عصر المرأة
المدنية والفجور
جداتنا في نظر أجدادنا
الخير المجرد
نقائض المرأة
طلب المرأة المساواة
تعدد الزوجات
الانتخاب الجنسي
الخاتمة
عصر المرأة
المدنية والفجور
جداتنا في نظر أجدادنا
الخير المجرد
نقائض المرأة
طلب المرأة المساواة
تعدد الزوجات
الانتخاب الجنسي
الخاتمة
الإنسان الثاني
الإنسان الثاني
تأليف
عباس محمود العقاد
عصر المرأة
وقفت على آراء في المرأة للفيلسوف الألماني آرثر شوبنهور، فأعجبني حذق الرجل وجرأته على المجاهرة بأقوال يعد قائلها في أوروبا خلوا من التهذيب وسلامة الذوق. وإن كنت أراه قد غلا في مذهبه إلى حد ربما كان الدافع به إليه غلو المدنية العصرية في نظرها إلى المرأة ورعايتها إياها.
فإنا لفي عصر خليق بأن ندعوه عصر المرأة، فإنك لا ترى إلا أثرا من آثارها حيث ذهبت، وقليلا ما تجد عقلا لا يشتغل بأمرها أو قلبا لا يشتغل بها، حتى لقد بلغ بهذا العصر الظريف أن يرغب الناس بصورها ورسومها في أوراق التبغ وعلب الثقاب وحلوى الأطفال وإعلانات المتاجر والسلع، وحتى لقد أصبحوا ينصبونها أحبولة يتصيدون بها الناس إلى حفلات البر ومجالس الإحسان.
ففيم ذلك كله يا ترى؟ ألعله بلغ من صلاح النفوس البشرية ورفقها بالضعفاء في عهدنا هذا ما نرى بعض علائمه في معاملة النساء المستضعفات، والتلطف مع هذا الجنس اللطيف؟ لو كان ذلك لقلنا قد تحقق الحكم الذي رآه الفلاسفة في دياجي القرون الأولى. ولكننا ننظر إلى سابق العهود، ونستعرضها واحدا واحدا فلا يعرض لنا عهد كان أقسى على الضعفاء وألين للأقوياء من هذا العهد الذي نحن فيه، والنساء أول من تصيبهن جرية الضعف، إذا هن لم يعرفن موضع القوة منهن بعرفانهن موضع الضعف من نفوس الرجال.
إنما نحن في عصر شهوة، لا شأن له في صلاح أو نخوة، والنفوس باقية على ما جبلت عليه وإن لم يكن قد تدلى بها الحرص والضنك. ولا شيء أصلحه رقي العالم - اللهم إلا الحديد والمعادن فإنها تصاغ اليوم بواخر وقواطر، ومدافع وقذائف أجود صنعا وأسطع وميضا من آلات الزمان القديم.
المدنية والفجور
ترسخ أساس الدولة وتتوطد دعائمها، فينصرف أهلها آمنين إلى طلب الثراء، ويتفننون في جلب المال من وجوه المكاسب، وإنفاقه في أسباب الرفاهة والملاذ؛ وهنا يأتي دور المرأة ويكثر الالتفات إليها، فتعلم مكانتها ويعرف لها القوم دالتها، وما إخال ظرفاء النوادي ومجانها في باريس قد بلغوا من الرقة والكياسة في مخاطبة النساء ما بلغه ظرفاء العباسيين والأندلسيين من أبناء أجلاف الصحراء وائدي البنات، وقد شمخ بنيانهم، وامتد سلطانهم. فكانوا يدعونها حينا ملكا كريما، وحينا كوكبا منيرا، وإذا أرادوا عشقها واشتهاء قربها قالوا عبادتها والفناء في حبها، وقد تلطف بعضهم فبسط صفحة خده وطاء لنعلها. وإنه لأغلظ شسعا وأخشن مسا من حذاء تلبسه غادات اليوم، يكاد يحسب لابسه حافيا!
ولا أنكر أن المدنية العصرية أرفق بالمرأة مع هذا من المدنيات الغابرة، ولكنه رفق جاء به تحدد الواجبات والحقوق الذي اقتضته طبيعة اجتماعنا، وروح التعميم التي لا بد منها في شرائعنا.
جداتنا في نظر أجدادنا
وما زالت المرأة رقيقا مستضعفا منذ كانت، لا إرادة لها في اختيار رجلها. ثم إنهم قد أبصروها واجمة أمام الرجال كلهم فحسبوها بلا قلب تواق أو طبع غلاب. كما تمادوا بعد ذلك فارتابوا في أن لها نفسا كما للرجال. ولست بحاجة إلى ميزان كميزان المشرحين أضع في كفتيه مخي المرأة والرجل لأعلم أيهما أرجح عقلا وأرزن فكرا. فإن هيمنة الرجل عليها وإخلادها إليه، في جميع الأجيال والعصور والبلدان على حال سواء، دليل على أنها أضعف منه عقلا وجسما. ولقد جعلتها الشرائع القديمة متاعا لعائلها وأبت أن تهبها إرادة مستقلة عن إرادة وليها في أمر من أمور حياتها، وحرمها بعض تلك الشرائع حق الميراث في مورثيها إلا إذا لم يكن لهم نسل من الذكور، كما ضن عليها أن تكون لها ثروة خاصة بها.
