الزهريّ، وأن يروي عنهم بطريق آخر، كما أنّ الزّهريّ يحتمل أيضًا في رواية الثّلاثة أن يروي لهم عن عبيد الله عن ابن عبّاس، وأن يروي لهم عن غيره، هذا ما يحتمل اللّفظ وإن كان الظّاهر الاتحاد.
قلت: هذا الظّاهر كاف لمن شم أدنى رائحة من علم الإِسناد، والاحتمالات العقلية المجردة لا مدخل لها في هذا الفن، وأمّا الاحتمال الأوّل فأشد بعدًا لأنّ أبا اليمان لم يلحق صالح بن كيسان، فإن مولده بعد وفاة صالح، ولا سمع من يونس، ولو كان من أهل النقل لاطلع على كيفية رواية هؤلاء الثّلاثة لهذا الحديث بخصوصه فاستراح من هذا التردد.
وقد أوضحت ذلك في كتابي "تغليق التعليق" وأشير إليه هنا إشارة مفهمة، فرواية صالح أخرجها المؤلِّف في كتاب الجهاد بتمامها إِلَّا قصة ابن الناطور وكذا أخرجها مسلم.
ورواية يونس أخرجها المؤلِّف في الجهاد من طريق اللَّيث، وفي الاستئذان من طريق عبد الله بن مبارك كلاهما عن يونس عن الزهريّ بسنده بعينه مختصرًا ولم يسقه بتمامه، وساقها الطبراني بتمامها من طريق عبد الله بن صالح عن اللَّيث وفيها قصة ابن الناطور.
ورواية معمر ساقها المؤلِّف بتمامها في التفسير.
والطرق الثّلاثة عن الزهريّ عن عبيد الله عن ابن عبّاس، كرواية أبي اليمان عن شعيب عن الزهريّ، ولو كان سند الحديث عند هؤلاء عن الزهريّ عن غير عبد الله لأفضى ذلك إلى الشذوذ أو الإِضطراب المانع من الصّحيح، فظهر بطلان الاحتمالات المذكورة والله المستعان (١٧).
قال (ع): رواه صالح بن كيسان ويونس ومعمر عن الزهريّ، أي
_________
(١٧) فتح الباري (١/ ٤٤ - ٤٥) وتغليق التعليق (٢/ ١٨ - ١٩).
1 / 18