جواب آخر: وهو أن كل ما أضيف إلى الله تعالى لا يجب أن يكون صفة له، فمن زعم هذا فقد كفر وأشرك لا محالة، لأن الخبر قد جاء بقول الله تعالى: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، جعت فلم تطعمني، عطشت فلم تسقني، عريت فلم تكسني فأضاف هذه الأشياء إليه في الخبر، ومن زعم أنه يجوع ويعطش، ويمرض ويعرى، فقد كفر وأشرك لا محالة. وكذلك قال تعالى: " يوم ننفخ في الصور " على قراء من قرأ بالنون المفتوحة والنافخ إسرافيل. وقال تعالى: " إن الذين يؤذون الله " فأضاف الأذية إليه، ومن زعم أن الأذية من صفته فقد كفر لا محالة، فلم يبق إلا أن النداء والصوت حصل من الصايت المأمور، لا من الآمر، لكن لما كان بأمره جاز أن يضاف إليه، كما قال تعالى: " ولقد جئناهم بكتاب " وإنما جاء به محمد عليه السلام بأمره. وقال تعالى: " فطمسنا أعينهم " والطامس جبريل، وميكائيل، طمسا أعين قوم لوط، لكن لما كان بأمره أضافه إلى نفسه. وكذلك يقال: رجم وجلد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الراجم والجالد غيره، لكن لما كان بأمره حسن أن يضاف إليه. فافهم الحق لتبطل به الباطل.
فإن احتجوا بما روى: أن الله تعالى إذا تكلم الله بالوحي، وروى بالأمر من الوحي جاء له صوت كجر السلسلة على الصفا. فالجواب عن هذا من وجوه عدة: أحدها: أن هذا هو الحجة عليكم، لأن هذا الصوت خلاف ذلك الصوت الذي في الخبر الأول، لأن ذلك قال فيه يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب وهذا الصوت إنما يسمعه بعض الملائكة، فصح أن هذا الصوت خلاف ذلك الصوت، ولو كان الصوت صفة قديمة لما اختلف ولا تغير؛ لأن القديم لا يجوز عليه الاختلاف. ولا التغير، فلما اختلف وتغير دل أن ذلك صفة الخلق لا صفة الحق. فافهم.
جواب آخر: وذلك أنه قال: إذا تكلم الله بالوحي، جاء له صوت، ولم يقل إذا تكلم الله بصوت، فالوحي غير الوحي، لأن الموحي كلام الله تعالى، والوحي إنزال كلام الله، وإعلام كلام الله، والذي يدل على صحة ذلك القرآن. وذلك أن الله تعالى فصل بينهما فقال: " وكذلك أوحينا إليك قرآنا " فالوحي إنزال القرآن، وإعلام القرآن، وإفهام القرآن الذي هو كلام الله تعالى، وقال تعالى: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " أي أنزلنا إليك وأفهمناك كلامنا القديم، كما أنزلنا وأفهمنا من قبلك كلامنا القديم، فالإفهام لم يكن ثم كان. وأما المفهوم الذي هو كلام الله القديم فهو موجود ثابت قبل الإفهام وبعده على صفة واحدة، لا يختلف ولا يتغير.
Sayfa 50