قال ماني حكيم الهند: «ينبغي أن يوضع النساء في الليل والنهار تحت كنف أوليائهن، طائعات كل الطاعة لهم، معولات كل التعويل عليهم.» الهنود يقولون ما معناه: «لا بد للمرأة من سيد في كل أدوار حياتها؛ فسيد البنت أبوها، والزوجة قرينها، والأم ولدها.» وكذلك كانت حالها في الصين. وكان الرومانيون في الغرب يجيزون للرجل التصرف في حياة امرأته كما يتصرف في دوابه وعقاره. ولا تتزوج الفتاة عندهم إلا إذا شاء أبوها. ولن يسقط حق الأب في مباشرة قران ابنته ولو كان مجنونا.
والآن نرانا نحترم المرأة. فهل تهذبت الطباع وتغيرت السجايا؟
الخير المجرد
ما عهدنا في النفوس البشرية هذا الكرم. أقول ما عهدنا الناس يصدعون بالحق لأنه حق أو يدينون بالإنصاف لصوابه؛ فالحرية الشخصية في بعض البلاد حق لا يمتري فيه اثنان. سلم به الملوك، لا اقتناعا بمقدمات الفلاسفة وبراهينهم، بل رهبة من سيوف الثوار ونيرانهم. وهذا الحق الذي لا يجرؤ على مسه حاكم ولا ملك في البلاد الحرة، يداس جهارا في غيرها من البلاد التي لم تبرهن على صدقه بالحديد والنار. وضمانة حقوق العمال حق رضيه أصحاب الأموال، ولولا أن العمال تضافروا على المطالبة به وألبوا لتأييده لما رضوه أبدا.
فإذا الذي يعد قسوة لا تطاق من أصحاب الأموال، في أمة قويت بينها شوكة العمال واجتمعت كلمتهم، قد لا يراه الناس إلا أمرا مألوفا في بلد لم تعلم قوة الاتحاد أغنياءه حق إنصاف العامل المسكين وواجب رحمة القادر بالعاجزين.
واحترام النساء أصبح فرضا على كل وجيه ووضيع، ولو أنه لا وسيلة للمرأة إلا أن تلبث حتى ينيلها رقي الناس ومروءتهم هذا الاحترام، لكان عليها أن تنتظر بعد أجيالا وآمادا طوالا.
وما حدا بهؤلاء الطالبين إلى تحقيق هذه المبادئ أنهم وجدوها حقا، ووجدوا ما عداها باطلا. ولكنها الحاجة حركتهم، والضرورة أرغمت ظالميهم على الإقرار بحقوقهم. وكذلك لا ترى عملا لغير الحاجة والضرورة في مطالب الناس.
نقائض المرأة
فما معنى احترام المرأة الذي سمعنا عنه كثيرا في هذه الأيام؟
لو أغضينا قليلا عن ذلك الاحترام الشهواني لما فهمنا لاحترام النساء معنى كما أرادوا أن نفهمه.
إنني إذا التقيت بالنابغة خصته الطبيعة بموهبة سامية أو ميزته بصفة نادرة، أو بالسيد البجال كبير النفس جليل الخطر، لم أتمالك أن أحترمه. ويكون احترامي هذا له كاحتقاري للزميلة الهبيت. كلاهما عن سجية لا شائبة فيها للتكلف والرياء. فهل احترامنا المرأة من نوع هذا الاحترام؟
كلا!
ليس في صفات المرأة ما يروعنا أو يكبر في أعيننا. فأما أن يقال إننا نكبرها لضعفها، وأن الناس قد علوا في الأدب ومكارم الأخلاق فأصبحوا يعاملون الضعيف كأنما قد نسوا ضعفه وقوتهم، وأنهم يحاسنون المرأة - دون سائر الضعفاء - لهذا السبب، فهذا ما لا يصدقه الواقع. هذا كلام باطل! هذا بهتان!
وجدير بهذا الاحترام أن نسميه إشفاقا. فإنه لا نصيب للضعف من إجلالنا، وكل نصيبه من أطيب القلوب وأبرها ألم أو حنان.
والمرأة نضو الأسر والعسف. واهنة الجلد واهية الجسم. مناقبها وعيوبها مناقب الضعف وعيوبه. وسيبقى هذا شأنها إلى حين.
