربع الشكل به حوانيت ودكاكين خصصت لبيع بعض السلع وبخاصة المنسوجات،
119
تختلف في مساحتها حسب موقعها؛ فمنها ما وجد بها مسجد؛ نظرا لكبر مساحتها، وكان بفاس - أيام المرابطين والموحدين - أكثر من ثلاثة آلاف وثلاثة وستين تربيعة معدة لأمور النسيج،
120
ووجد بسبتة تربيعات للقزازين والحرارين «إحدى وثلاثون تربيعة مفترقات بالممرات والأسواق خلال الأطرزة، من أول المدينة إلى آخرها، أعظمها التربيعة التي بأسفل زقاق خطاب سامية في الهواء كأنها معقل أو قلعة على ثلاث طباق وفي صحنها مسجد.»
121
كما وجد بتلمسان العديد من تربيعات الصوف بدرب شاكر في تلمسان خصص أغلب هذا الدرب للعاملين بالصوف وحياكته،
122
ووجد بمراكش العديد من التربيعات.
123 (2) نظم النسيج التجارية في الغرب الإسلامي
قبل الحديث عن النظم التجارية التي اتبعت في الغرب الإسلامي والخاصة بتجارة النسيج والتي خضعت لمتطلبات العرض والطلب ورغبة المشترين والبائعين في ممارستها، لا بد من إيضاح أصناف تجار النسيج في الغرب الإسلامي: (2-1) فئات تجار النسيج في الغرب الإسلامي
اختلفت فئات تجار النسيج من ريف أو حضر أو بادية، أو من علماء أو ذميين أو تجار قوافل أو تجار جملة، مارست تلك الأعمال واعتمدت على النشاط الحرفي والصناعي، واختلف دور كل منهم لاختلاف تلك الفئات، وشكل هؤلاء التجار الفئة الأكثر تمركزا في المدن والحواضر وعواصم الغرب الإسلامية. (أ) التجار العلماء
حث الإسلام على طلب الرزق وخاصة في ميدان التجارة، فقال عز وجل
يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ،
124
وجاء في الأثر أن تسعة أعشار البركة في التجارة، وفي رواية تسعة أعشار الرزق في التجارة: «عليكم بالتجارة فإن فيها تسعة أعشار الرزق.»
125
كما قال
صلى الله عليه وسلم : «التاجر الأمين الصدوق المسلم مع الشهداء يوم القيامة.» وقال
صلى الله عليه وسلم : «ثلاثة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعي الشمس بالنهار.»
126
فكان لذلك أثره في التحاق الكثير من علماء الغرب الإسلامي في ممارسة الأعمال التجارية، على الرغم من اختلاط أمور الغش والتدليس والخديعة بها، التي قام بها بعض التجار، إلا أن هؤلاء تميزوا بالأخلاق العالية التي تبوءوا بها عند الناس والتي جلبت لهم الاحترام والتوقير، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «أطيب الكسب كسب التجار: الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يمدحوا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا.»
ومن أشهر العلماء الذين زاولوا الأعمال التجارية الخاصة بالنسيج العالم أبو محمد عبد الله الشريف، عمل بالخياطة والتجارة بأسواق بجاية،
127
والعالم والفقيه عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن مسافر الهمذاني الوهراني أبو القاسم (ت411ه/1020م) ابن الخراز من أهل بجانة، كان يتجر بثياب يبتاعها ببجانة ويقصرها ويحملها إلى قرطبة ويبتاع في ثمنها ما يصلح لبجانة،
128
وخليل القرطبي كان شيخا صالحا، محترفا بالتجارة وكان حيا سنة 419ه/1028م،
129
وكذلك أبو الحسن علي بن عبد الله المعروف بابن الخلاف من أهل الورع والفضل والزهد له حانوت يبيع فيه القطن بالقيروان،
130
وأبو جعفر حمديس القطان تاجر في القطن مع عبد الجبار بن خالد بسوق الأحد بالقيروان، وكذلك الشيخ الفقيه أبو بكر بن هذين بالقيروان كان يشتري الكتان لزوجته لتصنع منه أبدانا يقوم هو ببيعها في الأسواق حتى يتعايشا، ويذهب لبيع تلك الأبدان،
131
بالإضافة إلى الشيخ القشتالي التلمساني فكان لديه حانوت بقيسارية أسفي يعمل به بعد الانتهاء من دروسه.
132 (ب) التجار الذميون
وفرت الشريعة الإسلامية لأهل الذمة قدرا كبيرا من الحقوق والواجبات،
133
كحرية البيع والشراء والتنقل فحمت أموالهم ودماءهم؛ ما كان له الأثر الأكبر في ازدياد تجارة اليهود وحياتهم بصفة خاصة.
134
وكان للتجار اليهود - وبخاصة الأندلسيون - دور مهم في استمرار الحركة التجارية في البحر المتوسط بين الغرب المسيحي والغرب والمشرق الإسلاميين؛ فأخذ هؤلاء التجار السلع التي تصل إلى الأندلس من بلاد المشرق، وتصرف في بلدان الغرب المسيحي، فباعوها في بلاد الغال (فرنسا) التي كانت المركز الرئيس الذي تنتقل منه هذه السلع إلى دول أوروبا، وهو ما ذكره الحميري
135
في معرض وصفه لمدينة مغانجة الواقعة في بلاد الفرنجة: «ويختلف إلى مدينة مغانجة أهل بردون واليهود بجهاز الأندلس، وذلك غزل الحرير والخز والبياض والشقيق والزئبق الأحمر واللاذن والزعفران، وغير ذلك من السلع والبضائع.»
وعلى أثر ذلك تمتع يهود الغرب الإسلامي بالمكانة والنفوذ التجاريين في كافة أرجاء البحر المتوسط ، فكونوا ثروات طائلة من جراء ممارستهم لمعظم الأنشطة التجارية داخل مدن الغرب الإسلامي؛ فعملوا وسطاء بين التجار،
136
ومارسوا أعمال السمسرة وانتشروا في الأسواق،
137
وهذه الثروات استطاع يوسف بن تاشفين أن يحصل على معظمها بفرضه ضريبة ثقيلة عليهم «افترض على اليهود في تلك السنة [464ه/1265م] فريضة ثقيلة اجتمع له منها جملة مال استعان به على ما كان بسيلية.»
138
وخصص لصانعيهم وتجارهم أحياء خاصة بهم، فخصص لهم أبو يوسف يعقوب المريني حي الملاح بالقرب من القصبة بمدينة فاس، ومنطقة الجمعة الجديدة التي كانت أحياؤها ودكاكينها منظمة بدرجة كبيرة،
139
كما تدل أسماء الشوارع والحارات في الأحياء اليهودية في عدد من المدن الأندلسية على أن يهود الأندلس عملوا بكل أصناف التجارة، لكنهم تخصصوا في تجارة الأنسجة والملابس الحريرية، ففي عام 736ه/1337م وفي قيسارية قلعة أيوب صدر حكم بعقاب وحجز ممتلكات أربعة من تجار الثياب والقماش اليهود؛ نظرا لقيامهم بالبيع خارج القيسارية، وبلغت قيمة العقوبة خمسمائة دينار من الذهب،
140
ومنهم من عمل بالدلالة بحمل الأمتعة لبيعها في البيوت للنساء،
141
كما تضيف وثائق الجنيزة عن عدد كبير من التجار اليهود الذين مارسوا تجارة النسيج في مصر والحجاز والمدن الإيطالية وغيرها،
142
وليهود مدينة تفزة بالمغرب الأقصى أكثر من مائتي بيت ومعظمهم باعة وصناع قصدهم التجار الغرباء يشترون منهم البرانس،
143
ومن أسلم من اليهود أتيح له ممارسة بعض الحرف التي قصرت على المسلمين كما بفاس «وأما من أسلم من اليهود فاحترف بخياطة الملف والثياب وضفر القيطان الذي يخاط مع الثياب ونسج العقد ونسج قلنسوة وتبطينها وصبغها وتصفيفها.» وهذا يعكس أن اليهود زاولوا معظم أنشطة النسيج الصناعية والتجارية وبخاصة في فاس.
144 (ج) تجار القوافل
وبجانب تجار الذمة كان تجار القوافل، وهؤلاء هم التجار الذين قصدوا بلدان الغرب الإسلامي برحلاتهم بغرض الاتجار بسلعهم وبضائعهم، ومن بينها النسيج، كتجار مدينة أغمات، فكانوا «أملياء مياسير، يدخلون بلاد السودان بأعداد الجمال الحاملة لقناطير الأموال من أنواع النحاس الأحمر والأكسية والثياب والعمائم والمآزر.»
145
تجار الجملة سيطروا على معظم التجارة، يجمعون المنسوجات المحلية لعدم قدرة أصحابها على بيعها، خاصة من الحاكة وصغار النساجين بعد عرضها داخل الأسواق، أو عن طريق المزايدات التي تعقد ثم بيعها إلى تجار المفرق،
146
فمنهم من يتجمع عند مداخل الأسواق لاستقبال التجار الوافدين فيشترون منتجاتهم قبل دخولها للأسواق،
147
وهؤلاء بالنسبة لتجارة النسيج من أنشط التجار، فلديهم مجموعة من الوسطاء والتجار الذين لهم الخبرة الكافية، فعادة ما يبدءون عملهم من الحقول للحصول على النسيج الخام الجيد والموثوق؛ لأنهم أجادوا التعامل مع المزارعين ماليا.
148 (2-2) أصناف تجار النسيج في أسواق الغرب الإسلامي (أ) الدلال
هو الشخص الذي يخبر ويعلم القادمين من التجار بموضع السلع في البلد، وهو من يعرف أصحاب السلع بالتجار، ويرشد البائع على المشتري والمشتري على البائع،
149
فمن مهامه إرشاد المشترين على التجار المعروفين بعدم وفائهم بالعطاء الذي يرسو في المزاد؛ لأن في ذلك ثقة ومكانة له داخل السوق،
150
هو من يفتح البيع بالمزايدة، وينادي السمسار الذي يصيح ببداية الشراء والبيع «والدلال يقول هذا مفتاح الباب، والسمسار يصيح قام الندا فما تنتظرون بالثبات.»
151
وينادي ويصيح على الثوب المراد بيعه حتى يصل إلى المبلغ المناسب فيبيعه باتفاق مع صاحب الثوب،
152
لذلك فهو كثير الكذب بإيهام التجار والمشترين أنه مشتر مثلهم، ويعتبر ذلك بابا من أبواب المعيشة له كما ذكر الدمشقي،
153
فيوهم المشترين عن سلعة ما راكدة بأنها مطلوبة في السوق وأن غيرهم من التجار أقبلوا عليها وهي ليست كذلك،
154
فجاء العامة بأمثالهم ليعبروا عن صفات الدلال بقولهم «من استمع من دلال، بقا بلا فضل، بلا رأس مال.» ما يدل على كثرة نفاقه وكذبه،
155
وكثيرا ما تشارك الدلال مع أصحاب الحوانيت لجذب التجار الغرباء والمشترين، بأن لجأ بعض تجار البز إلى شراكة الدلال أو المنادي، بأن يكون البيع معهم؛ ما اعتبر من أبواب الغش والتضليل،
156
كما استؤجر لينادي على بيع السلع مقابل أجر معلوم،
157
فيبذل مجهودا لبيع الثياب بالاستقصاء والبحث عن أفضل سعر سواء بعد مشورة صاحب الثوب أو من دون مشاورته.
158
وفضل بعض التجار والمشترين الدلال عند الشراء عن الجلاس لما عرف بالغش والتدليس في البيع كجلاسين الحرير؛ فكانوا يأخذون أجرة البيع مرتين، واحدة من المشتري وأخرى من البائع؛ مما دفعهم لرفع ثمن السلعة كي تزيد أجرتهم،
159
والجلاسون هم أصحاب حوانيت داخل السوق يتم فيها البيع بالمزاد لحساب التجار وخاصة النصارى، وأسوأ الجلاسين سلوكا باعة القرق.
160
ويبدأ الدلال عمله بأن ينادي على سلعة بسعر معين، ويزيد عليها في الثمن لصالحه دون علم صاحبها،
161
أو يتخذ الثياب الجيدة لنفسه كي يتجر بها لصالحه، خاصة أنهم عرفوا بأمور الربا والبيع الفاسد في كثير من الأحيان،
162
فمنهم من تواطأ مع بزاز بتبادل الإشارات «الغمز» مع التجار لشراء سلعة بعينها بسعر بخس، فعند قدوم أحد التجار لبيع بعض المتاع ينادي عليه بسعر غير المتفق عليه، وعمد بعض الدلالين إلى إعطاء التجار المعروفين أموالا ليحتكروا بيع مصنوعاتهم في السوق.
163
ومن طرق البيع التي اتبعت عند الدلالين، ما عرف ب «إعكام البز» بأن يستأجر دلال على بيع البز، ويتفق معه على أجرة معلومة مقابل بيعها بأن «يقال صح على هذه السلعة، فإن بعتها بعشرة دنانير فلك من كل دينار سدسه.»
164
كما مارس الدلالة كل من تعرض للخسائر أو الإفلاس من التجار أصحاب الحوانيت؛ فاضطروا للعمل بها لخبراتهم في البيع والشراء وإقناع المشترين.
165 (ب) السمسار
السماسرة أو الدلالون أو الطوافون،
166
وهو الوسيط بين التاجر والمشتري،
167
والسمسار كما عرفه ابن رحال
168
بأنه «الذي يطوف بالسلعة ويدور بها على التجار ويقول من يزيد عليها.» وسماسرة النسيج نوعان؛ الأول: من يقوم بأمور السمسرة في الحقول مع المزارعين البسطاء ومع التجار الراغبين في شراء المحصول مقابل عمولات نقدية يحصل عليها، ولهم مطلق الحرية في إبداء رغباتهم في نوعية النسيج وجودته؛ لأنهم مفوضون من قبل التجار، وتذكر خطابات الجنيزة أن هؤلاء التجار كانوا على علم بمواعيد الحصاد وبمواعيد الحلج والتصنيع؛ فأرسل تجار النسيج اليهود أقاربهم إلى مصر لشراء الكتان من الحقول لإرساله إلى بلدان الغرب الإسلامي، فحرص التجار على إرضاء السماسرة كي لا يقعوا في خلافات معهم.
169
والثاني: من يحمل الثياب ويهتف وينادي عليها لجذب المشترين.
170
ومن عادات السمسار التكلم بالكذب، فتارة يشيع أن السلعة نادرة بالأسواق ولم يبق في السوق غيرها، وتارة أخرى يشيع أن سعرها سيزيد، أو الراغبين فيها كثر ليتهافت الناس على شرائها دون تردد ومفاصلة،
171
وكثيرا ما ترك أصحاب الثياب الأمر في تحديد السعر للسمسار بأن يقولوا له «اعمل فيه برأيك.»
172
لهذا يلخص ابن رحال
173
السمسار في أنه هو «الحاذق العالم بالبيع والشراء يجلس في الحانوت يبيع لمن أراد البيع ويشتري لمن أراد الشراء.»
وعن ضمان السمسار اختلف الفقهاء؛ فذكر القاضي عياض
174
بوجوب تضمينه «إذا ادعوا الضياع ... وقل المؤتمن.» أو كما ذكر ابن رحال
175
بقوله عن خلاف ضمان السمسار: «وأما مسمى السمسار ففي ضمانه ما دفع له يبيعه وما لبه من ربه لمتشر أمره بشرائه، ثالثها: ما لم يكن مأمونا، ورابعها: فيما دفع لهم، لا فيما طلبوه.» لهذا فكثيرا ما سئل الفقهاء عن مدى تضمين السمسار عند تضييعه للثياب التي يأخذها ليبيعها ثم يدعي تلفها.
176
وأدى السمسار دورا فاعلا في أمور السوق وفق تقاليد وطرق معهودة،
177
فمن عادته عند البيع أن يزين السلعة في عين المشتري «ولا يبينون له ما فيها من الغش ثم يضيفون إلى ذلك الحلف بالأيمان الكثيرة ليؤكدوا له صدق كلامهم، أو يقوموا بإغراء صاحب السلعة بخلط جيدها برديئها حتى تكثر ويجني أرباحا كثيرة.»
178
لأنه يعلم عيوبها؛ ما اعتبر نوعا من الغش من السمسار
179
وكثيرا ما يحدث الخلاف بين السمسار وصاحب الثوب على الثمن، خاصة بعد قيام السمسار بعرضه للبيع، فيعطي صاحب الثوب التاجر ولا يعطي السمسار أجرته، أو يفقد الثياب بتركها عند أحد التجار فيضيع بعلم صاحب الثوب
180
أو أن يتركه في أحد حوانيت التجار فيضيع، أو عند من استقر عليه البيع، أو يعطيه أحدهم ثوبا مسروقا لكي يبيعه،
181
أو يفقد قيمة الثوب نتيجة تمزيقه عند طيه أو نشره لعرضه على التجار والزبائن.
182
لكل هذا سعى السماسرة على البيع وجلب أفضل الأسعار ليأخذوا أفضل العمولات، وفي بعض الأوقات يأخذ بعض السماسرة أجرة سواء باع أو لم يبع،
183
أو يخلف أحد التجار وعده بأن يأمره لكي يأتيه بثوب ليشتريه، فيخرج صاحب الحانوت ثوبا من عنده فيشتريه التاجر، ولا يشتري من السمسار
184
وفي هذا دليل على أن السمسار بالإضافة لجلوسه في الأسواق وفي الطرقات جلس في حوانيت التجار والصناع.
وحرصا من السمسار على إرضاء المشترين يعرض عليهم أكثر من صنف للاختيار، عن طريق أخذ عدة أثواب من عدة تجار وحوانيت، وفي هذه الحالة عليه أن يميز كل ثوب أخذه حتى لا تضيع الثياب وتتبدل، واتفق السماسرة، فيما بينهم، على البيع منفردا ليجنوا أرباحا أكثر ثم يقتسموا الربح فيما بينهم،
185
وفي بعض الأحيان يشتري السمسار الثوب لنفسه أملا في بيعه في وقت آخر، ويأخذ أجرة السمسرة فيه.
186 (ج) الباعة الجائلون
هم التجار الصغار الذين ينادون على بضائعهم في الشوارع، وأسعارهم أقل مما يباع في الحوانيت والدكاكين، وكثيرا ما يسببون الإزعاج لأصحاب الحوانيت التي يقفون أمامها أو بالقرب منها، وانقسم الباعة الجائلون إلى صنفين: من يفترش الأرض وعرفوا بأرباب المقاعد خاصة بائعي الأطعمة، والصنف الآخر منهم من ينادون ويدورن على بضائعهم،
187
فكانوا يمرون على البيوت لعرض سلعهم، كما تشاركوا فيما بينهم من أجل الدور على المنازل والقرى والأماكن البعيدة عن الأسواق «اشترك فلان وفلان الدلالان للدور أو للرقيق أو للبز على الدلالة على الدور أو الضياع والسعاية في ذلك مجتمعين لا يفترقان، وعليهما في ذلك تقوى الله تعالى وأداء الأمانة.»
188
فألزم ابن عبدون
189
بأن «لا يكون دلال الدور شابا، إلا شيخا عفيفا قد شهر خيره.»
كما مارس بعض النسوة الدور على المنازل وعرفن بالدلالات أو السواقات «السواقة» فكن يعرضن ما يمتلكن من أمتعة لبيعها للنساء،
190
كما ذكر ابن فرحون
191
بقوله: «وهؤلاء النساء اللائي يبعن على الدور ما دفع إليهن من الثياب والحلي والجوهر.» وفي وقت الحر كانت تخرج عليهم النساء سافرات الوجه لشراء الأمتعة والسلع منهم.
192 (2-3) مقاييس النسيج في الغرب الإسلامي
حرص صناع وتجار الغرب الإسلامي عند الشروع في أمور الصناعة أو عند البيع بذكر القياس والإعلام به؛ لأن التاجر قد يتعرض للخسائر نتيجة لعدم الدقة «وهو أن يشتري المقطع على أنه ثلاثون ذراعا، فيجده إحدى وثلاثين؛ فيأخذ الزائد لنفسه ثم يخبر المشتري بالثمن الذي اشتراه به ولا يذكر له الزيادة.»
193
أو تنشب الخلافات بين الحائك وصاحب الثوب حول مقدار القياس فيقول: «أمرتني بأن أنسج ثوبك ثلاثا في ست، وقال ربه: بل تسعا في أربع.»
194
أو يأمره بأن ينسج غزلا «سبعا في ثمان» فنسجه «ستا في سبع»
195
فمن بين تلك المقاييس:
الأصبع:
وتساوي الأصبع «ست شعيرات معترضات ظهرا لبطن»؛ أي ما يوازي 1 / 42 من الذراع عند الحنفية، وعند المالكية يساوي 1 / 36 من الذراع؛
196
أي «2سم».
197
القبضة:
تساوي أربع أصابع «بالخنصر والبنصر والوسطى والسبابة» وتساوي عند المالكية 5,888سم،
198
أي تساوي ما بين 9سم و8سم.
199
الشبر:
اختلف طول الشبر من مكان لآخر كغيره من المقاييس المعتمدة على أعضاء الجسم؛ فلم تكن مستقرة لاختلاف البشر في طول وقصر القامة، ويعادل الشبر ست أصابع،
200
أي يساوي ثلاث قبضات أي نصف ذراع وهو ما يعادل 0,24سم
201
فيذكر ابن حوقل
202
عند ذكره للبود الأندلسية «قد جعل عروضها خمسة وستة أشبار.»
الذراع:
بسط اليد ومدها، وأصله من الذراع وهو الساعد، وهو ما بين طرف المرفق إلى طرف الأصبع الوسطى، ما يعادل ثلاثة أشبار أي 67سم
203
والذراع عند المالكية يساوي 46,37سم
204
والذراع في المغرب يقارب 68,35سم وهي ذراع البز، واختلف قياسه وقدره من موضع لآخر وحسب المادة المراد قياسها،
205
والذراع اليد المصرية وهي عين الذراع الشرعية تراوحت ما بين 50,3سم و48,54سم حسب طول الأصبع.
206
ومن الأذرع الأخرى ببلدان الغرب الإسلامي: (أ)
الذراع الملكية:
ارتبط استخدام هذه الذراع في مدينة تلمسان بتجارة النسيج بالدرجة الأولى، التي مورست في قيساريتها، وعرفت تلك الذراع ب «الذراع الملكية»، نسبة إلى السلطان أبو تاشفين الأول عبد الرحمن (718ه/1315م-749ه/1348م) الذي وضعها لتكون الذراع المرجعية على باب القيسارية التي أنشئت في عهده، وهي عبارة عن قطعة صفراء شفافة مثبتة بجدار في حانوت أمين التجار، كتب عليها عبارة «الحمد لله والشكر لله هذا قياس آلة الذراع بالقيسارية عمرها الله في شهر ربيع الثاني عام ثمانية وعشرين وسبعمائة»
207
ويرجع إليها عند الاختلاف بين تجار النسيج والزبائن، وقدر طول هذا الذراع ب 47سم، وكان معهودا نصب لوحة من مقياس «ذراع» في واجهات أسواق الثياب؛ لتكون مرجعا لمن يرغب في شراء أو بيع نسيج أو قماش، أو من يتخلله الشك في القياس ومدى دقته، فيحتكم إلى ذلك القياس،
208
كما حدث في 12 من ذي القعدة 984ه/1577م، أن رجلا اشترى من تاجر قطعتين من الثياب الصفاقسية على أن كل واحدة منهما قياسها ثلاثون ذراعا، ثم باعها المشتري لرجل آخر فوجد بها نقص ثلاث أذرع. مثل هذه الواقعة توضح أنه في بعض الأوقات لجأ التجار للغش في أداة القياس نفسها،
209
أو يخطئ التاجر في القياس لمصلحة المشتري، بأن يشتري أحدهم ثوبا مقاسه «سبعة في ثمان» فيجده المشتري أكبر من ذلك.
210
لهذا حرص التجار عند بيع النسيج - قطنا أو كتانا أو صوفا - أو شق الثياب على ذكر نوع وبلد الذراع المنسوب إليه النسيج، «قلت: في شقة كتان أو قطن بيضاء صافية البياض جيدة الكمد صفيقة رقيقة طولها كذا وعرضها كذا بذراع كذا.»
211 (ب)
الذراع الرشاشية:
حدد ابن غالب
212
عند حديثه عن جامع قرطبة ومدينة الزهراء قياس الذراع الرشاشي: «وهو ذراع واحد وثلث ذراع.» كمقياس، ويعادل 1 / 3 من الذراع العادي (اليدوي)؛ لأن الذراع العادي يقابل ثلاثة أرباع الذراع الرسمي (الرشاشي) الذي كان من 32 أصبعا، واستمر استخدام ذلك الذراع بصفة عامة في الأندلس بعد سقوط الحكم الإسلامي بها، فظل تجار قيسارية طليطلة يستعينون بهذا الذراع في قياس أقمشتهم.
213
القالة:
مقياس قريب من الذراع، ولعله استخدم لتعويض الذراع في بعض الأوقات ولقياس المنسوجات،
214
واختلف طول القالة حسب طبيعة المنسوجات نفسها، فمنها:
القالة الإدريسية: ضبط السلطان أبو عنان المريني المقاييس وأعلنها للناس، فوضع على جدران مدينة فاس القديمة مقياسا للذراع خصص لقياس الثياب، وألصقت تلك الذراع «القالة» داخل مقر المحتسب، الذي كان موجودا في الساحة الصغيرة لباعة الحناء الواقعة بسوق العطارين بفاس، كانت على حائط في ارتفاع 50سم عن الأرض، وهي عبارة عن قطعة من الرخام الأبيض كتب عليها العبارة التالية: «الحمد لله، أمر بعمل هذه القالة: مولانا أمير المؤمنين أبو عنان أيده الله ونصره، وذلك عام خمسة وخمسين وسبعمائة.» فكان طول هذه القالة 46سم، وخصت لقياس الثياب الصوفية، لهذا أطلق عليها «القالة الدرازية» أي مقياس المنسوجات المطرزة، كما سميت ب «القالة الإدريسية» نسبة لمدينة فاس.
215
القالة السوسية: وجدت تلك القالة بشارع سوق العطارين بالقرب من موضع القالة الإدريسية، ألصقت على أحد الحوائط بين دكانين طولها 55سم، خصصت لتجار الجوخ والحرير والكتان؛ لهذا سميت ب «القالة الكتانية» و«مقياس القطنيات» و«القالة السوسية»، وهي عبارة عن رخامة بيضاء كتب عليها: «الحمد لله، هذا مقياس ذراع قالة القيسارية [...] وذلك عن أمر مولانا أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين أبو عنان، أيده الله ونصره، وذلك عام خمسة وخمسين وسبعمائة.»
216
وأشار برنشفيك
217
بظهور مقياس إيطالي آخر لقياس الثياب وهو «الكانة»
Canna
واستعملت في بلاد المغرب في القرن 8ه/15م لقياس الأقمشة المستوردة، واختلفت الكانة من موضع لآخر، فكانة تونس أطول من كانة مدينة أنكونة، وكانة مدينة طرابلس أطول من كانة مدينة البندقية؛ إذ بلغ طولها 2,20 متر.
218
ومن اللافت للنظر أن القالة التي خصصت في العصر المريني لقياس الثياب والقماش هي نفسها الكانة التي خصصت لقياس الأقمشة المستوردة؛ ما دعا الوزان
219
لأن يذكرها ب «الكنا»، ولعل ابن الوزان وبرنشفيك قصدا بها القالة السوسية أو الإدريسية.
ومن الممكن أن لفظ القالة لفظ ليس بالعربي، وفي هذا دليل على اختلاف المقاييس حسب نوع الثياب، أي أن القماش الخام - صوف أو قطن أو حرير - كانت له مقاييس خاصة به، والثياب المقصورة لها مقاييس اختلفت في طولها عن سابقتها، وهو يوضح ما وصل إليه تجار ومحتسبو أسواق الغرب الإسلامي في تنظيم أمور البيع والشراء.
البيت:
نوع آخر من المقاييس استخدم في قياس النسيج، وشدد المحتسبون على ضرورة تحديد نوع البيت ووصفه عند الاتفاق مع الصناع والتجار، خاصة مع الحرير؛ لأن جودة ثياب الحرير تحدد بعدد بيوتها: «فإذا قل عن اثنين وأربعين بيتا في المنسج.»
220
وكذلك عند البيع والشراء يحدد عدد البيوت، وهو ما ذكر «عن رجل اشترى من رجل زمائل زرقا، والتزم له البائع المذكور بثمانية بيوت من الشعر.»
221
أو ما ذكر في أحد العقود «عقد تاريخه شعبان سنة إحدى وخمسين وأربعمائة، فيه أنه دفع إلى مفرج بن مبارك النساج، عشرة مثاقيل قديمة طيبة على نسج أربعين شقة خز، كل شقة من ستين بيتا، سعة كل شقة أربعة أشبار وطولها ستة عشر ذراعا.»
222
وعدد البيوت من علامات ضبط صناعة الحصر الجيدة فذكر ابن بسام:
223 «وهي أبيات أعلاها مائة، وما دونه تسعون، وما دونه ثمانون، وما دونه سبعون، وما دونه ستون.»
الشقق أو القطع:
استعملت هذه الوحدات لقياس المنسوجات واختلف في أطوالها، وتقاس الشقق أو القطع بالجريدة، ويصل طول القطعة أو الشقة ثمانية جرائد.
224
ولعل الشقة كانت تعادل 24 ذراعا، أي 15,84 مترا لو الذراع يساوي 66سم.
225
اللفة:
لا يعرف طولها بشكل محدد؛ فهي تقارب وحدة القياس السابقة وهي الشقق من حيث الطول،
226
فالملابس والمنسوجات قدرت في بعض الأماكن باللفة، فثياب الرجل من برنس أو جبة تحتاج لثلاث لفات، واختلف طول اللفة نفسها من مكان لآخر؛ فطولها في أسفي في المغرب كان يزيد عن لفة مونبيليه في فرنسا بحوالي 2,5٪ عنه في كتالونيا.
227
القصبة:
استعملت القصبة لقياس المساحات من الأراضي، كما استخدمت في قياس الأثواب؛ فهي تعادل ستة أذرع هاشمية وستة أذرع وثلثي ذراع بز، أي ما يعادل 3,99 أمتار،
228
وتعادل في إيطاليا نحو المترين وفي البرتغال ما بين 1,72 و2,98 متر،
229
وهو ما أكده ديوفريك كذلك عندما أشار إلى أن القصبة تزيد على مترين حيث نوه لأن قصبة طرابلس تعادل 3,25 أمتار لمثيلتها في مدينة فانيس الإيطالية.
230
وعلى الرغم من كثرة أدوات القياس في أسواق الغرب الإسلامي وحرص المحتسبين على مراقبة الأسواق لمنع أي أعمال غش وتدليس تضر بالمشترين وكذلك بالتجار؛ غالبا ما لجأ التجار للغش عند القياس؛ بأن يأخذ أحد التجار ثيابا من تاجر آخر يكون أحد أطرافها أطول من الطرف الآخر؛ ما يفسد الثوب،
231
أو يشتري التاجر الثياب على طول وقياس متفق عليه ثم يجده ناقصا؛ فيلجأ لتقسيم ثمن القياس الناقص على ثمن الثياب كافة؛ حتى يعوض النقص فلا يخسر، وهو من الأشياء غير المباحة في الشرع، أو يبيع القياس الزائد عن المتفق عليه من الثياب بسعر إضافي على الثمن، كما كان بعض التجار عند شرائهم الثياب يقيس قياسا واسعا وافيا فيرخون أثناء القياس، على عكس بيعهم، فكانوا يمطون القياس ويشدون بأيديهم، أو يوهمون المشتري بأنهم تركوا له قياسا إضافيا، فإذا قاسها بعد شرائه وجدها منقوصة.
232 (2-4) موازين النسيج في الغرب الإسلامي
استخدمت بعض الأدوات لوزن وتقدير النسيج كمثله من التجارات التي تحدد أسعارها على أوزانها؛ لأن الغزل من الأشياء التي تباع وتسلم وزنا كما يذكر الحميري
233
أن بسوسة «يباع الغزل بها زنة المثقال بمثقالين.» لجودة صنعتها، فلكل سوق أوزانه المعروفة به، وتحدد الأوزان حسب البلدان والأسواق،
234
ومن بين تلك الموازين:
الرطل:
معيار يوزن به ويكال، استخدم في زنة الحرير؛ لأن الحرير غالبا ما يباع وزنا،
235
فيذكر المازري
236
عن «من استؤجر على كب أرطال من حرير ...» وهو ما يؤكد استعمال الرطل في وزن النسيج وبخاصة الحرير، أو لقسمة لوز الحرير؛ فبعض الصناع ومربي الحرير أرادوا قسمته بالوزن أو بالعد، لكن الفقهاء أوجبوا أن يقسم بالوزن؛ لأن العد تؤثر عليه الأحجام.
237
وتباينت أوزان الأرطال من منطقة لأخرى: «فكان لكل إقليم ... المعاملة على أرطال تتضاءل في الزيادة والنقصان.»
238
وحدد ابن رشد
239
رطل الحرير في جيان كمقياس للوزن بقوله: «ثلاثة أرطال إلا ثلث رطل بوزن الحرير الجاري بجيان.» وذكر المقدسي
240
أن الأرطال المستخدمة في المغرب بغدادية في الإقليم كله إلا الذي يوزن به الفلفل، وذكر القلقشندي
241
أن «زنة كل رطل ست عشرة أوقية، كل أوقية أحد وعشرون درهما من دراهمها.» في حين ذكر ابن غالب:
242 «الرطل ست وثلاثون أوقية، يغدق عليهم من عشرة أرطال إلى رطل واحد.»
واختلف وزن الرطل من وقت لآخر، فوزن الرطل في المغرب خلال القرن 5-6ه/11-12م يساوي حوالي 130 درهما أي ما يعادل 406,25 جرامات، فأصبح بعد ذلك 140 درهما ما يوازي 437,5 جراما، وفي القرن 8ه/14م زاد وزن الرطل لما يقارب 150 درهما ويساوي 468,75 جراما، وفي الأندلس وصل وزن الرطل في الوقت نفسه إلى 452,3 جراما، وإبان القرن 10ه/16م كان 12 أوقية، كل أوقية تساوي 11,13 درهما أي 440 جراما،
243
وذكر ابن العطار
244
المتوفى أواخر القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي أن الرطل يساوي ثلاث عشرة أوقية، حيث يذكر في أحد العقود أن «رطلا من حرير استغزال أحمر نقي طيب غاية الطيب كل رطل من ثلاث عشرة أوقية بوزن سوق كذا.»
