İnsanbilim: Çok Kısa Bir Giriş
الإنسانوية: مقدمة قصيرة جدا
Türler
لم إذن لا نقبل، مثلا، بحكم سلطة دينية ما بخصوص المسائل الأخلاقية؟ إن كانت تلك السلطة قد كرست حياتها للتفكير بعمق في القضايا الأخلاقية، فلم لا نذعن لرأيها الخبير؟
بالتأكيد سيكون ذلك ملائما، لكن للأسف ليست منظومة الأخلاق مثل الطب أو الكيمياء. إن نصح أستاذ كيمياء طالبا حديث السن بالتخلص من كتلة بوتاسيوم في الحوض، وقتل طالب آخر نتيجة للانفجار المترتب على ذلك، فلن يتحمل الطالب الأول المسئولية؛ بل يتحملها الخبير. لكن إن نصح معلم الدين طالبه الحديث السن بقتل أي شخص يرفض دينه، وأطاعه؛ فإن الطالب يستحق تحمل الوزر. وبافتراض أنه لم يجبر على ذلك ولم يتعرض لعملية غسيل مخ، فهو مسئول عن الشخص الذي قتله. وبديهيا، لا يمكنه التنصل من المسئولية بقوله: «لكن مرشدي الديني قال لي إنه يجب علي أن أفعل ذلك»، بنفس الطريقة التي يمكن لطالب الكيمياء أن يتنصل من المسئولية بقوله: «أستاذ الكيمياء قال لي إنه يجب أن أفعل ذلك.» لمسئولية إصدار الأحكام الأخلاقية طابع ارتدادي يشبه حركة البومرانج؛ جرب أن تعهد بها لأحد الخبراء، وستجدها دائما ما ترتد إليك.
بالتأكيد سيعتبر كثيرون الاقتراح القائل بأنه يجب علينا أن نقرر بأنفسنا الصحيح والخاطئ، لا أن نعهد بهذا الأمر إلى سلطة دينية، اقتراحا صادما. وقد يقولون لك: «يا للغرور! أتريد أن تؤدي دور الإله؟! عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المسائل الأخلاقية، يجب أن نعتمد على الدين.»
لكن، شئت أم أبيت، لا مفر من أداء دور الإله، حتى إن قررت أن أتبع ما يقال في كتاب مقدس من الكتب المقدسة أو ما يقوله أحد رجال الدين، ما زلت مع ذلك أصدر أحكامي الخاصة؛ لأني ما زلت مضطرا أن أقرر أي كتاب دين سأختار، وأي أجزاء من هذا الكتاب سأقرأ، ورأي أي مفسر لهذا الكتاب سأتبع، وما إلى ذلك. لا مهرب من تلك الأحكام. حتى مجرد الالتزام بالتعاليم الدينية التي تربيت عليها يقتضي أن أصدر تلك الأحكام، وهي نفسها أحكام أخلاقية؛ فهي تتضمن السؤال: «هل يجب علي أن أتبع النصيحة الأخلاقية التي قيلت لي أم لا؟»
على كل فرد في النهاية أن يعتمد على بوصلته الأخلاقية - إدراكه الخاص للصواب والخطأ - في اتخاذ القرار بشأن الجهة التي سيستمع إليها، وإن كان سيقبل بالنصيحة الأخلاقية التي أعطته إياها أم لا، ويؤيد هذا التأليهيون كما يؤيده الإنسانويون. (5) هل سنكون أخيارا من دون الإله؟
سأتحول الآن إلى التحدي الثالث من تحدياتنا الثلاثة: هل سنكون أخيارا من دون الإيمان بالإله؟ يعتقد كثيرون أنه إن تم تقويض الدين، فستنهار منظومة الأخلاق وسيتمزق النسيج المجتمعي؛ ومن ثم، فالإنسانوية فكرة خطرة.
كثيرا ما يساق هذا الزعم، لكن ما الدليل على صحته؟ تركز إحدى أشهر الحجج على وجود ارتباط بين تراجع الدين، ولا سيما منذ منتصف القرن العشرين، وبين ارتفاع مفترض في مختلف الاعتلالات الاجتماعية على مدار الفترة نفسها، بما في ذلك تزايد معدل الجرائم وجنوح القصر والأمراض المنقولة جنسيا. وترى تلك الحجة أن هذا الارتباط ليس مصادفة؛ فمعدل الجرائم وجنوح القصر والأمراض المنقولة جنسيا يتزايد مع تراجع مكانة الدين؛ فتراجع الدين هو «السبب» الرئيسي لما سبق.
لكن هل صحيح أن مجتمعنا أقل أخلاقا بكثير مما كان عليه في خمسينيات القرن العشرين؟ بالتأكيد لدينا الآن مواقف أخلاقية مختلفة تماما، لكن ليس هذا بالشيء السيئ بالضرورة؛ ففي خمسينيات القرن العشرين، كان رهاب المثلية والعنصرية منتشرين، واعتبر كثيرون أن مكان المرأة هو المطبخ. لقد شهدنا بالفعل أوجه تحسن أخلاقي ضخمة على مدار نصف القرن الأخير أو نحو ذلك.
إلا أنه توجد أدلة تشير، على بعض «الأصعدة» على الأقل، إلى أننا في حال أسوأ. على سبيل المثال، في المملكة المتحدة ترتكب حوالي 6 ملايين جريمة كل عام، أما في عام 1950 فكان الرقم نصف مليون، وفي الولايات المتحدة بين عامي 1960 و1992 زاد معدل جرائم العنف المبلغ عنها (القتل، والاغتصاب، والسرقة، والاعتداء) التي يتعرض لها المواطنون بخمسة أضعاف. حتى مع اعتبار الاختلافات في طريقة التبليغ عن الجريمة، فمن الواضح أنه كانت هناك زيادة كبيرة في الجرائم؛ ألا يمكن أن يعزى ذلك إلى تراجع الإيمان بالدين؟
ليس الأمر بهذه السهولة. رغم ارتفاع جرائم العنف منذ عام 1950، فإنها في الواقع أقل كثيرا (أقل بخمسين ضعفا) مقارنة بعددها منذ قرنين من الزمان، عندما كان مجتمعنا متدينا جدا في الحقيقة؛ من ثم فإن ارتفاع معدلات الجريمة يمكن أن يكون له أسباب - وبالفعل له أسباب - غير انخفاض معدلات التدين (إن كان انخفاض التدين سببا من الأساس).
Bilinmeyen sayfa