خلقت المرأة أسيرة انفعالات نفسها؛ فما من منقصة أو محمدة فيها إلا وهي بنت الانفعال. فهي عقلية الحب في صباها، أخيذة الدين في هرمها، وليس للمرأة فضيلة صادرة عن صدق الفكر وأصالة الرأي؛ إذ ليس بين خلالها فيما يعلم الناس أجمل من الشفقة، وهذه راجعة أيضا إلى التأثر الذي لا فضل لها فيه إلا بالإحساس. ولولا ذلك لما استطعنا أن نفهم كيف تجتمع شفقة المرأة وأثرتها في نفس واحدة. فإنهما خلتان متناقضتان، ولكنهما تردان في الضعفاء إلى مصدر نفساني واحد، هو الخوف على النفس. فإن المرء إذا رأى الرعب أو الألم في سواه تمثله في خاطره مقرونا بما كان يصحبه من شعوره لو أنه وقع لشخصه. فهو يجزع على غيره بالقياس إلى جزعه على نفسه. وكلما كان ضعيفا كان هذا الجزع أشد. وهذا هو الإشفاق.
وهو كلما وسوس له الجزع على نفسه اشتد تعلقه بحياته وعظم شعوره «بأنانيته» وهذه هي الأثرة. بل لولا ذلك لما استطعنا أن نفهم كيف أن هذا المخلوق الرءوف الوديع ينتفض أحيانا وحشا متنمرا في قسوته وضراوته. إذا اهتاج حواسه هائج الحنق والانتقام، أو ثارت في عواطفه كوامن الشهوة والغيرة.
وقد تتصف المرأة بالشجاعة ولكنها لا تأتي بها إلا من جانب الانفعال أيضا. وهذه جان دارك مضرب أمثال الشجاعة بين النساء تملكها شعور عميق واستولت على مجامع حواسها عقيدة دينية فتمكنت منها أيما تمكن. واختبلت أعصابها حتى خيل لها أنها كانت تلمح القديسين الغابرين وتسمعهم يكلمونها. فجعلت هذه الأوهام تقذف بها في المهالك وهي غائبة عن وجدانها. وما كذلك يعنون بالشجاعة وإنما هذا هوس يأخذ بالألباب ويضل الصواب.
أما ما قيل عن زنوبية وحصافة فكرها وجلدها وقهرها شهواتها وكبحها نزوات الطبع النسائي في نفسها، فلا أعلم أهو صدق أم كذب. على أن استثناء امرأة واحدة من سائر بنات جنسها، في كل هاته الأجيال والقرون، شذوذ أراه يؤيد القاعدة ولا يفندها.
هذا الضعف الذي يلازم المرأة أبدا قد جعلها قليلة الركون إلى نفسها عظيمة التعويل على غيرها، وصغرها في نظر نفسها، فصارت لا ترى لها قدرا إلا في نظر الناس إليها. وإنها لتتعلق لهذا السبب بمن يعرض عنها ولا يحفل بها لأنها تحسب إعراضه نقصا فيها على كل حال. وكثيرا ما تعالج استمالة ذلك المعرض عنها لتزيل ما علق بخاطرها من ريب في قوة جمالها ونفوذ سلطانها، والويل لمن تعلم أن لها شأنا كبيرا عنده؛ فإن في الإعجاب بها كل غايتها من الرجل. فإذا وثقت من إدراكها عنده لم يبق لها شأن معه. وفرغت منه لتنظر تأثير جمالها في سواه. ولعل هذا الذي يجعل المرأة أحيانا تستصغر نفسها مع الزوج الفاسق وتستصغر الزوج الصالح معها.
ولا رأي لها في الرجال من تلقاء نفسها. وإنما رأيها في الرجل هو رأي الرجل في نفسه. ولهذا كان أكثر الرجال توفيقا عند النساء أشدهم اغترارا وزهوا. حتى لقد وجدت المرأة ترى الجمال فيمن يراه لنفسه، وإن كان الجمال من الأشياء المحسة بالبصر. ولكنها لا تستطيع إلا أن تسلم باعتقاد الرجل الذي تمكن من التغلب عليها باعتداده بذاته وقلة اكتراثه لرأيها فيما قد اعتقد لنفسه من المزايا والصفات.
وإذا شاهدتها تصبو إلى بعض المشاهير وأصحاب الصيت البعيد من العلماء أو الكتاب، فذلك لهذا السبب أيضا. أي لأنه لا رأي لها في الرجال من تلقاء نفسها. فإنها تسمع قول الناس في الرجل فتتخذه رأيا لها. فهي إما تؤمن باعتقاد الرجل في نفسه أو باعتقاد الناس فيه. ولا ترجع إلى نفسها إلا قليلا. وأنا لا أعلم مثالا لهذا القليل.
وقد اشتهرت المرأة بالرياء، وهو من علائم ضعف الثقة بالنفس أيضا. فيتظاهر المرء بما يروق الناس ويوافق آراءهم؛ ارتيابا منه في نفسه، واستصغارا لرأيه وحقيقة شأنه. فما أشد خطل الذين يعتمدون كل الاعتماد على اختيار المرأة في إصلاح الزواج وتحسين نوع الإنسان!
