يا لهف قلبي على شيئين لو جمعا ... عندي لكنت إذا من أسعد البشر
كفاف عيش يقيني شر مسألة ... وخدمة العلم حتى ينتهي عمري
القسم الثاني من الناس وجد متاع الحياة الدنيا وزخرفها عرضا زائلا ولذة مؤقتة وشاغلا له عن عبادة ربه والدار الآخرة، فأخذ من الدنيا ما لابد منه وعاش عيش الكفاف من الكسب الحلال.
وصرف معظم أوقاته لعبادة ربه طمعا في محبة الله ورضاه عملا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس»، وهذا هو الذي عرف كيف يصرف وقته عكس من ذهبت أعمارهم فرطا.
وأهم الزهد في الدنيا أن لا تلقى لها بالا إن أتت لم تفرح بها، وإن لم تأت لم تأسف عليها، وتخرجها من قلبك وتصرف رغبتك وفرحك إلى فضل الله ورحمته، قال تعالى: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
وقسم من الناس ورعون ودرجة الورع عالية، وهي اجتناب الشبهات خوفا من الوقوع في الحرام، والإقلال من الحلال لئلا يشغل عن العبادة.
والورع ملاك الدين وآفة الدين الطمع.
وأهم ما في الزهد والورع، الزهد في الحرام، والورع عن الشبهات، وحسن الأدب مع الله.
روي عن أبي حنيفة - رضي الله عنه - أنه له دين على رجل في بغداد فذهب إليه ومعه بعض تلاميذه، وذلك في وسط النهار، والحر شديد فطرق الباب على الدائن، وابتعد عن الباب لوجود سقيفة فوق الباب لها ظل يقي من حر الشمس، فقال له أحد تلاميذه: لم ابتعدنا عن السقيفة ووقفنا في الشمس، فقال أبو حنيفة: لنا دين على صاحب السقيفة، ووقوفنا تحت السقيفة هو استفادة من الدين، وهذه شبهة ربا.
جاءت امرأة إلى عمرو بن قيس بثوب، فقالت: يا أبا عبدالله، اشتر هذا الثوب، واعلم أن غزله ضعيف وكان إذا جاءه إنسان يعرضه عليه قال: إن صاحبته أخبرتني أنه كان في غزله ضعف حتى جاء رجل فاشتراه، وقال: برأناك منه.
Sayfa 44