وقيمة وزن الرطل اختلفت كذلك حسب نوع السلعة،
245
فأوزان الغزل قبل الصناعة حددت بالأوقية، وقبل الشروع في نسجه أو غزله، فيذكر السقطي
246
بضرورة أن يكون ثوب الحرير الجيد «21 أوقية في الوزن».
الربع:
ويجب أن تكون أرباع الكيل ضيقة الأعناق؛ لأن المتسعة تحتمل الزيادة وفيها ظلم للبائع ويكون الطابع في أعناق الكيل، ويجب ألا تكون الأرباع مختلفة إلا ربع الكتان وربع القطن وربع الصوف، فكلها لها ربع معلوم من أجل أثقالها.
247
القنطار:
استخدم القنطار لتحديد أوزان النسيج، فيساوي ما يقارب 100 رطل، واختلف وزنه من مكان لآخر، ففي مصر وزن قنطار الفلفل يعادل مائة رطل أي ما يوازي 42,33 كيلوجراما،
248
وأشار برنشفيك
249
أن القنطار يوازي 50,4 كيلوجراما في العموم، ولكن بالنسبة للأقمشة فكان يساوي 102 و105 و110 أرطال في التجارة بالنسبة للقنطار الواحد، وقنطار الكتان في بجاية يزن 150 رطلا، أي ما يعادل 76,4 كيلوجراما، في حين اختلف وزنه في عنابة ليقل عنه أربعة أرطال كاملة، ويشير ديوفريك
250
أن قنطار الصوف كان يباع على وزن القنطار الذي يبلغ وزنه مائة رطل.
وتوضح نازلة للبرزلي اختلاف وزن القنطار، فيذكر «أن الكتان بوزن الإسكندرية ثلاثة وأربعون قنطارا بالميزان، وإن صح له في تونس سبعة وأربعون قنطارا بالتونسي، وقد شهد ثقات أن الوزن بالإسكندرية والوزن بتونس يخرج إلى أكثر مما ذكره بكثير.»
251
الرزمة:
استخدمت الرزم لتحديد أوزان الحرير والكتان، فكانت الرزمة تزن ما يقارب 600 رطل كما تذكر وثائق الجنيزة،
252
ورزمة الكتان تزن ما يقارب 600 رطل،
253
بالإضافة للعدول، فيزن العدل تقريبا 3,3 قناطير ما يعادل 150 كيلوجراما،
254
وذكرت وثائق الجنيزة العديد من بالات الكتان أو العدول التي أرسلت من مصر لتونس لصناعة السوسيات، والعدل عادة يحتوي على خمسمائة رطل مربوطة ربطة واحدة، والوزن الحقيقي لها كان 450 رطلا وينقص في أغلب الأحيان.
255
واستخدمت الربط كذلك في أوزان النسيج، فالعالم أبو عمر هاشم بن مرور التيمي «يشتري الكتان فيجعل في كل ربطة رطلا ويصرمها.»
256 (2-5) طرق بيع النسيج في أسواق الغرب الإسلامي
خضعت تجارة النسيج لأمور العرض والطلب كغيرها من التجارات، فتباينت معها أنواع البيوع، بما يلائم حاجات المشترين وظروف البائعين، والبيوع في العموم على أربعة أوجه: بيع المرئي، وبيع المعين، وبيع الغائب، وبيع السلفة،
257
مما سهل أمور الشراء والبيع للنسيج داخل الأسواق، وقد جاءت معظم هذه البيوع متماشية مع قواعد الشريعة الإسلامية، والقليل منها حاف ومال نحو الجاهلية والربا، فمن أنواع البيوع التي اتبعت في تجارة النسيج:
البيع بالمقايضة والمبادلة:
حمل التجار سلعهم وبضائعهم للأسواق لمبادلتها بسلع وبضائع أخرى، كما فعل تجار المغرب الأقصى؛ فكانوا يدخلون مدينة تكرور «بالصوف والنحاس والخرز ويخرجون منها التبر والخدم.» وكان التجار في مدينة غانة يحملون إليهم التين والملح والنحاس مقابل الذهب، بالإضافة لمدينة زويلة، التي كانت محطا للقوافل، فتتم بها عملية المقايضة ببيع الرقيق مقابل «ثياب حمر» لعلها قادمة من البصرة مع سكان كانم،
258
وتجار قسنطينة قايضوا الأقمشة الكتانية مقابل التمر والعبيد مع سكان وتجار منطقة نوميديا في الجنوب،
259
وكذلك سكان كرت فكانوا يبتاعون ويشترون كل ما يحتاجونه في مقابل الكتان.
260
وسارت عملية المقايضة والمبادلة على شروط تتفق مع البائع والمشتري حسب قيمة السلعة نفسها، فاشترط في المبادلة أن يعرف فيها الوزن والقيمة لتكون سليمة،
261
فيباع ثوب الصوف في صوف، أو ثوب الكتان في الكتان وذلك بأجر معلوم،
262
ومن أمور المقايضة أيضا أنها تكون في عمل، بأن يشتري أحدهم ثوبا بثمن معلوم ولأجل محدد، ويريد أن يسدد ثمنها مقابل عمل بأن يصبغها أو يخيطها ويستقطع أجره من ثمن الثوب، ولكن الفقهاء أفتوا بعدم إجازة هذا البيع.
263
بيع الغبن:
من البيوع المتداركة في بلاد الغرب الإسلامي بيوع الغبن، وهو أن يبيع الرجل ثوب الحرير بثمن معلوم ويكتشف أنها تساوي أكثر من الثمن الذي باعه، فيقول لو علمت أنه حرير ما بعته بهذا الثمن، ويقول المشتري: «لو لم أظن أنه من حرير ما اشتريته بهذا.»
264
بيع المرابحة:
بيع المرابحة هو «البيع المرتب ثمنه على ثمن بيع قبله»
265
ويعرفه ابن القباب
266
بأنه «أن يقول بكم اشتريت سلعتك هذه وأنا أربحك فيها كذا.» فكثيرا ما كان يبيع أحد التجار ثوبا لغلام له أو لتاجر يجاوره في السوق بعشرة دراهم، ثم يشتريه مرة أخرى منه بخمسة عشر ليجبر به في البيع، فهذا هو بيع المرابحة.
267
غير أن ابن أبي زيد
268
يحمل جزءا من ثمن السلعة خاصة في القصارة والخياطة والصباغة، وكذلك الفتل والكمد وتطرية الغزل والطراز، في حين لا يحملها في أمور الكراء. ومن شروط بيع المرابحة التبيين والتوضيح في البيع كي يكون سليما وصحيحا.
269
بيع الخيار:
بيع الخيار هو طلب خير الأمرين مع استكمال البيع أو فسخه، وليكون بيع الخيار صحيحا لا بد أن يكون «على مشورة دون اشتراط النقد وإيقاف الثمن.» وإذا كان البيع بالخيار وعلى مشورة فأجاز الفقهاء عدم دفع الثمن إذا كان عينا، فإن شاء ترك عند أحد التجار الثقة أو يدفعه المشتري للبائع؛ فكلاهما جائز،
270
وانتشر بيع الخيار في تجارة النسيج، ومن أمثلته أن يشتري أحدهم ثوبا من تاجر وثوبا من تاجر آخر على أن يفاضل بينهما في الشراء، أو يشتري ثوبين من تاجر واحد ويفاضل بينهما على أن يضمنهما،
271
أو يشتري ثوبا لمدة يومين أو ثلاثة يختار فيهما الثوب على ألا يطيل المدة المتفق عليها.
272
بيوع المزايدة:
يتم فيها تحديد ثمن السلعة بعد المزايدة بين الراغبين في الشراء، وتبدأ عملية البيع ب «الاستفتاح» بعرض السلعة الموجودة للنداء عن طريق أهل السوق العالمين والعارفين بالسعر للمزايدة حتى يستقر البيع على الراغب في الشراء وصاحب أعلى سعر،
273
وتبدأ عملية المزايدة من الظهر حتى العصر وتستمر طوال النهار، ويحصل المنادي على أجرة معلومة، وتزيد أجرته بزيادة البيع،
274
وكان يقام في فترات معينة من كل يوم مناداة على سلع محددة كالأقمشة والصوف الخام وبعض السلع اليومية، أما البضائع الأخرى فيعقد المزاد مرة أو مرتين أسبوعيا، والعادة أن ينعقد المزاد بعد صلاة العصر،
275
ولصاحب العطاء الأخير أخذ السلعة التي نودي عليها من السمسار أو الدلال «ليس للسمسار إخراجه من عنده لأن بيع المزايدة لازم لصاحب العطاء أخيرا.»
276
فكانت تباع الزرابي وأغطية السرر في سوق فاس بالمزايدة.
277
بيع النسيئة:
ارتبط بيع النسيئة بتجارة النسيج، وهو أن يشتري أحد ثيابا ثم يدفع ثمنها بعد فترة تصل إلى عدة شهور أو عام، ويكتب عقد يكون ملزما للطرفين وبشهادة الشهود لضمان حفظ الحقوق؛
278
لأن بيع السلعة أو الثوب لأجل مجهول وغير محدد يضر بالبائع لعدم ضمان سلعته،
279
وبعض الأعمال من الحياكة أو الخياطة تكون وفاء لدين على الصانع، فيلجأ لبيع النسيئة لسداد هذا الدين، وقد اختلف الفقهاء على مدى شرعيته.
280
بيع الملامسة:
وفيه يلمس المشتري الثياب المراد شراؤها دون العلم بحاله ولكن بمجرد النظر إليه،
281
فلجأ كثير من تجار الثياب والشقق لتحسين وجهها لتحسن في عيون ناظريها فتباع سريعا،
282
فيقول بعتك هذا الثوب الذي معي بالذي معك «فإذا لمس كل واحد منهما ثوب الآخر فقد وجب البيع.»
283
بيع المضغوط:
من البيوع التي مورست بأسواق في الغرب الإسلامي، وهو أن يبيع الثوب ويشترط أنه متى جاء بالثمن استرجعه.
284
بيع الرهن:
كثرت بيوع الرهن في النسيج في أسواق الغرب الإسلامي بأن يقول أحدهم: «رهنتك ثوبا جديدا، قال المرتهن: كان خلقا وهو هذا واتفقنا على الدين.»
285
ويحدد عند الارتهان نوع الرهن والوقت والمبلغ وكذلك صفة ونوع النسيج، نتيجة لغياب الثقة في بعض الأحيان بين التجار أنفسهم أو بين التجار والمشترين، لكثرة الخلافات ولانتشار أمور الغش والتدليس؛ فكثيرا ما كان يقوم تجار النسيج وبعد الاتفاق على السعر والقياس المحدد والقطع بأن يسلم الثوب لصاحبه، ويتبقى له من سعره دون اتفاق مسبق، فيضطر التاجر للانتظار - لو كان من معارفه - وإن كان غير ذلك يلجأ إلى أخذ رهن،
286
وهناك نازلة توضح ذلك: «من باع من أحد حريرا لثلاثة أعوام، ورهن بيده في ذلك أصل توت مشترطا المنفعة.»
287
فاحتاط التجار عند عملية البيع «فعلى كل واحد منهما إذا تشاحا أن يمد يده بثوبه فإذا تحاذيا قبض كل واحد منهما ما اشتراه.»
288
بيع المشروط:
هو أن يشترط أحد الطرفين شرطا لإتمام البيع والصفقة.
289
بيع الحصاة:
من البيوع التي انتشرت في الجاهلية ومورست بشكل محدود في بلدان الغرب الإسلامي، فالرجل يشتري الثوب فإن أعجبه ترك عليه حصاة. فقد ذكر المازري
290
هذا النوع من البيوع بقوله: «وقيل كان الرجل يسوم بالثوب وبيده حصاة فيقول إذا سقطت من يدي وجب البيع.»
البيع بالصفقة:
بأن يشتري أحدهم جملة من الثياب مرة واحدة بغرض المتاجرة أو اللباس،
291
وتكون الثياب صفقة واحدة سواء من نوع واحد أو مختلفة، وبها نوع أحسن من نوع، أو نوع أطول في القياس من الآخر: «إذا اشترى بيعة من القماش وهي نوع واحد وبعضها أحسن من بعض أو أطول في القياس، وإن قل أو هما معا، ألا يجعل لكل قطعة منها قيمة معلومة.»
292
بيع المكايسة:
وفيه يساوم الرجل فيها صاحب السلعة في سلعته وبضاعته فيبتاعها منه بما يتفقان في الثمن.
293
البيع بدون مشاهدة (بيع الجزاف):
وتكون عملية البيع من غير مشاهدة أو فحص، كبيع حزم ولفائف الكتان دون فحص؛ لأن فحصها وفرزها يضر بالكتان،
294
أو شراء أو بيع ورق التوت دون وزن، وهو ما عرف بالتحري، واشترط التحري لجواز البيع في تلك الحالة،
295
فكان من الضروري عند البيع أن يكون على صفة؛ بأن توصف السلعة بطولها ووزنها وشكلها، وإلا كان البيع فاسدا،
296
خاصة في عقود البيع «وإن كان في كتان قلت: في كذا وكذا ربعا من كتان بلد كذا طفلي أبيض الطرف أملس صحيح.»
297
ولأن البعض نسب بعض الثياب إلى مكان غير الذي صنعت به لأجل بيعها، أو نسبها لصانع ماهر اشتهر بالغزل غير الذي صنعها فيغالي الناس في شرائها،
298
ومن طرق بيع الجزاف في بلاد السودان أن يترك المشتري عند كل متاع ثمنه من أعمدة الذهب، فإذا جاء صاحب المتاع اختار الذهب وترك المتاع، وإن شاء أخذ متاعه وترك الذهب.
299
بيع المنابذة:
يتمثل هذا البيع في «أن يقول البائع للمشتري: بعتك هذا الثوب الذي معي بالثوب الذي معك، فإذا نبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، فقد وجب البيع.»
300
الشراكة:
نوع من المعاملات التجارية التي مورست مع تجارة النسيج، وهي عبارة عن اتفاق بين طرفين يلزم بالعقد، يتم بمقتضاه خلط وسائل الإنتاج ورأس المال والعمل وغيره، فكانت منها شركات أموال وأبدان وذمم أو أعمية وأخصية كما ذكر ابن عرفة،
301
وتمثلت تلك الشراكة، وخاصة فيما تعلق بتجارة النسيج، إما في ثوب أو في نسيج خام أو منسوجات، بأن يقوم الصباغ بعد صبغ الثوب بتسليمه إلى صاحبه، فيجد صاحب الثوب قد أفلس وليس معه مال، وهنا أجاز الفقهاء في شراكة الصباغ لصاحب الثوب أن يكون شريكا في ثوبه، وذلك على قدر ثمن صبغه،
302
أو من أعطى نساجا غزلا ليصنع منه ثوبا، فلا يستطيع صاحب الغزل أن يعطي النساج أجرته؛ فيصبح النساج شريكا لصاحب الغزل في الثوب على قدر أجرته؛ تفاديا للخلافات وبالاتفاق، أو أن أحدهم يشارك آخر في شراء ثوب.
303
أو تكون الشراكة في تجارة النسيج بالتشارك في السفر معا لبيع الثياب والمنسوجات وشراء مواد أخرى من صوف وغيرها،
304
أو يقدم أحد على شراء حرير وليس لديه نقد لشرائه، فيقترح على أحد أن يدفع له النقد ويكون شريكا له في الحرير، وهذا اعتبر شراكة في رأس المال.
305
وجاز لرب المال الحرية في أن يبيح لشريكه المتاجرة في أصناف من السلع والمتاجر، وإن خالف الشريك تعليمات صاحب المال فعليه أن يضمن ما يتلفه، وإن باعه وخسر فعليه ضمان الخسارة،
306
وفي بعض الأحيان يقيد الشريك ببعض الأمور التي تمنعه من حرية التصرف في التجارة ما اضطرهم لكتابة عقود بينهما بحسب ما يقع عليه الاتفاق ويتوافق مع الشرع «وصارت في يده وازنة طيبة ليديرها في متجر البزازين أو الخياطين بسوق كذا ولا يتعدى المتجر المذكور إلى غيره.»
307 (2-6) أسعار النسيج في الغرب الإسلامي
خضعت أسعار المنتجات للحالة الاقتصادية داخل الأسواق، ولم يكن الاستقرار السياسي - مع أهميته الكبيرة - هو وحده الحاكم في انخفاض الأسعار وارتفاع مستوى المعيشة؛ لأن الشروط الاقتصادية للسوق تتأثر ولأسباب مختلفة بالتقلبات التي تنشأ في بعض الحالات من كثرة المعروض من السلع أو لقلة الطلب عليها، ما يعني أن الأسعار كانت متغيرة طبقا لمعايير الجودة وعمليتي العرض والطلب،
308
لدرجة تؤدي لانخفاض أسعارها مقارنة بسلع أخرى تحافظ عليها؛ لذلك فإن قيمة الأسعار تحدد بشكل تنافسي بين التجار، بالإضافة للتغيرات الاقتصادية الأخرى، فأحيانا يشتري التجار الثياب ثم تهبط أسعارها لعدم الطلب عليها؛ فيتعرض التجار للخسارة.
309
وتجارة النسيج كغيرها من التجارات تخضع للتسعير؛ فهو المؤشر الدال على أهمية تلك السلعة؛ لذا فمراقبة الأسعار وضبطها كانت من الأمور الضرورية للمحتسب داخل الأسواق منعا للزيادة وكذلك معاقبة المخالف في التسعير من التجار، وعلى الرغم من ذلك فإن عملية فرض التسعير لم تكن تتم إلا عن رضا حتى لا يظلم أحد، فمن كان يكره الناس على سعر معين «فقد أخطأ.»
310
فلا يؤمر التاجر بأن يبيع بأقل من السوق، ولكن يؤمر بالالتزام بالسعر داخل السوق،
311
ولكن جودة المنتج نفسه وصفته كانت تفرض زيادة في السعر عن باقي السلع السيئة، فكان سعر الورق في بلدان المغرب يختلف ثمنه حسب صفته وجودته،
312
وهو ما أكده العقباني
313
عند حديثه عن الأسعار وجودة السلع؛ فيذكر أن «لجودة ما لديه دونهم لم يمنع وإن لم تكن له جودة عما بأيديهم منع، فإن حط عن سعرهم وباع بأرخص مما يبيعون به ترك وبيعته ، ولم يؤمر الباقي باللحاق به.»
هذا وكانت للعملة أهمية كبيرة في ازدهار وتطور العملية التجارية، فكلما ارتفعت قيمتها النقدية ساعد ذلك على رواج النشاط التجاري للسلع، والعكس عند انخفاضها، وهو ما أشارت إليه إحدى خطابات الجنيزة؛ فقد أدى انخفاض العملة في عام 556ه/1060م لانخفاض أسعار بعض السلع، فانخفضت قيمة الدرهم من 200 نقدا وصار 160 نقدا، وكان له الأثر على بيع الكتان في سوسة وقلة الطلب عليه.
314
ودفع قيمة البضائع والسلع كان له أثره على أسعارها خاصة الدفع المقدم أو الدفع بالآجل، والشراء بالدين أو الاقتراض من أجل الشراء، خاصة من قبل التجار اليهود، ففي رسالة أرسلها التاجر جوزيف بن فرج القبيصي إلى ابن أخيه التاجر فرج بن إسماعيل، في مصر في هذا الوقت، ينصحه بأن يدفع ثمن كمية الكتان كلها رغم أن نصفها ما زال لم يحلج بعد، على الرغم من التوصيات والتعهدات التي بينهما بعدم الدفع المقدم للمزارعين، وهو ما أشار إليه التاجر اليهودي إسماعيل لابنه فرج في 551ه/سبتمبر 1056م في بداية موسم البيع والشراء فهو يحذره «أن يحتاط من الفخ الذي قد يكون المزارعون نصبوه له، بأن يعطوه كتانا لم ينضج بعد.»
315
واشتهرت عدة مناطق بارتفاع أثمان منسوجاتها نظرا لجودة إنتاجها؛ كحصن بكيران فكان «تصنع به ثياب بيض تباع بالأثمان الغالية ويعمر الثوب منها سنين كثيرة.»
316
ومدينة أندراش حريرها يوصف بأنه ذهب،
317
ومدينة بلنسية ثيابها الكتانية الغالية الثمن «تقصر الثياب الغالية من الكتان وتنسج.»
318
وصقلية اشتهرت بتصدير الكتان والثياب المقلمة الغالية الثمن.
319
وتميزت المنسوجات التي اختص بها الحكام والسلاطين بارتفاع أثمانها وجودتها؛ فعمائم ملوك صنهاجة المذهبة كانت تساوي العمامة ما بين 500 دينار و600 دينار وأزيد، فالصانع كان يأخذ على تعميم العمامة الواحدة «دينارين وأزيد»،
320
كما ارتفعت أسعار اللبود الثلاثينية لسلاطين الأندلس؛ فاللبد الواحد يساوي ما بين خمسين وستين دينارا،
321
وبالمثل الثياب المصنعة من صوف البحر كانت باهظة الثمن، نظرا لجودتها وحسنها بالإضافة لقلتها لاحتكار أهل السلطة لها، فكانت تنقل سرا، فتهادى بها الملوك والحكام والأمراء.
322
غير أن تلك الأسعار اختلفت تبعا لعدد من الأمور، منها: عملية التعبئة أو التصنيع، خاصة للصوف المعد للتصدير لبلدان الغرب المسيحي لميورقة وكتالونيا؛ فكان يضاف سعر النقل للسعر الأساسي للصوف وهو ما مثل عبئا على التجار، فقد نقل قنطار من الصوف من تلمسان إلى ميورقة أضيف إلى ثمنه 3,5 فلوس (ميورقية) على سعره؛ فضجر التجار من ذلك.
323
أما عن أسعار الحرير في بلدان الغرب الإسلامي، فقد وصل سعر الحرير الأندلسي في الإسكندرية إلى 21 و23 دينارا لكل عشرة أرطال، وذلك عام 410ه/1119م، وسعر الحرير الخزاج الأجود منه ستة مثاقيل والأقل منه خمسة مثاقيل، والحرير الخز ما بين تسعة وتسعة ونصف مثقال، والحرير الخش جدا ما بين ثلاثة وثلاثة ونصف مثقال،
324
وسعر رطل الحرير في الأندلس وصل خمسة عشر درهما أي دينار ونصف،
325
وارتفع سعر رطل الحرير بعد ذلك إلى ستة دنانير للرطل.
326
وبالنسبة لأسعار بعض المواد الخام، فسعر قنطار القطن في القيروان إبان القرن 4ه/10م ساوى دينارا ونصف الدينار،
327
وسعر سبع بالات من القطن في عام 707ه/1307م، خزنوا عن طريق تجار من برشلونة، عشرة دنانير،
328
وقنطار كتان في صقلية سعره في الشتاء وصل لسبعين (ربع دينار)، وفي الصيف لأربعين (ربع دينار).
329
وسعر دست الورق في مدن المغرب ساوى ما بين ثلاثة إلى أربعة دراهم،
330
مما أثر على سعره في صفاقس؛ ففي عام 557ه/1059م مثلا، انخفض من 70 إلى 40 في غضون فترة قصيرة من الزمن لكنه وصل إلى 8-14 (ربع دينار)، وعقب وصول خمس وعشرين سفينة من المشترين في مازارا بصقلية،
331
وسعر واحد وعشرين قنطارا من الكتان خزنوا في المغرب عن طريق تجار برشلونيين ثمانية وعشرون دينارا.
332
ولتباين الأسعار واختلافها من مكان لآخر أثره في تأرجحها بين الزيادة والنقصان، وهو ما توضحه نازلة أوردها البرزلي عن بعض فروق الأسعار والموازين بين الإسكندرية وبلاد المغرب، فتذكر أن سعر خمسة قفاف من النيل 377 دينارا، وسعر خمسة حصر من الكتان 213 دينارا قدر وزنهم ب 43 قنطارا إلا الثلث، وأن ثمن تسعة قناطير من جزز الصوف بيعوا في مدينة أصيلة في عام 707ه/1307م باثني عشر دينارا للقنطار، وبعد ذلك التاريخ بعدة شهور وصل سعر قنطار الصوف إلى 1,75 دينار للقنطار،
333
وبعدها وصل سعر قنطار الصوف ثلاثة دنانير،
334
وهو ما يعكس الارتفاع المستمر في أسعار الصوف نتيجة للطلب المتزايد عليه سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية.
وعن أسعار المنسوجات الأخرى فقد تأرجحت أسعارها حسب الطلب عليها، فعمائم سوسة كانت تساوي الواحدة منها مائة دينار للعمامة وتزيد،
335
لارتفاع أسعار الغزل؛ إذ بلغ زنة المثقال من الغزل المثقال بمثقالين،
336
وسعر قماش الشقرة إبان القرن 6ه/12م، أربعة دنانير بالنسبة للجيد منها والرديء كان دون ذلك، وسعر الفوطة المقصرة سبعة دنانير للعشر فوط، وجبة خز سعرها أقل من أربعة دنانير،
337
وثوب الكتان في المهدية عام 449ه/1057م، سعره أقل من عشرة دراهم،
338
وسعر أغطية السرر بمنطقة جبل بني زياغة إبان القرن 9ه/15م، ما بين ثلاثة أو أربعة دنانير للأغطية،
339
وثمن الثوب في مراكش عشرة دراهم،
340
وثمن جبة في أغمات عشرة دنانير، وثمن الكفن ثلاثة دراهم، وثمن ثوب مستعمل عشرة دراهم،
341
وثمن جبة ما بين ثلاثة وأربعة دراهم،
342
هذا بالإضافة لأسعار بعض الأمور الأخرى المتعلقة بالنسيج كالخياطة، فثمن خياطة جبة في القرن 6ه/12م «عشرة دراهم».
343
وسعر برنس صنع في جزر البليار أو في كتالونيا وبيع في المغرب في عام 730ه/1329م ما يعادل 25-26 فلسا ميورقيا، خصص ثلث الربح للوسطاء الذين أجروا عملية البيع من التجار الميورقيين.
344
وفي غرناطة إبان القرن 9ه/15م، وصل ثمن ثماني مخدات من الحرير 262,5 دينارا، وثمن مرفقة من الحرير سبعة وستون دينارا، وثمن لحاف في غرناطة 337,5 دينارا، وسعر كلة من الحرير 187,5 دينارا،
345
وثمن ملف بيع في غرناطة اثنان وعشرون دينارا، وبساط قطيفة ثمنه ثلاثون درهما،
346
وثمن ثمانية وربع من الكتان اثنان وعشرون مثقالا.
347
كما ذكر الونشريسي
348
في إحدى نوازله أن ثمن ثلاثة أرطال من الحرير ثمانية دنانير في بجاية، فقد قدر وزن ثلاثة عشر رطلا من الحرير ب 34,66 دينارا، أي أن ثمن الرطل الواحد 2,66 دينار.
ويظهر أحد عقود القسمة في غرناطة في نفس الفترة، أن ثمن منشف خمسة دراهم، وثمن مقدار من غزل الكتان ستة دنانير من الفضة، وأن ثمن منشف غزل اثنا عشر درهما ، وثمن قطيفة من الصوف ثمانية دنانير، وسجادة درهمان، وملحفة سرير أربعة دنانير من الفضة، وثمن سروال نساء عشرة دراهم، ومنديل مرقوم بستة عشر درهما، وخمس مخدات من الحلف خمسة عشر درهما، وملحفة رأس ثمانية عشر دينارا فضية عشرية، وبساط من الجلد ثلاثة عشر درهما، وأن فضلة شقة ثمنها ستة وثلاثون درهما، وشملة ملف ثمانية دراهم، ومرفعة ثمانية دراهم، ولحاف ثمانون درهما.
349
هكذا اختلفت أسعار المنسوجات وتباينت أثمانها من مكان لآخر ومن حين إلى حين، باختلاف المعروض من المنسوجات وقيمة العملة المتداولة. (2-7) الضرائب على النسيج
مع حاجة الدولة لجني الأموال سعت لفرض عدد من الضرائب، الهدف منها السيطرة على الأسواق وملء الخزائن التي هي أحد المصادر التي يقوم عليها كيان الدولة،
350
فمن المؤكد أنه فرضت بعض الضرائب على المنسوجات داخل أسواق الغرب الإسلامي، سواء القادمة من المناطق المحيطة بها، أو الواردة إليها من الأسواق الخارجية، خاصة من مناطق غير تابعة للدولة الإسلامية، التي كان يمنع استيرادها، مثلما حدث مع تجار طليطلة عام 604ه/1207م، فكان يحظر عليهم استيراد أو جلب المنسوجات والأقمشة من المناطق المسيحية نظرا للظروف السياسية آنذاك.
351
فتواجدت مكاتب لتحصيل تلك الضرائب داخل الأسواق مثل «مكتب المكاسين» بفاس، وقبل أن تبدأ عملية بيع الأقمشة الصوفية المجلوبة من الأسواق المحلية وبيعها بالمزاد العلني، حمل المكلفون ببيعها لهذا المكتب، ويقوم المختصون بهذا المكتب بجمع الضريبة وختم السلعة، أو كما يذكر الوزان «كي يبصموها» وكان يدفع عن كل قطعة قماش مبلغ يقدر من جانب هؤلاء المكاسين.
352
فمن بين تلك الضرائب التي فرضت على النسيج في الغرب الإسلامي:
القبالة:
فرضت السلطة القبالة على التجار والصناع وأصحاب الحرف والسلع منذ فترة طويلة في بلدان الغرب الإسلامي؛ ففي عصر الأغالبة والفاطميين في المغرب «كانت أكثر الصنع بمراكش متقبلة ... مثل الدهان والصابون والصفر والمغازل.»
353
وفرضت القبالة أيضا على بعض المقار التجارية مثل الفنادق، كفندق الرماد بتونس، فحين قلت أرباحه وضعفت قبالته ارتفعت أسعار أجرته، كي يصرف نظر الحرفيين وصناع النسيج عن كرائه من قبل السلطة؛ ما أجبر الحرفيين على ترك الفندق وحول بعد ذلك إلى مكان لغسل الغزل، ما يبرهن على وقوف القبالة في وجه التطور الحرفي وبخاصة لصناعة وتجارة النسيج.
354
المكوس:
نوع من الضرائب أتت على التجار والمزارعين الوافدين على الأسواق لبيع سلعهم،
355
وفرضت المكوس في الأندلس على بعض المنسوجات القادمة من المغرب خلال القرن 6ه/12م.
356
ضريبة الشراء:
تذكر وثائق الجنيزة نوعا من الضرائب فرض على السلع والبضائع وتقدر على قدر حجمها وثمنها، فورد ذكر ضريبة الشراء في المهدية عام 494ه/1100م، وبلغت قيمتها 2,7٪ من قيمة السلعة.
357
ضريبة التعتيب:
من الضرائب
358
التي استحدثت في النظام المالي لبعض بلدان الغرب الإسلامي، ففرضت في ألمرية «ومدينة ألمرية كانت في أيام الملثم مدينة الإسلام، وكان بها من كل الصناعات كل غريبة، وذلك أنه كان بها من طرز الحرير ثمانمائة طراز يعمل بها الحلل والديباج ... وعدد فنادقها التي أخذها عد الديوان في التعتيب ألف فندق إلا ثلاثين فندقا.»
359
وكان من صفات المختص بجمع هذه الضريبة - المعتب - الشدة والقسوة حتى لا يتهاون الناس في تسديدها،
360
وعلى أثر ذلك اضطر سكان غرناطة إلى دفعها تحت التهديد والوعيد، في حين امتنع سكان قرطبة عن دفعها لما كانوا يعانونه من ضائقة مالية متدهورة في بعض الأوقات، خاصة خلال القرن 6ه/12م؛ ما جعل أهل السوق والتجار يرجمون القاضي ابن المناصف بالحجارة احتجاجا على دفعها؛ فأمرت السلطات بإلقاء القبض على كل من شارك في هذا الأمر وكان من بينهم الزجال ابن قزمان.
361
ضريبة الفائد:
فرضت هذه الضريبة في العهد الحفصي على الوافدين من أهل البادية عند أبوابها، فقدرت ضريبة الفائد على الصوف 5,25 بيزات وتعادل دينارا تقريبا، وعلى القنطار من الصوف ربع درهم، وعلى قنطار القطن ما يقارب 2 بيزا نصف دينار تقريبا، وعلى رطل الحرير 1,25 بيزا.
362
ضريبة تارطيل:
فرضت هذه الضريبة في الأندلس في عهد بني نصر (629ه/ 1232م-897ه/1492م) والملكين الكاثوليكيين، تدفع على إنتاج الحرير وبيعه وشرائه وتدون بشكل سنوي، وتسدد ضريبته في قيسارية مالقة التي أصبحت من أحسن القيساريات وأوفرها إيرادا لبيت المال، ومثلت هذه الضريبة عنصرا مهما من مصادر الدخل في غرناطة آنذاك.
363
ضريبة الوزن:
من بين الضرائب التي فرضت على أهل السوق ، فيذكر الونشريسي
364
في نازلة عن من يبيع الكتان ويشترط على المشتري دفع ضريبة الوزن بقوله عندما سئل «فيمن باع كتانا وشرط على المشتري أن يغرم لصاحب الوزن.» وتلك النازلة تعكس الضرائب أو الرسوم التي كانت تدفع وتسدد عند الوزن، وفرضت بعض الضرائب على العديد من مواد الصباغة وبخاصة الصبغة الزرقاء والصبغة الصفراء وكذلك الحنة.
365
واستمرت السلطات الحاكمة في فرض الضرائب على صناع النسيج في محاولة منها لجمع الأموال لتغطية النفقات الخاصة بالسلطة، فجمعت من صناع النسيج سواء من يعملون في الحوانيت أو داخل منازلهم، فلجأ بعض صغار الصناع إلى العمل داخل المنازل لتجنب دفع الضرائب في بعض الأوقات وهم الفقراء ممن يتقوتون يومهم من العمل في النسيج وبخاصة من النساء.
366
وبجانب الضرائب والجبايات تعرض بعض صناع وتجار النسيج للابتزاز وفرض الإتاوات من قبل السلطات الحاكمة؛ فقد تعرض صناع وتجار جبال إقليم قسنطينة لدفع إتاوات على ما يصنعونه من منسوجات وما يربونه من خيول، حتى يأمنوا على أنفسهم،
367
وما تعرض له قصارو صفاقس من قبل الأعراب واللصوص بفرضهم الإتاوات عليهم.
368
لهذا سعى الصناع والتجار للوقوف في وجه تلك المحاولات الابتزازية عن طريق التكتل وتكوين ما يشبه النقابات كي يحافظوا على مصنوعاتهم وتجارتهم، وهو ما عمد إليه صناع النسيج في سلا لأخذ درهم من الحاكة على كل شقة نسيج تباع، وتحفظ للتصدي لأية مظلمة تقع على هؤلاء الصناع أو في مواجهة الضرائب التعسفية التي تفرض عليهم من قبل السلطة أو من «الجانب المخزني».