قال شوبنهور: «المرأة تؤدي ما فرض عليها في الحياة. لا بما تنجز من الأعمال بل بما تقاسي من الأوجاع؛ فعليها مكابدة آلام الحمل والوضع والسهر على الطفل وخدمة الرجل الذي ينبغي أن تكون له رفيقا صابرا مؤنسا.»
وقال: «لقد ركب في غريزة النساء ما يجعلهن صالحات لحضانة الإنسان طفلا، ويكن به معلمات صباه ورفيقات أيامه الأولى؛ ذلك لأنهن كالصغار، صبيانيات الأميال، خفيفات الأحلام، قصيرات النظر، وأنهن لا يفتأن لاهيات، فلا تزال المرأة طفلة كبيرة الجسم في كل أدوار حياتها.»
وما ظلمهن شوبنهور؛ فهن - كما قال - لا يخرجن من طور الطفولة أبدا، ولهن في كل دور من أدوار الحياة ألاعيب وفلسفة تناسب ذلك الدور؛ فهن أبدا صغيرات وإن شبت بأجسامهن الأعوام.
في المرأة من أخلاق الطفل غيرته المضحكة ونزقه السريع واستغراقه في الحاضر الذي بين يديه، وقصور نظره على الظواهر والقشور، ومرحه وغرارته ونفوره مما يهم ويصلح، ومحاكاته كل ما يراه، وتعويله في كافة أموره وأمياله على سواه، وتقلبه وكذبه ورياؤه وولعه باستطلاع المضمرات والأسرار، وجشعه وطمعه وموجدته، وافتتانه بالثناء والإطراء.
تلك أخلاق لا أحسب أن رجلا لم يتبين بعضها أو كلها في نفوس عامة بنات حواء.
وإني لأميل إلى الاعتقاد بأنها أخلاق تخلفت في نفسها من بقايا الهمجية في المرأة الأولى. بل هي أخلاق الهمجية والفطرة لم تقو السنون على تلطيف شرتها وتهذيب طبيعتها. ومن أين للزمن أن يخرج المرأة من طور الفطرة وهي لم تزل فيه منذ كانت إلى يومنا هذا ، وما مارست من الأعمال ما قد مارسه الرجال، ولا تنقلت بها المنافسات العمرانية كما انتقلت بهم، من أحوال إلى غيرها ومن آداب إلى أحسن منها؟!
فشغلها اليوم كشغلها قبل التاريخ. فما تزال صارفة كل عنايتها إلى تزيين ظاهرها وتحسين هندامها ووسائل إعجاب الرجل بها. ولا يزال لها ولع الهمجي بخرزه وريشه الطويل وشغفه بالألوان المبهرجة الزاهية والصور البراقة الخالبة، وما أفادها تقدم العمران وتدرج العصور إلا أنها جعلت الطلاء مكان الوشم، والجواهر في موضع السبح، وثقوب الأقراط بعد ثوب البرى، وعطور الرياحين والزهور بدلا من دخان الند والعود. مع شيء يسير من التهذيب كان لا مندوحة لها من اقتباسه من الرجل في عشرة الدار التي تجمع بينهما على تباين الأفكار وتباعد الأوطار.
وإن الحلي لتفعل بعقل المرأة فعل السحر، وتبلغ من نفسها ما لا يكاد يصدقه الرجال. وكم قد سمعنا أن عقدا أطاح جيدا، وأن جوهرة أضاعت جوهرة عرض وسلبت زينة عفاف. وأن إكليلا أطاش رأسا وأطار صوابا، وحلة أضنت جسدا وأورت كبدا.
طلب المرأة المساواة
فالإغضاء عن كل هذه الفوارق والذهاب إلى المساواة بين الرجل والمرأة بعد وضوح قصورها عنه وظهور نقصها بالقياس عليه، عبث لا موجب له ولا يفيد.
دخل القرن الثامن عشر في أوروبا فرفع حواجز الطبقات، ونزع حوائل الهيئات، فصار الناس سواء في نظر الشريعة، وإن لم يكونوا كذلك في نظر الطبيعة. وانطلقوا يتبارون كما يتبارى الأكفاء، فبعد أن كان لكل طبقة زي تعرف به، غدونا لا نميز بين أقدار الناس باختلاف أزيائهم أو تشابه بزاتهم. وكانت المرأة بما جبلت عليه من خليقة الغيرة أول من خطا إلى هذا المضمار، فشاقتها الزينة، وراح أدنى النساء يقلدن اعلاهن في التبرج والتأنق واقتناء المجملات والمحسنات. والمرأة لا ينقصها الاقتناع بوجوب اقتنائها كل ما يتمم حسنها ويجلو رونقها، فإذا قصر الرجل في إيتائها بهذه المطالب فهي في شرع الهوى بريئة من عدمه. خير لها أن تلتمس تلك النفائس والتحف عند من يحبوها إياها وهو قرير العين طيب الخاطر، فاستبيحت الأعراض، وتراخت ثقة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وصدف الناس عن الزواج إلا القادرين الآمنين، وهم قليلون.
