وكن على حذر منها فقد نصحت ... وانظر إليها ترى الآيات والعبرا حبال الدنيا خيال تغر الغر، المتمسك بها يلعب بلعاب الشمس وبيت العنكبوت، الدنيا كالمرأة الفاجرة لا تثبت مع زوج.
ولو كانت الدنيا من الإنس لم تكن ... سوى مومس أفنت بماساء عمرها
يا مقيما في دائرة الغير، كم حضرت فيها من محتضر، وكم عاينت فيها من قبر يتفر، لقد ألانت مواعظها كل صلد وحجر، اسمع يا من إذا عامل خان وظلم.
يا هذا أما علمت أن اللطف مع الضعيف أكثر لما كانت الدجاجة لا تحبو على الولد أخرج كاسيا، ولما كانت النملة ضعيفة البصر أعينت بقوة الشم فبها تجد ريح المطعوم من بعيد فتطلب.
ولما كان التمساح مختلف الأسنان كلما أكل حصل بين أسنانه ما يؤذيه فيخرج إلى شاطئ البحر فاتحا فاه طالبا للراحة فيأتي طير فينقر ما بين أسنانه فيكون ذلك رزقا للطائر وترويحا عن التمساح.
وهذه الخلد دويبة عمياء من أقوى المخلوقات سمع، قال الشاعر:
فهم في جموع لا يراها ابن داية ... وهم في ضجيج لا يحس به الخلد
قد ألهمت هذه الدويبة العمياء وقت الحاجة للقوت أن تفتح فاها فيسقط الذباب فيه فتتناول منه.
وهذه الأطيار تترنم طول النهار فيقال للضفدع: مالك لا تنطقين، فتقول مع صوت الهزار: يستبشع صوتي.
فيقال: هذا الليل ولما خلق الله جل وعلا الأخرس لا يقدر على الكلام سلب السمع لئلا يسمع ما يكره ولا يمكنه الجواب فكل أخرس أطروش.
ولما تولع الجذام بأظفار أصحابه صعب عليهم الحك فمنع منهم القمل فليس في ثياب المجذوم قملة.
سبحان من هذا لطفه وهذه حكمه، {صنع الله الذي أتقن كل شيء}، {الذي أحسن كل شيء خلقه}، و{أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}.
Sayfa 51