369
وهو نفسه ما فعله تجار سوق الصوافين إبان القرن 7ه/13م في بجابة؛ فقد شكلوا بينهم ائتلافا مهنيا موحدا ومنظما، يدافع عن مصالحهم المشتركة ويقف في وجه التعسف والتعدي على تنظيمهم، فجنحوا لجمع الضرائب من أرباب المهنة حسب خطة وتقدير معين، اشترط فيها «الانتظام في سلكهم»،
370
ويذكر أن هذا العسف الضريبي قد ساعد - إلى حد بعيد - في زيادة الوعي الحرفي والاجتماعي وفي تكوين الرابطات المهنية لأصحاب الحرفة داخل مجتمع الغرب الإسلامي.
371
ويتضح من إجمالي ما تتحصل عليه السلطة من ضرائب إصرارها على جبايتها والسعي على استمرارها من حصيلة الضرائب والجمارك، فعلى سبيل المثال جربة كانت نسبتها كبيرة نظرا لتجارتها مع الإسكندرية وتونس وبلاد الترك،
372
وكذلك رسوم الشحن على النسيج وغيره من التجارات التي كانت تدفع في بداية عملية النقل أو عند الوصول إلى الميناء، كما جاء في الخطاب الذي أرسله التاجر جوزيف بن موسى من المهدية يكلف فيه التاجر نيهوراي بن نسيم
Nehorai b. Nissim
بدفع رسوم شحن ثلاث حمولات من الكتان كانت في طريقها إلى الإسكندرية،
373
وأيضا الضرائب على السلع النسيجية المحمولة لمدن الغرب المسيحي، فقد قام «ريسبيس غيدو دي بونو
Respectus Guido de Bono » بحمل قطن له من بجاية وسدد رسوم الشحن التي وصلت إلى ما يقرب من إحدى عشرة ليرة،
374
بالإضافة لرسوم مرور تجارة الجوخ في بلاد تغت، فكانت تفرض على كل حمل جوخ أو من ثياب الكتان، وكانت على تجارة النسيج فقط دون غيرها فكانوا لا يدفعون على المواشي أو الخيل أية ضرائب.
375
وتفيد الإحصائية التي ذكرها الترجمان،
376
عند حديثه عن الضرائب التي ألغاها السلطان أبو فارس نظرا لضخامتها، وكيف أنها شكلت ضغطا على أصحاب التجارات والسلع طوال هذا العهد، فيذكر «أن مجبا سوق الرهادنة وقدره ثلاثة آلاف دينار ذهبا ... ومجبا رحبة الماشية وقدره عشرة آلاف دينار ... ومجبا فوائد الأسواق وهو مال ضربه بعض الملوك المتقدمين على من بوادي بحيرة وغيرهم وهم أهل خيام وعمود، ثبت ذلك عليهم مدة طويلة حتى أبطله الملك أبو فارس وقدره ألف دينار ... ومجبا سوق القشاشين وقدره مائتا دينار.» وقدرت الجبايات في الأندلس في زمن الأمير الحكم وابنه عبد الرحمن وبخاصة من كورة البيرة «مائة ألف وتسعة آلاف وستمائة دينار وثلاثة دنانير، وألفا رطل حرير، وألفا رطل عصفر.»
377
وعلى الرغم من ذلك فقد سعت السلطات الحاكمة في بعض الأوقات لتسهيل وتشجيع عمليات التبادل التجاري؛ فأسقطت الضرائب على بعض السلع، مثلما حدث في 713ه/1313م، على التجار البيزيين في موانئ الغرب الإسلامي على سواحل بلاد المغرب فجاء «إذا باع بيشاني كتانا أو قطنا أو غير ذلك من السلع الموزونة فلا يؤدي في ذلك رطلا وطعما للديوان ولا للتراجمة.»
378 (2-8) الحسبة على تجار النسيج
الحسبة من أعمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد أشار ربنا جل جلاله لهذا الأمر في قوله:
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ،
379
ما أوجب الرقابة على الأسواق فكانت الحسبة.
فقد بلغ من اهتمام ولاة الأمر بالأسواق والإشراف عليها، وحرصهم على سلامتها من المعاملات غير الشرعية التي قد يقع فيها الكثير من التجار ويجهلون حكمها، بأن عين لكل سوق علماء يتولون القضاء والفصل فيها، وعرفوا بالمحتسبين أو أصحاب السوق،
380
فالمحتسب كما يعرفه ابن أصبغ:
381 «صاحب السوق كان يعرف بصاحب الحسبة؛ لأن أكثر نظره فيما يجري في الأسواق من غش وخديعة ودين وتفقد مكيال وميزان.»
فكان للمحتسبين ديوان خاص بهم، له قدر من الهيبة والاحترام؛ لأن الحسبة «من أعظم الخطط الدينية، وهي بين خطة القضاء وخطة الشرطة جامعة بين نظر شرعي ديني وزجر سياسي سلطاني.»
382
واشترط السقطي
383
في المحتسب أن يكون «فقيها في الدين، قائما في الحق، نزيه النفس، عالي الهمة، معلوم العدالة، ذا أناة وحلم ... يستعمل اللين من غير ضعف، والشدة من غير عنف.» ومنهم من أوجب أن يكون ذكرا ليس أنثى، بالغا، مسلما ليس كافرا.
384
ومن واجبات المحتسب ضبط الأسواق مراعاتها واحترام الأيام المباركة داخل الأسواق وبخاصة في شهر رمضان؛ فمنع في زقاق الروم بالقيروان صناع وباعة الحرير من رفع أصواتهم والتكبير على بضائعهم وسلعهم خلال تلك الأيام،
385
هذا وكان للمحتسب سجل يدون به ملاحظاته الخاصة بالتجار وبالسوق بصفة عامة، كما كان له خاتمه الخاص يوقع به على السجلات والمكاتبات،
386
خاصة أن بعض التجار والصناع غشوا ودلسوا في أمور بيعهم وصنعتهم فكان منهم من «نسب الكتان إلى أسماء عمال معروفين فيشترون على ذلك.»
387
أو عمل مقاعد السراويل من بعض الثياب والخرق البالية ما اعتبر نوعا من الخداع للمشترين،
388
أو صنع الثياب من قطن أو صوف بال غير جيد، وهو ما ألزم المحتسبين بردها ؛ لأن ذلك من أمور الخديعة،
389
ومنهم من يصبغ الديباج لإخفاء عيوب الثوب أو لإظهاره على ما ليس به،
390
أو يرش الحرير بماء الخبز ليصفق ويشتد أو يغير لونه؛ لأن «لون الحرير لا يعلم فساده حتى يدخله العمل.»
391
أو ترقيع الفرو والثياب لعدم إظهار ثقوبها،
392
أو تندية الفرو حتى يشد ويمد ويطول أو بتحسينها،
393
ومنهم من يقوم بخياطة الثياب البالية وبيعها على أنها جديدة، أو يقوم برفو الثياب لخداع المشترين.
394
وخلط صانعي وبائعي الورق الورق الخفيف بالورق الجيد، لأن الخفيف منه لا يحتمل الكشط لخفته ورقته، فحرص المحتسبون على مراعاة تلك الأمور، ومن عوائدهم أيضا ارتداؤهم خرقة صغيرة على عوراتهم تصفها عند ابتلالها بالماء؛ فحرص المحتسبون على النهي عن ذلك.
395
كما حرص المحتسبون على أن يكون بيع النسيج على الصفة ف «لا يباع الساج المدرج في جراب على الصفة.»
396
ووجب عدم طيها لإخفاء عيوبها، واعتاد تجار البز بيع سلعهم في حوانيتهم وهي مظلمة وهو ما نهى عنه المحتسبون.
397
وعمد المحتسبون إلى سن القواعد والشروط التي وجب اتباعها داخل السوق لمنع أمور الغش والتدليس وخديعة المشترين،
398
بتوضيحها للتجار والزبائن داخل الأسواق لتكون واضحة لهم، فنصبت لوحة في مدخل السوق عليها مقياس الذراع المستعمل في بيع النسيج يلجأ إليها عند الاختلاف في القياس منعا للغش،
399
ومن يقوم بتلك الأمور من الغش والتدليس وخصوصا تجار وبائعي النسيج والمنسوجات «يؤدب».
400
وأمر المحتسب «بحرق الملاحف والشقق ونحوها التي نسجت على غير وجهها.»
401
وفي بعض الأحيان يطاف بالغاش مع إصلاح وتعويض ما يغشه،
402
فكان بفاس إبان القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي، مصطبة لكل طائفة تعرض عليها المصنوعات الرديئة، وعليها أسماء الصناع والتجار المهملين في عملهم، ليعلم كل الوافدين على السوق وأهل فاس بهم، فمنهم من ترك المدينة بعد أن شهر به.
403
وتوضح نازلة ذكرها البرزلي
404
كيف راقب التجار والمشترون بعضهم بعضا داخل الأسواق، فقد ذكر عن قاض رفع إليه أنه قبض على يهودي وبيده حرير أتى لبيعه في السوق وكان «شوهد من تخبيله وتمريثه ما أوجب الريبة.» فأخذ للقاضي، ولكن في النهاية أثبت أنه قد جلب الثوب من قافلة وأنه «أمين».
وحرص المحتسبون على أن تكون حوانيت ودكاكين الصباغين وأفران غلي الغزل خارج أسوار المدن أو على أطرافها؛ لحجب الضرر والأصوات المرتفعة والروائح الكريهة، فكان بخارج مدينة فاس «الكوش والأفران المعدة لطبخ الغزل».
405
هوامش
الفصل السادس
المبادلات التجارية للنسيج في بلدان الغرب الإسلامي (5-9ه/11-15م)
كان لمنطقة الغرب الإسلامي دور بارز في تنشيط حركة التجارة للنسيج؛ لما تمتعت به مدنه من كثرة وتنوع الإنتاج وتصدير ما يفيض عن الحاجة في الأقاليم والمدن والقرى المعروفة بوفرة هذا الإنتاج، فضلا عن العديد من المراكز الصناعية المعروفة بالمهارة والدقة؛ فتنوعت صادراته ووارداته بين منتجات خام ومنتجات مصنعة حملت للخارج والداخل وباتجاهات مختلفة، نتيجة لاتساع رقعتها خاصة على سواحل البحر المتوسط والمحيط الأطلسي؛ مما ساعد على سهولة الاتصال والتبادل التجاري للنسيج وعكست تشعب العلاقات التجارية لتلك المنطقة. (1) أشكال المبادلات التجارية للنسيج في بلدان الغرب الإسلامي
اعتبر الغرب الإسلامي موردا ومستهلكا للنسيج خلال فترات طويلة من تاريخه خاصة إبان فترات الازدهار السياسي والاقتصادي، فشهدت مدنه تطورا ملحوظا فيما يتعلق بصناعة وتجارة النسيج؛ لذلك ازدهرت علاقاته التجارية مع المناطق المختلفة خاصة الغرب الأوروبي،
1
فعمد بعض التجار إلى الوفاء بتعهداتهم في جلب السلع والبضائع النسيجية، وإن اضطرهم الأمر إلى أن يدفعوا من أموالهم مقابل عدم فقدانهم لسمعتهم التجارية، ففي رسالة من مازرا بصقلية عام 451ه/1059م، ونظرا لبعض الأمور وتأخر وصول سفن التجار المحملة بالكتان انخفض سعره عما كان مقررا، ففي البداية رفض التجار أن يدفعوا، ولكن للمحافظة على مكانتهم التجارية دفعوا فقط خوفا من أن يفقدوا سمعتهم.
2 (1-1) المنتجات النسيجية الخام
من بين المنتجات التي دارت في فلك المبادلات التجارية للنسيج في مدن الغرب الإسلامي؛ القطن، فكان ينقل من إفريقية وغيرها من البلاد كما في البصرة «ولها غلات كثيرة من القطن المحمول إلى إفريقية وغيرها.»
3
ومن مدينة تادلة ذات الإنتاج الوفير فكان «يخرج القطن كثيرا ويسافر إلى كل الجهات.»
4
ونفس الأمر في مدينة داي فبها كثير من القطن حتى إن أهلها لا يحتاجون لأي قطن آخر بخلاف ما تنتجه أراضيهم لكثرته وجودته،
5
وصدرت سجلماسة القطن إلى سائر بلاد المغرب لكثرة إنتاجه.
6
واعتبر القطن من السلع الأندلسية المهمة التي صدرت للعديد من المناطق، فيذكر ابن غالب
7
عن شهرة الأندلس بالقطن فأصبح من السلع التي تدخل في قائمة صادراتها، قائلا: «ويعم آفاق الدنيا منها، ويتجهز إلى القيروان وغيرها.» وفي جبل الشرف ونظرا لطبيعة تربته التي جعلت قطنه يتميز بالكثرة والجودة؛ ففاض عن حاجتها فيصدر إلى باقي البلدان،
8
وما اشتهرت به إشبيلية بتصدير القطن فيذكر العذري:
9 «ويجتاز به المتجهزون من التجار إلى إفريقية.» وأشار ياقوت الحموي
10
لشهرة إشبيلية بتجارة القطن حيث يقول: «فإنه يحمل منها إلى جميع بلاد الأندلس والمغرب.» وهو ما أكده الحميري
11
بقوله: «ويتجهز به التجار إلى إفريقية وسجلماسة وما والاها.»
بجانب القطن وجد الكتان على رأس المبادلات التجارية كمادة خام نسيجية في بلدان الغرب الإسلامي ومنتج مهم في تجارته، فاشتهرت البصرة بإنتاج الكتان فكان سكانها يتبايعون به،
12
وحمل من تونس للقيروان «فيظهر الانتفاع به.»
13
وإلى إفريقية وغيرها من البلاد،
14
واشتهرت كل من فزرونة ومتجية بالكتان الجيد؛ فمنها يحمل إلى العديد من البلدان.
15
وأدرج الكتان ضمن صادرات الأندلس،
16
خاصة من فحص إلبيرة فصدر لأقاصي البلاد،
17
وحمل من مدينة لاردة إلى جميع نواحي الثغور.
18
فضلا عن صقلية التي اشتهرت بتصدير الكتان الجيد والرقيق،
19
فكان يتجهز بالكتان الكثير خاصة من قرية ميلاحي.
20
وعد الكتان من أهم الواردات لمدن الغرب الإسلامي بمختلف أصنافه إبان القرن 5ه/11م خاصة القادم من مصر كي يلبي احتياجاتها من صناعة الثياب والمنسوجات وبخاصة المدن التونسية لإنتاج المنسوجات الكتانية الفاخرة كالثياب السوسية،
21
فقد ذكرت وثائق الجنيزة العديد من بالات وعدول الكتان التي أرسلت من مصر إلى تونس لعمل ثياب السوسيات،
22
وذكر أن تاجرا يهوديا أرسل إلى إفريقية 179 عدلا من الكتان يتراوح وزن الواحد منها ما بين 450 إلى 600 رطل.
23
واعتبر الصوف من المواد الخام النسيجية التي وردت من بلدان الغرب الإسلامي وصدرت له من كثير من المناطق، فحمل الصوف من تلمسان إلى الأندلس،
24
ونقل إلى بلدان الغرب الأوروبي من مرسى هنين ووهران ومستغانم وتنيس وشرشال إلى ميورقة،
25
والجمهوريات الإيطالية وفرنسا،
26
وصدرت الأغنام - الغنم والمعز والأبقار - للأندلس من مرسى فضالة،
27
ونقل الصوف - في بعض الأوقات - لميورقة مع جزز الأغنام المغربية لباقي مدن الأندلس، وورد الصوف من المشرق خاصة من الإسكندرية كما تذكر وثائق الجنيزة، ففي رسالة مستهل القرن 6ه/12م أرسلت شحنة من الصوف من الإسكندرية إلى ألمرية «حملت الصوف على ظهر المركب ... إجمالي تكاليف الشحن ستة دنانير، دفعت منها ثلاثة دنانير، وسوف يدفع الباقي في ألمرية بعد الوصول بالسلامة.»
28
كما قصد التجار مدينة عنابة لشراء الصوف،
29
وزودت مديونة مدينة فاس بالبرانس المديونية الصوفية الشهيرة التي لا ينفذ منها المطر،
30
كما ورد لسبتة الصوف من جنوة في أواخر القرن 6ه/12م،
31
وصدر الصوف من بجاية وتونس وجربة وطرابلس إلى مدن مرسيليا وجنوة وبيزة والبندقية،
32
وعلى الرغم من ذلك فقد حملت الأغنام من جبل الشارات بقرطبة لباقي المدن والأقاليم الداخلية والساحلية، وضرب بها المثل في جميع الأقطار، وفي هذا الصدد يقول الإدريسي:
33 «وفي هذا الجبل من الغنم والبقر الشيء الكثير الذي يتجهز به الجلابون إلى سائر البلاد.»
وعن الحرير فقد اشتهرت عدة مدن وبلدان غرب إسلامية بإنتاجه، كالحرير القابسي والسوسي بالإضافة إلى الحرير الأندلسي، والخز، والحرير السيراكوزي الصقلي؛ فالحرير القابسي كان من بين المنتجات التي صدرت للعديد من البلدان إبان القرن 5ه/11م، فقد ذكر التاجر بارهون بن موسى التاهرتي الحرير القابسي في خطاب مؤرخ عام 444ه/1052م، وذكر التاجر سلامة بن موسى في عام 454ه/1062م يشتكي من قلة الكميات المتوافرة منه.
34
وعد حرير اللاسين
Lasin
أرخص أنواع الحرير وهو نوع متدني الجودة ينتج في بعض مدن المغرب وصقلية، وقد أشير إليه في وثائق الجنيزة، ففي رسالة أرسلها التاجر نسيم بن خلفون ذكر أن سعره لا يتعدى درهما للرطل الواحد، بالإضافة لأنواع أخرى من الحرير، فعلى سبيل المثال طلب التاجر نيهوراي بن نسيم من التاجر يوشا بن إسماعيل المخموري أن يفحص ويراجع قافلة من الحرير قادمة إليه من الإسكندرية تحمل أنواعا مختلفة من الحرير كالحرير «المفتول، المنجود، المصلب، والحرير التقاط» وغيرها، ولعل هذه هي صفات حريرية وليست أنواعا.
35
وخرجت شحنات الحرير من المدن الأندلسية إلى أسواق البلدان الأخرى، واعتبر واحدا من المنتجات الأساسية في التجارة بين الأندلس وبين مصر، والشاهد على ذلك أحد حسابات التاجر نيهوراي بن نسيم لعام 438ه/1046م، التى يستشهد منها بوجود دخل مالي وأرباح نتيجة المتاجرة بالحرير الأندلسى،
36
كما ذكر ابن حوقل
37
أن «بالأندلس غير طراز يرد إلى مصر ومتاعه، وربما حمل منه شيء إلى أقاصي خراسان وغيرها.» ويقول
38
أيضا: «فأما أرديتهم المعمولة ببجانة فتحمل إلى مصر ومكة واليمن وغيرها.» ويشير ابن الفقيه
39
إلى أن الخز والوبر من دبر السمور كانت من الصادرات الأندلسية المهمة.
واستمر نقل الحرير الأندلسي من غرناطة في عصر بني نصر إلى العديد من البلدان، ففي عام 750ه/1350م شحنت كمية من الحرير الغرناطي إلى ميناء بروجس بأوروبا،
40
كما أرسلت شحنات الحرير إلى ميورقة، فيقول الزهري
41
عن ذلك: «ولا يعرفون الحرير ولا ثمرته إلا ما يجلب إليهم من بلاد الأندلس والشام.»
واعتبرت صقلية أحد المراكز المهمة في الحرير؛ فكان من أكثر الصناعات والتجارات المتداولة بها،
42
فغادرت شحنات الحرير الصقلي متجهة نحو مدن الشرق خاصة من الموانئ الجنوبية لصقلية في طريقها للإسكندرية ومنها إلى الفسطاط، واختلفت نوعياته ما بين حرير خام ومغزول أو منسوج،
43
فهناك دلائل أولية على وجود قوافل تجارية كبيرة من الحرير متجهة من صقلية إلى مصر، وهذا يظهر من خلال خطاب التاجر موسى بن يحيى المجانى إلى التاجر بنيامين بن يوسف عام 416ه/1025م، وكذلك في خطاب التاجر صامويل الدانى من باليرم، الذي كتب في ذلك التاريخ خطابا إلى أبي إسماعيل بن إبراهيم يذكر فيه أنه أرسل أكثر من عشرة أرطال من الحرير بتكلفة عشرة دنانير إلى زوجته المطلقة في مصر؛ ليوفي لها ما اشترط عليه في عقد الزواج، وهناك إشارات أخرى تظهر في خطاب التاجر حسن بن إسحاق الخولانى إلى ابن حوقل في مطلع القرن 5ه/11م - ربما كتب في الإسكندرية - يشير إلى نوع من الحرير قادم من صقلية معبأ بين شحنة من الجلود من أجل حمايته من الماء، بالإضافة لإشارة أخرى تشير لنوع آخر من الحرير السيراكوزي وردت في أوراق الجنيزة في خطاب مؤرخ عام 440ه/يناير 1048م.
44
واشتهرت مدينة لقنت بالحلفاء، ومنها يتجهز إلى جميع بلاد البحر كمادة خام أو على هيئة مصنوعات ومنتجات صنعت من الحلفاء،
45
واختصت مدينة شاطبة بالكاغد؛ فعد من أهم الصادرات الأندلسية التي لها رواج في أسواق بلاد المشرق والمغرب، وفي هذا يقول الإدريسي: «بها [أي شاطبة] من الكاغد ما لا يوجد له نظير بمعمور الأرض ويعم المشارق والمغارب.»
46 (1-2) المنتجات الصناعية (المنسوجات)
نشأت علاقات تجارية بين بلدان الغرب الإسلامي والبلدان والمدن المختلفة خاصة فيما يتعلق بتجارة المنسوجات؛ ففي الأندلس اعتبرت تجارة المنسوجات أكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد الأندلسي، وبالأخص المنسوجات الحريرية، على الرغم من أن الكتان والصوف والقطن نالوا قسطا من التجارة الدولية للنسيج الأندلسي.
47
ويشير الونشريسي
48
إلى أن تجار النسيج في قيسارية بجاية ربطتهم صلات تجارية مع تجار من مازونة
49
في شراء وبيع الحرير والمنسوجات خاصة الحنابل، بالإضافة للأقمشة الكتانية والصوفية والحريرية التي حملت لمختلف الأقطار والبلدان فوصلت إلى الهند،
50
كما اعتبر من أهم الواردات لأسواق الغرب الإسلامي من مدن الغرب المسيحي الأقمشة القطنية، وأقمشة الكتان، وأقمشة القنب الخشنة، وبعض الأقمشة الصوفية والأغطية الصوفية، والأقمشة القادمة من فلورنسا، وإنجلترا، وإيطاليا،
51
وقدمت لأسواق الغرب الإسلامي الأقمشة الحريرية المطعمة بالذهب والديباج من بلدان الغرب المسيحي،
52
بالإضافة للأقمشة القادمة من فرنسا وجنوة وميلان.
53
وحظيت منسوجات وأقمشة المغرب بشهرة في مصر وبالأخص القاهرة، ففي رسالة مؤرخة في أواخر القرن 5ه/11م مرسلة للتاجر أبى الفرج بن نسيم الرقي بالإسكندرية، من التاجر سلمان بن إبراهيم الرقي بالفسطاط، تذكر بشأن الأقمشة المغربية: «أخبرت أبا سعد عن الأقمشة التي أحضرتها من المغرب، فقال إنه أوصى بإحضارها إلى هنا [الفسطاط] ... أرجو إرسال هذه الأقمشة إذا وجد من ينقلها.» وفي هذا اشارة إلى كثرة الطلب على الأقمشة المغربية لجودتها، على عكس جباب الصوف؛ فلم تلاق الرواج الأمثل في ذلك الوقت بسبب حالة الركود التي أصابت الأسواق المصرية في هذا الوقت، على عكس الأقمشة «فجباب الخز لا تسوى شيئا؛ فالجبة تباع بأقل من أربعة دنانير، الرجاء إعلام أبى الحسن بذلك.»
54
ومن مدن المغرب الأدنى التي اشتهرت بمنسوجاتها قابس؛ فكانت كثيرة الحرير والصوف،
55
بالإضافة لسجاد قابس الذي عرف باسم «القيلة» أو العرش فهو من النوعيات القيمة الحسنة، ويتكون من قطعتين باللون الأخضر، فكان على رأس السلع المصدرة لباقي البلدان،
56
كما جلبت أنواع من الأقمشة الصوفية من القيروان إلى أسواق أودغست،
57
واشتهرت سوسة بجودة منسوجاتها وغزلها فحملت شرقا وغربا،
58
وعلى وجه الخصوص الثياب الرفيعة السوسية المرتفعة الثمن والمعروفة فصدرت إلى العديد من البلاد،
59
فصدرت لمصر وخاصة لمدينة الإسكندرية،
60
لهذا كانت سوسة مقصدا للتجار، عامرة بالناس، كثيرة المتاجر «قاصدون وعنها صادرون بالمتاع الذي يعدم قرينه من أنواع الثياب والعمائم المنسوبة إليها.»
61
وتونس التي اشتهرت بالقماش الإفريقي «ولجودته أطلق عليها النصافي البغدادية، وعدت من أحسن كساوي المغرب.»
62
وحملت الثياب الكتانية من تونس إلى تلمسان عن طريق التجار «أن قافلة وردت من تونس وكانوا يجلبون ثياب الكتان ويحملون ثياب الصوف.»
63
هذا وتجهز من المهدية بالثياب الرفيعة إلى العديد من البلدان فيقول الحميري:
64 «وتعمل بها الثياب الرفيعة الجيدة ويتجهز بها إلى الآفاق.» كما عمل بقسطيلية الصوف في أغلب نواحيها وبمختلف أنواعه من «الشقة والكسى والحنبل، إلى سائر ما يعمل منه، يحمل منها إلى جميع الأقطار.»
65
ومن مدن المغرب الأوسط؛ قسنطينة التي اعتبرت من مراكز إنتاج المنسوجات الكتانية حيث منها صدرت لمدن الجنوب في السودان،
66
ومنسوجاتها الصوفية لأنها «كثيرة الخصب ... بها الصوف من أغنام العربان.»
67
وجربة مقصد التجار فحملوا منها الأكسية والمنسوجات الصوفية الناعمة من عمائم وأردية صدرت للعديد من البلدان،
68
وقد عرفت ب «الأكسية الملاح»،
69
فيذكر عبد الباسط بن خليل:
70 «فأوسق التجار منها الزيت الكثير وأنواع الأكسية.»
وقصد التجار مدينة وهران خاصة التجار الفلنديين لشراء منسوجاتها وأكسيتها، فيقول ابن عبد الباسط :
71 «في يوم تاسع عشرينه، ورد إلى ساحل مدينة وهران شونة عظيمة من مراكب الفرنج الجنويين برسم الاتجار في الجوخ، وكانت وردت من المحيط من بلاد فلنده ونحوها من بلاد الفرنج بالمحيط، وتجهز كثير من تجار وهران وتلمسان للسفر فيها إلى جهة بلاد تونس.» بالإضافة لتلمسان وثيابها المعروفة والمشهورة بالثياب التلمسانية والمصنعة من صوف وحرير، فذاعت شهرته في كثير من المواضع،
72
فيحمل منها الصوف وسروج الخيل إلى أقاليم بلاد المغرب،
73
فيذكر ابن سعيد:
74 «تحمل ثياب الصوف المفضلة على جنسها المصنوع في سائر المغرب.»
75
وصدرت مدن المغرب الأقصى منتجاتها النسيجية كسبتة؛ فقد حملت منسوجاتها الكتانية إلى البلدان في الشرق والجنوب والشمال بفضل تجارها والتجار الواردين إليها، فكان «الكبوط» الكتاني يصدر إلى بلدان الغرب المسيحي،
76
اشتهرت مدينة ونة «بتجارة الغنم والصوف والماشية من الدواب.»
77
ومرسى فضالة؛ فمنه يحمل الغنم والمعز المصدر الأساسي للأصواف،
78
وحملت ثياب نفزاوة إلى المدن المصرية وبخاصة الإسكندرية؛ لدقة صنعتها وجودتها العالية، فلاقت رواجا ومطلبا كبيرا،
79
ومنسوجات مكناسة ذائعة الصيت خاصة المصنعة من الحرير والقطن أو القطن والصوف، فانتشرت في بلدان كثيرة لنعومتها وجودتها، فبيعت في مدينة فاس بشكل كبير،
80
بالإضافة لتاجرفت التي اشتهرت بالأردية الصوفية،
81
كما عرفت مدينة محرس بأقمشتها الصوفية التي حملها تجار القيروان،
82
وأغمات التي عرفت بالأكسية والمنسوجات الصوفية من عمائم وأردية فحملت إلى بلدان السودان،
83
ونقل لمنطقة أرجان - إحدى مدن السوس الأقصى - من الأندلس «ثياب الكتان والحرير وغير ذلك من متاع الأندلس.»
84
ويسجل ابن حوقل
85
نصا تفصيليا عن المنتجات والسلع التي كانت ترد إلى المغرب الأقصى من بلاد الأندلس قائلا: «الزيبق والحديد والرصاص ومن الصوف قطع كأحسن ما يكون من الأرمني المحفور الرفيع الثمن إلى حسن ما يعمل بها من الاغاط ولهم من الصوف والأصباغ فيه ... وبالأندلس مصبغ اللبود المغربية المرتفعة الثمينة والحرير وما يؤثرونه من ألوان الخز والقز ويجلب منها الديباج ... ويعمل عندهم الخز السكب والسفيق.»
واشتهرت المناطق الأندلسية بمنسوجاتها التي غزت الأسواق الخارجية والداخلية في مناطق الغرب الإسلامي، فأكد ابن حوقل
86
على تصدير الديباج الأندلسي بقوله: «ويجلب منها الديباج.» ويخبر المقدسي
87
أن «من الأندلس بز كثير وخصائص وعجائب.» وتجلب الأقمشة الكتانية والأردية الأندلسية الجيدة إلى مصر واليمن ومكة «ويعمل في أقطار بلدهم الكتان الدني للكسوة، ويجلب إلى غير مكان، حتى ربما وصل إلى مصر منها الكثير، فأما أرديتهم المعمولة ببجانة فتحمل إلى مصر ومكة واليمن وغيرها.»
88
وحملت الثياب السرقسطية المشهورة بالجمال والبراعة من قبل التجار إلى سائر المدن والأقاليم الأخرى،
89
وعرفت بلنسية بالنسيج البلنسي الذي يصدر إلى بلاد المغرب،
90
والبيرة التي صدرت الحرير، وفي هذا يذكر الحميري:
91 «وحرير فحص البيرة هو الذي ينتشر في البلاد، ويعم الآفاق.»
كما حملت الحلل الموشاة من ألمرية، ويشير شيخ الربوة
92
بقوله: «وقصدها التجار لشراء الحرير وما يعمل فيها من الستور وغيرها.» وقد لاقت رواجا كبيرا في العديد من البلدان في الإسكندرية وبلاد الشام والهند،
93
فضلا عن الصناعات الحريرية المقلدة التي صنعت بألمرية من نسيج الحرير من الديباج والوشي والسقلاطوني والبغدادي والستور،
94
فأنتجت «الأصبهاني والجرجاني بالإضافة إلى الستور الملكية والثياب المعينة والخمر والعتابي والمعاجر وصنوف أنواع الحرير»،
95
التي طابقت في جودتها ودقتها أماكنها.
96
وبيعت المنسوجات المقلدة من الحرير ذات السمعة الجيدة من الجرجانية وغيرها في ألمرية.
97
وأنتجت ألمرية كذلك ثياب الحرير وخاصة الموشاة بالذهب ذات الصنائع الغريبة التي تصدر إلى المشرق والمغرب، وتباع بأغلى الأسعار، وربما تجاوز ثمن الحلة الواحدة الآلاف، واستمرت في إنتاجها حتى القرن 8ه/14م، وتزعمت مالقة إنتاج منسوجات الحرير وصدرته بكميات كبيرة إلى البلدان الخارجية فكانت «أكثر بلاد الله حريرا.»
98
لأهميتها التاريخية التي انعكست على مكانتها التجارية،
99
كما اتجهت المنسوجات الحريرية القادمة من نارجة نحو بلدان المغرب ومصر والأمراء المسيحيين في ممالكهم، وتشهد المدونات النصرانية بكثرة إنتاج مالقة للديباج الموشى من الثياب عند حديثها عن سفن قشتالية قدمت لمالقة عام 806ه/1404م، وعادت محملة بالضيافة من منسوجات الحرير الموشى التي اتصفت بالجودة والرقة،
100
ومنسوجات حصن بكيران البيضاء التي كانت مفضلة ومحببة لأهل الأندلس؛ لهذا ارتفعت أسعارها بطريقة كبيرة؛ نظرا للإقبال عليها، وراجت تجارتها، وأخذ التجار يصدرون كميات كبيرة منها،
101
ووصلت الثياب المرسية حتى بلاد الحبشة، وفي هذا يقول الزهري:
102 «يجلب إليها [أي بلاد الحبشة] من بلاد الأندلس ... الثياب المرسية.» وغفارات قلعة أيوب المذهبة التي حملت للعديد من الجهات،
103
وأمتعة شاطبة التى صدرت إلى بلاد السودان وغانة وجميع بلدان المغرب.
104
وصدرت البسط إلى الكثير من البلدان، وخاصة البسط التي تصنع بقرية تنتالة «فاختصت بالبسط التنتالية التي تسافر لبلاد الشرق.»
105
وصدرت الأندلس لمدن المغرب الألبسة والأقمشة الكتانية والصوفية، بجانب الحرير والديباج والخز إلى جانب اللبود الغالية الثمينة،
106
بالإضافة إلى العديد من السلع كاللك والبخور والنيلة التي يتم مقايضتها بالحرير الأندلسي،
107
ولا يستبعد أن يكون القطن الأشبيلي نقل إلى أسواق أودغست، كما يستنتج من قول الحميري:
108 «والقطن يجود بأرضها، يعني إشبيلية، ويعم بلاد الأندلس ويتجهز به التجار إلى إفريقية وسجلماسة وما والاها.» كما لاقت الثياب الكتانية الصقلية رواجا تجاريا في العديد من المناطق خاصة في الأسواق المصرية؛ فكان الثوب الصقلي المصنوع من الكتان يساوي أكثر من عشرة دنانير مصرية.
