Leakey
في شهر يوليو سنة 1959، ووجد معها بقايا حيوانات يظن الدكتور أن صاحب الجمجمة كان يصطادها لطعامه، ويستخدم في صيدها أسلحة حجرية وجدت آثارها على مقربة منه، وقد استقرت هذه الحفائر تحت مجرى «أولدفاي» بتنجانيقا، وسمي هذا الإنسان باسم علمي معناه الإنسان الزنجي
Zinianthropus ، ولقبوه في الدوائر العلمية بلقب «كاسر الجوز» لضخامة فكه وضروسه، ويقدرون تاريخه بنحو ستمائة ألف سنة، حسب قياس الزمن بتلك المقاييس المتعددة، ومنها حساب زمن التحجر، وزمن تكوين الطبقة، وزمن التطور في تركيب العظام، وزمن البقايا التي تخلفت من عظام الفك والأسنان.
وليس من المحقق أن يوغل التاريخ في القدم إلى كل تلك الألوف من السنين، ولكن المحقق أن إيغالها إلى تلك الدهور كلها أو ما هو أقدم منها ليس بالأمر المستغرب في أقيسة الزمن، أو أقيسة أعمار الحياة الإنسانية، بعد وضوح الحقائق الثابتة عن قدم تاريخ الخليقة من ظواهرها الأرضية وظواهرها السماوية على السواء.
والمحقق كذلك أن الإنسان القديم الذي دلت عليه تلك البقايا كان يستخدم الآلات الحجرية، ويستعين في كفاح أعدائه من الحيوانات الضارية بنصيب من الذكاء لم يكن معهودا في حيوان منها، فهو في أقدم عهوده مميز بالعقل والنطق، وهما صفتان إنسانيتان لا تنفصلان عن استخدام الآلة، ولا عن الخاصة المميزة للحيوان الناطق من اعتدال القامة، ومطاوعة اليد للإرادة في حالات المشي والوقوف، ولولا ذلك لما استطاع الإنسان أن يستخدم السلاح وأن يصنعه لإصابة الحيوانات الضارية من بعيد. •••
أما الإنسان في مجتمعات الحضارة فلم ينكشف، بعد، أثر يدل على تاريخ له قبل عشرة آلاف سنة أو نحوها، ونعني بإنسان الحضارة ذلك الإنسان الذي عرف الشريعة ونظام المعاملة، وسخر الحيوان كما سخر العناصر الطبيعية في مصالحه المشتركة.
وقد وجدت في وادي النيل آثار الإنسان المقيم الذي كان يستخدم الأدوات الحجرية، ويعول على محاصيل الأرض في تدبير طعامه وأسباب معيشته، ولكن المتفق عليه أن هذا الإنسان لم يكن يعرف الكتابة، ولم تكن نقوشه على الحجر من قبيل الرموز المصطلح عليها لنقل الأفكار وتسجيل الوقائع، ولكنها أقرب إلى الطلاسم السحرية، أو إلى أشكال الزينة، وإنها - على هذا - لتعتبر مقدمة لازمة لنشأة المزايا التي تحقق الصلاح، وتكفل لصاحبها الدوام في ميدان التنازع.
وليس لنا أن نأخذ مأخذ اليقين بروايات الأقدمين عن ماضيهم البعيد في حياة الثقافة والحضارة الرفيعة، ولكنها روايات لا تهمل في صدد الكلام عن تاريخ الإنسان، وليس لنا كذلك أن ننقضها بغير دليل.
كان هيرودوت - الملقب بأبي التاريخ - يعيش في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو يروي في كتابه الثاني عن كهنة الفراعنة أنهم يقدرون تاريخ الدولة من عهد ملكها الأول بثلاثمائة وواحد وأربعين جيلا، أي بنحو أحد عشر ألف سنة على حساب ثلاثة أجيال لكل قرن واحد، ويعتقد بعض الباحثين المحدثين أنه تقدير غير مبالغ فيه، وأن مواقع بعض الهياكل تدل على انقضاء زمن كهذا الزمن قبل عصر هيرودوت في مراقبة فلكية سمحت بملاحظة الفرق بين السنة الشمسية في التقويم القديم، وهذه السنة الشمسية في تقويمنا الحديث، وهو فرق يبلغ سنة كاملة كل ألف وأربعمائة وإحدى وستين سنة، ولا سبيل إلى إدراك هذا الفرق في أمة تجهل الرصد والتسجيل، وتعجز عن مراقبة هذه الفروق دورا بعد دور في تاريخها الطويل.
1 •••
Bilinmeyen sayfa