ما دار دنيا للمقيم بدار ... وبها النفوس فريسة الأقدار
ما بين ليل عاكف ونهاره ... نفسان مرتشفان للأعمار
طول الحياة إذا مضى كقصيرها ... واليسر للإنسان كالإعسار
والعيش يعقب بالمرارة حلوه ... والصفو فيه مخلف الأكدار
وكأنما تقضي بنيات الردى ... لفنائنا وطرا من الأوطار
والمرء كالطيف المطيف وعمره ... كالنوم بين الفجر والأسحار
خطب تضاءلت الخطوب لهوله ... ونلوذ من حرب إلى استشعار
إن الذين بنوا مشيدا وانثنوا ... يسعون سعي الفاتك الجبار
سلبوا النضارة والنعيم فاصبحوا ... متوسدين وسائد الأحجار
تركوا ديارهم على أعدائهم ... وتوسدوا مدرا بغير دثار
خلط الحمام قويهم بضعيفهم ... وغنيهم ساوى بذي الأقتار
والخوف يعجلنا على آثارهم ... لابد من صبح المجد الساري
وتعاقب الملوين فينا ناثر ... باكر ما نظما من الأعمار
والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل
لا تستعين في حاجة بمن يبتغي مثلها فينسى الذي كلفته أو يتناساه، ويبدؤ بحاجته قبلها؛ لأنها عنده أهم.
تسعة لا يفارقهم الحزن ولا الكآبة: الحقود، والحسود، وجديد عهد بغناه، وغني يخشى الفقر، وفقير مديون، وطالب رتبة يقصر عنها قدره، وجليس أهل العلم وليس منهم، والمسجون، ومن يطلب بثأر.
من اهتم بالدنيا ضيع نفسه، ومن اهتم بنفسه زهد في الدنيا، طالب الدنيا لا يخلو من الحزن في حالين: حزن على ما فاته كيف لم ينله، وحزن على ما ناله يخشى أن يسلبه، وإن أمن سلبه أيقن بتركه لغيره بعد موته فهو مغموم ومحزون في جميع أحواله.
Sayfa 32