109 (2) المبادلات التجارية للنسيج في الغرب الإسلامي (2-1) الأهمية التجارية لموانئ الغرب الإسلامي
كان للموقع المتميز والفريد، الذي حظيت به مدن وموانئ الغرب الإسلامي، دور في تيسير عملية الاتصال بالعالم الخارجي وارتباطه بالأسواق الخارجية وموانئ الغرب الأوروبي في جنوب إيطاليا والموانئ الإسبانية والموانئ الفرنسية، إضافة إلى جزر البليار (ميورقة، منورقة، يابسة)، التي اعتبرت من أهم المحطات الرئيسية للتجارة البحرية في غرب البحر المتوسط، إضافة إلى صقلية التي كانت من المراكز التجارية المهمة في البحر المتوسط بشقيه الغربي والشرقي ومصر وبلاد الشام، ولأقاصي بلاد الشرق في الصين والهند، فلها دور لا يغفل في عمليات النقل التجاري وشحن وتوزيع البضائع سواء إلى داخل البلاد أو خارجها، واستقبال البضائع القادمة من السودان ومدن المغرب الأقصى وغيرها من البلدان، وتصديرها لبلاد الأندلس ومدن الغرب المسيحي، فكان لها دور في تنشيط حركة التبادل التجاري، فتعددت تلك الموانئ؛ منها ما يقع على ضفاف حوض البحر المتوسط أو على ساحل المحيط الأطلنطي، ويذكر منها:
ميناء طنجة الذي ازدهرت به الحركة التجارية، واعتبر محطة مهمة لاستقبال وإقلاع الكثير من السفن التجارية،
110
وميناء أصيلة كان مقصدا بارزا للسفن التجارية،
111
وميناء سلا الذي اعتبر من أهم موانئ المغرب الأقصى، والذي يقع على المحيط الأطلنطي، فكان محطا للسفن القادمة من الأندلس، كما يصفه الإدريسي
112
بقوله: «ومراكب أهل إشبيلية وسائر المدن الساحلية من الأندلس يقلعن عنها ويحطون بها بضروب البضائع ... والمراكب الواردة عليها لا ترسي منها في شيء من البحر لأن مرساها مكشوف.»
وعد مرسى باديس من أهم الموانئ التي صدرت السلع التجارية القادمة من فاس ووزعتها إلى الأندلس والمدن المسيحية، ومرسى فضالة كان مقصدا للعديد من التجار الأندلسيين،
113
ومرسى آنفى الذي تميز بكثرة الحركة التجارية منه وإليه،
114
ومرسى سبتة الذي اعتبر من أهم الموانئ التجارية في الحوض الغربي للبحر المتوسط، لأهميته التجارية حيث شبهه ابن سعيد
115
بالإسكندرية فقال: «شبه الإسكندرية في كثرة الحط والإقلاع، وفيها التجار الأغنياء الذين يبتاعون المركب بما فيه من بضائع الهند وغيرها في صفقة واحدة، ولا يحوجون صاحبها إلى تقاض.» ويضيف ابن الخطيب
116
واصفا إياه بأنه «محط قوافل العصير والحرير والكتان.»
وميناء وهران من الموانئ التجارية المهمة في الغرب الإسلامي، فكان يستقبل العديد من السفن والرحلات التجارية،
117
وميناء بجاية الذي اعتبر في المرتبة الثانية بعد ميناء تونس من حيث المكانة التجارية نتيجة للوضع التجاري الذي امتاز به،
118
فكان من أعظم الأسواق لكثرة تردد التجار عليه من شتى الأماكن والجهات، فمرساها «مرسى عظيم، تحط به السفن من كل جهة.»
119
ومرسى تونس تميز بطفرة تجارية كبيرة نظرا لكثرة السفن القادمة إليه، فيقدم الإدريسي
120
صورة عن حركة السفن في ميناء تونس بقوله: «وإليه تصل المراكب الحاملة والشواني والحرابي ترسي هناك ... وأوساق المراكب تفرغ بوقور في زوارق صغار.»
كما اعتبر ميناء بونة من بين أهم الموانئ التجارية فزخر بشتى أنواع التجارة الواردة إليه «وكانت لها أسواق حسنة وتجارة مقصودة وأرباح موجودة.»
121
وكذلك جزيرة جربة التي كانت مستودعا لكثير من بضائع الغرب الإسلامي، ودائما استفاد منها التجار الصقليون والكتالونيون، وميناء المهدية قصدته العديد من المراكب والسفن من مختلف الأماكن، يقول الإدريسي:
122 «والمهدية مدينة لم تزل ذات إقلاع وحط، وهي مقصد للسفن الحجازية القاصدة إليها من بلاد المشرق والمغرب والأندلس وبلاد الروم.»
أما الموانئ الأندلسية فكانت تمثل الطرف الثاني في العديد من المبادلات التجارية، وأحد شرايين الرواج الاقتصادي بالبحر المتوسط؛ لما بلغه الأندلس من مكانة تجارية كبيرة عن طريق موانئه وأسواقه التي زخرت بالتجار الوافدين إليه، وساعد ذلك على حرية الانتقال عبر الخطوط التجارية أو البحرية، والتي وفرت فرصا أكبر للتواجد التجاري من خلالها،
123
فتأثرت التجارة الأندلسية نتيجة الهجمات المتكررة من القراصنة الأراجونيين والبرتغاليين خلال القرن الثامن والتاسع الهجريين/الرابع والخامس عشر الميلاديين، والتي تركزت على الموانئ الأندلسية والموانئ المغربية؛ مما أثر سلبا على الحركة التجارية بها.
124
ومن بينها ميناء بلنسية الذي نشأ اقتصادها على التجارة البحرية القائمة على التبادل التجاري بين موانئ البحر المتوسط،
125
فكانت بلنسية ملتقى تجاريا كبيرا، تلاقت فيه المصالح التجارية للدول والمدن المختلفة من جنوة وبيزا وأراجون وإسبانيا والمغرب وغرناطة، إلى غيرها من مدن الحوض الغربي للبحر المتوسط،
126
وأيضا ميناء مالقة؛ فموقعها الجغرافي على طرق الموصلات البحرية، ولكونها إحدى قواعد الأندلس التجارية؛ لذا أصبحت مقصدا للمراكب والتجار من المشرق والمغرب وبلاد الإفرنجة وإسبانيا المسيحية والمدن الإيطالية،
127
فزخرت بالعديد من البضائع والسلع التجارية، واعتبرت من أهم المحطات التجارية لنقل وتوزيع البضائع والسلع لمدن غرب البحر المتوسط،
128
وميناء لقنت وهو حصن من أعمال لاردة
129
ومن المراكز التجارية المهمة في الجانب الشرقي من الأندلس، كان يصدر منها نبات الحلفاء إلى جميع بلاد البحر،
130
ونظرا لأهميته التجارية فقد تعرض لعدة غارات من قبل القراصنة؛ مما أثر على الحركة التجارية به،
131
وميناء ألمرية فهو مرفأ الأندلس للحط والإقلاع؛ إذ كانت تصل إليها المراكب من المشرق (الشام) ومن الإسكندرية،
132
ولم يكن في بلاد الأندلس أعظم منها حركة في البحر في القرن 6ه/12م.
133
كما وصل إليها التجار من جنوة وبيزا محملين بمختلف الأمتعة، وكذا وصفها الإدريسي:
134 «لم يكن بالأندلس كلها أيسر من أهلها مالا ولا أتجر منهم في ... أصناف التجارات تصريفا وادخارا.» فكانت من المراكز التجارية المهمة بفعل الإمكانات المادية التي تمتع بها أهلها بسبب سعة نشاطها التجاري، ومما يؤكد نشاط ميناء ألمرية ما قاله المقري
135
عنها: «وبها كان محط مراكب ... ومجتمع ديوانهم، ومنها كانت تسفر لسائر البلاد بضائعهم، ومنها كانوا يوسقون جميع البضائع التي كانت تصلح لهم، وقصد بضبط ذلك بها حصر ما يجتمع من أعشارهم، ولم يوجد لهذا الشأن مثلها؛ لكونها متوسطة ومتسعة قائمة بالوارد والصادر.» (2-2) تجارة النسيج مع ممالك السودان والبلدان المشرقية (أ) بلاد السودان والسودان الغربي
استطاعت المنسوجات الغرب إسلامية بفضل تنوع أصنافها وجودتها غزو تلك الأسواق الواقعة جنوب الصحراء، ولم يقتصر ذلك على البضائع المصنعة بل شمل أيضا المواد الأولية، التي تختلف قيمتها من بلد لآخر،
136
ومن الطبيعي أن ترتبط هذه المنطقة مع بلدان الغرب الإسلامي بعلاقات مميزة، وذلك بدافع وجود بعض المعطيات التي جعلت وجودها أمرا حيويا بانتشار الإسلام في هذه المناطق، وما له من أثر في تقوية أواصر العلاقات السياسية بين الحكام إلى خلق علاقة بين الشعوب، واعتبار هذا الموقع امتدادا طبيعيا لبلاد المغرب التي مثلت المنفذ الحيوي الوحيد الذي ربطها بالعالم، كما أن دور العناصر المغربية في نشر الإسلام والمساعدة في قيام بعض الكيانات كقيام دولة الكانم والبرنو أحد المؤثرات التي جعلت العلاقات بين المنطقتين تتجاوز الإطار السياسي لتصبح علاقات اجتماعية واقتصادية وثقافية.
137
ووفرت بلدان الغرب الإسلامي لممالك السودان احتياجاتها من المنسوجات الحريرية التي حملها التجار المغاربة، والتي اختصت بها الفئة الحاكمة من برانس من حرير وديباج،
138
فزخرت موانئ الغرب الإسلامي وازدهرت بالبضائع والسلع لا سيما القادمة من السودان وأفريقيا كالعاج والأعشاب الطبية بالإضافة إلى المواد الغذائية والنسيج والمعادن التي ظلت مطلبا لتجار الغرب الأوروبي لفترات طويلة،
139
فقام تجار إفريقية بدور كبير في نقل السلع والبضائع القادمة من بلدان الغرب الأوروبي عبر موانئها إلى تلك المناطق، التي تمثل بالنسبة لهم مكانة عظيمة،
140
واعتبرت سبتة منفذا مهما لتجارة المغرب والسودان الغربي ومركزا لتصريف السلع والبضائع التي ترد إليه عن طريق تجار الغرب الأوروبي سواء من جنوة أو مرسيليا أو أراجون؛ مما أهلها لتحتل مركز الصدارة بين موانئ البحر المتوسط الغربي،
141
بالإضافة لتلسمان التي استقبلت تجار الغرب الأوروبي لبيع منسوجاتهم سواء القطنية التي صنعت ببيزا والبندقية، أو الصوفية المصنعة في فلورنسا، وكذلك المنسوجات الحريرية.
142
وحملت الأقمشة لبلاد السودان عن طريق سكان بزو،
143
فحصل تجار الكانم على أنواع الثياب ك «قصار حمر» عن طريق زويلة ومبادلتها بالرقيق،
144
وحمل لبلاد الكانم والبرنو من المغرب أيضا المنسوجات والثياب التي كانت تصنع محليا بها أو القادمة من بلدان الغرب الأوروبي، وتصدر إلى بلاد الكانم على هيئة أقمشة صوفية وقطنية ملونة، وكانت الثياب المجلوبة من مدينة سوسة محل إعجاب وقبول في دولة الكانم والبرنو.
145
وكان لمدن المغرب الأدنى دور في تجارة السودان، فاكتسبت تاهرت أهمية تجارية بوصفها محطة تجارية مهمة بين السواحل المغربية وبلدان السودان؛ فكانت محطا للقوافل والبضائع، ومثلت سوقا كبيرة ومعروفة، فيصفها اليعقوبي
146
بقوله: «عراق المغرب»، فقصدها التجار من كافة البلدان، كما كان للواحات المغربية الواقعة ناحية الجنوب دور في قيام حركة تجارية نشطة بينها وبين المناطق الشمالية لمدن المغرب الإسلامي وبلاد السودان، بعد أن طورت تلك الواحات نفسها بإنتاج صناعات - نسيجية أو معدنية - صدرت لأسواق أفريقيا ليتم مقابلتها بالعبيد،
147
بالإضافة لذلك كانت سجلماسة قبلة للتجار الغرباء كما ذكر المقدسي.
148
وأرسلت المنسوجات المغربية والأندلسية لبلدان السودان من المغرب «الحرير والمتاع وثياب الخز والكتان ... وكذلك يجلب إليهم من الأندلس ومن إفريقية الزئبق والزعفران والثياب المرسية والخز والحرير وقباطي مصر.»
149
ويفهم من قول الزهري
150
أن الثياب المصرية وبخاصة القباطي كانت تجلب للبلدان السودانية عن طريق المدن المغربية وبخاصة إفريقية، التي كانت محطا تجاريا مهما آنذاك، وتاجر تجار إفريقية مع مدينة تنبكت التي تعتبر من المراكز التجارية المهمة؛ فكانت تباع بها المنسوجات القطنية والأقمشة المصنعة في أوروبا، التي حملها تجار إفريقية،
151
بالإضافة لبعض الثياب المصبوغة والحرير والزعفران من الأندلس، وعدت قسنطينة من مراكز إنتاج المنسوجات الكتانية؛ فصدرت منتجاتها إلى مدن الجنوب في السودان.
152
وأدت مدن المغرب الأقصى دور همزة الوصل بين السودان والعالم الخارجي حيث تجارة الذهب والعبيد والصمغ الذي استخدم في صبغ ديباج الأندلس،
153
وذلك عبر القوافل التجارية الذاهبة نحو الجنوب، التي كانت من بين ما تحمله الثياب والأقمشة الخاصة القادمة من بلدان الغرب الأوروبي.
154
وأغمات «دار للتجهز للصحراء» طبقا لقول الحميري،
155
فلها ميناء على ساحل المحيط الأطلسي، وهو ميناء قوز الذي تنزل فيه السفن من جميع البلاد،
156
وعرفت بالأكسية والمنسوجات الصوفية من عمائم وأردية حملت إلى بلاد السودان، إلا أنها فقدت شهرتها في هذا المجال إبان الحكم المريني،
157
كما لعب تجار مدينة أيجلي - الواقعة آخر بلاد السوس - دور الوساطة التجارية بين السودان وبلدان المغرب،
158
بالإضافة لدرعة التي كانت نقطة تجارة محورية بين بلدان المغرب والسودان،
159
وارتبطت مدينة فاس وسائر مدن المغرب الأقصى بالتجارة مع بلاد السودان، فأبو الربيع سليمان بن عبد الرحمن الصنهاجى التلمسانى الذي استقر في مدينة فاس وبها توفي عام 579ه/1179م، وأعطى أحد التجار المتجهين إلى بلاد السودان عددا من الأردية ليبيعها له في تلك البلاد، لكن التاجر توفي هناك، فوصلت تركته إلى مدينة فاس وبها صرة تبر قد كتب عليها للفقيه أبي الربيع، كانت ثمنا للأردية التي يبدو أنه باعها في بلاد السودان،
160
وفضل سكان مدينة تادمكة الصوف بالإضافة للمنسوجات القطنية من بلاد المغرب،
161
وأودغست التي استوردت أردية صوفية كبيرة الأكمام ومصبوغة بالأحمر والأزرق.
162
وجلب لسكان تكرور وغانة الصوف والأكسية الصوفية وطواقي وأزرار بواسطة تجار أغمات بجانب المنسوجات القطنية «والأكسية وثياب الصوف والعمائم والمآزر وصنوف النظم من الزجاج والأصداف والأحجار وضروب من القطن.»
163
بالإضافة إلى الحرير والمنسوجات القادمة من المغرب والأندلس في اتجاه بلاد غانة.
164
ووجد ببلاد الكانم والبرنو نوع من القماش يعرف باسم دندي كان ينسج عندهم على شكل أثواب ويقسم إلى قطع من ربع ذراع فأكثر، وكانت جميع الأشياء تقدر قيمتها بسعر هذا القماش، بمعنى أن هذا القماش قد استخدم كنوع من أنواع العملة في دولة الكانم والبرنو.
165
كما كان للتجارة البرتغالية أواخر القرن 9ه/15م دور داخل مدن الغرب الأفريقي والسودان الغربي، من خلال سلسلة من المدن الساحلية المغربية على طول ساحل المحيط الأطلسي ومناطق رئيسية ساهمت في إنجاح تجارة المنسوجات البرتغالية، التي سيطرت عليها مثل؛ سبتة وطنجة وأصيلا وأزمور وأغادير وأسفي، واتجهت ناحية الشرق قليلا، فتواجدت الفنادق التجارية البرتغالية في وهران، وأقامت علاقات تجارية مع تلمسان خاصة في عهد بني عبد الواد، فقد نقل التجار البرتغاليون الأكسية الصوفية منها إلى بلدانهم،
166
وأقام التجار البرتغاليون محطة تجارية لهم في مناطق السودان الغربي، فمنذ 803ه/1440م عمد التجار البرتغاليون إلى تحويل جزء من تجارة الذهب والرقيق من سجلماسة عبر القوافل التي عبرت الصحراء والسودان، إلى الساحل الغربي من المحيط الاطلسي وأقاموا محطات أخرى بديلة بداية من عام 887ه/1482م.
167
وتقلص حجم المحطات التجارية البرتغالية في مدن غرب أفريقيا بشكل كبير بين يوليو 897ه/1491م وحتى نهاية عام 929ه/1523م، على الرغم من أن التجارة البرتغالية مع غرب أفريقيا كانت تمثل عنصرا لا غنى عنه في نجاح التجارة الخارجية للبرتغال؛ لما وفرته من منتجات قيمة غزت الأسواق الأوروبية، كما في عهد مانويل (1495-1521م)، ومع احتكار الذهب القادم من غرب أفريقيا أعطي للبرتغال الاستقرار الاقتصادي والمكانة الدولية التي لم تشهدها من قبل.
168
كما انتشرت تجارة الحرير في بلدان السودان، ففي إطار هذا السياق يذكر الزهري
169
أن الحرير كان يجلب من غرناطة من بعض أعمالها، ويصدر إلى مناطق السودان الغربي،
170
وصدر الكاغد لبلدان السودان من مدينة شاطبة. وفي هذا يقول الإدريسي:
171 «بها من الكاغد ما لا يوجد له نظير بمعمور الأرض ويعم المشارق والمغارب.» وأمتعتها التي صدرت إلى بلاد السودان وغانة وجميع بلدان المغرب،
172
كما وصلت الثياب المرسية حتى بلاد الحبشة، وفي هذا يقول الزهري:
173 «يجلب إليها [أي بلاد الحبشة] من بلاد الأندلس ... الثياب المرسية.» (ب) البلدان المشرقية (الهند والصين)
امتد التواصل التجاري للنسيج بين الغرب الإسلامي إلى بلاد الهند، خاصة أن السفن الهندية كانت تحط بسبتة التي يشبهها ابن سعيد
174
لأهميتها التجارية بالإسكندرية بقوله: «شبه الإسكندرية في كثرة الحط والإقلاع وفيها التجار الأغنياء الذين يبتاعون المركب بما فيه من بضائع الهند وغيرها في صفقة واحدة ولا يحوجون صاحبها إلى تقاض.»
ويوضح ابن خرداذبة
175
في القرن 3ه/9م أن التجار الراذانية «الذين يتكلمون العربية والفارسية والرومية والإفرنجية والأندلسية والصقلية ... يسافرون من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق بحرا ... ويركبون من فنمة في البحر الغربي فيخرجون [يصلون] بالفرما ... ثم يركبون البحر الشرقي من القلزم [البحر الأحمر] إلى الجار وجدة ثم يمضون إلى السند والهند والصين ... حتى يرجعوا إلى القلزم ... ثم يركبون في البحر الغربي فربما عدلوا بتجارتهم إلى القسطنطينية فباعوها من الروم، وربما صاروا بها إلى ملك فرنجة فيبيعونها هناك، وإن ساروا حملوا تجارتهم من فرنجة في البحر الغربي ويخرجون بأنطاكية.»
فمن جملة ما نقله تجار الغرب الإسلامي للهند الثياب الجيدة والنفيسة كثياب السندس، التي صنعت في الأندلس على حد قول الزهري:
176 «ويجلب إليهم من بلاد الأندلس الزئبق والكبريت الأحمر وثياب السندس الغالي المحكم.» كما تؤكد رسائل الجنيزة أن المنسوجات الأندلسية ذهبت إلى الهند عن طريق ميناء عدن.
177
ولاقى الحرير المغربي والأندلسي رواجا في سواحل الهند وبخاصة ساحل «ملبار»، فكان الحرير بديلا عن الذهب بالمقايضة به؛ ما يعكس قيمته وأهميته في المعاملات التجارية،
178
وفي رسالة أخرى مؤرخة في 29 شوال 532ه/10 أكتوبر 1138م، من التاجر إسحاق بن بروخ المقيم بمدينة ألمرية إلى التاجر أبى سعيد خلفون الموجود في تلمسان، وهو من التجار الدائمي الترحال بين الهند وعدن والأندلس والمغرب «وكنت أبلغتكم بأنني تسلمت المائة مثقال المرسلة منكم من فاس، وقد طلبت مني أن أشتري بالمبلغ حريرا، والواقع أن سعر الحرير كان معقولا؛ لذا اشتريت حريرا بخمسين مثقالا.»
179
وقد حظي التجار التونسيون في بعض الفترات بنوع من السيادة التجارية في البحر المتوسط وبعض من تجارة الهند خلال الفترة من 391ه/1000م-442ه/1150م وهو ما أظهرته وثائق الجنيزة.
180
وساعد على وجود صلات تجارية بين بلاد الغرب الإسلامي والهند والصين والتبادل التجاري بعض المدن المشرقية الأخرى كمدينة البصرة العراقية؛ لأنها محط وملتقى للتجار القادمين من الغرب الإسلامي والوافدين إليها، لتبادل البضائع والسلع كالحرير وبيعها للتجار المغاربة،
181
وكذلك الأمر بالنسبة لصقلية، فنقلت المنتجات المشرقية لبلدان الغرب الإسلامي باعتبارها محطا مهما للصادرات النسيجية من الغرب الإسلامي إلى بلاد المشرق، فالسفن المشرقية تأتي لصقلية محملة بالتوابل والمنتجات الشرقية الفاخرة وتعود بمختلف المنتجات سواء كتانية أو حريرية من الأقمشة المحلاة بالجواهر والطنافس المصورة؛ فيقول المقدسي:
182 «ومن صقلية الثياب المقصرة الجيدة.» وبرزت ألمرية كمركز لتصدير الحلل الموشاة التي حظيت برواج كبير في الشام والهند،
183
وأشار شيخ الربوة
184
إلى ذلك بقوله: «وقصدها التجار لشراء الحرير وما يعمل فيها من الستور وغيرها.» كما نقلت البسط التنتالية لبلاد المشرق.
185
وصدرت الصين منتجاتها من المنسوجات لبلدان الغرب الإسلامي، ومن بينها المناديل الصينية التي يصفها الزهري
186
بقوله: «وهي مصنوعة من حيوان يسمى السمندل أكبر من الفأر، ومن خصائص هذه المناديل أنها يمسح بها الملوك عند تمام الأكل، وهي مناديل راقية لا تغسل لأن ذلك يزيد وسخها، وإنما توضع في المجمر فيحترق الوسخ ويخرج المنديل نقيا.» ولعلها هي المنسوجات والمناديل والعمائم التي حملها التجار البصريون لبلاد الغرب الإسلامي لمبادلتها بالذهب.
187
وعن السلع المشرقية في أسواق المغرب الأقصى توجد إشارة صريحة ذكرها الزهري عند حديثه عن فاس قائلا: «إليها يجلب من جميع الأقاليم كل شيء حسن من المتاع والسلع الغالية الأثمان من اليمن والعراق والشام.» بالإضافة لوصف ابن الصباح بقوله:
188 «وهي مدينة فيها أسواق ومقاصير وعلالي وقيساريات وتجار من أقصى البلاد شرقا وغربا ... كما أن مملكة المشرق في مصر يسميها المسافرون مصر الصغيرة؛ لكثرة أخذها وعطائها.» كما وجدت منتجات نسيجية أخرى كالأثواب الواردة من بلاد الشام،
189
كما جلب الحرير العراقي الذي ذاع صيته حتى وصلت بضاعته إلى منطقة السوس.
190
ومن الصادرات النسيجية لبلدان المشرق الإسلامي، وبخاصة العراق، القنب والحرير بجانب الأكسية الصوفية الرفيعة والدنيئة وجباب الصوف والحرير، كما تردد بعض التجار العراقيين على تونس لشراء الحرير بكل أنواعه من سوسة وشراء الثياب السوسية الرفيعة،
191
وحملت لبلاد الشام والعراق أبسطة القيروان،
192
ووصلت المنسوجات الأندلسية أيضا لبلاد خراسان عن طريق التجار المصريين.
193
وضاهت ثياب الكتان التونسية ثياب الحرير «ومنها يجلب المتاع إلى أقطار الأرض.»
194
وصدرت ثياب صوف البحر لبلدان المشرق، بخاصة دمشق. فيذكر العمري
195
أنه قال: «ورأيت من هذا القماش على أكابر بدمشق، ثم رأيته على بعض سفلة الكتاب بمصر وهو المسمى بمصر والشام بوبر السمك .» وحظيت الموانئ الشامية بنصيب من المنسوجات الغرب إسلامية؛ فاستقبلت العديد من السفن المحملة بالمنسوجات المختلفة كالبسط التنتيلية، والحلل الموشاة التي كان يغالى بثمنها هناك لجودتها.
196 (ج) البلدان المصرية
أما بالنسبة لمصر فهناك علاقات تجار رصينة منذ زمن طويل، تركزت على المواد الخام النسيجية من كتان وحرير، بالإضافة إلى المنسوجات الأخرى، فوجد هذا الربط التجاري عن طريق موانئ الغرب الإسلامي والموانئ المصرية وبخاصة الإسكندرية،
197
كما أثرت قوافل الحجاج المغاربة في العمليات التجارية بين الغرب الإسلامي والمشرق الإسلامي، التي حملت العديد من السلع والبضائع في طريقها لبلاد الحجاز ومصر، وعادت بصنوف من السلع وخاصة النسيجية إلى الغرب الإسلامي.
198
كما كان الحج فرصة للالتقاء بين المصريين والمغاربة، حيث يتوافد المغاربة إلى القاهرة ويستقرون فيها فترة من الزمن لانتظار ركب الحج المصري، وكانت هذه المدة كفيلة بالتأثير والتأثر بين الجانبين؛
199
مما أدى إلى توطد العلاقات المصرية المرينية، خاصة في المجالات التجارية؛ فلم يقتصر دور قوافل الحج على دعم العلاقات الدينية والسياسية، ولكن امتدت إلى النواحي الاقتصادية؛ لأن مصر تقع في طريق قوافل الحج المسافرة لتأدية الفريضة،
200
وقوافل الحج في عودتها تحمل منتجات هذه البلاد إلى الأسواق الغرب إسلامية، كما كانت وسيلة مضمونة لتصدير السلع المغربية إلى مصر وبلاد المشرق في مواعيد محددة من كل عام، يضاف إلى ذلك ما أحدثته هذه القوافل من تنشيط للصناعات المغربية المختلفة التي حملتها هذه القوافل كهدايا من البلاط المريني لمصر والحجاز.
201
وعرفت هذه الرحلات لدى المغاربة باسم الرحلة الحجازية، وعليها هذه الرحلات المرور بمصر، وكانت الإسكندرية
202
هي أولى المحطات الكبرى التي تحط بها قوافل الحجاج المغاربة القادمين عن طريق البحر أو الصحراء، وينتقلون منها إلى القاهرة؛ بوصفها عاصمة الديار المصرية ، وكونها مدينة تحط فيها قوافل الحج التي تصحبها قوافل التجارة.
لذلك كانت المراكب المغربية كثيرة الحط والإقلاع على الموانئ المصرية محملة بالكثير من أنواع السلع والفاكهة،
203
كما يذكر ابن الصباح:
204 «دخلت مدينة تونس وقعدت فيها ثلاثين يوما في أيام الفواكه وركبت منها إلى الإسكندرية في مركب من ثلاثة أظهر، والممشى كنا فيه ألف نفس بين حجاج وتجار وبحريين وعبيد السودان وهم شر التجار ... إلى الإسكندرية.» يأتي في مقدمة تلك المنسوجات القماش الأبيض المصنوع في مدينة الإسكندرية،
205
بالإضافة لجلب المنسوجات، وخاصة ثياب البوقلمون أو السلاقطون التي يتغير لونها بتغير ساعات النهار؛ فهي نوع من الحرير مطرز بخيوط من الذهب، فصدرت من مصر من جزيرة تنيس،
206
وهو ما أشارت إليه وثائق الجنيزة، وما نوه إليه التاجر موسى وإسحاق ولدا برهون الطهارتى في القيروان في خطابه عام 406ه/1015م، إلى إخوة توستاري في الفسطاط، الذين أثنوا على ثياب السلاقطون التي وصلت إليهم؛ فكانت من أفضل وأجمل أنواع الحرير المفضلة بألوانها الذهبية والبراقة، على حد قولهم.
207
وجلبت من دمياط بعض المنسوجات من عمائم الشرب المذهبية المنقوشة، فكانت تلاقي رواجا تجاريا في الغرب الإسلامي لأنها غير موجودة في غيرها من البلاد بنفس الجودة والدقة «منها تجلب إلى المشرق والمغرب.»
208
في حين يؤكد العمري:
209 «أن لباس أهل إفريقية من الجوخ ومن الثياب الصوفية والأكسية ومن ثياب القطن؛ يعتبر نادرا وشاذا، خاصة القادم عن طريق الإسكندرية.»
واستورد مسلمو الغرب الإسلامي - خاصة في الأندلس - الصوف الخام؛ لأن الاقتصاد الأندلسي لم يركز على إنتاج الصوف، بل اعتمد بشكل جزئي على استيراده، وما تشير له رسائل الجنيزة على أن الصوف شحن من مصر إلى الأندلس كما في رسالة مؤرخة في القرن 5ه/11م، بأن تاجرا نقل كمية من الصوف تزن خمسمائة رطل وثمنها ثلاثون دينارا، وكان ينوي إرسالها من الإسكندرية إلى الأندلس، لكن شريكه في الأندلس نصحه بألا يرسل شيئا؛ لأن السوق يصيبه بعض الركود،
210
خاصة أن - الجوخ - الأصواف الحمراء كان من الصادرات المغربية لتلبية ما تحتاج إليه دور الطراز الرسمية في مصر خلال القرن 7ه/13م.
211
ويؤكد بنيامين التطيلي
212
في منتصف القرن 6ه/12م على وجود تجار مغاربة وأندلسيين في الإسكندرية بغرض المتاجرة فيقول: «وإسكندرية بلدة تجارية فيها أسواق لجميع الأمم يؤمها التجار من الممالك النصرانية ... وعدوة الغرب وإفريقية وجزيرة العرب.»
وفي الفترة ما بين 452ه/1060-463ه/1070م نقلت كميات من الحرير الأندلسي عبر تجار من الأندلس إلى الإسكندرية بطريق مباشر دون وساطة تجار مغربيين، وقد استمرت تلك الحالة التجارية حتى القرن 6ه/12م بين موانئ الأندلس والإسكندرية،
213
ففي القرن 5ه/11م توجد إشارة إلى أن نخاسا في مصر كان يملك من المنسوجات الأندلسية «ثوبا أندلسيا جديدا وثوبا أندلسيا غير فضفاض وخاما وعشرة أثواب خام أندلسية» كانت له؛ إما للمتاجرة بها أو لارتدائها.
214
ومن المشاكل التي واجهت عملية نقل النسيج لبلدان الغرب الإسلامي، التكلفة العالية ومصروفات النقل؛ فالتاجر اليهودي يعقوب بن سليمان الحريري اشترى بمبلغ من المال قد ادخره كمية الكتان، وكان ينوي إرسالها إلى الإسكندرية ومنها في قارب إلى المهدية؛ ونظرا للتكلفة العالية قرر أن يرسل الكتان إلى اللاذقية في سوريا.
215
ولعبت الأحوال الجوية دورا في تعطيل حركة التجارة وبخاصة النسيج، ففي إحدى الرسائل المؤرخة في عام 410ه/1119م أرسل التاجر إسحاق النيسابوري بالإسكندرية إلى التاجر أبي العلاء صاعد يوسف الدمشقي بالقاهرة، وفيها يتحدث عن تعطل الملاحة من الأندلس؛ مما أثر على أسعار الحرير الأندلسي في السوق «أما بالنسبة للحرير فإنه عند وصول المركب الأندلسي توقفت الأعمال التجارية فلم يشتر أحد ولم يبع أحد ... وبعد ذلك بأيام بيعت كميات قليلة ب 21-22 دينارا لكل عشرة أرطال ... ولما تأخر وصول جميع المراكب رغب التجار في الشراء، إلا أن من عندهم حرير احتفظوا به، وقد انقضى اليوم ثلاثة وثلاثون يوما لم يصل فيها سوى مركب واحد، ولم يقلع سوى مركب واحد؛ يسود قلق واضطراب كبيران بشأن المراكب ... واليوم بيننا وبين عيد الصليب ثلاثة وعشرون يوما، ولم يصل مركب واحد من المغرب ... وفي هذا اليوم دفع ثلاثة وعشرون دينارا ثمنا للحرير الخشن ، لم يبع أحد ولن يبيع أحد إلى أن يعرف ما سيحدث.»
216
وأثرت الأسعار، وطول المسافة التى تقطعها القوافل، والضرائب المفروضة، وتكاليف الشحن، على حجم المبادلات التجارية بين موانئ الغرب الإسلامي والموانئ المصرية، ففي خطاب مؤرخ عام 494ه/1100م، من أحد التجار الأندلسيين بالإسكندرية يشير إلى أن الحرير ازداد سعره نظرا لتأخر وصول المراكب الأندلسية المحملة بالحرير بسبب الرياح؛ فاستغل التجار هذا الموقف وأحجم كل من لديه كمية من الحرير عن البيع أملا في زيادة السعر،
217
وكذلك شحنة من الأرجوان أرسلت من مصر إلى تونس في نفس العام، فكان سعر هذه الشحنة 66,25 دينارا، وعند البيع وصل سعرها بما يعادل 94 دينارا مصريا، وبلغت تكاليف الشحن والمكوس 14 دينارا،
218
كما أرسلت كمية كبيرة من الكتان إلى صقلية والمغرب تبلغ 133 بالة سعرها الإجمالي 497,1 دينارا، وبعد بيعها بلغت عائداتها حوالي 318,2 دينارا، ووصلت تكلفة الجمارك والشحن إلى ما يقارب 171 دينارا، أي ما يزيد قليلا عن 7 في المائة من الإجمالي العام،
219
وفي عام 538ه/1143م شحنة من الحرير تزن 144,5 رطلا القيمة التقديرية لها 190,5 دينارا، فرضت عليها ضرائب ومكوس في الإسكندرية ما يقارب من 8 دنانير أو حوالي 4 في المائة، وتكاليف الشحن يفترض أن تنقل من جزيرة صقلية أو تونس 3,3 دنانير، وهو ما يزيد قليلا على 1,5 في المائة، وفي 415ه/1024م بالة من المنسوجات بلغت قيمتها نحو 600 دينار، أرسلت من تونس إلى مصر، بلغت قيمة الضرائب المفروضة عليها 6,75 دنانير، أي 1 في المائة من قيمتها.
