تناضله الأوقات من كل جانب ... فتخطئه طورا وطورا تصيبه
فمن كان معتبرا بما يتجدد كل يوم من حلول الحوادث بأصحابها.
ومعتبرا بما يتجدد كل يوم من ارتجاع النعم من أربابها وشدة حزنهم واغتمامهم بفقدها لم يأسف على فواتها.
أرى الدهرا أغنى خطبه عن خطابه ... بوعظ شفى البابنا بلبابه
له قلب تهدي القلوب صواديا ... إليها وتعمى عن وشيك انقلابه
هو الليث إلا أنه وهوا خادر ... سطا فأغاب الليث عن أنس غابه
وهيهات لم تسلم حلاوة شهده ... لصاب إليه من مرارة صابه
مبيد مباديه تغر وإنما ... عواقبه مختومة بعقابه
أمم تر من ساس الممالك قادرا ... وسارت ملوك الأرض تحت ركابه
ودانت له الدنيا وكادت تحله ... على شهبها لولا خمود شهابه
لقد أسلمته حصنه وحصونه ... غداة غدا عن كسبه باكتسابه
فلا فضة أنجته عند انفضاضه ... ولا ذهب أغناه عند ذهابه
سلا شخصه وراثه بتراثه ... وأفرده أترابه بترابه
ومهما أمعن اللبيب فكره في أصحاب الدنيا وغفلتهم عن الآخرة وكثرة مصائبهم فيها، تسلي عنها وهان عليه تركها.
وكان بعضهم يحضر دار المرضى ليشاهدهم ويشاهد عللهم ومحنهم، ويحضر السجون والمستشفيات والمقابر مساكن الموتى.
فيشاهد أرباب العزاء وأسفهم على ما فرطوا وعلى ما لا ينفع مع اشتغال الموتى بما هو فيه.
وكان يعود إلى بيته بالحمد والشكر طول النهار على نعم الله عليه في تخليصه من البلايا.
وينبغي للإنسان أن ينظر إلى من دونه في المال والجاه ليشكر الله ويحمده، وينظر في الدين إلى من هو فوقه ليجتهد ويشمر ليلحقه.
Sayfa 56