وجاء هذا على أثر عهد فشا فيه فساد أبناء الطبقات العليا وبناتها، واتصل منها بغيرها من الطبقات، فرنق ماء حيائهم وأوهن من حفاظهم وعفافهم.
ثم تحول في ذلك القرن وجه المسألة الاقتصاية، واشتد التكالب على الأرزاق، وضاق الخناق، وأخذ الناس بالحجزات والأطواق، فأصبح أجر العامل لا يفي بأكثر من قوته وحاجته ومأواه، فضلا عن أن يمون به سواه، فزاد ذلك في إحجام الرجال عن الزواج، وقلل شيئا فشيئا من عدد المتزوجين والمتزوجات.
كان من هذا وذاك أن كثر بين النساء المنقطعات اللائي لا محيص لهن عن السعي لأنفسهن. فطرقن أبواب الأعمال يزاحمن عليها الرجال. ثم رأين أنه قد آن أن يساوين الرجل في الحقوق وقد حملن أنفسهن واجباته ونزلن معه في هذا المجال. فصحن يطلبن تلك المساواة الصورية التي نالها قبلهن نساء الطبقة العليا، بحكم ثروتهن والبيئة التي هن فيها، لا بالعلم أو مساواة الرجل في القدرة والفهم.
على أن من تبين ضعف المرأة، ثم ما وهبته من جمال الظاهر، ورأى كيف تحتال به على مطالبها، وتستخدمه في مآربها، وأنها لا تعدل به شيئا من مفاخر الحياة، ولو أوتيت العلم والحكمة، أو رزقت الملك والعظمة؛ علم أنه حل منها محل القوة من الرجل، وأنها إنما وهبته ليكون سلاحها الذي تحفظ به حياتها في هذا الوجود، لئن صدئ في هذه الأيام إفرنده، أو تثلم حده، فأولى بها أن تعمد إلى صقله وشحذه، من أن تصول بسلاح سواه، لا يدفع عنها أذى، ولا يرد من مصاوليها أحدا.
وليس إلا غرورا كالغرور الذي لا نصادف مثله في غير بنت حواء، يزين لها أن تقول للرجل:
أنا ربة الجمال، وصاحبة القوة فوق الجمال. أسعى سعيك وأدأب دأبك. وليس هذا كل ما عندي. بل إنك لتعمل ولا عائق لك يثنيك عما أنت آخذ فيه. أما أنا فأعمل كما تعمل، في حين أنهض بأعمال الحمل والوضع والحضانة والتربية، فأغالب عاملي التعب والألم، وأنت تنوء بواحد منهما. ولا أراني قانعة بأن أكون مثلك، بل إني لأصلب منك عودا وأشد جلدا، وأجمل منظرا وأحد ذكاء و... و...
ولا ندري بعد هذه الدعوة، أتتجاوز المرأة عما فرضته على الرجال من واجب احترام الضعف فيها، أم تتقاضاهم بعده واجب احترام السيادة والسلطان؟
إن الرجل والمرأة صنوان خلقا ليعيشا معا. ولا بد لأحدهما من ميزة على الآخر ينتظم بها أمر المعيشة بينهما. فمن ترى يكون صاحب الميزة منهما؟
تعدد الزوجات
ولقد هال شوبنهور كثرة فرائس العزوبة في أوروبا فعمد إلى وصفة شرقية، وقال بوجوب الاقتداء بأمم الشرق في إباحة تعدد الزوجات.
ونحن ننقل كلمته في هذا الصدد، حتى يفقه القراء ماذا هون على حكيم غربي أن ينصح قومه بالرجوع إلى ما نعالج التخلص منه في شرقنا ونعده منكرا تجب إزالته. قال:
يقضي الزواج في البلاد التي تقصر الرجل على زوج واحدة تنصيف حقوق الرجل وتضعيف واجباته. وإذا كان القانون يمنح المرأة كل ما يسمح به للرجل فقد كان حقا عليه أن يمنحها عقلا كعقله واستعدادا كاستعداده. وإنه بقدر ما تزيد هذه الحقوق والمزايا التي خصت الشرائع بها المرأة عن مقدار ما خصتها به الطبيعة، نرى هنالك نقصا بينا في عدد النساء اللائي ينتفعن فعلا بتلك الحقوق والمزايا، وعلى ذلك فلا نتيجة لإثبات هذا النص في شرائعنا إلا أنها حرمت فريقا من النساء حقوقهن الطبيعية بقدر إمتاعها الفريق الآخر منهن بحقوق فوق ما يجب لهن ويناسب طبيعتهن.