220
ونقلت الأبسطة الأندلسية لمصر وهو ما تؤكده الجنيزة، ففي رسالة عام 442ه/1050م نقل سجاد أندلسي من تونس إلى مصر، وفي رسالة أخرى ذكر فيها طلب «مدادتين رفيعتين صناعة جيدة طول الواحدة أربعة وعشرون ذراعا، وأربعة بسط بيضا ممتازة، اثنين زرقاوين واثنين خضراوين واثنين حمر.» وفي 435ه/1143م هناك طلب مماثل يذكر إرسال «مدة أندلسية ... ومدة صغيرة، وبساط صلاة وقطعة مدة.»
221
وأما الكتان القادم من مصر فسيطر عليه التجار اليهود الذين سعوا جاهدين لتوفير الكميات المطلوبة في أسواق الغرب الإسلامي من المزارع والحقول المصرية، نظرا لخبرتهم الواسعة في هذا المجال التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، فوضع التجار اليهود جداول توضح أهم المناطق المنتجة للكتان في مصر وأهم الأسواق بالمغرب، كما خصصوا أماكن لإقامة التجار اليهود بمراكز الإنتاج في مصر كانت معلومة ومعروفة لمعظم التجار اليهود، وفي بيان تجاري موقع من أبناء التاجر اليهودي إسحاق التاهرتي يوضح كميات الكتان الكبيرة التي غادرت مصر في طريقها لأسواق الغرب الإسلامي، والمؤرخ في 416ه/1025م، والتي بلغت ثلاثة أطنان من الكتان، وفي بيان آخر عام 438ه/1046م لصالح التاجر نيهوراي بن نسيم يذكر شحنات ضخمة من الكتان زنة كل شحنة 450 رطلا أو 200 كيلو، وذكر أنه نقل 15 شحنة من الكتان وبعدها نقلت ثماني شحنات أخرى، وفي خطاب مؤرخ في 443ه/أبريل 1051م مرسل من الإسكندرية، كتب التاجر نيهوراي بن نسيم أنه نقل 22 حمولة وتوقع وصول شحنات إضافية، كما ذكر التاجر الفرج بن إسماعيل في مصر باحتمال وصول 100 شحنة، وكتب التاجر جوزيف بن موسى التاهرتي في صيف 430ه/1038م عن 126 شحنة كتان بتفاصيل بسيطة وعن كيفية الحصول عليها ونقلها.
222
وفي خطاب مؤرخ في 440ه/يناير 1048م من التاجر برهون بن إسحاق التاهرتي من المهدية إلى نيهوراي المسافر لمصر لشراء الكتان ينصحه قائلا: «اجمع أفضل أنواع الكتان التي يمكنك أن تجمعها من الصعاليك.» وفي نفس الرسالة ينصح أحد التجار اليهود، وهو جوزيف بن موسى، أخاه الأكبر برهون بالتأكد من أن يكون هناك شخص آخر معه عندما يذهب لشراء الكتان، وأن يأخذ معه هدية لسمسار «أعطه قدر ما تستطيع لأنه الوحيد الذي سيساعدك.»
223
وكان الكتان المصري من أكثر الأنواع مبيعا في صقلية، وهو ما تؤكده رسائل الجنيزة خاصة خلال القرن 5ه/11م،
224
كما توضح الرسالة المؤرخة في 442ه/1050م أن تاجرا ينصح ابنه المقيم في مصر في قرية البوصير بشراء النوعية الجيدة من الكتان لأنها مطلوبة في صقلية.
225
وذكر ابن بطوطة
226
عند زيارته لإحدى المدن المصرية وهي بوش، فيصفها بأنها أكثر البلدان كتانا، ومنها يصدر إلى إفريقية فيقول: «ثم سرت منها إلى مدينة بوش ، وهذه المدينة أكثر بلاد مصر كتانا، ومنها يجلب إلى سائر الديار المصرية والى إفريقية، ثم سافرت منها فوصلت إلى مدينة دلاص وهذه المدينة كثيرة الكتان كمثل الذي ذكرنا قبلها، ومنها يحمل أيضا لديار مصر وإفريقية.» وفي هذا دليل على أن تصدير الكتان المصري استمرت إلى قرابة القرن 8ه/14م طبقا لقول ابن بطوطة.
وبيعت كميات كبيرة من الحرير والكتان المصري في أسواق صقلية، ففي إحدى الرسائل المؤرخة في عام 418ه/1027م، اتجه قارب من الفسطاط محمل بكمية كبيرة من الكتان والحرير بالإضافة إلى توابل في طريقه لصقلية، ولظروف طارئة حول مسار الرحلة من صقلية إلى المهدية. ويذكر في الخطاب المؤرخ في 422ه/1030م عن وصول شحنة من الكتان لصقلية، ونتيجة لتأخر وصول السفينة ولتعرضها للغرق رطب الكتان نتيجة لوصول الماء إليه؛ وعليه بيع الكتان على أيام ولم يجن الأرباح المنتظرة،
227
وفي خطاب آخر عام 422ه/1030م يظهر أسعار كمية من الكتان في صقلية قادمة من باليرمو عن طريق طرابلس، فسعر الكتان متوسط الجودة دينار لكل قنطار في الفسطاط وبيع في باليرمو ب 50 إلى 70 ربع دينار للقنطار.
228
وفي القرن 9ه/15م وبالأخص عام 866ه/1461م، يذكر ابن عبد الظاهر
229
أن سفينة أقلعت من الإسكندرية في طريقها إلى تونس محملة بالكتان «في يوم الجمعة حادي عشرة ركبت البحر الملح من مينا ثغر الإسكندرية بشواني البنادقة فأقلعوا، وكان معهم جماعة من تجار المسلمين بأصناف البضائع وأكثرها الكتان، وساروا متوجهين إلى جهة تونس المغرب.» (2-3) تجارة النسيج مع بلدان الغرب الأوروبي (أ) الأهمية النسبية لتجارة الغرب الإسلامي مع بلدان الغرب الأوروبي
ظلت العلاقات التجارية مفعلة وسارية - رغم فتورها في بعض الأوقات - بين بلدان الغرب الإسلامي والغرب الأوروبي عن طريق عقد المعاهدات والاتفاقيات التجارية بين السلطات لتوفير الظروف المناسبة لاستمرار تلك العلاقات والعمل على تنشيطها، وهو ما أظهرته من أهمية التجارة لأغلب مجتمعات البحر المتوسط،
230
ما قد ساعد استقرار الأسعار واتزانها في بلدان الغرب الإسلامي وزيادة فرص التعامل التجاري بين تجار الغرب الأوروبي ومدن الغرب الإسلامي وبخاصة خلال القرن 7-8ه/13-14م.
231
وتعددت أوجه التبادل التجاري بين بلدان الغرب الإسلامي والغرب الأوروبي؛ ما يعطي دليلا على وجود حراك تجاري مزدهر للعديد من السلع كالتوابل والحرير والقطن، هذا بالإضافة للحضور المنتظم لسفن الغرب الأوروبي إلى موانئ الغرب الإسلامي؛ فكثيرا ما كانت تحط أشرعتها على موانئه بشكل مستمر طوال العام، بعد أن سيطرت التجارة البحرية على جل المبادلات التجارية في ذلك الوقت عبر البحر المتوسط، بما في ذلك مدن البحر المتوسط في المشرق، مصر وقبرص، اللتين كانتا محطتين هامتين وسوقا رئيسيا للمنتجات من الجلود والصوف، والقمح، والشمع، والعاج والمرجان؛ القادمة من الهند والجزيرة العربية، لبلدان الغرب الإسلامي ولمدن إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ولبقية مدن الغرب الأوروبي.
232
واتسمت الحركة التجارية في الغرب الإسلامي في بدايتها بنوع من البطء التجاري لم يساير القوى التجارية الموجودة آنذاك؛ مما دفعها لأن تلعب دور الوسيط التجاري في العديد من المبادلات التجارية بين البلدان الإفريقية والغرب الأوروبي،
233
خاصة أن حكومات الغرب الإسلامي لم تحبذ التعامل في البداية مع كيانات الغرب الأوروبي التجارية، إلا مع من امتلك الخبرة الكافية في مجال التجارة وركوب البحر الذي وجد في المدن الإيطالية بصفة خاصة، كما ساهم تطور الطرق البحرية وعمليات الشحن التجارية في الغرب الأوروبي في أواخر القرن 6ه/12م في النمو السريع لبعض الموانئ التجارية وعلى نشاطها التجاري والبحري؛ فأدى في النهاية إلى سيطرة الغرب الأوروبي على الطرق والمواصلات والتجارة البحرية في البحر المتوسط وحصوله على العديد من الامتيازات التجارية المهمة.
234
كما ازدهرت حركة التجارة في فترات توقف الحروب الصليبية،
235
وأصبحت الموانئ المغربية تمثل أسواقا بديلة للتجار المسيحيين عن تلك الموانئ الموجودة في المشرق؛ نتيجة لكثرة الصعوبات والمعوقات التي حالت دون ترددهم عليها بسبب الحروب الدائرة والموقف المشحون تجاهها.
236
فكان لعامل الأمن والسلام الداخلي والخارجي - في بعض الأوقات - أثره في نشر الأمن والطمأنينة في ربوع البلاد وتوفير الحماية للطرق والمسالك البرية والبحرية ومراقبة الموانئ والثغور البحرية؛ ما أدى إلى الرواج التجاري مع الموانئ المسيحية وعلى رأسها بيزا وجنوة، التي أبرمت معها العديد من المعاهدات التجارية؛ كمعاهدة عام 552ه/1157م مع بيزا، التي اعتبرت من أقدم المعاهدات التجارية والبحرية، ومعاهدة عام 556ه/1160م،
237
بالإضافة إلى ما حصلت عليه جنوة من امتيازات تجارية عديدة نتيجة تلك العقود والاتفاقيات،
238
وغيرها من المدن والبلدان المسيحية،
239
ومن أبرزها كتالونيا؛ فقد قدرت مداخيل خزائن بني مرين على خلفية المتاجرة مع كتالونيا خلال فترة من الفترات ما يقدر ب 60000 دينار سنويا،
240
كل هذا يعطي صورة شبه واضحة للسياسة التي اتبعتها مدن الغرب الأوروبي تجاه التبادل التجاري مع البلدان الإسلامية.
فسعت تلك المدن إلى استغلال كل الفرص التي أتيحت لها لتوطيد تجارتها وترسيخها في موانئ المغرب الإسلامي لما امتلكته - بيزا وجنوة - من المقومات التي ضمنت لها التفوق على الصعيدين البحري والتجاري،
241
فقد جنت ثمار الصراع الدائر بين الموحدين وإسبانيا المسيحية، وعن طريقه زادت من امتيازاتهما التجارية في كافة الموانئ؛ مما ترتب عليه تخفيض الضرائب المفروضة عليها، واستطاعت توفير أرباح تجارية طائلة.
242
ونتيجة لاستمرار تلك السياسية التجارية كثف النشاط التجاري في العديد من موانئ الغرب الإسلامي - خاصة ميناء تونس وجربة وبجاية - التي شهدت حالة من الرخاء الاقتصادي والتجاري استمرت خلال الفترة من القرن السادس إلى نهاية القرن العاشر الهجري/الثالث عشر حتى السادس عشر الميلادي، فساعد على ذلك السلع التي كانت مطلبا دائما للرحلات التجارية القادمة من شتى البلدان سواء من حبوب أو منسوجات،
243
وما تؤكده قيمة الضرائب التي تحصلت عليها السلطة الحفصية من ميناء تونس التي قدرت ب 150000 دينار سنويا.
244 (ب) أبرز الموانئ التجارية للغرب الأوروبي
تميزت الموانئ المسيحية عن نظيرتها الإسلامية؛ فنطاقها التجاري كان أوسع واشمل، وامتدت إلى مدن المغرب والمشرق الإسلامي ووصلت حتى الهند والأندلس، بالإضافة إلى أن منتجاتها غزت الأسواق المسيحية عامة.
فمن بين تلك الموانئ المهمة موانئ الجمهوريات الإيطالية (جنوة، بيزا، البندقية، أمالفي)، فكان لوضعها الجغرافي دور محوري في تجارة البحر المتوسط،
245
فمثلت محطة لإعادة توزيع البضائع سواء القادمة من أوروبا أو من المشرق إلى بلدان البحر المتوسط.
246
واعتبر ميناء جنوة من أعظم الموانئ في البحر المتوسط نظرا لحجم التجارة المتداولة من خلاله، ولأن تجاره جابوا جميع البلاد والأماكن وجلبوا شتى أنواع التجارات، وقد ساعد على ذلك ما امتلكوه من قوة بحرية ضخمة أهلتهم لذلك، هذا بخلاف شعبها الذي كان يعتبر من أمهر صناع السفن في منطقة البحر المتوسط؛ ولهذا تعتبر سفنها الأميز والأفضل،
247
لذلك شهد ميناء جنوة الكثير من التوسعات لاستقبال أكبر عدد من السفن والمراكب، كما حدث في 700ه/1300م، 729ه/1328م، 866ه/1461م،
248
في الوقت الذي غيرت فيه جنوة من سياستها الاقتصادية والسياسية خاصة مع بداية القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.
249
أضيف إلى ذلك ميناء بيزا التجاري، فكان من أبرز الموانئ التجارية في البحر المتوسط لما تمتع به من مكانة؛ نتيجة قوة أسطوله البحري الذي جاب أرجاء البحر المتوسط تجاريا وحربيا،
250
فكانت بيزا مركزا بحريا لنقل البضائع والمنتجات من وإلى منطقة البحر المتوسط بشقيه الغربي والشرقي،
251
فاشتهرت بالعديد من الصناعات والتجارات ومن أكثرها وأشهرها تجارة المنسوجات والأقمشة والصوف وإعادة توزيعها، حيث ساهمت في زيادة النمو التجاري لبيزا.
252
ولكن مع بدايات القرن 8ه/14م بدأت بيزا تفقد أهميتها التجارية بعد أن كانت من أهم المحطات التجارية في غرب البحر المتوسط خاصة خلال القرنين السادس والسابع الهجريين/الثاني والثالث عشر الميلاديين؛ فلم تعد قادرة على أن تلبي الاحتياجات اللازمة لحركة الرواج التجاري من مسايرة التقدم والتطور البحري ولتفككها السياسي والنزاعات الداخلية، مما حال دون المحافظة على مكانتها التجارية الرائدة في شبكة التجارة البحرية في البحر المتوسط.
253
واعتبرت موانئ جزر البليار (ميورقة، منورقة، يابسة) من المحطات التجارية في البحر المتوسط، فميورقة ملتقى تجاري كبير بين موانئ البحر المتوسط الغربي سواء من جنوب إيطاليا أو برشلونة وأيضا الموانئ الفرنسية، فاعتبرت نقطة البداية للعديد من الرحلات التجارية الكتالونية والإيطالية والفرنسية إلى الشمال الإفريقي، واعتبرت جزر البليار وسيلة بحرية آمنة للطريق البحري الذي ربط الموانئ الإيطالية بإسبانيا.
254
وعلى الرغم من ذلك فقد عانى التجار الكتالونيون في كثير من الأوقات من ويلات الضرائب التي فرضتها ميورقة عليها؛ مما أدى إلى قلة التبادل التجاري بينهما، خاصة في ظل الصراعات التي كانت موجودة.
255
وبرزت أهمية الموانئ الكتالونية في عملية التجارة سواء مع مدن الغرب الإسلامي أو الغرب الأوروبي التي أصبحت مع بداية ق8ه/14م ذات نشاط تجاري متميز على صعيد التجارة مع بلدان البحر المتوسط كافة،
256
وظهر تأثير القراصنة واضحا من خلال حجم المبادلات التجارية بين الموانئ الكتالونية ومدن المغرب الإسلامي خلال القرن 9ه/15م، خاصة على المنتجات الزراعية والجلد والصوف والأقمشة وغيرها من البضائع، وبالأخص من قبل قراصنة ميورقة.
257
ولعبت الصراعات الدائرة بين كتالونيا - باعتبارها مسيطرة على ميورقة بعد سقوطها من قبضة الحكم الإسلامي - والدول المحيطة بها؛ دورا في قلة التبادل التجاري معها، فقد برزت أهمية الموانئ الكتالونية في النشاط التجاري مع مدن الغرب الإسلامي والمسيحي، التي تطورت مع بداية ق8ه/14م، مع بلدان البحر المتوسط كافة،
258
واستمرت حتى القرن 9ه/15م.
259
ميورقة
محطة تجارية مهمة في عمليات التبادل التجاري بين عالمي الغرب الإسلامي والغرب المسيحي؛ فمنها تبدأ الرحلات التجارية منطلقة لموانئ البحر المتوسط في النصف الثاني من يوليو من كل عام، باعتبارها وسيلة بحرية آمنة للطريق البحري الذي ربط موانئ الحوض الغربي للبحر المتوسط بعضها ببعض، فاعتبرت نقطة البداية للعديد من الرحلات التجارية الكتالونية والإيطالية والفرنسية إلى الجنوب لطرابلس، وجربة، وإفريقية، ووهران، وبجاية، وبقية موانئ المغرب مواصلة بعد ذلك إلى الأندلس ومملكة أراجون ومملكة جنوب إيطاليا والموانئ الفرنسية،
260
ولكن في الأوقات التي كان فيها تعنت من أراجون منع بيع البضائع القادمة من بجاية وإفريقية على التجار الذين لا يحملونها على سفن ميورقية.
261
واعتبرت ميورقة أن رواجها التجاري مع المناطق المجاورة مع كل من صقلية وسردينيا ومدن الغرب الإسلامي ليس من أجل النمو الاقتصادي لها فحسب، ولكن من أجل الاستقرار السياسي المصاحب لهذا النمو في منطقة الحوض الغربي للبحر المتوسط، وهو ما ينعكس بدوره على اقتصادها.
262
فحظيت موانئ المغرب بواحدة وثلاثين رحلة تجارية مقارنة بإشبيلية وجزيرة يابسة لكل واحدة رحلتان ورحلة لجنوة سنويا،
263
ويرجع ذلك للعلاقات الجيدة والمعاهدات التجارية واستمرار التبادل التجاري حتى في فترات النزاع، ففي 673ه/6 أغسطس 1274م سمح ملك أراجون لاثنين من التجار الميورقيين بالتجارة في تلمسان،
264
وعلى النقيض من ذلك لاقى التجار الكتالونيون في بعض الأوقات الضرر من ويلات الضرائب التي فرضت عليهم من سلطة ميورقة جراء الصراعات والاضطرابات الدائرة بينهم.
265
وما تظهره معاملات التبادل التجاري بين التجار الميورقيين وتجار الغرب الإسلامي من خلال عمليات البيع والشراء، التي تعكس هذا التواجد التجاري داخل بلدان الغرب الإسلامي واستعانتهم بالوسطاء التجاريين لترويج سلعهم وبضائعهم وبخاصة النسيجية،
266
فحظي الغرب الإسلامي بنصيب كبير من التجارة الميورقية وخاصة القطن، التي دلت عليها التصاريح التجارية، وذلك ما بين عامي 742ه/1341م-743ه/1342م، والتي بلغت 38 تصريحا من 87 تصريحا لكافة موانئ البحر المتوسط، وهذا يوضح الأهمية التجارية التي عادت على جزر البليار جراء حركة التبادل التجاري مع الغرب الإسلامي وخاصة الساحل المغربي،
267
وصدرت ميورقة المنتجات النسيجية - الصوفية - لبلدان المغرب الإسلامي لما امتلكته من مقومات صناعية وزراعية أهلتها لأن تكون في هذه المكانة، وهو ما أشار إليه التبادل التجاري بينهما خاصة خلال القرن 8ه/14م.
268
وعن دور ميورقة كمركز لتوزيع السلع والبضائع القادمة من الغرب الأوروبي، فكانت الأقمشة الكتانية والمنسوجات البيضاء القادمة من بلاد الفلندر، ومن شمال فرنسا، بالإضافة للمنسوجات الصوفية، وتوزيعها وإرسالها إلى الغرب الإسلامي وبخاصة لتونس عن طريق التجار الميورقيين، ففي 645ه/أبريل 1247م رتب التاجر الميورقي جون دي باس
Joan de Bas
لنقل كمية من قماش فلامنكي وبرفانسي من ميورقة إلى تونس.
269
ومن بين السلع والبضائع ذات الأهمية الاستراتيجية التي صدرتها ميورقة الصوف؛ فاحتلت تجارته مرتبة مرموقة بين المبادلات التجارية،
270
في حين أصبحت الأصواف الإسلامية ولفترات طويلة بفضل جودتها مطلبا لعديد من المدن سواء ميورقة وجنوة وبيزا وما أظهرته العديد من الرسائل والوثائق،
271
وما حظيت به ميورقة من دور تجاري مهم في إعادة تصدير الأصواف والمنتجات؛ لما امتلكته من مقومات صناعية وزراعية أهلتها لتكون في هذه المكانة، وما أشارت إليه عمليات التبادل التجاري خلال القرن 8ه/14م
272
جعلها تعيد تصنيع وتصدير المنتجات النسيجية - الصوفية - لبلدان الغرب الإسلامي وغيرها من البلدان، ففي عام 730ه/1329م وصل ثمن برنوس من صوف مغربي صنع في جزر البليار إلى ما بين 25 إلى 26 فلسا ميورقيا،
273
ومارست نفس الأمر مع مدن المناطق الشمالية خاصة توسكان.
274
وأرسلت في منتصف 8ه/14م كمية من الصوف قدرت ب 500 كيلوجرام لميورقة بيعت بعشرين دينارا، وأرسلت تسعة قناطير من جزز الأغنام المغربية عام 730ه/1329م وبيعت باثني عشر دينارا أي بسبع وعشرين فلسا برشلونيا للقنطار الواحد، وهو ما يعادل 44 فلسا ميورقيا،
275
ومع بدايات القرن 9ه/15م تحول الأمر بالنسبة لميورقة، فقد اعتمدت على ما تنتجه من أصواف وما يجلب إليها من الشواطئ الإسبانية والموانئ الإنجليزية عن طريق التجار والبحارة الميورقيين الذين اعتادوا التردد على تلك المناطق، فكان من أبرز هؤلاء التجار الذين اشتهروا بتجارة الصوف التاجر التوسكاني «دانتي»
Datini
وهو من أبرز التجار الذين عملوا بالتجارة الميورقية خلال القرن 8-9ه/14-15م، وكانت له العديد من الشركات التجارية، ويعتمد على سجلاته التجارية كوثيقة للمعاملات التجارية لجزيرة ميورقة.
276
ووصل بعض التجار الميورقيين لألمرية في731ه/1330م على متن قارب محمل بأربعين بالة من قماش وصوف وغيرها من البضائع والسلع الأخرى، فمن بين ما نقل هذا القارب 12 كيسا من القطن، 166 جرارا من الزيت، 16 من سلال التين،
277
وفي 732ه/1331م أبحر خمسة تجار ميورقيين على ظهر سفينة ميورقية محملة بالشمع والجلد والأصواف بيعت في تلمسان بأكثر من 500 دينار ثم عادت إلى ميورقة.
278
loos-وحمل التاجر الميورقي برناط دي طوس
Bernât de Tous ، القمح والجلد من تونس والحرير من ألمرية على إحدى السفن الميورقية للتاجر هاجينت فالنتي
Huguet Valenti ، كما وصل التاجر علي بن محمد في عام 766ه/1364م لميورقة قادما من تونس على إحدى السفن الميورقية محملا ببعض السلع من إفريقية ومن غرناطة ومنتجات من مناطق أخرى، قدرت هذه الشحنة بسبعة عشر قنطارا من النيلة، والصوف، والجلود، والشمع.
279
وبالإضافة للصوف كان الحرير من بين تلك البضائع التي أرسلت لميورقة وخاصة القادم من المناطق الأندلسية ومن المشرق الإسلامي؛ لأنها لم تشتهر بالحرير ولا صناعته، يقول الزهري
280
عن ذلك: «ولا يعرفون الحرير ولا ثمرته إلا ما يجلب إليهم من بلاد الأندلس والشام.» والورق أو الكاغد لميورقة، ففي عام 725ه/1324م اشترى ديوان القنصلية في ميورقة عددا من فرائد الورق من فاس بسعر 64 فلسا للفريدة الواحدة، خاصة عن طريق الوسطاء التجاريين من اليهود الذين تعهدوا بتوريد الورق إلى ملك أراجون.
281
وأجرى أبو العباسي أحمد أبو سليم أمير تلمسان في عام 784-785ه/1382-1383م عملية مبادلة تجارية مع تجار ميورقة ببعض البضائع الموجودة في المخازن السلطانية من الزيت، الفلفل الغاني، ومبادلتها بأصواف قادمة من ميورقة، فكانت هذه المبادلة سببا في حدوث نزاع بين الطرفين نظرا لمطالبة الأمير بدفع قيمة الأصواف نقدا،
282
وجرت الاستعانة ببعض الوسطاء التجاريين لترويج بعض السلع والبضائع القادمة من ميورقة - خاصة النسيجية منها - لمدن الغرب الإسلامي.
283
هذا التبادل الكبير للنسيج وحجم المبادلات التجارية بين الموانئ الكتالونية ومدن المغرب الإسلامي خلال القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي وميورقة؛ جعل تجارة النسيج والأقمشة عرضة للعديد من غارات القرصنة في حوض البحر المتوسط الغربي،
284
وبالأخص قراصنة ميورقة على المنتجات الزراعية والجلد والصوف والأقمشة وغيرها من البضائع.
285
وأغارت في شوال من عام 702ه/1301م ثلاث سفن تابعة لقراصنة كتالونيين على مرسى تونس واستولوا على مركب لتجار بيزيين محمل بالصوف قيمته ثلاثون ألف دينار «بتاريخ شهر شوال من عام اثنين وسبعماية وصل للحضر العلية غراب وشيطيان للقطلانيين فأخذوا في المرسى بها طريدا للبيشانيين بالصوف قيمتها بما فيها ثلاثون دينارا وأخذوا شيطيا للجنويين فيه وسق للمسلمين البونيين قيمته بما فيه عشرة آلاف دينار وسلورة للبيشانيين بالقطر وفي هذا هناك حرم المرسى ونقض للصلح.» واستولوا على مركب جنوي موثق بسلع لبعض تجار بونة قيمته عشرة آلاف دينار، وفي نفس الشهر خرج من ميورقة مركب «شيطي» ليغير على مدينة بنزرت واستولى على مركب لتجار مسلمين قادم من بجاية ومحمل بمنسوجات وأقمشة قدرت قيمتها ب 40 ألف دينار، واستولى أيضا على جفن لتجار من بونة قيمة ما كان عليه من بضائع خمسة آلاف دينار،
286
وفي صفر 704ه/1304م سطا مراكبان كتالونيان على مركب لتجار مسلمين محمل بمنسوجات وملابس وغيرها من السلع قدر ثمنها ب 50000 دينار.
287
وتعرضت السفن المحملة بالصوف لغارات القراصنة الذين سعوا لاقتناصها والاستيلاء عليها خاصة السفن الإيطالية المنوطة بنقل الصوف من إنجلترا، كما تعرضت سفينة أخرى محملة بالصوف قادمة من ميورقة في طريقها لبرشلونة عام 800ه/1397م، لغارة القرصان الباسكي بيرو بايا
فاستولى على السفينة وما بها من بضائع، وبعد أن فرغ من نهبها وسرقتها حرقها.
288
الجمهوريات الإيطالية
من بين المناطق التي نشطت معها تجارة الغرب الإسلامي وبالأخص تجارة النسيج؛ الجمهوريات الإيطالية (جنوة، بيزا، البندقية، أمالفي)، فكان لوضعها الجغرافي دور محوري في تجارتها عبر البحر المتوسط،
289
ومحطة لإعادة توزيع البضائع سواء القادمة من الغرب الأوروبي أو المشرق الإسلامي لبلدان البحر المتوسط،
290
من الكتان المصري والصقلي الذي نقله التجار الجنويون لمدن الغرب الأوروبي وجنوة ليعاد تصنيعه وبيعه ومن ثم تصديره إلى مدن وبلدان الغرب الإسلامي.
291
واحتلت تجارة الأصواف مكانة كبيرة في المبادلات التجارية بين الغرب الإسلامي والجمهوريات الإيطالية،
292
فكانت كل من بجاية وتونس وجربة وطرابلس من أكثر المدن المصدرة للصوف إلى مرسيليا وجنوة وبيزة والبندقية،
293
وطلب الصوف الأندلسي للممالك الإسبانية على الرغم من أن مواصفاته أقل من الصوف الإنجليزي في صناعة المنسوجات الصوفية الخشنة وذلك على حد قول أوليفيا ريمي كونستبل،
294
لأن الجمهوريات الإيطالية أنتجت صوفا رديئا نسبيا مقارنة بالأصواف الأخرى؛ لذا اضطرت إلى الاعتماد على الصوف القادم من غرب البحر المتوسط.
295
ونظرا للاضطرابات السياسية في المغرب الأقصى في القرن 7ه/13م، تقلص عدد الرحلات التجارية في ذلك الوقت وتركزت على مدينة بجاية وتونس،
296
وعلى الرغم من توقف العلاقات التجارية وتعطلها بينهما زمن الحملة الصليبية على تونس عام 669ه/1270م فإنها لم تنقطع وبدأت مرة أخرى، فعاد الهدوء والسلام النسبي بينهما،
297
وعلى الجانب الآخر استوردت بلدان الغرب الإسلامي الأقمشة من فرنسا وجنوة وميلان.
298
وكان لموانئ وهران وهنين وسبتة دور مهم في ربط التجارة الأوروبية بمدن الغرب الإسلامي خاصة وهران؛ فانتظمت بها الحركة التجارية وكثفت باتجاه مرسيليا، فاحتلت المرتبة الأولى في تجارتها في ذلك الوقت التي استمرت لمنتصف القرن 8ه/14م.
299
واعتبرت بجاية من بين أكثر الموانئ المغربية أفضلية بالنسبة لجنوة من حيث قيمة وقدر المبادلات التجارية بصفة عامة، فبين عامي 550ه/1155م-559ه/1164م بلغت قيمة التعامل التجاري بينهما 5228 ليرة جنوية، وحظيت سبتة بتعامل تجاري وصل ل 1683 ليرة، وتونس ل 802 ليرة، وسلا ل 390 ليرة، وطرابلس ل 142 ليرة.
300
وتبرز العقود التجارية التي ورد ذكرها في الوثائق الجنوية حجم المبادلات التجارية للنسيج، خاصة القادم من المدن الإيطالية، وبالأخص جنوة في اتجاه أسواق الغرب الإسلامي، ففي عام 553ه/1158م أرسل التاجر اليهودي إسماعيل لشريكه في بجاية حمولة من القطن تبلغ ثلاثة عشر قنطارا بواسطة شركة تجارية ليمونوس دي نيرفي
Raimundus de Nervi ، بالإضافة إلى سبعة قناطير أخرى؛ لتباع في الأسواق المغربية؛ لأن التجارة الجنوية مع موانئ الغرب الإسلامي شكلت جانبا مهما في جنوة؛ فكانت تمثل ضمانات لقروض بحرية تجارية،
301
وفي عام 554ه/1159م أبرم عقد تجاري بين التاجرين الجنويين دي ريفينو
De Rufine
ودي دالنو
De Dalneo ، لإرسال شحنة تجارية لبجاية من الفلفل والتوابل والقطن بما قيمته 53 ليرة جنوية، وحمل التاجر الجنوي ريسبيس غيدو دي بونو في عام 555ه/1160م، قطعا من القطن بعد أن سدد رسوم الشحن التي قاربت إحدى عشرة ليرة لإرسالها لبجاية،
302
ونقل كمية من الأبسطة عام 555ه/1160م لمدينة سبتة عن طريق التجار الجنويين، حمل بوتاروليوس
Botarolius
أربعة منها،
303
ونقل التاجر الجنوي أيدو وليام في عام 557ه/1161م، عشر قطع من الحرير الفاخر إلى بجاية بما قيمته 32 ليرة جنوية،
304
كما تعاقد تاجر جنوي آخر في عام 557ه/1161م على نقل 94 رطلا من الحرير الخام وعشرة أثواب من الكتان الإسباني لبلاد المغرب،
305
ووقع التاجر جيوفاني سكريبا عقدا في نفس العام من أجل شحن عشر قطع ثياب أندلسية له.
306
واتفق التاجر أنفوساس ناتا
Anfossus Nata
عام 453ه/1161م على نقل كمية من الكتان لبجاية لصالحه يستغل ربحها في شراء بعض السلع المغربية والمتاجرة بها، بالإضافة لكمية أخرى لمصلحة بلانكاردوس
Blancardus ،
307
وحمل التاجر بونوسيوهيانس ليركاريوس كمية من الحرير والكتان الإسباني إلى بجاية، فتلقى تعليمات بشراء الشمع أو حجر الشب أو الذهب من ربح عملية البيع في أي من الأماكن على ساحل المغرب أو في وهران أو سبتة، ليسدد ثمن بعض منسوجات قد اشتريت من جنوة؛ لأن السداد ارتبط بالوصول الآمن للسفينة ولحمولتها.
308
وفي عقد آخر سجل في العام ذاته نقل التاجر الجنوي بونوسيوهانيس
Bonusiohannis
كمية من الحرير لصالح التاجر ويليام مالوناس
William Mallonus
بقيمة 94 ليرة جنوية لبجاية،
309
وعام 455ه/1163م قام إنجو بيديلوس
Ingo Bedellus
بنقل كميات من الحرير والورق بما يفوق 32 ليرة إلى تونس لصالح ويليام كيريولاس
William Ciriolus ، وفي عام 457ه/1164م نقلت كمية من القنب لبجاية بقيمة 44 ليرة،
310
وحملت كمية كبيرة من المنسوجات الجنوية إلى بجاية في عام 559ه/1164م قدرت قيمتها ب 44 ليرة.
