الحَدِيث ونوادر الْأَثر فَاجْتمع باهتمام أُولَئِكَ من الحَدِيث والْآثَار مَا لم يجْتَمع لأحد قبلهم وتيسر لَهُم مَا لم يَتَيَسَّر لأحد قبلهم وخلص إِلَيْهِم من طرق الْأَحَادِيث شَيْء كثير حَتَّى كَانَ لكثير من الْأَحَادِيث عِنْدهم مائَة طَرِيق فَمَا فَوْقهَا فكشف بعض الطّرق مَا استتر فِي بَعْضهَا الآخر وَعرفُوا مَحل كل حَدِيث من الغرابة والاستفاضة وَأمكن لَهُم النّظر فِي المتابعات والشواهد وَظهر عَلَيْهِم أَحَادِيث صَحِيحَة كَثِيرَة لم تظهر على أهل الْفَتْوَى من قبل قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى لِأَحْمَد أَنْتُم أعلم بالأخبار الصَّحِيحَة منا فاذا كَانَ خبر صَحِيح فأعلموني حَتَّى أذهب إِلَيْهِ كوفيا كَانَ أَو بصريا أَو شاميا حَكَاهُ ابْن الْهمام وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كم من حَدِيث صَحِيح لَا يرويهِ إِلَّا أهل بلد خَاصَّة كأفراد الشاميين والعراقيين أَو أهل بَيت خَاصَّة كنسخة بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى ونسخة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَو كَانَ الصَّحَابِيّ مقلا خاملا لم يحمل عَنهُ إِلَّا شرذمة قَلِيلُونَ فَمثل هَذِه الْأَحَادِيث يغْفل عَنْهَا عَامَّة أهل الْفَتْوَى وَاجْتمعت عِنْدهم آثَار فُقَهَاء كل بلد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَكَانَ الرجل فِيمَا قبلهم لَا يتَمَكَّن إِلَّا من جمع حَدِيث بَلَده وَأَصْحَابه وَكَانَ من قبلهم يعتمدون فِي معرفَة أَسمَاء الرِّجَال ومراتب عدالتهم على مَا يخلص إِلَيْهِم من مُشَاهدَة الْحَال وتتبع الْقَرَائِن وأمعن هَذِه الطَّبَقَة فِي هَذَا الْفَنّ وجعلوه شَيْئا مُسْتقِلّا بالتدوين والبحث وناظروا فِي الحكم بِالصِّحَّةِ وَغَيرهَا
1 / 48