فإن هذه الميزة المجافية للوضع الطبيعي، التي نالتها المرأة بحكم سنة الوحدة في الزواج وما يتبعها من أصول الزوجية وحدودها، فصيرتها ندا للرجل مساويا له، وما هي كذلك في الواقع، إن هذه الميزة من شأنها أن تجعل عقلاء الرجال وأذكياءهم يترددون طويلا قبل الرضا بما يقضي به الزواج من التجاوز عن حقوقهم والتجرد عن مزاياهم. فينشأ من ذلك أنه بينما تجد كل امرأة عائلا لها بين الأمم التي أساغت تعدد الزوجات، نرى من جهة أخرى أن عدد النساء المتزوجات في البلاد التي حظرته محدود بالنسبة إلى عدد لا يحصى من بنات جنسهن يظلن ولا عائل ولا ولي لهن، فيعيش بنات الطبقات العليا منهم عيشة تبتل عقيم، ويعاني الأخريات أشد الأعمال وأفدح الأثقال، أو يتلوثن بلوثة العهر، فيقضين حياة بعيدة عن السرور بعدها عن الشرف. ثم يصبح وجودهن في هذه الحالة أمرا لازما، فيتخذهن المجتمع درعا يذاد بها عن عفة أخواتهن اللائي أسعدهن الجد بالزواج أو بانتظاره. وإن في لندرة وحدها ثمانين ألف بغي! فهل يقال إلا أن هؤلاء النسوة الشقيات، إنما هن ضحايا بشرية على مذبح وحدة الزوجية.
هؤلاء النسوة هن الكفة الشائلة في ميزان ترجح فيه حقوق المرأة من جانب لتهبط من الجانب الآخر. ولا مناص من وجودهن إلى جانب «السيدات» اللائي يحمين نظام وحدة الزوجية في أوروبا، فيظهرن بما يطيب لهن من ادعاء وخيلاء.
ومن ثم فتعدد الزوجات سنة نافعة للنساء باعتبارهن نوعا. هذا على أنني لا أرى ثمة مانعا معقولا يصد رجلا أصيبت زوجته بداء عضال، أو بقيت عاقرا لا تلد، أو كانت لا تناسبه سنا، من أن يقترن بزوجة أخرى. وإن كثيرا من الناس يصبأون إلى مذهب المرمون ليصبحوا في حل من الاقتران بأكثر من واحدة.
ولا يعجبني هذا المذهب التجاري في الزواج. أو لا أستحسن أن يكون القوت هو الجامع بين الجنسين لما سأبينه بعد. ولكن الذي أراه وأحسب أنني مصيب فيه، أنه سواء كان الزواج موحدا أو معددا، شرعيا أو مدنيا، لا يحسن أن يترك للمرأة كل الرأي فيه.
الانتخاب الجنسي
فلست ممن يرجون من الانتخاب الجنسي نفعا للمرأة أو لنوع الإنسان، ما دام الانتخاب على هذا النمط. وإن البقرة لتنفع نوع البقر بغريزتها الانتخابية أكثر مما تنفع المرأة نوع الإنسان. ذلك لأنه ليس للمرأة - كما قدمت - رأي ذاتي في الرجل، فهي لا تحسن الاختيار ولا تتحرى الأصلح في تمييزها بين الرجال.
وليس أيسر - على من رام أن يتحقق ذلك - من أن يلحظ أحوال رجالنا، وينظر فيما جعلهم يتنافسون بينهم لاسترعائها واجتذاب قلبها .
فالفتيان لا يزالون يتبارون في التعطر، وصف الطرر، وفتل السبال، ورشاقة المشية، والتأنق في الهندام، والترصد في الطرقات، إلى ما شاكل ذلك مما لا يتعدى الجمال الظاهر، ويؤدي العكوف عليه إلى سقوط الهمة وموت النفس.
فليت هذا الانتخاب الجنسي، إذ أخفق في تحسين الأجيال المقبلة، قد سلم الجيل الحاضر من شره ونجا من بوائقه!
والمرأة - ما تركت لنفسها - راضية بذلك منهم. لا تكلفهم التباهي بمكرمة أو التسابق إلى فضيلة ليستحقوا ودها ويرجحوا سواهم لديها.
وليس هذا في مصر بلد المرأة الجاهلة. ولكنه كذلك في أوروبا بلد السوبرمان المترقية. وما أكثر «الظرفاء» هناك ممن لا هم لهم إلا التصدي للنساء في كل مكان! •••
أما من عداهم الشباب وخلفهم رونق الصبا، فأولئك يتجاذبونها بالنوال، ويرغبونها بالمال. والمال بغية نفس المرأة، به تقتني نفيس العقود، وثمين الجواهر، وسني الثياب، وزكي الروائح والعطور، وتزدهي على أترابها. فهو إذا لم يرض عاطفة العشق فيها أرضى عاطفة الغيرة، وكلتاهما بالمنزلة الأولى بين عواطف نفسها.