311
وشحن في عام 578ه/1182م فاسالوس ستراليرا
Vasallus Straleira
كمية من الحرير بقيمة ثماني عشرة ليرة لسبتة، واحتفظت منسوجات الغرب الإسلامي بتواجدها في الأسواق الإيطالية، وهو ما أظهرته بعض العقود التجارية؛ ففي عقد مؤرخ في 580ه/1184م ذكر فيه جملة من قطع النسيج مكونة من ستة أثواب من صوف غرناطي أربعة منهم خضر واثنان باللون البني.
312
واتفق التاجر رولاندوس دي ساويا
Rolandus de Suddea
في عام 582ه/1186م على شحن ما يقرب من 28 قطعة من الأبسطة قيمتها 28 ليرة جنوية، والتاجر أوتو دي كاستيلو
Otto de Castello
الذي حمل 49 قطعة قيمتها 24,5 ليرة لمصلحة أوتو مالوناس
Otto Mallonus ، بالإضافة لبعض من قطع السجاد المصنوع من الساج والمطعم بالمجوهرات واللؤلؤ والمعطر بالمسك، كما حملت بعض الأقمشة الصوفية كالساج لبجاية ولعلها قادمة من مصر أو بلاد المشرق، وفي عام 587ه/1191م نقلت كمية كبيرة من الساج لسبتة بواسطة التجار الجنويين، وفي العام التالي نقلت كمية أخرى لسبتة وبجاية بقيمة 23 ليرة.
313
وشغل قماش الفستيان
Fustians
حيزا في المبادلات التجارية بين جنوة والمغرب، فلاقى رواجا كبيرا، وجلب بواسطة التجار اللومباردين من مراكز تصنيع الأقمشة الشهيرة في مدينتي ميلانو وبافيا
Milan & Pavia
ثم إلى جنوة،
314
ففي عام 588ه/1192م حمل التاجر اللمباردي فيسكيانو إيكموس
Ficiano Iacomus
بالتين من قماش فستياني غير مصبوغ إلى بجاية.
315
وظلت تونس لفترات طويلة من أهم الأماكن المصدرة للصوف للمدن الإيطالية؛ لأن نسبة كبيرة من سكانها كانوا دباغين وتجار أصواف وفراء، فبين عامي 592-594ه/1195-1197م باع بعض التجار التونسيين كمية من جلود الأغنام، قدرت بتسعة قنطارات، لعدد من التجار البيزيين، كما حصل التاجر البيزي باسي باسنو
على شحنة من جلود الأغنام بلغت قيمتها 1518 دينارا،
316
وحصل عدد من التجار البيزيين والجنويين على 2340 قنطارا من الجلد المدبوغ وجلود المواشي،
317
وهذه الكميات الكبيرة من الجلود والأصواف تظهر الطلب المتزايد لتلك السلعة التي دائما كانت مطلبا لعدد من المدن في ميورقة وجنوة وبيزا.
318
وأرسلت في عام 594ه/1197م كمية من الكتان من جنوة بقيمة 53 ليرة إلى سبتة، وفي عام 597ه/1200م أرسلت شحنة أخرى من الكتان بقيمة 59 ليرة لسيدة تدعى ياكوبا زوجة التاجر أيدو مالوناس
Ido Mallonus
في بجاية، ولعلها مرسلة من مدينة شامبين
Champagne
أحد مراكز صناعة الكتان المهمة في الغرب المسيحي، بالإضافة إلى مدينة كولون الألمانية وشبة الجزيرة الأيبرية، فمنها يعاد تصدير وبيع الكتان لموانئ الغرب الإسلامي عن طريق التجار الجنويين، ونقل التاجر الجنوي بونوسيوهانيس
Bonusiohannis
كمية من الكتان الأندلسي لبجاية تقدر ب 43 مقياسا - كانة - لصالح التاجر ويليام مالوناس
William Mallonus .
319
ومع بداية القرن 7ه/13م شهدت العلاقات التجارية الجنوية مع بلدان الغرب الإسلامي نشاطا ملحوظا، فوقعت جنوة عددا من المعاهدات التجارية للحصول على بعض الامتيازات التجارية، التي من خلالها تستطيع الحصول على المواد والسلع التي ترغب في المتاجرة فيها،
320
فتصدر ميناء سبتة قائمة المعاملات التجارية الجنوية خلال النصف الأول من هذا القرن، تليها بجاية التي بدأت أهميتها التجارية تزداد.
321
وهناك إشارات تدل على أن المنسوجات الغرب إسلامية - خاصة الأندلسية - وجدت بأسواق أوروبا من خلال قائمة الضرائب التي فرضتها مونبيليه بفرنسا،
322
كالتي فرضت على منسوجات أندلسية على المناطق الواقعة على طول نهر يبرو
Ebro ، كما وضع حكام طليطلة عام 604ه/1207م ضريبة على المنسوجات الأندلسية، وهو ما أبرزته العقود الجنوية خلال تلك الفترة التي ذكرت أصنافا من الحرير الأندلسي بيعت في جنوة خاصة في مجموعة من العقود الجنوية المؤرخة في 597ه/1200م، و621ه/1224م و636ه /1238م.
323
ففي إحدى الرسائل التجارية التي أرسلها التاجر التونسي «محرز القابسي» يشكو فيها من تاجر بيزي تأخر عن دفع ثمن شحنة من الجلود والصوف، قدرت بتسعة قناطير وثمنها 29,5 دينارا، وأنه دفع منها خمسة دنانير فقط، فيذكره بقوله: «فأنت يا صديقي ذكرك ذكر خير عندنا، وأنت مشكور الأحوال عند التجار، وعند من سافر معك.»
324
فضلا عن كميات من الجلود وجزز الشياه - التي استخلص منها الصوف - فكان من جملة ما بيع في إحدى الصفقات التجارية لبعض التجار البيزيين 1485 جلد خروف بقيمة 251,6 دينارا،
325
فيظهر الاحترام المتبادل والعلاقات الودية بين التجار البيزيين والتونسيين من خلال قول محرز القابسي في رسالته: «أنت أيها الصديق العزيز لك سمعة طيبة في بلادنا، وتتمتع أنت ومن يأتي معك باحترام التجار.»
326
ما يعكس رغبة تجار الغرب الإسلامي في استمرار تلك العلاقات قائمة، رغم الفتور السياسي في بعض الأوقات، أو تعنت تجار المدن الإيطالية عن سداد ما عليهم لصالح التجار المسلمين.
كما كان لبعض العائلات التجارية الجنوية نشاط ظاهر داخل مناطق الغرب الإسلامي، خاصة عائلة التاجر الجنوي ماندويل
Manduel
ففي 629ه/1232م، الذي كلف ابنه بالسفر من جنوة إلى وهران لنقل ست شحنات من القطن في اتجاه ميناء وهران ومنطقة تلمسان، وهذه العائلة لم تتردد في الحصول على منافذ تجارية تلمسانية،
327
لأن تلمسان من المناطق التي تعاملت معها الجمهوريات الإيطالية، لجلب الأكسية الصوفية والقطنية وكذلك الكتانية والحريرية، لا سيما تجار بيزا والبندقية،
328
وفي الاتجاه المقابل تواجد تجار الغرب الإسلامي في أسواق جنوة ، ففي عام 619ه/1222م سافر التاجر السبتي محمد بن معلم إلى جنوة على ظهر سفينة جنوية، ومعه العديد من السلع لبيعها.
329
ولم يغب التجار الفرنسيون عن المشهد التجاري في الغرب الإسلامي؛ فأرسل التاجر المرسيلي بيار قاروت
في عام 627ه/1233م وسقين من القطن مع التاجر هوق دي تامبل
Hugues du Temple
من مرسيليا لبيعها في بجاية،
330
وفي عقد جنوي مؤرخ في 622ه/1225 يشير إلى أن 180,5 رطلا من الحرير الأندلسي بيعوا لتجار من جنوة،
331
كما أرسل التاجر الجنوي مانديال
Manduel
شحنة من القطن ومعها اثنتا عشرة قطعة من الحرير والقماش الكتاني لبجاية في630ه/1233م، ونقل التاجر بيار فلقيي
من مرسيليا إلى بجاية كمية من قماش القطن وبعض المنسوجات الأخرى كاللحف.
332
وفي المقابل ونتيجة للغزو التجاري للأسواق الأوروبية من قبل مدن الغرب الأوروبي التي طورت نشاطها الاقتصادي والتجاري فيما يتعلق بالصوف والكتان والقطن وكذلك الحرير، فعلى الرغم من ذلك ظل الحرير الأندلسي محافظا على قيمته التجارية فلم يجد منافسا قويا لفترات طويلة، لأن مصانع الغرب الأوروبي رغبت في تصنيع الصوف الخام والكتان والقطن أكثر من الحرير، وهو ما تؤكده عقود التجارة؛ ففي مملكة أراجون في عهد الملك جيمس الأول هناك غياب تام لمنسوجات الغرب الإسلامي خاصة الأندلسية في أسواق أراجون، في حين توافرت المنسوجات الفلامندية والإيطالية وكذلك من ميلانو وبرشلونة والعديد من المدن المسيحية، بعد أن منح جيمس الأول للتجار المحليين بعض الامتيازات التجارية لإجادتهم أعمالهم وما يتعلق بتجارة النسيج.
333
فقد طلب تاجر من دينة ومونبيليه يدعى سيمون ريكارد
Simon Ricard
عن طريق وكيله في مدينة مرسيليا عام 646ه/16 مارس 1240م، إعطاء 543
Sous
للتاجر المرسيلي جان فيلافور
Jean Villefort
والمسافر إلى سبتة ليشتري بها كمية من الحرير،
334
وفي عام 659ه/1257م قام التاجر الجنوي بوونجيونفاني براسيو
Buongionvanni Baurratio
بنقل أربعة عشر رطلا في كيس من القطن القادم من بلدان المشرق.
335
وتظهر العديد من الوثائق أهمية تجارة الصوف في العلاقات التجارية بين الغرب الإسلامي ومدن الغرب المسيحي؛ ففي الخمسة شهور الأولى من عام 688ه/1289م نقل تجار جنويون كمية كبيرة من الصوف [قدرت بثمانية مكاييل] لعدد من المدن والموانئ المسيحية، وما حصل عليه أحد التجار الجنويين بعد أن كلف نائبه بشراء 400 قنطار من الصوف و90 قنطارا من الجلد المدبوغ، وأيضا ما تعاقد عليه التاجر البيزي فرانسيس ميلا
Frances Mella
في 24 أبريل عام 688ه/1289م لشراء 150 قنطارا من الصوف شحن من مدينة بونة،
336
وفي جمادى الأولى 690ه/مايو 1291م، حمل تاجر بيزي على ظهر سفينة بندقية كمية كبيرة من الصوف والشمع من ميناء عنابة.
337
وتوجد إشارات عن التبادل التجاري للنسيج بين موانئ الغرب الإسلامي وموانئ جزيرة قبرص عن طريق التجار الجنويين، كالتاجر الجنوي سيموني دي بارا
Simone de Barra
الذي وفر السفن التجارية للعديد من التجار لحمل كميات تحوي ما بين 60-80 قنطارا من القطن من جزيرة قبرص لميناء بجاية، وكان ذلك عام 701ه/1301م عن طريق التاجر أنطونيو إليونيس دارنزانو
Antonio Elianis de Arenzano .
338
وتدل بعض الوثائق الجنوية أن صوف المرينو صدر إلى جنوة عن طريق تجار تونسيين لأسواق الغرب المسيحي، ففي رسالة عام 707ه/1307م، الصادرة من قنصل الجالية الجنوية في مدينة بيزا، تذكر أن سيمون ستاتكوني الموكل من قبل بسكال أوسوديماري أن تارتارنيودي نيجرو تسلم 49 كيسا من الصوف المريني أرسلها جابر بن بسكال من تونس والمناطق المجاورة.
339
وتظهر معاهدة تجارية بتاريخ 21 جمادى الأولى 713ه/14 سبتمبر 1313م، جاءت في فقرة صريحة تقضي بعدم دفع التجار البيزيين لأي ضرائب عند بيعهم الكتان أو القطن: «وإذا باع بيشاني كتانا أو قطنا أو غير ذلك من السلع الموزونة، فلا يؤدي في ذلك رطلا ولا طعما للديوان ولا للتراجمة.»
340
وفي عام 758ه/1356م وضمن الاتفاقية الموقعة بين طرابلس والبندقية التي نصت على أن هناك ضريبة تدفع على الصوف، وخاصة أردأ الأنواع من الصوف؛ فكان يدفع «تومين» واحد على كل بيزنظي من ثمن الصوف، وتلك الضريبة تدفع للتراجمة، وهم من يقومون بالوساطة التجارية في الصفقات من السلع والبضائع،
341
وهذه الاتفاقية تدلل على أن العلاقات التجارية بين مدن الغرب الإسلامي والبندقية قد استمرت حتى منتصف القرن 8ه/14م، ولعلها استمرت بعد ذلك.
وعلى الرغم من ذلك فقد استمرت العلاقات التجارية بين الجمهوريات الإيطالية ومدن الغرب الإسلامي، وخاصة مدن المغرب ومن ضمنها جربة، التي قصدتها القوارب والسفن التجارية القادمة من بيزا وجنوة لتحميل الأصواف الناعمة التي اشتهرت بها ؛ لما امتلكته من ثروة حيوانية ومقومات زراعية أهلتها لأن تكون الوجهة المفضلة لشراء الصوف إبان القرن 8ه/14م.
342
واتجهت المبادلات التجارية للنسيج مع بلدان الغرب الإسلامي في القرن 9ه/15م إلى بدائل أخرى خاصة مع الغرب الأوروبي،
343
فمراسلات التاجر التوسكاني دانتي
Datini
تفيد بأن المغرب الإسلامي لم يفقد أهميته التجارية بالنسبة للصوف مع ميورقة، وتؤكد على قيام العديد من المبادلات التجارية للصوف في معظم بلدان المغرب عن طريق التاجر اليهودي استيرش إكسبيلي
Asturuch Xibili ،
344
وفي عام 849ه/1444م منع المجلس البلدي البندقي تصدير القطن القادم من بلاد الشام إلى المغرب؛ لأن التجار البنادقة أعادوا تصدير القطن السوري إلى موانئ بجاية،
345
كما وقعت بعض الخلافات في عام 864ه/1459م بين التجار الجنويين تظهر أن التاجر الجنوي جورج جرجير ستيلا كان من أبرز التجار الذين اهتموا بتوريد بعض المنسوجات والمواد الخام لطرابلس، ومن مستوردي الصوف والكتان خاصة من قسنطينة قبل عام 875ه/1470م، بالإضافة إلى العديد من الأعمال التجارية الأخرى التي تعامل معها وغيره من التجار الجنويين.
346
هوامش
الخاتمة
أوضحت الدراسة أن زراعة الكتان في بلدان الغرب الإسلامي انتشرت بكثرة مقارنة بباقي المحاصيل النسيجية الأخرى كالقطن والقنب، خاصة في مدن المغرب؛ نظرا لتوافر المقومات الزراعية، التي ساعدت على نموه وانتشاره، في حين انتشرت زراعة القطن في معظم مدن الأندلس وصقلية بوفرة، مقارنة بمدن المغرب، وهو ما يوضح تأثير الأحوال المناخية والطبيعية على زراعة المحاصيل النسيجية.
وأبرزت الدراسة ازدهار إنتاج الحرير في مناطق الغرب الإسلامي في مدن الأندلس، خاصة في ألمرية وجيان، في حين قلت مناطق إنتاج الحرير في مدن وقرى المغرب، على الرغم من أن قابس كانت من مراكز إنتاج الحرير في المغرب خلال القرن 6ه/12م؛ وعليه فقد احتل الحرير الأندلسي مكانة مرموقة وسط صادرات الغرب الإسلامي النسيجية لمعظم البلدان، فعلى الرغم من النمو الصناعي والتجاري لمدن الغرب المسيحي، التي طورت نشاطها الاقتصادي فيما يتعلق بالنسيج من إنتاج الصوف والكتان والقطن وكذلك الحرير، لكن ظل الحرير الأندلسي ولفترات طويلة محافظا على قيمته الصناعية والتجارية، فلم يجد منافسا قويا له في الأسواق الأوروبية، وذلك لأن مصانع الغرب المسيحي لجأت لتصنيع الصوف الخام والكتان والقطن أكثر من الحرير.
كما بينت الدراسة أن بلاد المغرب الإسلامي عرفت بإنتاجها الوفير من الأغنام والأصواف؛ لكثرة مراعيها الممتدة من ساحل البحر المتوسط إلى بطون الصحراء، التي ساعدت على تعدد أصناف إنتاج الصوف بها، والتي تميزت بأصوافها الجيدة والحسنة، فلاقت رواجا تجاريا خاصة في أسواق الغرب المسيحي، كما ساهمت بلاد المغرب في نقل الأغنام - من غنم، ومعز، وبقر - إلى البلدان الأندلسية، ولعل تلك الأغنام التي يطلق عليها أغنام المرينو
Merinas-Merino ، والتي جلبت لبلاد الأندلس منذ القرن الخامس والسادس الهجريين/الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين؛ تميزت بجودة صوفها. ويرجع البعض أصل لفظ المرينو إلى لفظ «مرن» للدلالة على نعومة الأصواف ودقتها ومرونتها، في حين نسبها البعض الآخر لبني مرين؛ وعليه فقد شكلت تربية الأنعام دعامة أساسية في النظام الفلاحي والحيواني في بلاد المغرب، وكانت لخدمة الحياة اليومية لسكان الغرب الإسلامي وساهمت في البناء الاقتصادي لأسره؛ لذلك لم يتركز الاقتصاد الأندلسي على إنتاج الصوف، بل اعتمد بشكل جزئي على استيراده من البلدان المجاورة خاصة من المغرب وميورقة والممالك المسيحية.
وأظهرت الدراسة اهتمام العديد من فئات مجتمع الغرب الإسلامي بممارسة صناعة النسيج من علماء، ونساء، وصبية، وأهل ذمة، وغيرهم من مكونات هذا المجتمع؛ نظرا لملاءمة طبيعة صناعته بعاداته وتقاليده، فضلا عن إكسابه العديد من الصفات الحسنة من صبر والسعي على الرزق الحلال، كما ساعد النسيج في ترابط أسره وأوجد روح التعاون والتقارب بين أفراد أسره، ومن أبرز صور هذا التعاون «التويزة» وهي خروج نساء القرية أو المدينة للاجتماع في مجالس خاصة بالنساء ليغزلن عند امرأة منهن يخترنها بأنفسهن، ما تدعوهن هي لغزله سواء من كتان أو صوف، فيتشاركن في الغزل؛ لهذا أطلق البعض على هذا الترابط «دولة النساء»، ولم تمارس النساء الأعمال الأخرى المرتبطة بالنسيج من قصارة أو كمادة أو صباغة؛ لأنها من الأعمال الصعبة التي استلزمت القوة لتأديتها، ولكن من المؤكد أنهن مارسن أمور الغزل والنسج والخياطة، وهي المهن التي تماشت وما نهى عنه الدين الحنيف والظروف الاجتماعية من عادات وتقاليد؛ لذا ساهم النسيج عبر مراحله في إبراز دور المرأة الغرب إسلامية في أسرتها ومجتمعها من خلال النسيج.
كما بينت الدراسة تعدد مراكز صناعة النسيج في الغرب الإسلامي، فيكاد لا تخلو قرية ولا مدينة إلا وكانت بها فئة تمارس النسيج، سواء في الجبال أو الوديان أو الصحاري أو على ضفاف البحر والمحيط؛ مما أدى لظهور بعض التجمعات الكبرى، وبخاصة حول الحواضر والمدن لتجميع الغزل من المناطق المحيطة، كما حول الناحية الجنوبية من مدينة تونس التي تعرف ب «مسبحة مقرين للغزل»، فكانت مستودعا كبيرا للغزل المتجمع من المدن والبوادي ولمعامل ومصانع الغزل المختلفة، لتعد وتدخل مرحلة التصنيع، وقد حرصت السلطة على حماية هذا الموضع لأهميته الصناعية والتجارية. كما كان لصناع الغرب الإسلامي - في بعض المدن - شارات خاصة بهم تميزهم؛ فكانت لكل صنعة شارة تميزها عن غيرها، وتبرز كل فرقة من أهل الصناعة عن الأخرى خاصة عند الاقتضاء والنزاعات التي قد تنشب بينهم، والشارة عبارة عن علم يحمل شعار كل صنعة وما يناسبها.
وتظهر الدراسة كيف أن حرفيي الغرب الإسلامي ساهموا في تطوير صناعة النسيج في العديد من مناطقه، بل وأدخلوا أساليب جديدة عليه، بعد أن أدخل الصناع المسلمون دود القز إلى صقلية لصناعة الحرير بها، بالإضافة لصناعة الورق عن طريق المسلمين الفاتحين، كما كان لصناع المغرب دور في ازدهار صناعة الورق بالأندلس، خاصة خلال القرن الرابع الهجري، ومنها انتقلت إلى معظم بلدان الغرب المسيحي، فأنتج صناعه الورق الملون في العصر المرابطي.
ورصدت الدراسة كيف أن بلدان الغرب الإسلامي تميزت بإنتاج أنواع معينة من المنسوجات اختلفت عنها في باقي المدن؛ فانتشرت العديد من مراكز الصناعة، التي لاقت شهرة واسعة، بإنتاجها نوعيات فريدة ومتميزة خاصة مراكزها الحريرية، بإنتاج المنسوجات الحريرية، كالقابسي، والتلمساني، والثياب السفسارية، والوطاء البسطي، والثياب السرقسطية، والحرير السيراكوزي، فضلا عن مراكزها الصوفية، فمن جملة الثياب الصوفية التي عرف بها الغرب الإسلامي الثياب السوسية، والأكسية العبيدية، وثياب الصوف التلمسانية، والقماش الدرجيني، الأشكري أو الإشكرلاط، والوطاء الجنجالي، والبسط التنتالية . وكذلك مراكزها القطنية، فصنعت جملة من المنسوجات القطنية كالقماش السفساري. هذا بخلاف مراكزها الكتانية، التي انتشرت في العديد من المناطق فأنتجت، كالقماش الأفريقي الذي اعتبر من أحسن كساوي المغرب، والثياب السوسية المهدوية، والثياب الرفيعة السوسية، بالإضافة للمناديل المقاومة للنار من الكتان باستخدام نوع من الحجارة عرف ب «تاوطغيت» في درعة، كما بيع بأسواق نكور نوع من البرانس المقاومة للماء.
انقسمت دور الطراز في الغرب الإسلامي إلى: الطراز الخاص، وهو ما خصص إنتاجه للخلفاء والملوك. والطراز العام ووجه إنتاجه لعامة الناس والبلاط أيضا، وكلاهما خضع للمراقبة من قبل السلطة، حتى تستطيع تلبية احتياجات المجتمع الغرب إسلامي من منسوجات وثياب.
وأفادت الدراسة أن بلدان الغرب الإسلامي انتشرت بها العديد من الأسواق التخصصية للنسيج في مدنه وقراه، وكان من أشهرها: أسواق الغزل، وأسواق الأقمشة الصوفية وأسواق الصباغين والخياطين والبزازين والثياب والقراقين، والوزر، وأسواق الرهادنة، وسوق الجبة، والقشاشين، والأبارين، والمغازل، وخيوط الكتان، والحرارين، والمركطين. وخصص في بيع الثياب المستعملة الهبط، وسوق الورقة الذي خصص لتهيئة ورق التوت، وسوق التيالين وهو السوق المخصص لصناعة الغرابيل، بالإضافة لسوق البز، وربض الطرازين، وسوق الخيط، وسوق القرمز، وسوق السقاطين.
وأوضحت الدراسة أن الحركة التجارية في الغرب الإسلامي اتسمت في بدايتها بنوع من البطء التجاري الذي لم يساير القوى التجارية الموجودة آنذاك؛ مما دفعها لأن تلعب دور الوسيط التجاري في العديد من المبادلات التجارية بين البلدان الأفريقية والغرب المسيحي؛ حيث قامت مدن المغرب الأقصى بهمزة الوصل بين السودان والعالم الخارجي، وظلت علاقاتها التجارية مع الغرب المسيحي مفعلة وسارية - رغم فتورها في بعض الأوقات - عن طريق عقد المعاهدات والاتفاقيات التجارية بين السلطات لتوفير الظروف المناسبة لاستمرار تلك العلاقات والعمل على تنشيطها.
وبينت الدراسة أن التواصل التجاري للنسيج للغرب الإسلامي امتد إلى بلاد الهند والصين، وساعد على هذه الصلات التجارية بعض المدن المشرقية، التي لعبت دور الوسيط في بعض الأحيان كمدينة البصرة العراقية. كما أظهرت الدراسة وجود علاقات تجارية رصينة منذ زمن طويل مع مصر تركزت على المواد الخام النسيجية من كتان وحرير، بالإضافة إلى المنسوجات الأخرى، عن طريق موانئ الغرب الإسلامي والموانئ المصرية وبخاصة الإسكندرية.
ورصدت الدراسة كذلك نشاط حركة تجارة المنسوجات في الغرب الإسلامي مع الغرب المسيحي خلال القرن 6ه/12 حتى منتصف القرن 7ه/13م، ثم تطورها مع نهاية القرن 8ه/14م خاصة مع مملكة البرتغال؛ حيث كان للتجارة البرتغالية أواخر القرن 9ه/15م دور في مدن الغرب الأفريقي والسودان الغربي، من خلال سلسلة من المدن الساحلية المغربية على طول ساحل المحيط الأطلسي ومناطق رئيسية ساهمت في إنجاح تجارة المنسوجات البرتغالية. وبنهاية 929ه/1523م تقلصت المحطات التجارية البرتغالية في مدن غرب أفريقيا بشكل كبير، على الرغم من أن التجارة البرتغالية مع غرب أفريقيا كانت تمثل عنصرا لا غنى عنه في نجاح التجارة الخارجية للبرتغال.
وأثبتت الدراسة أنه على الرغم من سقوط المدن والممالك الأندلسية في قبضة إسبانيا المسيحية فإن النسيج الإسلامي ظل شامخا بقيمته ودقته في تلك الأراضي؛ فظل لفظ القطن
Algodon
مستخدما من سكان إسبانيا المسيحية لفترات طويلة عقب زوال الحكم الإسلامي من الأندلس. كما ظل اسم القنب
Alconba
يطلق على إحدى القرى في الأندلس، وكذلك بعض الألفاظ والمصطلحات الصناعية للنسيج كلفظ
Alfombra ، الذي يعني سجادة أو بساطا، والذي جاء من الكلمة العربية الحمرة أو الخمرة أي الحصير. وظل حي السقاطين
Zacatin - وهم بائعو الثياب المستعملة - لفترة قريبة يحمل نفس الاسم في الأندلس. وكذلك استعان تجار قيسارية طليطلة بالذراع الرشاشية في قياس أقمشتهم لفترات طويلة عقب زوال الحكم الإسلامي من الأندلس.
الملاحق
أسواق النسيج بالغرب الإسلامي كما وردت بالبحث.
اسم السوق
موضعه
المصدر
سوق الرهادنة
القيروان
معالم، ج4، ص148.
سوق الغزل
القيروان
الدباغ: معالم الإيمان، ج2، ص343.
غسالة بالقيروان
يبدو أنها لغسل الملابس، وفي موضع آخر يقول: إن مسألة تخص غسالة للجلود
البرزلى: فتاوى، ج4، ص413؛ ج5، ص453، ص551.
سوق قيسارية بجاية
بجاية
عنوان الدراية، ص250.
سوق الغزل
إفريقية
البرزلى: فتاوى، ج3، ص180.
سوق الأبارين
البرزلى: فتاوى، ج3، ص180.
سوق الغزل
سوسة
المازري: فتاوى المازري، ص232؛ البرزلي: فتاوى البرزلي، ج4، ص300.
سوق الخياطين
سوسة
المالكي: رياض النفوس، ج2، ص275.
سوق الوزر
سوسة
ابن عظوم: كتاب الأجوبة، ج1، ص247.
سوق الحرارين
سوسة
محمد حسن: المدينة والبادية، ص475.
سوق القطانين
جامع الزيتونة
محمد حسن: المرجع السابق، ص476.
سوق الجبة
تونس
الأبي: الإكمال، ج5 ، ص31.
سوق القشاشين
تونس
الترجمان: المصدر السابق، ص88.
سوق الأبارين
تونس
محمد حسن: المرجع السابق، ص483.
سوق الرهادنة
تونس
عبد الله الترجمان: تحفة الأريب، ص88.
سوق البزازين
تونس
البرزلى: فتاوى، ج4، ص457، ج5، ص170.
سوق الغزل
تونس
ابن المناصف: تنبية الحكام، ورقة 81ب.
فندق الرماد
بتونس وهو لغسل الغزل وترميده
البرزلى: فتاوى، ج3، ص400، ج5، ص186.
سوق المغازل
مراكش
مقديش: نزهة الأنظار، ج2، ص62.
سوق خيوط الكتان
فاس
ابن الوزان: المصدر السابق، ص243.
سوق الحرارين
فاس
المكناسي: جذوة الاقتباس، ص72.
سوق المركطين
فاس
ابن صاحب الصلاة: المن بالإمامة، ص396.
سوق الهبط
فاس
التادلي: التشوف، ص368.
سوق الصباغين
فاس
الروض القرطاس: 414.
سوق الخياطين
فاس
المن بالإمامة، ص396.
سوق البزازين
فاس
المن بالإمامة، ص396.
سوق القراقين
فاس
ابن القطان: نظم الجمان، ص368.
سوق الأقمشة الصوفية
فاس
ابن الوزان: وصف أفريقيا، ص242.
سوق السقاطين
سبتة
السبتي: اختصار الأخبار، ص36.
ربط الطرازين
قرطبة
توريس بالباس: المدن الإسبانية الإسلامية، ص261.
شارع الخياطين
قرطبة
توريس بالباس: المرجع السابق، ص450.
سوق الكتانين
قرطبة
ابن القطان: المصدر السابق، ص222؛ توريس بالباس: المرجع السابق، ص479؛ السيد عبد العزيز سالم: قرطبة حاضرة الخلافة، ج1، ص181.
سوق البز
قرطبة
ابن القطان: المصدر السابق، ص222؛ توريس بالباس: المرجع السابق، ص449.
سوق الخيط
قرطبة
توريس بالباس: المرجع السابق، ص479؛ السيد عبد العزيز سالم: قرطبة حاضرة الخلافة، ج1، ص181.
سوق الحصارين
قرطبة
توريس بالباس: المرجع السابق، ص479؛ السيد عبد العزيز سالم: قرطبة حاضرة الخلافة، ج1، ص181.
سوق البزازين
إشبيلية
ابن صاحب الصلاة: المصدر السابق، ص386.
سوق الخياطين
إشبيلية
ابن صاحب الصلاة: المصدر السابق، ص386.
سوق القرمز
إشبيلية
توريس بالباس: المرجع السابق، ص451.
سوق الحصر
طليطلة
توريس بالباس: المرجع السابق، ص442.
شارع الصبغ
غرناطة
توريس بالباس: المرجع السابق، ص485.
سوق الصباغين
لبلة
محمد سيد الناقة: الأسواق التجارية والصناعية بالأندلس، ص193.
سوق الغزل
مالقة
ابن الخطيب: الإحاطة، ج3، ص195.
سوق الطرازين
صقلية
ابن حوقل: صورة الأرض، ص119.
سوق القطانين
صقلية
ابن حوقل: صورة الأرض، ص119.
سوق الحلاجين
صقلية
ابن حوقل: صورة الأرض، ص119.
قيساريات النسيج بالغرب الإسلامي كما وردت بالبحث.
موضع القيسارية
المصدر
القيروان
البكري: المغرب في ذكر إفريقية والمغرب، ص22-23؛ أحمد الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص81.
سوسة
الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص82.
مراكش
ابن عذاري: البيان المغرب، قسم الموحدين، ص257.
بجاية
عنوان الدراية، ص250.
تلمسان
إدريس: المجتمع في المغرب، ص123 بلوط عمر: الفنادق في تلمسان الزيانية، ص75.
فاس-عدوة القرويين
المكناسي: جذوة الاقتباس، ج1، ص72 ابن أبي زرع: الأنيس المطرب، ص48.
فاس-عدوة الأندلس
ابن أبي زرع: الأنيس المطرب، ص48.
أسفى
أحمد الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص81؛ عبد العزيز بن عبد لله: الحرف. والصناعات التقليدية، ص220.
ألمرية
ترصيع الأخبار، ص86.
إشبيلية
أحمد الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص85.
قرطبة
أحمد الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص84.
غرناطة
ابن صاحب الصلاة: المن بالإمامة، ص396-397؛ مجهول: نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر، ص5؛ أحمد الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص85.
بلنسية
العذري: ترصيع الأخبار، ص18.
طليطلة
توريس بالباس: المدن الإسبانية الإسلامية، ص533.
بليش
توريس بالباس: المدن الإسبانية الإسلامية، ص514؛ الطوخي: مظاهر؛ الحضارة في عصر بني الأحمر، ص278؛ الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص93-94.
ميورقة
توريس بالباس: المدن الإسبانية الإسلامية، ص514؛ الطوخي: مظاهر؛ الحضارة في عصر بني الأحمر، ص278؛ الطوخي: القيساريات الإسلامية، ص93-94.
بعض أسعار النسيج في الغرب الإسلامي 5ه/11م إلى 9ه/15م.
التاريخ
نوع النسيج
الثمن
ملاحظات
المصدر
ق5ه/11م
رطل حرير
15 درهما
الأندلس
Moshe Gil: The Flax Trade in the Mediterranean in the Eleventh Century, p. 93: 96.
