واطلب راحة البدن بإجمام القلب، وتخلص إلى إجمام القلب بقلة الخلطاء، وتعرض لرقة القلب بدوام مجالسة أهل الذكر، وبادر بانتهاز البغية عند إمكان الفرصة، وأحذرك «سوف».
وكن صارما كالوقت فالمقت في عسى ... وإياك مهلا فهي أخطر علتي
وجذ بسيف العزم سوف فإن تجد ... تجد نفسا فالنفس إن جدت جدت
عن الأوزاعي أنه وعظ، فقال في موعظته: أيها الناس، تقووا بهذه النعم التي أصبحتم فيها على الهرب من نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فإنكم في دار الثواء فيها قليل وأنتم فيها مؤجلون خلائف من بعد القرون الذين استقبلوا من الدنيا أنفها وزهرتها، فهم كانوا أطول منكم أعمارا وأمد أجساما وأعظم آثارا فخددوا الجبال، وجابوا الصخور، ونقبوا في البلاد مؤيدين ببطش شديد وأجسام كالعماد.
فما لبثت الأيام والليالي أن طوت مددهم وعفت آثارهم وأخوت منزلهم وأنست ذكرهم، فما تحس منهم من أحد ولا تسمع لهم ركزا.
كانوا بلهو الأمل آمنين لبيات قوم غافلين أو لصباح قوم نادمين، ثم إنكم قد علمتم الذي نزل بساحتهم بياتا من عقوبة الله عز وجل.
فأصبح كثير منهم في ديارهم جاثمين، وأصبح الباقون ينظرون في آثار نقمة وزوال نعمة ومساكن خاوية فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم وغيره لمن يخشى.
وأصبحتم من بعدهم في أجل منقوص ودنيا مقبوضة في زمان قد ولى عفوه وذهب رخاؤه.
فلم تق منه إلا حمة شر وصبابة كدر، وأهاويل عبر، وعقوبات غير وإرسال فتن، وتتابع زلازل ورذالة خلف بهم ظهر الفساد في البر والبحر.
فلا تكونوا أشباها لمن خدعه الأمل وغر بطول الأجل وتبلغ بالأماني، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن وعى نذره، وعقل فمهد لنفسه.
Sayfa 35