ثمَّ نقُول اذا لم يجز للعوام الْعَمَل بِالظَّنِّ أصلا لما قُلْتُمْ إِنَّه لَا عِبْرَة بِظَنّ غير الْمُجْتَهد أصلا نقُول كَيفَ يثبت عَلَيْهِم وجوب الْعَمَل بأقوال الْمُجْتَهدين ان كَانَ بِدَلِيل ظَنِّي فقد عرفت ان ذَلِك يُفِيد الظَّن لَهُم وَلَا يثبت بِهِ فِي حَقهم شَيْء وان كَانَ بقطعي فمعلوم أَن الْمَسْأَلَة فِي غير قَطْعِيّ وَقد كثر الْعَمَل للعامي والمقلد بِحَدِيث وَلَا شكّ أَن ذَلِك لَا يثبت بقول الْمُجْتَهد لظُهُور أَن الْكَلَام فِي ثُبُوت قَوْله عَلَيْهِ وَوُجُوب الْعَمَل عَلَيْهِ بقوله وَقد أنكر الظَّاهِرِيَّة وَغَيرهم جَوَاز التَّقْلِيد فَكيف يُقَال بِأَن وجوب التَّقْلِيد قَطْعِيّ فَحِينَئِذٍ لَا يثبت التَّكْلِيف فِي حق الْعَاميّ أصلا الا بِمَا هُوَ قَطْعِيّ لَهُ وَأما الظني فَلَا يجوز لَهُ الْعَمَل بِهِ أصلا
ثمَّ إِذا قُلْنَا بِهَذَا الأَصْل ان الظني لَا عِبْرَة بِهِ أصلا وَلَو كَانَ ظنا فِي السَّنَد يلْزم أَن لَا تقوم الْحجَّة بالأحاديث على أحد من الْمَوْجُودين كالرافضة وَغَيرهم من الْفرق الضَّالة خذلهم الله تَعَالَى لجَوَاز أَن يَقُولُوا نَحن مقلدون لغيرنا وَالْحجّة لَا تقوم بِالظَّنِّ إِلَّا على مُجْتَهد وَقد علم من أصلكم أَنه لَا مُجْتَهد فِي الدُّنْيَا فَكيف تقيمون علينا الْحجَّة الظنية مَعَ أَنه لَا يحصل بهَا إِلَّا الظَّن وَيجب علينا أَن لَا نَأْخُذ بذلك الظَّن أَو لَا يجب علينا أَن نَأْخُذ بِهِ فَيلْزم الْعَجز عَن إِقَامَة الْحجَّة بالأحاديث
ثمَّ انْظُر الى سخافة التَّمَسُّك بِهَذَا الْكَلَام وَهُوَ أَنه لَا عِبْرَة بِظَنّ الْمُقَلّد أصلا مَعَ أَنه باطلاقه قد علم بُطْلَانه وَلم يعلم قَائِله من هُوَ وَلَو سلم أَن قَائِله مُجْتَهد وَقد أجمع عَلَيْهِ فقد سَمِعت تَأْوِيله على أَن قَول مُجْتَهد وَاحِد لَا حجَّة فِيهِ بالاجماع فِي الْمسَائِل العملية الْأَصْلِيَّة وَهَذِه الْمَسْأَلَة هُنَا وَقد عرفت مَا فِيهَا من الْمَفَاسِد اذا اجرى على إِطْلَاقه وَمَعَ ذَلِك فَنَقُول كَيفَ يكون للمقلد الْعَمَل بقول الْمُجْتَهد مَعَ أَنه فِي الأَصْل ظَنِّي مُتَضَمّن للتقليد الَّذِي هُوَ مِمَّا ذمّ الله تَعَالَى فِي مَوَاضِع من كَلَامه وانما جوز لضَرُورَة حَاجَة الْعَوام اليه وَجَوَاز الْعَمَل بِهِ لَهُ ظَنِّي ثمَّ ثُبُوته عِنْد هَذَا الْمُقَلّد ظَنِّي لم يثبت اسناده الى ذَلِك الْمُجْتَهد أصلا وَإِنَّمَا مَدَاره على حسن الظَّن بالنقلة بل قد يكون ثُبُوته وهميا أَو شكيا اذا اخْتلف النقلَة فِي نقل قَول الْمُجْتَهد فَيَقُول أحد إِنَّه كَذَا وَالْآخر إِنَّه كَذَا ثمَّ هُوَ ظَنِّي بِاعْتِبَار أَنه هَل بَقِي عَلَيْهِ ذَلِك الْمُجْتَهد أَو رَجَعَ عَنهُ وَلَا شكّ فِي ثُبُوت الظَّن سِيمَا إِذا نقلوا عدَّة أَقْوَال عَن مُجْتَهد فَحِينَئِذٍ كَون ذَلِك مِمَّا بَقِي عَلَيْهِ الْمُجْتَهد يَنْبَغِي أَن يكون مشكوكا فِيهِ فَنَقُول كَيفَ جَازَ لَهُ الْعَمَل مَعَ هَذِه الظنون بقول مُجْتَهد وَلم يجز لَهُ الْعَمَل بقول الرَّسُول ﷺ مَعَ أَنه قَطْعِيّ أصلا وظني إِسْنَادًا واسناده مُتَّصِل ونقلته أوثق فَظن ثُبُوته أقوى من ظن ثُبُوت ذَلِك الْمَنْسُوب الى الْمُجْتَهد واذا كَانَ الظَّن مَانِعا من الْعَمَل فَهَلا يمْنَع لَهُ الْعَمَل بقول الْمُجْتَهد والا فلأي شئ يمنعهُ من الْعَمَل بِالْحَدِيثِ فَانْظُر فِي هَذَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَبِيَدِهِ أزمة التَّحْقِيق
بل نقُول الظنية لَازِمَة لقَوْل الْمُجْتَهد بِالنّظرِ الى الْمُقَلّد ذاتا لَا تُفَارِقهُ أصلا وان لم تكن تِلْكَ الظنية بالوجوه الْمَذْكُورَة أَيْضا وَذَلِكَ لِأَن الْمُجْتَهد وَاحِد من الْآحَاد فَيجْرِي عَلَيْهِ فِي أخباره
1 / 67