411ه/1020م
قنطار من الكتان
3,75 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
418ه/1027م
قنطار من الكتان الأشموني
ما بين 4,25-6,5 دنانير
القيروان
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
418ه/1027م
قنطار من الكتان الملال
7 دنانير - 270 درهما و280 درهما للجيد
القيروان
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
418ه/1027م
قنطار من الكتان الملال
5-5,5 دنانير للعادي
القيروان
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
422ه/1030م
قنطار من الكتان
4 دنانير، يساوي بالفسطاط دينارا واحدا
باليرمو
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
422ه/1030م
قنطار من الكتان
5,25-7 دنانير
طرابلس
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
422ه/1030م
قنطار من الكتان
7-7,75 (البيع بربع الدينار)
باليرمو
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
422ه/1030م
قنطار من الكتان
4-4,25 دنانير (السعر بالدرهم 155-190)
باليرمو
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
432ه/1040م
قنطار من الكتان الرطب
1,5 دينار
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
437ه/1045م
قنطار من الكتان
5-6 دنانير
المغرب
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
440ه/1048م
قنطار من الكتان
5-6 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
441ه/1049م
قنطار من الكتان
5 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان
5 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان
8,5-8,75 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان الفيومي
4,5-7 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان الملال
4,5-5 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان
5,5-8,25 دنانير (البيع بربع الدينار)
صقلية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان
3,5 دنانير (كتان رطب)
صقلية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان الملال
4,5-5 دنانير
صقلية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان
8-10 دنانير
طرابلس
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
442ه/1050م
قنطار من الكتان
13-15 دينارا
طرابلس
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
447ه/1055م
قنطار من الكتان
14,5 دينارا (البيع بربع الدينار)
باليرمو
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
448ه/1056م
قنطار من الكتان
12 دينارا
سوسة
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
451ه/1059م
قنطار من الكتان
8-11 دينارا
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
454ه/1062م
قنطار من الكتان
4,5-7 دنانير
تونس
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
456ه/1063م
قنطار من الكتان
4,5 دنانير
المهدية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
456ه/1063م
قنطار من الكتان
تراوح سعر بيعه خلال تلك الفترة بين 3,75 دنانير و18 دينارا
صفاقس
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
456ه/1063م
قنطار من الكتان
7,5-10 دنانير
صقلية
Moshe Gil: Op.cit., p. 93: 96.
أواخر القرن 5ه
القماش الأشقر (شقرة)
أقل من 4 دنانير
درجة أولى
الطيبي: دراسات وبحوث في تاريخ المغرب، ص148-149.
أواخر القرن 5ه
فوط غير مقصرة
7 فوط (10 دنانير)
الطيبي: دراسات وبحوث في تاريخ المغرب، ص148-149.
410ه/1119م
10 أرطال حرير أندلسي
21-22 دينارا
الإسكندرية
الطيبي: دراسات وبحوث في تاريخ المغرب، ص151.
6ه/12م
قنطار الكتان
70 ربع دينار
صقلية
Goitien; A Mediterranean Society, Vol. 1, p. 302.
6ه/12م
عمائم سوسة
100 دينار للعمامة
سوسة
مجهول: الاستبصار، ص119.
ق6ه/12م
ثوب
10 دراهم
مراكش
التادلي: التشوف، ص322.
7ه/13م
خمسة حصر من الكتان
213 دينارا
Dufourcq: Prix et Niveaux de vie dans les pays Catalans et Maghribins, p. 481.
7ه/13م
ثوب مستعمل
10 دراهم
مراكش
عز الدين موسى: النشاط الاقتصادي، ص403.
7ه/13م
كفن
3 دراهم
مراكش
عز الدين موسى: النشاط الاقتصادي، ص403.
7ه/13م
ثوب مستعمل
عشرة دراهم
فاس
عز الدين موسى: النشاط الاقتصادي، ص403.
7ه/13م
جبة
عشرة دنانير
أغمات
عز الدين موسى: النشاط الاقتصادي، ص403.
7ه/13م
ثوب مستعمل
10 دراهم
مراكش
التادلي: التشوف، ص322.
ق4ه/10م
عمامة شرب
500-600 دينار
صنهاجة
مجهول: الاستبصار، ص129.
707ه/1307م
7 بالات من قطن
10 دنانير
المغرب
Dufourcq: Op.cit., p. 482.
707ه/1307م
9 قناطير من جزز الصوف
12 دينارا
أصيلة
Dufourcq: Op.cit., p. 481.
729ه/1329م
قنطار من جزز الصوف
1,75 دينارا
أصيلة
Dufourcq: Op.cit., p. 481.
707ه/1307م
21 قنطارا من الكتان
38 دينارا
المغرب
Dufourcq: Op.cit., p. 481.
ق8 / 14م
100 كيلوجرام من الصوف
20 دينارا
المغرب
Dufourcq: Op.cit., p. 481.
ق8 / 14م
3-4 أمتار من الجوخ
10 دنانير
ميورقة
Dufourcq: Op.cit., p. 481.
ق8 / 14م
500 جزة (جلد) غنم
10 دنانير
المغرب - ميورقة
Dufourcq: Op.cit., p. 481.
725ه/1324م
40-50 فريدة ورق
1 دينار
فاس - ميورقة
Dufourcq: Op.cit., p. 481.
9ه/15م
8 مخاد من الحرير
262,5 دينارا
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
مرفقة من الحرير
67 دينارا
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
لحاف
337,5 دينارا
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
كلة حرير
187,5 دينارا
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
ملف
22 دينارا
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
بساط قطيفة
30 درهما
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
مقدار من غزل الكتان
6 دنانير من الفضة
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
قطيفة من الصوف
8 دنانير
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
سجادة
درهمان
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
ملحفة سرير
4 دنانير من الفضة
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
سروال نساء
10 دراهم
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
منديل مرقوم
16 درهما
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
خمس مخاد من الحلف
15 درهما
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية .
9ه/15م
ملحفة رأس
18 دينارا من الفضة
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
بساط جلد
13 درهما
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
9ه/15م
فضلة شقة
36 درهما
غرناطة
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية.
ثبت المصادر والمراجع
أولا: القرآن الكريم
ثانيا: المصادر المخطوطة (1)
ابن المناصف، محمد بن عيسى بن محمد بن أصبغ (ت620ه/1223م): تنبيه الحكام في سيرة القضاة وقبول الشهادات وتنفيذ الأحكام والحسبة، مخطوطات الأزهر، النسخة الأزهرية، رقمها 3031.
ثالثا: المصادر المطبوعة (1)
الأبي، الإمام أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي (ت827ه): إكمال إكمال المعلم في شرح صحيح مسلم (إكمال الإكمال)، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، (د.ت). (2)
الإبياني، أبو العباس عبد الله بن أحمد بن إبراهيم التميمي (ت352-361ه/962-971م): مسائل السماسرة، تحقيق: محمد العروسي المطوي، دار الغرب الإسلامي، ط1، بيروت، 1992م. (3)
ابن الأحمر، إسماعيل (ت807ه/1404م): بيوتات فاس الكبرى، أو ذكر بعض مشاهير فاس في القديم، الرباط، دار المنصور للطباعة، 1972م. (4)
ابن أخوة، محمد بن محمد بن أحمد القرشي (ت729ه/1328م): معالم القربة في أحكام الحسبة، تحقيق: محمد محمود شعبان وصديق أحمد عيسى، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1967م. (5)
الإدريسي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إدريس الحمودي الحسيني المعروف بالشريف الإدريسي (من علماء القرن السادس الهجري): نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، جزآن، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1409ه/1989م. (6)
صفة المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس، مأخوذة من كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، مطبعة ليدن، 1893م. (7)
ابن إصبغ، أبو الإصبغ عيسى (ت486ه/1093م): نوازل ديوان الأحكام كتاب ديوان الأحكام الكبرى أو الإعلام بنوازل الأحكام وقطر من سير الحكام، تحقيق: يحيى مراد، القاهرة، دار الحديث، (د.ت). (8)
الإصطخري، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفارسي المعروف بالإصطخري (ت346ه/957م): المسالك والممالك، ليدن، 1937م. (9)
الأندلسي، أبو عبد الله محمد بن محمد الأندلسي (ت1149ه/1736م): الحلل السندسية في الأخبار التونسية، مطبعة الدولة التونسية، 1287ه. (10)
البادسي، إسماعيل بن أحمد بن محمد بن الخضر البادسي الغرناطي (ت722ه/1322م): المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، تحقيق: سعيد أعراب، المطبعة الملكية بالرباط، الطبعة الثانية، 1414ه/1993م. (11)
البرزلي، أبو القاسم بن أحمد البلوي التونسي المعروف بالبرزلي (ت841ه/1438م): فتاوى البرزلي (جامع مسائل الأحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام)، تحقيق: محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 2002م. (12)
ابن بسام، محمد بن أحمد (عاش في ق8ه/14م): نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق: حسام الدين السامرائي، مطبعة المعارف، بغداد، 1968م. (13)
بشكوال، أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى (ت578ه/1182م): كتاب الصلة ، عني بنشره: السيد عزت العطار الحسيني، القاهرة، 1955م. (14)
بصال، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم (ت499ه/1105م): كتاب الفلاحة، عني بنشره: خوسيه ماريا بييكروسا ومحمد عزيمان، مطبعة كريماديمس، تطوان، 1955م. (15)
ابن بطوطة، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللواتى (ت779ه/1380م): رحلة ابن بطوطة المسماة «تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار»، تحقيق: عبد الهادي التازي، خمسة أجزاء، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية سلسلة التراث، 1417ه/1997م. (16)
البكري، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز القرطبي (ت487ه/1094م): المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، وهو جزء من كتاب المسالك والممالك، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، (د.ت). (17)
بنيامين التطيلي، الرابي بنيامين بن الرابي يونة التطيلي النباري الإسباني اليهودي (ت569ه): رحلة بنيامين التطيلي، ترجمة: عزرا حداد، المجمع الثقافي، أبو ظبي، الطبعة الثانية، 2002م. (18)
بيرو طافور (عاش في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي): رحلة طافور في عالم القرن الخامس عشر الميلادي، تحقيق: حسن حبشي، مكتبة الثقافة الدينية، 1423ه/2002م. (19)
البيطار، ضياء الدين عبد الله بن أحمد الأندلسي المالقي (ت646ه/1248م): الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، مكتبة المثنى، بغداد، (د.ت). (20)
التادلى، أبو يعقوب يوسف بن يحيى التادلي المعروف بابن الزيات (617ه/1220م): التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي العباس السبتي، تحقيق: أحمد التوفيق، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية سلسلة بحوث ودراسات رقم 22، الرباط، الطبعة الثانية، 1997م. (21)
التجاني، أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد التجاني (ت719ه/1319م): رحلة التجاني، تقديم: حسن حسني عبد الوهاب، الدار العربية للكتاب، 1981م. (22)
الترجمان، أبو محمد عبد الله بن عبد الله الميورقي (ت832ه): تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب، تحقيق: عمر وفيق الداعوق، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 1408ه/1988م. (23)
الثعالبي، عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (ت430ه): خاص الخاص، عني بتصحيحه: محمود السكري، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى، 1809م. (24)
الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: التبصرة بالتجارة في وصف ما يستظرف في البلدان من الأمتعة الرفيعة، والأعلاق النفيسة، والجواهر الثمينة، عني بنشره وتصحيحه والتعليق عليه: حسن حسني عبد الوهاب، المطبعة الرحمانية، مصر، الطبعة الثانية، 1354ه/1935م. (25)
الجبي: شرح غريب ألفاظ المدونة، تحقيق، محمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1425ه/2005م. (26)
ابن جبير، أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني (ت614ه/1217م): رحلة ابن جبير المسماة «تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار»، دار صادر، بيروت، (د.ت). (27)
الجرسيقي، عمر بن عثمان بن العباس (توفي في النصف الأول من ق6ه/12م): رسالة في الحسبة، منشور ضمن ثلاث رسائل أندلسية في آداب الحسبة والمحتسب، تحقيق: ليفي بروفنسال، القاهرة، 1955م. (28)
الجزنائي، على الجزنائي (كان حيا 766ه/1365م): جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس، تحقيق: عبد الوهاب بن منصور، الرباط، المطبعة الملكية، 1967م. (29)
الجزيري، أبو القاسم بن يحيى بن القاسم الجزيري (ت585ه): المقصد المحمود في تلخيص العقود، تحقيق: فايز بن مرزوق بن بركي السلمي، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة أم القرى، 1422ه. (30)
ابن الحاج، أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري المالكي الفاسي (ت737ه): كتاب المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات والتنبيه على بعض البدع والعوائد التي انتحلت وبيان شناعتها وقبحها، مطبعة دار التراث، القاهرة، (د.ت). (31)
حامد الغرناطي، أبو حامد الأندلسي الغرناطي (ت565ه/1170م): تحفة الألباب ونخبة الإعجاب، تحقيق: إسماعيل العربي، منشورات دار الآفاق الجديدة، المغرب، 1993م. (32)
ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (456ه): طوق الحمامة في الألفة والألاف، طبعه دمشق، 1930م. (33)
أبو الحسن علي بن يوسف الحكيم: الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة، تحقيق: حسين مؤنس، نشر في مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد، المجلد السادس، العدد 1-2، 1378ه/1958م. (34)
ابن الحشاء، أبو جعفر أحمد بن محمد: مفيد العلوم ومبيد الهموم وهو «تفسير الألفاظ الطبية الواقعة في كتاب المنصوري للرازي»، تحقيق: جورج. س. كولان وآخرين، مطبوعات معهد العلوم العليا المغربية، المطبعة الاقتصادية، الرباط، 1941م. (35)
الحميدي، أبو عبد الله محمد بن فتوح بن عبد الله (ت488ه/1095م). جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس (وأسماء رواة الحديث، وأهل الفقه، والأدب، وذوي النباهة والشعر)، تحقيق : محمد بن تاويت الطنجي، مطبعة السعادة، مصر، (د.ت). (36)
الحميري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميرى (ت900ه/1494م): الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق: إحسان عباس، مكتبة لبنان، بيروت، الطبعة الأولى، 1975م. (37)
صفة جزيرة الأندلس منتخبة من كتاب الروض المعطار، عني بنشرها وتصحيحها وتعليق حواشيها: ليفي بروفنسال، دار الجيل، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1408ه/1988م. (38)
ابن حوقل، أبو القاسم النصيبي (ت367ه): صورة الأرض، دار صادر، بيروت، (د.ت). (39)
ابن حيان، أبو مروان حيان بن خلف (ت469ه/1076م): المقتبس في أخبار بلد الأندلس، تحقيق: عبد الرحمن علي الحجي، دار الثقافة، بيروت، 1965م. والجزء الخامس، اعتنى بنشره: ب. شالميتا وآخرون، المعهد الإسباني للثقافة، مدريد، 1979م. (40)
ابن خرداذبة، أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله (ت300ه): المسالك والممالك، طبع بمطابع ليدن، أبريل، 1889م. (41)
الخشني، أبو عبد الله محمد بن حارث (ت361ه/971م): قضاة قرطبة، مطابع سجل العرب، القاهرة، 1966م. (42)
ابن الخطيب، لسان الدين محمد بن عبد الله الوزير الغرناطي (ت776ه/1374م): تاريخ إسبانيا الإسلامية أو كتاب أعمال الأعلام فيمن بويع قبل الاحتلام من ملوك الإسلام، تحقيق: ليفي بروفنسال، دار المكشوف، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1956م. (43)
خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف، تحقيق: أحمد مختار العبادي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ودار السويدي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2003م. (44)
الإحاطة في أخبار غرناطة، تحقيق: محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجى، القاهرة (د.ت). (45)
اللمحة البدرية في أخبار الدولة النصرية، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1978م. (46)
ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد (ت808ه/1409م): تاريخ ابن خلدون المسمى «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1413ه/1992م. (47)
المقدمة، الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، 2007م. (48)
الدباغ، عبد الرحمن بن محمد الأنصاري، أبو زيد الدباغ (ت696ه): معالم الإيمان في معرفة أهل القيروان، أكمله: أبو القاسم بن عيسى بن ناجي (ت839ه)، تحقيق : إبراهيم شبوح، مكتبة الخانجي، مصر، الطبعة الثانية، 1968م. (49)
ابن دحية، عمر بن حسن أبو الخطاب (ت633ه): المطرب من أشعار أهل المغرب، تحقيق: إبراهيم الإبياري وحامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي، دار العلم للجميع، بيروت، لبنان ، 1955م. (50)
الدمشقي، أبو الفضل جعفر بن علي (ت.ق6ه): الإشارة إلى محاسن التجارة ومعرفة جيد الأعراض ورديئها وغشوش المدلسين فيها، مطبعة المؤيد، مصر، (د.ت). (51)
ابن الديبع، وجيه الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد (944ه): بغية الإربة في معرفة أحكام الحسبة، تحقيق: طلال بن جميل الرفاعي، مركز إحياء التراث الإسلامي، الطبعة الأولى، 1423ه/2002م. (52)
الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (ت282ه/895م): قطعة من الجزء الخامس من كتاب النبات، عني بنشره: ب. لوين، مطبعة بريل، ليدن، 1953م. (53)
الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي: مختار الصحاح، مكتبة لبنان، 1986م. (54)
ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد (ت520ه/1126م): فتاوى ابن رشد، دار الغرب الإسلامي، 1407ه/1987م. (55)
الرصاع، أبو عبد الله محمد الأنصاري الرصاع (ت894ه): شرح حدود ابن عرفة (الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة الوافية)، تحقيق: محمد أبو الأجفان، الطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1993م. (56)
الزبيدي، محمد بن محمد بن عبد الرازق الحسيني (ت1205ه/1790م): تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين، الكويت، مطبعة حكومة الكويت، 1986م. (57)
ابن الزبير، الرشيد بن الزبير (القرن الخامس الهجري): الذخائر والتحف، تحقيق: محمد حميد الله، تقديم ومراجعة: صلاح الدين المنجد رحمه الله، دائرة المطبوعات والنشر، الكويت، 1959م. (58)
الزجالي، أبو يحيى عبيد الله بن أحمد الزجالي القرطبي (ت694ه): أمثال العوام في الأندلس، تحقيق وشرح ومقارنة: محمد بن شريفة، منشورات وزارة الدولة المكلفة بالشئون الثقافية والتعليم الأصلي، المغرب. (59)
ابن أبي زرع، أبو الحسن علي بن عبد الله الفاسي (741ه/1340م): الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط، 1972م. (60)
الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، دار المنصور للطباعة والوراقة، الرباط ، 1972م. (61)
الزركشي، أبو عبد الله محمد بن إبراهيم اللؤلؤي المعروف بالزركشي (ت. بعد 894ه): تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية، تحقيق: محمد ماضور، المكتبة العتيقة، تونس، الطباعة الثانية، 1966م. (62)
زروق، أحمد بن أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الفاسي المعروف بزروق (ت899ه): شرح زروق على متن الرسالة، دار الفكر، ببيروت، 1402ه/1982م. (63)
ابن أبي زمنين، محمد بن عبد الله بن عيسى بن أبي زمنين الإلبيري الأندلسي (ت399ه): منتخب الأحكام، تحقيق: عبد الله بن عطية الغامدي، مؤسسة الريان، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م. (64)
الزهري، أبو عبد محمد بن أبى بكر الزهري (توفي أواسط القرن السادس الهجري): كتاب الجغرافيا وما ذكرته العلماء فيها من العمارة وما في كل جزء من الغرائب والعجائب تحتوي على الأقاليم السبعة وما في الأرض من الأميال والفراسخ، تحقيق: محمد حاج صادق، مكتبة الثقافة الدينية، (د.ت). (65)
ابن أبي زيد، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي زيد القيرواني (ت386ه): رسالة الإمام ابن أبي زيد القيرواني، جمع: صالح عبد السميع الأبي الأزهري، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1338ه. (66)
النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات، تحقيق: محمد بو خبزة التطواني، دار الغرب الإسلامي، (د.ت). (67)
السبتي، أبو العباس أحمد العزفي السبتي (ت633ه): إثبات ما ليس منه بد لمن أراد الوقوف على حقيقة الدينار والدرهم والصاع والمد، تخريج ودراسة: محمد الشريف، المجمع الثقافي ضمن السلسلة الأندلسية، أبوظبي، 1999م. (68)
السبتي، محمد بن القاسم الأنصاري السبتي (كان حيا سنة 825ه/1441م): اختصار الأخبار عما كان بثغر سبتة من سني الآثار، تحقيق: عبد الوهاب بن منصور، الرباط، الطبعة الثانية، 1403ه/1983م. (69)
السبكي، تاج الدين أبو النصر عبد الوهاب بن أبي الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الشافعي (727-771ه): معيد النعم ومبيد النقم، تحقيق: محمد علي النجار وأبو زيد شلبي ومحمد أبو العيون، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1993م. (70)
السجستاني، أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني (ت255ه): كتاب النخل، تحقيق: حاتم صالح الضامن، منشورات دار البشائر. (71)
سحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي الملقب بسحنون (240ه/854م): المدونة الكبرى للإمام مالك من رواية سحنون عن ابن القاسم ويليه مقدمات ابن رشد لما اقتضته المدونة من الأحكام، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1994م. (72)
ابن سراج، أبو القاسم سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج الأندلسي (ت848ه/1444م): فتاوى قاضي الجماعة أبو القاسم بن سراج الأندلسي، تحقيق: محمد أبو الأجفان، سلسلة فتاوى علماء غرناطة، المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1420ه/2000م. (73)
ابن سعد، عريب بن سعد: كتاب الأنواء في تفصيل الأزمان ومصالح الأبدان ، نشر دوي تحت عنوان
Le Calendrier de Cordove ، ليدن، 1961م. (74)
ابن سعيد، أبو الحسن علي بن موسى بن سعيد المغربي (ت685ه/1286م): الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة، تحقيق: إبراهيم الإبياري، سلسلة الذخائر 14، دار المعارف، مصر، 1954م. (75)
المغرب في حلى المغرب، تحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1964م. (76)
كتاب الجغرافيا، تحقيق: إسماعيل العربي، المكتبة التجارية للطباعة، بيروت، 1970م. (77)
السقطي، أبو عبد الله محمد بن محمد السقطي المالقي الأندلسي: في آداب الحسبة، تحقيق: ليفي بروفنسال، باريس، (د.ت). (78)
السمعاني، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور (ت562ه/1166م): الأنساب، وضع حواشيه: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، 1998م. (79)
ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأندلسي (ت458ه): المخصص، المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، 1317ه. (80)
الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الأندلسي (ت790ه): فتاوى الإمام الشاطبي، تحقيق: محمد أبو الأجفان، تونس، الطبعة الثانية، 1985م. (81)
شيخ الربوة، الدمشقي (ت727ه/1326م): نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، طربورغ المحروسة، مطبعة الأكاديمية الإمبراطورية، 1281ه/1865م. (82)
الشيزري، عبد الرحمن بن نصر بن عبد الله (ت589ه/1193م): نهاية الرتبة في طلب الحسبة، عني بنشره: السيد الباز العريني، إشراف: محمد مصطفى زيادة، القاهرة، 1365ه/1956م. (83)
ابن صاحب الصلاة، عبد الملك بن صاحب الصلاة (ت594ه/1198م): تاريخ المن بالإمامة على المستضعفين «تاريخ بلاد المغرب والأندلس في عهد الموحدين»، تحقيق: عبد الهادي التازي، دار الغرب الإسلامي، بيروت (د.ت). (84)
ابن الصباح، عبد الله بن الصباح الأندلسي: نسبة الأخبار وتذكرة الأخيار، تحقيق: جمعة شيخة، مجلة دراسات أندلسية، المجلد الأول، 1433ه/2011م. (85)
الصومعي، أحمد بن أبي القاسم بن محمد الشعبي التادلي (ت1013ه): المعزى في مناقب الشيخ أبي يعزى، تحقيق: علي الجاوي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 1996م. (86)
عبد الباسط بن خليل، ابن الوزير زين الدين أبو المكارم عبد الباسط بن خليل بن شاهين الشيخي الملطي القاهري (ت920ه/1514م): الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم، تحقيق: روبار برنشفيك، باريس، 1936م. (87)
عبد الرءوف، أحمد بن عبد الله القرطبي (424ه): آداب الحسبة والمحتسب، نشره وعلق عليه: ليفي بروفنسال، القاهرة، 1955م. (88)
ابن عبدون الإشبيلي (عاش في القرن السادس الهجري): رسالة في القضاء والحسبة، منشور ضمن ثلاث رسائل أندلسية في آداب الحسبة والمحتسب ، تحقيق: ليفي بروفنسال، القاهرة، 1955م. (89)
أبو عبد الله بن عسكر وأبو بكر بن خميس: أعلام مالقة، تحقيق عبد الله المرابط الترغي، دار الغرب الإسلامي بيروت، ودار الأمان الرباط، 1999م. (90)
ابن عذاري، أبو العباس أحمد بن محمد (ت. بعد 712ه/1312م): البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، قسم الموحدين، تحقيق: محمد إبراهيم الكتاني وآخرين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1406ه/1985م. (91)
العذري، أحمد بن عمر بن أنس بن الدلائي (ت478ه/1048م): نصوص عن الأندلس من كتاب ترصيع الأخبار وتنويع الآثار والبيان في غرائب البلدان والمسالك إلى جميع الممالك، تحقيق: عبد العزيز الأهواني، مطبعة الدراسات الإسلامية، مدريد، 1962م. (92)
ابن عروس، عمر بن علي الجزائري الراشدي: ابتسام الغروس ووشي الطروس، طبعة حجرية تونس، الطبعة الأولى، 1303ه. (93)
ابن العطار، محمد بن أحمد الأموي (ت390ه): الوثائق والسجلات، اعتنى بتحقيقه ونشره: اب. سالميثاوف كورنيطي، مجمع الموثقين المجريطي: المعهد الإسباني العربي للثقافة، مدريد، 1983م. (94)
ابن عظوم، أبو القاسم بن محمد مرزوق المرادي القيرواني التونسي (ت1009ه/1601م): الأجوبة، تحقيق: محمد الهيلة، المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، تونس، 2005م. (95)
العقباني، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن قاسم بن سعيد العقباني التلمساني (ت871ه): تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر، تحقيق: علي الشنوفي،
Extrait du Bulletin d’Etudes Orientales du Institut Francis de Damas. R,
1967م. (96)
العلمي، أبو الحسن علي بن عيسى بن علي الحسني العلمي (من علماء ق11ه): نوازل العلمي، تحقيق: المجلس العلمي بفاس، ضمن منشورات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المغرب، 1983م. (97)
العمري، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى (ت749ه/1349م): مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، تحقيق: محمد عبد القادر خريسات وعصام مصطفى هزايمة ويوسف أحمد بني ياسين، مركز زايد للتراث والتاريخ، الإمارات، 2003م. (98)
ابن العوام، أبو زكريا يحيي بن محمد بن أحمد بن العوام الإشبيلي: كتاب الفلاحة، مدريد، 1802م. (99)
ابن عيشون، أبو عبد الله محمد بن عيشون الشراط (ت1109ه/1697م): الروض العاطر الأنفاس بأخبار الصالحين من أهل فاس، تحقيق: زهراء النظام، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1997م. (100)
ابن غازي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن غازي العثماني المكناسي (ت919ه): الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون، تحقيق عبد الوهاب منصور، المطبعة الملكية، الرباط، 1964م. (101)
ابن غالب، محمد بن أيوب (ت في ق6ه): نص أندلسي جديد من كتاب فرحة الأنفس من تاريخ الأندلس. تحقيق. لطفي عبد البديع. مصر، مجلة معهد المخطوطات العربية، مجلد 1، الجزء الثاني، 1956م. (102)
الغبريني، أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبد الله الغبريني (ت714ه): عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، تحقيق: عادل نويهض، منشورات لجنة التأليف والترجمة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1966م. (103)
أبو الفداء، عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر (ت732ه/1331م)، تقويم البلدان، اعتنى بتصحيحه: رينورد، والبارون ماك كوكين ديسلان، باريس، دار الطباعة السلطانية، 1840م. (104)
ابن فرحون، برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد (ت799ه/1399م): تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، تعليق: جمال مرعشلي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1416ه/1995م. (105)
ابن الفرضي، أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف الأزدي (ت403ه/1012م): تاريخ علماء الأندلس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008م. (106)
ابن الفقيه، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن إسحاق الهمذاني (ت290ه/902م): مختصر كتاب البلدان، تحقيق: يوسف الهادي ، الطبعة الأولى، بيروت، عالم الكتب، 1996م. (107)
القباب، أبو العباس أحمد بن قاسم الجذامي الفاسي القباب (ت778ه): شرح مسائل ابن جماعة التونسي في البيوع، دراسة وتحقيق: محمد إبراهيم الكشر، الطبعة الأولى، 1429ه/2008م. (108)
ابن قزمان، محمد بن عبد الملك بن عيسى بن قزمان (555ه/1160م): ديوان ابن قزمان إصابة الأغراض في ذكر العراض، تحقيق وتصدير: فيديريكو كورينتى، تقديم: محمود علي مكي، المجلس الأعلى للثقافة، 1995م. (109)
القزويني، زكريا بن محمد بن محمود (ت682ه/1283م): عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، مصر، شركة مكتبة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الثالثة، 1956م. (110)
آثار البلاد وأخبار العباد، بيروت، دار صادر، 1960م. (111)
ابن القطان، أبو محمد حسن بن علي بن محمد بن عبد الملك المراكشي (منتصف القرن السابع): نظم الجمان لترتيب ما سلف من أخبار الزمان، تحقيق: محمود علي مكي، دار الغرب الإسلامي، (د.ت). (112)
القلصادي، أبو الحسن علي الأندلسي (ت891ه/1486م): رحلة القلصادي، تحقيق: محمد أبو الأجفان، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، 1978م. (113)
القلقشندي، أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي (ت821ه/1422م): صبح الأعشى في صناعة الإنشا، دار الكتب المصرية، 1340ه/1922م. (114)
ابن لب، أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لب (ت782ه): تقريب الأمل البعيد في نوازل الأستاذ أبي سعيد، تحقيق: حسين مختاري وهشام الرامي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1424ه/2004م. (115)
اللخمي، الإمام أبو الحسن علي بن محمد الربعي اللخمي (ت478ه): التبصرة «كتاب البيوع الفاسدة، كتاب التدليس بالعيوب، كتاب الاستبراء، كتاب بيع الخيار، كتاب العرايا، كتاب التجارة بأرض الحرب، كتاب الأقضية، كتاب الشهادات»، تحقيق: هاشم محمد حسين ناقور، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 1430ه. (116)
مارمول، مارمول كازبخال (ت أواخر القرن العاشر الهجري): كتاب أفريقيا، ترجمة: محمد حجي ومحمد زنبير ومحمد الأخضر، ثلاثة أجزاء، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والنشر والترجمة، مكتبة المعارف الجديدة، الرباط، 1404ه/1984م. (117)
المازري، أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري (ت536ه): فتاوى المازري، تحقيق: الطاهري المعموري، الدار التونسية للنشر، مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان، 1994م. (118)
المالكي ، أبو بكر بن عبد الله المالكي: رياض النفوس في طبقات علماء القيروان وإفريقية وزهادهم ونساكهم وسير من أخبارهم وفضائلهم وأوصافهم، تحقيق: بشير البكوش، مراجعة: محمد العروسي المطوي، الطبعة الثانية 1414ه/1994م. (119)
الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي (ت450ه): الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق: أحمد مبارك البغدادي، مكتبة دار ابن قتيبة، الكويت، 1409ه/1989م. (120)
مجهول (من كتاب القرن السادس الهجري): الاستبصار في عجائب الأمصار، نشر وتعليق: سعد زغلول عبد الحميد، دار الشئون الثقافية العامة، طبعة خاصة بالمشرق الإسلامي، 1986م. (121)
مجهول: تذكرة النسيان في أخبار ملوك السودان، هوداس باريس، 1966م. (122)
مجهول: ذكر بلاد الأندلس، تحقيق: لويس مولينا، مدريد، 1983م. (123)
مجهول: ذكر قصة المهاجرين المسمون اليوم بالبلديين، تحقيق: نوال علي محمد عبد العزيز، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة القاهرة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 1991م. (124)
مجهول، (أندلسي من أهل القرن الثامن الهجري): الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية، تحقيق: سهيل زكار وعبد القادر زماعة، الدار البيضاء، دار الرشاد الحديثة، 1979م. (125)
المجيلدي، أحمد سعيد (ت1094ه/1683م): التيسير في أحكام التسعير، تقديم وتحقيق: موسى لقبال، الشركة الجزائرية للنشر والتوزيع، الجزائر، (د.ت). (126)
أبو المحاسن، أبو أحمد الفاسي محمد العربي بن يوسف الفاسي القصري (ت1053ه): مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن، تحقيق: محمد حمزة الكتاني دار ابن حزم، بيروت، (د.ت). (127)
المراكشي، عبد الواحد المراكشي (ت647ه/1249م): المعجب في تلخيص أخبار المغرب، تحقيق: محمد سعيد العريان، منشورات المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالجمهورية العربية المتحدة (د.ت). (128)
ابن مرزوق التلمساني، أبو عبد الله بن محمد التلمساني (ت781ه/1379): المناقب المرزوقية، تحقيق: سلوى الزاهري، منشورات وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 1429ه/2008م. (129)
المسند الصحيح الحسن في مآثر ومحاسن مولانا أبي الحسن، دراسة وتحقيق: ماريا خيسوس بيغيرا، تقديم: محمود بوعياد، مكتبة الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1401ه/1981م. (130)
ابن مريم، أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد الملقب بابن مريم الشريف المليتي المديوني التلمساني: البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، مراجعة: محمد بن أبي شنب، طبعة المطبعة الثعالبية، بالجزائر، 1336ه/1908م. (131)
المعداني، أبو علي بن الحسن بن رحال (ت1140ه): كشف القناع عن تضمين الصناع، تحقيق: محمد أبو الأجفان، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الأولى، 1996م. (132)
المقدسي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر (ت385ه/995م): أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، طبعة ليدن، 1909م. (133)
المقري، شهاب الدين أحمد بن محمد المقري التلمساني (ت1041ه/1631م): نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1388ه/1968م. (134)
المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي أبي العباس (845ه/1441م): المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، (د.ت). (135)
المكناسي، أحمد ابن القاضي المكناسي (ت960ه): جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس، دار المنصور، الرباط، 1973م. (136)
الملك المظفر، يوسف بن عمر بن علي بن رسول (ت694ه): المخترع في فنون من الصنع، تحقيق: محمد عيسى صالحية، منشورات مؤسسة الشراع العربي، الكويت، 1989م. (137)
ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن أبي مكرم (ت711ه/1311م): لسان العرب، دار المعارف، القاهرة، (د.ت). (138)
النابلسي، عبد الغني النقشبندي (ت1143ه/1730م): علم الملاحة في علم الفلاحة، مطبعة نهج الصواب، دمشق، 1299ه. (139)
النميري، إبراهيم بن عبد الله النميري أبو القاسم المعروف بابن الحاج (768ه/1367م): فيض العباب وإفاضة قدح الآداب في الحركة السعيدة إلى قسنطينة والزاب، إعداد: محمد بن شقرون، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1990م. (140)
النويري، محمد بن قاسم بن محمد النويرى الإسكندراني (المتوفى بعد سنة 775ه): الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام والأمور المقضية في وقعة الإسكندرية، تحقيق: عزيز سوريال عطية من مخطوطة برلين وبانكي بور، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد الدكن، الهند، 1390ه/1970م. (141)
ابن هشام اللخمي، أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت577ه/1181م): ألفاظ مغربية من كتاب ابن هشام اللخمي في لحن العامة، تحقيق: عبد العزيز الأهواني، مجلة معهد المخطوطات العربي، المجلد الثالث، الجزء الثاني، القاهرة، 1957م. (142)
ابن هلال، أبو سالم إبراهيم بن هلال بن علي السجلماسي (ت903ه): الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير، طبعة حجرية، 1319ه/1901م. (143)
ابن وحشية، أبو بكر أحمد بن علي بن قيس الكسواني (ت318ه/930م): الفلاحة النبطية، تحقيق: توفيق فهد، المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية، دمشق، 1993م. (144)
ابن الوردي، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي فوارس (ت749ه/1348م): خريدة العجائب وفريدة الغرائب الجامع لما هو لطرف الدهور حور ولجيد الزمان عقد، المطبعة العامرية المليجية، 1324ه. (145)
ابن الوزان، أبو الحسن بن محمد الوزان الزياتي المعروف بليون الأفريقي (944ه/1537م): وصف أفريقيا، ترجمة: عبد الرحمن حميدة، مراجعة: علي عبد الواحد، مكتبة الأسرة، سلسلة التراث، 2005م. (146)
الونشريسي، أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت914ه/1508م): المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف: محمد حجي، نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية للملكة المغربية، 1401ه/1981م. (147)
ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت626ه/1227م): معجم البلدان، دار صادر، بيروت، 1397ه/1977م. (148)
يحيى بن عمر (ت.ق3ه): أحكام السوق، بقلم محمود علي المكي، فصلة من صحيفة المعهد المصري، الشركة التونسية للنشر والتوزيع، تونس.