والمرأة مادية في رغباتها ومقاصدها؛ فقد يتسلى الرجل عن حاله بالفلسفة كما يقولون. وتأبى هي أن تتجاوز ببصرها الواقع الملموس. وقد يجل الرجل عظيما زريا ولا ترى المرأة فيه إلا ما يضحك منه ويتنادر عليه. •••
وهناك رجل من زمرة أسميها قرود النساء، لا هو بالغني الوسيم ولا بالغني الكريم. ولكنه ذو حظوة عند المرأة. ذلك رجل سبر طباعها، وخبر تقلبات أهوائها. فعرف ما يضحكها ويعجبها، وما يسرها ويحببها، فيتلاعب بعواطفها، يأتيها من جانب غرورها اليوم، ومن جانب غيرتها غدا، ومن جانب مشتهياتها وهواجسها مرة أخرى، فتستملح عشرته، وتستطيب حديثه. وما أقرب ما بين الحب والاستحسان في قلوب النساء.
وإنا لنسمع عن نفور زوجات العلماء والعقلاء من أزواجهن وتبرمهن بعشرتهم. وما لذلك من سبب إلا أنهم لا يتنزلون إلى إرضاء صغائر المرأة، ولا يحسنون ما يحسنه هؤلاء القرود. •••
فليس أحظى عند المرأة من هؤلاء الثلاثة: فتى ذو جمال، أو صاحب مال ونوال، أو خلب نساء ختال. تتخيرهم وتقدهم على سواهم، وما هم بأطيب الأزواج ولا بأحسن الآباء ولا بخير الرجال.
وما شر الثلاثة أم عمرو
بصاحبك الذي لا تصبحينا
الخاتمة
لئن كانت المرأة ضعيفة الحول، قاصرة العقل، ضئيلة الأخلاق والصفات، فليس معنى ذلك أنها لن تصلح لشيء من الأشياء، أو أن العالم في غنى عنها اليوم، أو سيكون غنيا عنها في يوم من الأيام. بل معناه أنها إذا خرجت عما يناسب طورها هذا إلى الطور الذي نراها فيه الآن، كان ذلك خروجا منها عن حدها، وكانت قد حلت في غير الموضع الذي ينبغي لها.
ولقد عنيت بكل ما تقدم أن أبين أن هذه المكانة التي أحرزتها المرأة بيننا مكانة مفتعلة. وأن هذا الاحترام الذي تلقاه من الحضارة الحديثة - إن صح أن يدعى احتراما - إنما هو احترام باطل. لا تبصر له أثرا إلا في غرف الأندية وقاعات الرقص وحفلات السباق، فإذا فتشت عنه في المجتمع لم تجد إلا قسوة على المرأة واستهانة بها. ورأيت كيف تهلك هذه المعبودة غرثى، أو تعيش بثمن حيائها وهنائها باكية ولهى.
وليس الغرض أن لا نحترم المرأة فنهينها أو نرى أن ضعفها يستوجب قهرها والحجر عليها. بل نحن لا ننسى أنها في كل حالاتها إما أم لنا أو أخت أو بنت أو زوج أو ذات قربى. فالمروءة بل الضرورة تقضي علينا أن نرأف بها كما نرأف برفيق لا غنى لنا عنه. وإذا كان لا يحق لها أن تكون «سيدة» كما هي اليوم، فليس ذلك بمرجعها أمة كما كانت أمس، ولا شيء فيه من العدوان على حريتها أو اهتضام حقوقها.
تنمو البنت إلى سن البلوغ ثم يقف نموها بعده بزمن يسير. أما الولد فيكاد يبدأ كماله بعد تلك السن. وتلك حجة من الطبيعة على أنها لا تهيئ المرأة لأكثر من التناسل، وأن للرجل عملا غير التناسل لا بد له من نمو خاص في بنيته.
للمرأة واجب ندبتها له الطبيعة. إذا هي قامت به فليس بضائرها بعد ذلك بعدها عن مقارفات الأرزاق ومشاغل الأسواق.
فهذا المجتمع معركة ضروس. والنساء فيه آسيات جروحه وضامدات كلومه وجابرات كسوره، فكيف به وقد طرح آسياته المراهم واللفائف، وتبدلن منها الخناجر والقذائف. ثم برزن للنضال بين المتناضلين! أعوذ بالله! إن المجتمع ليكونن ساعتئذ كأنه قطيع من الذئاب قد أضراه الجوع والسعار، فانبعث عاديا عاويا يتخطف كل من مسه الكلال فوقع من بينه معيى في بعض الطريق.
قال بيرون: «من صدر المرأة تستروح أول نسمات حياتك. ومن بين شفتيها تلتقط أحدث ما تتمتم به من حروف كلماتك. وإنها لتمسح أول ما تندى به عينك من العبرات. ثم إنها لتتلقف آخر ما يصعده الإنسان من الزفرات. يوم يزهد فيه الرجل ويعرض عنه العواد ساعة الأجل.»