رابعا: المراجع العربية والمعربة (1)
إبراهيم سيد الناقة (دكتور): الأسواق التجارية والصناعية في الأندلس في عصر الخلافة الأموية والخلافة الموحدية، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 2010م. (2)
إبراهيم القادري بوتشيش: (دكتور) مباحث في التاريخ الاجتماعي للمغرب والأندلس خلال عصر المرابطين، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1997م. (3)
احمادو تال ديالوا: الصناعة بالقيروان من خلال مدونة سحنون ونوادر ابن أبي زيد، جامعة الزيتونة، منشورات وحدة بحث تاريخ القيروان، 2007م. (4)
أحمد الطاهري (دكتور): الفلاحة والعمران القروي بالأندلس خلال عصر بني عباد: من نظام التثمير التعاقدي إلى نمط الإنزال الإقطاعي، مركز الإسكندرية للكتاب، 2004م. (5)
أحمد فكري (دكتور): قرطبة في العصر الإسلامي تاريخ وحضارة، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1983م. (6)
أحمد محمد الطوخي (دكتور): مظاهر الحضارة في الأندلس في عصر بني الأحمر، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1999م. (7)
آدم متز (دكتور): الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، المجلد الثاني، دار الكتاب العربي، بيروت، (د.ت). (8)
أمين توفيق الطيبي (دكتور): دراسات في تاريخ صقلية الإسلامية، ليبيا، دار اقرأ، 1990م. (9)
دراسات وبحوث في تاريخ المغرب والأندلس، الجزء الثاني، الدار العربية للكتاب، 1997م. (10)
أوليفيا ريمي كونستبل (دكتور): التجارة والتجار في الأندلس، تعريب: فيصل عبد الله، مكتبة العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1423ه/2002م. (11)
التجار المسلمون في تجارة الأندلس الدولية، ضمن كتاب «الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس»، الجزء الثاني، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1998م. (12)
ج. س. كولان (دكتور): الأندلس، كتب دائرة المعارف الإسلامية، لجنة الترجمة: إبراهيم خورشيد وآخرون، دار الكتاب اللبناني، بيروت، لبنان، 1981م. (13)
جان ديفيس: أفريقيا من خلال العلاقات بين القارات، ضمن كتاب «تاريخ أفريقيا العام، المجلد الرابع: أفريقيا من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر»، المشرف على المجلد، ج. ت. نياني، اللجنة العلمية الدولية لتحرير تاريخ أفريقيا العام (اليونسكو)، عن منظمة الأمم المتحدة، 1988م. (14)
جمال أحمد طه (دكتور): دراسات في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للغرب الإسلامي، دار الوفاء للطباعة والنشر، الإسكندرية، 2008م. (15)
مدينة فاس في عصري المرابطين والموحدين 448ه/1056م-668ه/1269م، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، الإسكندرية، 2001م. (16)
جواتياين: دارسات في التاريخ الإسلامي والنظم الإسلامية، تحقيق: عطية القوصي، وكالة المطبوعات، الكويت، 1980م. (17)
الحبيب علي الجنحاني (دكتور): دراسات مغربية في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للمغرب الإسلامي، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 1980م. (18)
حسن حسني عبد الوهاب (دكتور): شهيرات تونسيات، بحث تاريخي أدبي في حياة النساء التوابع بالقطر التونسي من الفتح الإسلامي إلى آخر الزمان، المطبعة التونسية، 1353ه. (19)
حسن علي حسن (دكتور): الحضارة الإسلامية «عصر المرابطين والموحدين»، مكتبة الخانجي، الطبعة الأولى، 1980م. (20)
درويش النخيلي (دكتور): السفن الإسلامية على حروف المعجم، جامعة الإسكندرية، 1979م. (21)
دوزي (دكتور): تكملة المعاجم العربية، دار الشئون الثقافية العامة، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1997م. (22)
المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب ، ترجمة د. أكرم فاضل، بغداد، طبعة وزارة الإعلام العراقية، 1971م. (23)
راوية عبد الحميد شافع (دكتور): المرأة في المجتمع الأندلسي من الفتح الإسلامي للأندلس حتى سقوط قرطبة، عين للبحوث والدراسات الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، الطبعة الأولى 2006م. (24)
روبار برنشفيك (دكتور): تاريخ أفريقيا في العهد الحفصي من القرن 13 إلى نهاية القرن 15م، ترجمة: حمادة الساحلي، جزآن، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1988م. (25)
روجي لوترنو: فاس في عهد بني مرين، ترجمة: نقولا زاده، مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، مكتبة لبنان، 1967م. (26)
ريكاردو كوردوبا (دكتور): الصناعات المتوسطية، ضمن كتاب «ابن خلدون البحر المتوسط في القرن الرابع عشر قيام وسقوط إمبراطوريات»، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2007م. (27)
سامية مصطفى مسعد (دكتور): المغاربة ودورهم الثقافي في مصر عصر سلاطين المماليك، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، الطبعة الأولى 2003م. (28)
سحر عبد العزيز سالم (دكتور): مدينة قادس ودورها في التاريخ السياسي والحضاري للأندلس في العصر الإسلامي، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1990م. (29)
دور الطرز في الأندلس في عصر الدولة الأموية، ضمن كتاب «بحوث مشرقية ومغربية في الحضارة الإسلامية»، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، 1997م. (30)
سعاد ماهر (دكتور): البحرية في مصر الإسلامية وآثارها الباقية، دار المجمع العلمي، جدة، الطبعة الثانية، 1979م. (31)
السيد عبد العزيز سالم (دكتور): تاريخ مدينة ألمرية الإسلامية، قاعدة أسطول الأندلس، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة للطباعة والنشر، 1984م. (32)
قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس، الجزء الثاني، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، 1984م. (33)
صابر محمد دياب (دكتور): دراسات في التاريخ الإسلامي «أضواء على العلاقات بين المدن الإيطالية والدول الإسلامية بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلادي»، دار النهضة العربية، 1977م. (34)
صالح بعزيق (دكتور): بجاية في العهد الحفصي دراسة اقتصادية واجتماعية، منشورات جامعة تونس، 2006م. (35)
صالح بن قربة (دكتور): انتشار المسكوكات المغربية وأثرها على تجارة الغرب المسيحي في القرون الوسطى، ضمن كتاب «الغرب الإسلامي والغرب المسيحي في العصور الوسطى»، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1995م. (36)
عبد العزيز بن عبد الله (دكتور): الحرف والصناعات التقليدية، ضمن كتاب «معطيات الحضارة المغربية»، الجزء الثاني، دار الكتب العربية، الرباط، 1963م. (37)
عبد الوهاب الدبيش (دكتور): توزيع المرافق الاقتصادية بفاس المرينية، ضمن كتاب أعمال ندوة التجارة في علاقتها بالمجتمع والدولة عبر تاريخ المغرب، الجزء الثاني، جامعة الحسن الثاني، عين الشقة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، 1989م. (38)
عثمان الكعاك (دكتور): العلاقات بين تونس وإيران عبر التاريخ، الشركة التونسية للتوزيع. د.ت. (39)
عثمان المنصوري (دكتور): التجارة بالمغرب في القرن السادس عشر مساهمة في تاريخ المغرب الاقتصادي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 2001م. (40)
عز الدين أحمد موسى (دكتور): النشاط الاقتصادي في المغرب الإسلامي خلال القرن السادس الهجري، دار الشروق، 1403ه/1983م ... (41)
عصام سالم بسالم (دكتور): جزر الأندلس المنسية «التاريخ الإسلامي لجزر البليار 89-685ه/708-1287م»، دار العلم للملايين، بيروت، 1984م. (42)
عصمت عبد اللطيف دندش (دكتور): الأندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحدين «عصر الطوائف الثاني 510-546ه/1116-1151م»، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1408ه/1988م. (43)
علي جمعة محمد (دكتور): المكاييل والموازين الشرعية، القاهرة، القدس للإعلان والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2001م. (44)
عمر فروخ (دكتور): العرب والإسلام في الحوض الغربي من البحر المتوسط من فتح المغرب والأندلس إلى آخر عصر الولاة (138ه/756م)، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1981م. (45)
غوستاف لوبون (دكتور): حضارة العرب، ترجمة: عادل زعيتر، الطبعة الرابعة، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركائه، 1964م. (46)
فالتنس هنتس: المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري، ترجمة: كامل العسلي، منشورات الجامعة الأردنية، 1970م. (47)
فرناند بروديل (دكتور): البحر المتوسط، ترجمة: عمر بن سالم، منشورات البحر المتوسط، تونس، 1990م. (48)
كريستين مازولي - جوينتار (دكتور): مدينة عظيمة لملك عظيم، مدن شرقية وغربية وطرق تجارية في زمن ابن خلدون، ضمن كتاب «ابن خلدون البحر المتوسط في القرن الرابع عشر قيام وسقوط إمبراطوريات»، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2007م. (49)
كلود هوكت (دكتور): العلاقات الملاحية والبحرية في البحر المتوسط في القرن الرابع عشر، ضمن كتاب «ابن خلدون البحر المتوسط في القرن الرابع عشر قيام وسقوط إمبراطوريات»، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2007م. (50)
لطفي بن ميلاد (دكتور): أفريقية والمشرق المتوسطي من أواسط القرن 5ه/11م إلى 10ه/16م، المغاربية للطباعة والنشر والإشهار، 2011م. (51)
لطيفة بشاري: العلاقات التجارية للمغرب الأوسط في عهد إمارة بني عبد الواد من القرن السابع للقرن العاشر الهجريين (13-16م)، منشورات وزارة الشئون الدينية والأوقاف، تلمسان، 2011م. (52)
لوسي بولنز: نباتات الصباغة والنسيج، بحث منشور ضمن كتاب «الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس»، الجزء الثاني ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثانية، 1999م. (53)
لويس سيكو دي لوثينا: وثائق عربية غرناطية من القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي، معهد الدراسات الإسلامية، مدريد، 1961م. (54)
ليوبولدو توريس بالباس: المدن الإسبانية الإسلامية، ترجمة إليو دورو دي لابنيا، مراجعة، نادية محمد جمال الدين وعبد الله بن إبراهيم العمير، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الرياض، الطبعة الأولى، 1423ه/2003م. (55)
محمد أحمد أبو الفضل (دكتور): تاريخ مدينة ألمرية الأندلسية في العصر الإسلامي، إسكندرية: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981م. (56)
محمد الأمين البزاز (دكتور): حول نقل البحرية المسيحية لحجاج الغرب الإسلامي: تأملات في رحلة ابن جبير، ضمن كتاب الغرب الإسلامي والغرب المسيحي خلال القرون الوسطى، تحرير محمد حمام، الرباط، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مطبعة الهلال. (57)
محمد حسن (دكتور): المدينة والبادية في العهد الحفصي، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، تونس، الطبعة الأولى، 1999م. (58)
محمد رابطة الدين (دكتور): توزيع المرافق الاقتصادية بفاس المرينية، ضمن كتاب «أعمال ندوة التجارة في علاقتها بالمجتمع والدولة عبر تاريخ المغرب»، الجزء الثاني، جامعة الحسن الثاني، عين الشقة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، 1989م. (59)
قيسارية مراكش الموحدية، ضمن كتاب «أعمال ندوة التجارة في علاقتها بالمجتمع والدولة عبر تاريخ المغرب»، الجزء الثاني، جامعة الحسن الثاني، عين الشقة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدار البيضاء، 1989م. (60)
محمد سعيد مغاوري (دكتور): الألقاب وأسماء الحرف والصناعات والوظائف في ضوء البرديات العربية، دار الكتب والوثائق القومية، 2000م. (61)
محمد عبد الجليل بلقزيز: حضارة وثقافة عبر أنسجة ولباس بطريقة التأثيل، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2009م. (62)
محمد المراني علوي (دكتور): الإطار العام للعلاقات المغربية مع جمهوريات المدن الإيطالية، ضمن كتاب «البحر في تاريخ المغرب»، منشورات جامعة الحسن الثاني، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، سلسلة الندوات رقم 7، 1999م. (63)
محمد المرزوقي (دكتور): قابس جنة الدنيا (غابتها - خليجها - مدينتها - سكانها - تاريخها - رجالها)، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1962م. (64)
محمد المنوني (دكتور): ورقات عن الحضارة المغربية في عصر بني مرين، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، جامعة محمد الخامس، 1979م. (65)
محمد الهبضي: فتاوى تتحدى الإهمال في شفشاون وما حولها من الجبال، وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، المغرب، 1998م. (66)
محمود مقديش: نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار، تحقيق: علي الزواري ومحمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1988م. (67)
مصطفى أبو ضيف (دكتور): أثر القبائل العربية في الحياة المغربية خلال عصري الموحدين وبني مرين 1130-1472م، دار المغربية، الدار البيضاء، 1986م. (68)
المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية، مصر، الطبعة الرابعة، 1425ه/2004م. (69)
ممدوح حسين وشاكر مصطفى (دكتور): الحروب الصليبية في شمال أفريقيا وأثرها الحضاري 668-792ه/1270-1390م، دار عمار، عمان، 1998م. (70)
ميكايل أماري: المكتبة العربية الصقلية نصوص في التاريخ والبلدان والتراجم والمراجع، ليسبك، 1875م. (71)
نجاة الباشا: التجارة في المغرب الإسلامي من القرن الرابع إلى القرن الثامن للهجرة، منشورات الجامعة التونسية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس، 1976م.
خامسا: المجلات والدوريات (1)
إبراهيم القادري بوتشيش (دكتور): أثر الحروب على الضرائب في المغرب، مجلة الاجتهاد، العدد 34-35، 1417ه. (2)
أحمد الطوخي (دكتور): القيساريات الإسلامية في مصر والمغرب والأندلس، مجلة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية. (3)
أحمد محمد إسماعيل الجمال (دكتور): طرق التجارة الخارجية للمغرب والأندلس خلال القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي «عصر الموحدين»، مجلة المؤرخ العربي، العدد الثاني عشر، المجلد 1، 2004م. (4)
أحمد مختار العبادي (دكتور): مظاهر الحياة الاقتصادية، مجلة عالم الفكر، المجلد 11، العدد الأول، الكويت، 1980م. (5)
إميل خطار: صنع الورق من نبات الحلفاء، مجلة العرفان، العدد 143، المجلد 5، الجزء 14، 1928م. (6)
أمين توفيق الطيبي (دكتور): جوانب من النشاط الاقتصادي في المغرب في القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي من خلال رسائل الجنيزة، مجلة البحوث التاريخية، مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي، السنة السادسة، العدد 2، 1984م. (7)
بوادليه بواتيه: رؤية السلطة والمجتمع إلى الصناع والحرفيين ببلاد الأندلس عصري الإمارة والخلافة، دورية كان التاريخية، العدد 11، 2011م. (8)
توريس بلباس: الأبنية الإسلامية، ترجمة: علية إبراهيم، مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية، مدريد، السنة الأولى، العدد 1، 1953م. (9)
جمال أحمد طه (دكتور): العلاقات التجارية بين مدن المغرب الشمالية ومدن جنوب فرنسا في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، مجلة كلية الآداب بسوهاج، العدد 25، الجزء الثاني، أكتوبر 2002م. (10)
تطور الشركات التجارية في الغرب الإسلامي، في مجلة المؤرخ المصري، جامعة القاهرة، عدد 2011م. (11)
جمال محرز (دكتور): السجاد الإسلامي ومشتقاته في إسبانيا، المجلة التاريخية المصرية، المجلد 11، 1963م. (12)
الحبيب بو لقطيب (دكتور): الحياة الاقتصادية للحلف القبلي المصمودي في القرنين الخامس والسادس، مجلة الاجتهاد، العدد 18، السنة الخامسة، بيروت، دار الاجتهاد، 1993م. (13)
حسام شاشية: العائلات المورسكية في تونس بين الحاضر والمستقبل المساهمة والمحافظة، شفشاون، المغرب 28، 29، 30 أكتوبر 2009م. (14)
حميدة محمد البقلي (دكتور): الحرير الطبيعي عند العرب، مجلة منبر الإسلام، العدد 19، السنة 36، محرم 1398ه. (15)
حنان قرقوتي: ملامح من صناعة النسيج عند المسلمين، مجلة الدارة، العدد 4، السنة 25، 1420ه. (16)
سلفاتوري بونو: العلاقات التجارية بين بلدان المغرب وإيطاليا في العصر الوسيط، ترجمة عمر محمد الياروني، مجلة البحوث التاريخية، ليبيا، العدد 2، السنة الثامنة، 1986م. (17)
سوادي عبد محمد (دكتور): صلات تجارية بين البصرة والمغرب الإسلامي من القرن الثاني الهجري حتى أواخر القرن الرابع، مجلة المؤرخ العربي، السنة 16، العدد 43، الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب، بغداد، 1410ه/1990م. (18)
السيد عبد العزيز سالم (دكتور): ملابس الرجال في الأندلس في العصر الإسلامي، مجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية، العدد 27، 1995م. (19)
صادق إبراهيم: القنب، مجلة المقتطف، المجلد 58، الجزء 6، يونيو 1921م. (20)
صالح أحمد العلي: ألوان الملابس العربية في العهود الإسلامية الأولي، المجمع العلمي العراقي، العدد 26، 1395ه. (21)
صالح محمد فياض: الزراعة في الأندلس وأثرها على التصنيع الزراعي، مجلة المؤرخ العربي، العدد 44، 1412ه. (22)
صلاح حسين العبيدي (دكتور): صناع النسيج في الآثار العربية الإسلامية في العصر العباسي، مجلة المورد مجلة تراثية فصلية محكمة تصدرها وزارة الإعلام، المجلد 15، العدد 1، 1986م. (23)
المنسوجات والسجاجيد العربية الإسلامية وأثرها في الفنون الأوروبية، مجلة المورد، مجلة تراثية فصلية محكمة تصدرها وزارة الإعلام، المجلد 19، العدد 1، 1990م. (24)
ظاهر خير الله الشويري: الحرفة وتوابعها، مجلة المقتطف، القاهرة، المجلد 29، الجزء الأول، 1904م. (25)
عبد العزيز العلوي (دكتور): صناعة النسيج في المغرب في العصر الوسيط، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس، جامعة محمد بن عبد الله، العدد 2، 1985-1986م. (26)
سعيد عبد الفتاح عاشور (دكتور): بعض أضواء على العلاقات بين بيزا وتونس في عصر الحروب الصليبية، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد 26، الجزء الأول والثاني، 1964م. (27)
عبد الهادي التازي (دكتور): دور المحتسب في السوق، مجلة رسالة التقريب، العدد 5، 1415ه. (28)
عبد المنعم عبد العزيز رسلان (دكتور): دراسة للنسيج المذهب في صقلية، مجلة دارة، السنة التاسعة، العدد 42، 1404ه/1984م. (29)
علي أحمد: العاملون في ميدان الاقتصاد والخدمة في المشرق العربي من الأندلسيين والمغاربة منذ نهاية القرن الخامس حتى نهاية القرن التاسع الهجري، مجلة التراث العربي، العدد 41، 1411ه. (30)
علي جمعان الشكيل: صناعة الأصباغ في الحضارة الإسلامية، مجلة آفاق، السنة الثامنة، العدد 32، شوال 1421ه/يناير 2001م. (31)
فاطمة بلهواري: النشاط الرعوي في بلاد المغرب خلال القرن الرابع الهجري، دورية كان التاريخية، السنة 3، العدد 8، 2010م. (32)
لمياء محمد سالم شرف الدين (دكتور): تجارة طرابلس مع بلاد ما وراء الصحراء في العصر الوسيط، مجلة البحوث التاريخية، العدد 3، السنة 23، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، ليبيا، 2001م. (33)
لويس سيكو دي لوثينا: الوثائق العربية الغرناطية وقيمتها التاريخية، مجلة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد، المجلد 7-8، 1959-1960م. (34)
لويس ماسينون: الهيئات الحرفية والمدينة الإسلامية، ترجمة: أكرم فاضل، مجلة المورد، العدد 3، المجلد 2، العراق، 1973م. (35)
ماجدة كريمي (دكتور): العلاقات التجارية بين السودان والمغرب على عهد المريني، مجلة دعوة الحق، العدد 69، 1988م. (36)
محسن جمال الدين: ديوان سعد الدين بن عربي الأندلسي شاعر الحرف والصناعات، مجلة المورد، العدد 2، المجلد 2، 1973م. (37)
محمد المنوني (دكتور): مشاهد عمالية من واقع مغرب الأمس، مجلة دعوة الحق، العدد 146 السنة 15. (38)
محمد مرسي الكحلاوي (دكتور): مراكز صناعة الحرير في الأندلس من خلال النصوص التاريخية مع تطبيقات على بعض من المنسوجات الحريرية، مجلة كلية الآثار، العدد 4، 1990م. (39)
محمد منير سعد الدين: النقابات عند المسلمين، مجلة التراث العربي، العدد 47، السنة 12، 1992م. (40)
محمود مكي (دكتور): مدخل لدراسة الأعلام الجغرافية ذات الأصول العربية في إسبانيا، مجلة مجمع اللغة العربية، العدد 80، الجزء الأول، 1996م . (41)
معجب سعيد (دكتور): صورة المرأة في خطاب ابن رشد، مجلة التراث العربي، العدد 105، السنة 27، 2007م. (42)
نافذ سويد: الحرفيون ودورهم التاريخي في تطور المدينة العربية الإسلامية، مجلة التراث العربي، العدد 76، السنة 19، 1999م.
سادسا: الرسائل العلمية (1)
أحمد إبراهيم رفاعي: مشاكل النقل البري والبحري وأثرها على التجارة في المغرب والأندلس خلال عصري المرابطين والموحدين (448ه/1056م-668ه/1269م)، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة سوهاج، 2011م. (2)
أحمد مصطفى محمد عبد الرحيم: الحياة الاقتصادية في بلاد المغرب في القرنين السابع والثامن الهجريين/الثالث والرابع عشر الميلاديين، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة أسيوط، 2007م. (3)
بلوط عمر: الفنادق في مدينة تلمسان الزيانية، رسالة ماجستير، جامعة الجزائر، كلية الإنسانية والاجتماعية، قسم الآثار، 2004م. (4)
جميلة مبطي المسعودي: المظاهر الحضارية في عصر دولة بني حفص منذ قيامها سنة 621ه وحتى سنة 893ه، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 2000م. (5)
خالد بن عبد الله: مدينة مالقة منذ عصر الطوائف حتى سقوطها، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة أم القرى، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 1426ه. (6)
شوقي محمد يوسف: الدور المغربي للبحرية المغربية في عهد دولة المرابطين والموحدين (448-668ه/1056-1269م)، رسالة ماجستير غير منشورة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 1996م. (7)
عامر أحمد حسن: دولة بني مرين تاريخها وسياستها تجاه مملكة غرناطة الأندلسية والممالك النصرانية في إسبانيا، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، 2003م. (8)
عبد النبي بن محمد: مسكوكات المرابطين والموحدين في شمال أفريقيا والأندلس، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، 1979م. (9)
عبد العزيز عبد الفتاح عمر حجازي: البحرية القرطاجية دراسة في دورها الحربي ومقوماته وعلاقاته، رسالة دكتوراه غير منشورة، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، 1985م. (10)
عبد الناصر جبار: بنو حفص والقوى الصليبية في غرب البحر المتوسط في القرنين الثامن والتاسع للهجرة/الرابع والخامس عشر للميلاد، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 1990م. (11)
عيسى محمد الذيب: التجارة في عصر دولة المرابطين 448-540ه/1056-1145م، رسالة ماجستير، كلية الآداب ، جامعة القاهرة، 1990م. (12)
محمد علي أحمد قويدر: التجارة الداخلية في المغرب الأقصى في عصر الموحدين (541-668ه/1147-1269م)، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 2010م. (13)
مصطفى محمد عبد الخالق منصور: علاقة القوى الصليبية في غرب البحر المتوسط بالمغرب الإسلامي في القرنين السادس والسابع للهجرة (517-716ه/1223-1316م)، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 1987م. (14)
مفتاح يونس الرباطي: العلاقات بين بلاد المغرب ودولة الكانم والبرنو، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة القاهرة، معهد الدراسات الأفريقية، 2005م. (15)
منى سيد عبد العزيز: الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الدولة الحفصية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، معهد الدراسات الأفريقية، 1986م. (16)
نبيلة عبد النظير باكير عبادي: الأوضاع السياسية والحضارية لمدينة أودغست «أودغست منذ القرن الثاني الهجري وحتى سقوط المدينة في القرن السادس الهجري»، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب بقنا ، جامعة جنوب الوادي، 2002م. (17)
نصر عوض حسين: صناعة النسيج في مصر المملوكية، رسالة ماجستير، قسم الآثار، كلية الآداب بسوهاج، جنوب الوادي، 1986م. (18)
وائل عبد الكريم حسن: أحكام تضمين الصناع وأصحاب الحرف في الفقه الإسلامي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة النجاح، فلسطين، 2001م.
سابعا: المراجع الأجنبية (1)
Amari Di Michele: I Diplomi Arabi R. Archivio Florention, Frienze, 1863. (2)
Ángel Luis Molina: Los Viajes Por Mar en La Edad Media, Cuadernos de Turismo, No 5, 2000. (3)
Angus Konstam: Piracy: The Complete History, Osprey
(4)
Anna Unali: Marineros: Piratas y Corsarios Catalanes en La Baja Edad Media, Sevilla, Renacimiento, 2007. (5)
Anne E. Wardwell: Fifteenth-Century Silk Curtain from Muslim Spain, The Bulletin of the Cleveland Museum of Art, Vol. 70, No. 2 (Feb., 1983). (6)
Avner Greif: Reputation and Coalitions in Medieval Trade: Evidence on the Maghribi Traders, The Journal of Economic History, Vol. 49, No. 4, Dec., 1989. (7)
David Abulafia: A Mediterranean Emporium: The Catalan kingdom of Majorca, Cambridge: Cambridge University Press, 2002. (8)
Commerce and the Kingdom of Majorca 1150-1450, in book “Iberia and the Mediterranean world of the middle Ages: studies in honor of Robert I. Burns S.J./ed. by Larry J. Simon”, Leiden; New York; Koaln: Brill, 1996 (9)
De Mas Latrie: Apercu des Relations Commercial les L’Itaile avce L’Algerie au Moyen Aage. Extrait du tableau de la situation des etablissements Francais en Algerie 1843-1844. (10)
Relations et Commerce de L’Afrique septentrionale ou Maghreb avec les Nations Chrétiennes au Mmoyen Age, Paris, 1886. (11)
Traités de paix et de commerce et documents divers concernant les relations des chrétiens avec les Arabes de l’Afrique septentrionale au moyen-âge/recueillis par ordre de l’empereur et publiés avec une introduction historique, Paris, H. Plon, 1866. (12)
Dodds, Jerrilynn, ed: Al-Andalus: The Art of Islamic Spain, New York, 1992. (13)
Dominque Valerian: Ifrîqiyan Muslim Merchants in the Mediterranean at the End of the Middle Ages, Mediterranean Historical Review, Vol. 14, No. 2, December 1999, Published By Frank Cass, London. (14)
Dufourcq: Espagne Catalane et Le Maghrib aux XIIIè et XIVè siècles, Presse Universitaires De France.1966. (15)
Commerce du Maghreb médiéval avec l’Europe chrétienne et marine Musulmane: données connues et problèmes en suspens, L’Ibérie Chrétienne et le Maghreb: XIIe-XVe siècles, [edited by Jacques Heers and Georges Jehel], 1990 (16)
Maghribins: L’Ibérie Chrétienne et le Maghreb: XIIe-XVe siècles, [edited by Jacques Heers and Georges Jehel], 1990.
هذه المقالة قام بترجمتها الأستاذ الدكتور جمال طه وهي بعنوان «الأسعار ومستوى الحياة في بلاد المغرب وكالتونيا في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر» مقالة تحت الطبع. (17)
Edourdo Aznar: Course et Piraterie dans Les Relation enter la Castle et le Maroc, Dans un livre “L’Occident Musulman et l’occident chretien au moyen age”, Mohammed Hammam, Faculte des lettres et des sciences humaines-Rabat, 1995. (18)
Goitein: The Main Industries of the Mediterranean Area as Reflected in the Records of the Cairo Geniza, Journal of the Economic and Social History of the Orient, Vol. 4, No. 2, Aug., 1961. (19)
A Mediterranean Society: The Jewish Communities of the Arab World as Portrayed in the Documents of the Cairo Geniza, Volume I: Economic Foundations. Berkeley and Los Angeles: University of California
(20)
Hilmar C. Krueger: The Wares of Exchange in the Genoese-African Traffic of the Twelfth Century: Speculum, Vol. 12, No. 1, Jan., 1937. (21)
Genoese Trade with Northwest Africa in the Twelfth Century, Speculum, Vol. 8, No. 3, Jul., 1933. (22)
Imammuddin, S. M.: The Economic history of Spain under the Umayyads “711-1031 A. C.”, Pakistan, Dacca, 1963. (23)
John Vogt: Notes on the Portuguese Cloth Trade in West Africa, 1480-1540, The International Journal of African Historical Studies, Vol. 8, No. 4, 1975. (24)
Juan J. Rodriguez Lorente: Prontuario de La Moneda Arabigo Espanola, edira vico, Publicador: Vico, 1982. (25)
Jose Hinojosa Montalvo: El Rino de Valencia, Frontera maritime enter Aragon y Granada, La frontera oriental nazarí comosujeto histórico (ss. XIII-XVI). Almería, 1997. (26)
M. Maximiliano A. Alarcón y Santón y Ramón García de Linares: Los Documentos Arabes Diplomáticos del Archivo de La Corona de Aragón, Madrid, Impr. de E. Maestre, 1940. (27)
Margarita Campos. Kent; Figurative Hispano-Arabic textiles of the Almoravid and Almohad dynasties: historical and ideological implications of their design and iconography, The Ohio State University, 1980. (28)
María Teresa: Transportistas y Corsarios vascos en el Mediterráneo Medieval. Las aventuras Orientales de Pedro de Larraondo (1406-1409): Itsas memoria: revista de Estudios Marítimos del País Vasco, N. 2, 1998. (29)
Ferrer I Mallol: Corso y Piratería entre Mediterráneo y Atlántico en la Baja Edad Media, En: La Península ibérica entre el Mediterráneo y el Atlántico. Siglos XIII-XV, V Jornadas Hispano-Portuguesas de Historia Medieval, Cádiz 1-4, Abril 2003. (30)
Sevilla-Cádiz: Diputación de Cádiz. Servicio de
2006. (31)
Maurice Lombard: textiles dans le monde musulman du VIIe au XIIe siècle, Mouton, 1978. (32)
Maya Shatzmiller: Women and Wage Labour in the Medieval Islamic West: Legal Issues in an Economic Context, Journal of the Economic and Social History of the Orient, Vol. 40, No. 2 (1997). (33)
Michel Mollat: De La Piraterie Sauvage à La Course Réglementée (XIVe-XVe siècle), Mélanges de l’Ecole française de Rome. Moyen-Age, Temps modernes, Année 1975, Volume 87, Numéro 1. (34)
Moshe Gil: References to Silk in Geniza Documents of the Eleventh Century, Journal of Near Eastern Studies, Vol. 61, No. 1 (Jan., 2002). (35)
The Flax Trade in the Mediterranean in the Eleventh Century A.D. as Seen in Merchants’ Letters from the Cairo Geniza, Journal of Near Eastern Studies, Vol. 63, No. 2, April 2004. (36)
The Jewish Merchants in the Light of Eleventh-Century Geniza Documents, Journal of the Economic and Social History of the Orient, Vol. 46, No. 3 (2003) (37)
R. B. Serjeant: Michigan Material for a History of Islamic Textiles up to the Mongol Conquest, Published by: Freer Gallery of Art, The Smithsonian Institution and Department of the History of Art, University of Michigan Stable Ars Islamica, Vol. 15/16, 1951. (38)
Sarah. C. Davis; Sicily and the Medieval Mediterranean: Communication Networks and Inter-regional Exchange, ProQuest, 2007. (39)
Sharon Hoshta: Almeria Silk and the French Feudal Imaginary Toward a “Material” History of the Medieval Mediterranean, Medieval abrications dress, Textiles, Cloth work, and other Cultural Imaginings,
(40)
Silvia Orvietani Busch: Medieval Mediterranean Ports: The Catalan and Tuscan Coasts, 1100 to 1235, Leiden: Boston, Brill, 2001. (41)
Tahar Mansouri: Produits agricoles et Commerce Maritime en L’frqiya aux XIIe-XVe siècles, Médiévales, Année 1997, Volume 16, Numéro 33. (42)
Vincent Lagardère: Culture et industrie du lin en al-Andalus au Moyen Âge (VIIIe-XVe s), Studia Islamica, No. 74 (1991).
Bilinmeyen sayfa