ولكن المرأة لا تود اليوم أن تكون أما أو زوجا، ولا يحلو لها أن تخفف لوعة الحزانى وترفه عن المتعبين، لأنها ألفته عملا لا يحسن إلا بالجواري والإماء.
ولقد تابعتها بعض الحكومات في هذه البغية، وطاوعتها في الطموح إلى ما تدعوه بالحرية؛ فأباحت لها من المناصب والأعمال ما كانت لا تبيحه من قبل لغير الرجال. وكلها تجارب وأطوار سوف تفضي يوما من الأيام إلى الجادة المثلى والغاية الحسنى. وتنتهي لا محالة إلى لم شمل العائلة وحفظ كيانها سواء على الوضع المألوف أو على وضع آخر مستحدث.
هذا إذا لم يكن في نية الزمن أن يأتينا غدا بجيل لا عائلة فيه. ولعله آخر ما يشهد الإنسان من عجائب الأزمان.
جاء في مقال شوبنهور:
شرح أرسطو في سياسته ما حاق بأهل اسبرطة من جراء تساهلهم مع نساء عشيرتهم وتخويلهن حق الوراثة والبائنة ومنحهن قسطا كبيرا من الحرية. وبين كيف أن هذا التساهل كان سببا من أسباب سقوط اسبرطة واضمحلالها. وما لنا لا نقول نحن إن نفوذ النساء الذي أخذ يمتد ويشتد في فرنسا منذ أيام لويس التاسع عشر كان سر ذلك الخلل الذي ألم بالبلاط والحكومة تدريجا وما زال بهما حتى أفضى إلى الثورة الأولى وما جرت إليه من القلاقل والأهوال.
ولقد أراد النساء اليوم أن يمثلن هذا الدور أو ما يشبهه، ولكن على ملعب أوسع جدا من ذينك الملعبين، أي على ملعب العالم بأسره.
أردنه لا لأنهن شعرن بالحاجة الماسة إلى الخلاص من أسر أو استرقاق، بل لأنهن اضطررن إلى العمل فأخذن يطالبن بحقوقه كما حملن أنفسهن أعباءه.
وقد وصف شوبنهور وصفته الشرقية لهذا الداء المستعصي، فلم تعجبني لأني لا أحسبها تنجح في استئصاله. وقد لا تنجح حتى في تلطيف نوبته أو تخفيف وطأته.
أنا لا أنكر أن تعدد الزوجات قد يكون أحيانا ضرورة شخصية، ولكنه لا يكون أبدا ضرورة اجتماعية. فليس النساء سربا يتقاسمه الرجال لإطعامه، كل على قدر طاقته، وإنما هو جنس خلق ليكون كل فرد منه مقابلا لفرد من جنس الرجال. وثمرة اختلاف التركيب بين الجنسين تنتج باجتماع فردين منهما. فلا حاجة إلى الإخلال بهذه الموازنة الطبيعية.
ولقد علمنا أن العلة نشأت من جرثومتين:
أولاهما: فساد النظام الاقتصادي قضى بأن طعام الرجل كل حظه من عمله. كأنه آلة نصيبها من دورانها الزيت الذي تستعين به على مواصلة الدوران.
وثانيهما: فقدان الثقة بين الجنسين.
فنجم عن ذلك أن أحجم الرجال عن الحياة العائلية، وكثر العانسات والعزب من النساء، وهذه هي العلة التي نسميها مسألة المرأة.
فعجيب أن يأتي شوبنهور، بعد ذلك، إلى رجل ضاق ذرعا بامرأة واحدة، فيعلق إلى عنقه أربعا أو خمسا، كي لا يبقى في الأمة امرأة بلا زوج!
على أن الرضا بهذه الحالة، وترتيب النتائج عليها، مجاراة للداء، وانصراف عن الدواء النافع وأصوب في غير بيتها فنزيله ونغنيها عن غير ما خلقت له.
ولو أن المرأة شعرت بعلة الشر، لما ثنتها هذه الصغائر عن الدءوب على إزالتها. ولكانت أشد من الرجل من تسيء سمعة بنات جنسها. ولنزعت بيدها تلك المرغبات المعكوسة التي تزيد في نفقة الزواج ونفرة الرجل منه. ولرأيناها تضع يدها في يد المظلومين مثلها، لتقلم مخالب عدو الرجل وعدوها بل آفة الإنسان والعمران: صاحب رأس المال.
ومتى نال العامل جزاء عمله، وأوتي كل ذي حق حقه، لا تبقى العائلة كلا ثقيلا على عاتق الرجل، وأصبحنا في بحبوحة لا نرى رجلا يتلف حياته يوما بعد يوم ليسكت ضغاء معدته، أو امرأة تبيع نفسها لتمسك جسدها. ورأينا في كل بيت أبا وأما وصغارا هم قرة أعينهما، وأملهما في الخلود بعد انطواء ذكرهما، وصلتهما بما يلي من الأجيال.
Bilinmeyen sayfa