المُقنع
لموفَّق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (٥٤١ - ٦٢٠ هـ)
الشرح الكبير
لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي (٥٩٧ - ٦٨٢ هـ)
الإنصاف
في معرفة الراجح من الخلاف
لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان بن أحمد المَرْداوي (٨١٧ - ٨٨٥ هـ)
تحقيق
الدكتور: عبد الله بن عبد المحسن التركي
الدكتور: عبد الفتاح محمد الحلو
_________
في المطبوع، قد وُضِع «المقنعُ» في أعلى الصفحات، ويليه «الشرح الكبير»، ويليه «الإنصاف»، مفصولًا بين كل منهم بفاصل، وقد اقتصرنا في هذه النسخة (الإلكترونية) على «المقنع» و«الإنصاف» فقط.
Bilinmeyen sayfa
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤١٤ هـ - ١٩٩٣ م
المكتب: ٤ ش ترعة الزمر- المهندسين - جيزة
تليفون: ٣٤٥٢٥٧٩ - فاكس: ٣٤٥١٧٥٦
المطبعة: ٢، ٦ ش عبد الفتاح الطويل
أرض اللواء - تليفون: ٣٤٥٢٩٦٣
ص. ب: ٦٣ إمبابة
مقدمة / 2
يوزع على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود خدمة للعلم وطلابه
أجزل الله مثوبته .. ووفقه لمرضاته
مقدمة / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة التحقيق
١
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فقد شهد آخر القرن السادس، والقرن السابع، حركة علمية مباركة، في خدمة مذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشَّيباني، ﵁، رفع لواءها المقادسة من آل قدامة، حيث يسر الله لمُوَفَّق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجَمَّاعِيليّ الدمشقيّ الصالحيّ الحنبلي، المتوفى سنة عشرين وستمائة (١)، أن يفرغ إلى «مختصر» أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخِرَقيّ، المتوفى سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة (٢)، فيشرحه شرحًا قَرَّت به عيونُ الفقهاء، وجمع فهه آراء الائمة وحُجَجَهم، وأقوال الصحابة والتابعين، وجعله ميدانًا رحبًا للفقه المقارن، وسمَّى كتابه «المغني»، الذي قال فيه رفيقه، وخليفتُه في رياسة المذهب بعده، ناصح الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الوهَّاب بن عبد الواحد الأنصاريّ ابن الحنبلي، المتوفى سنة أربع وثلاثين وستمائة، على ما نقلَه ابنُ رجب: بلَغ الأملَ في إتمامِه، وهو كتاب بليغ في المذهب عشر مجلدات، تَعِب عليه، وأجاد فيه، وجمَّل به المذهبَ. ونقل ابن رجب عن الحافظ ابن الدُّبَيثي، أن الشيخ عزَّ الدين اين عبد السلام كان يسْتعير «المُحَلَّى»، و«المُجَلَّى» لابن حَزْم، ويقول: ما رأيتُ في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى والمجلى وكتاب «المغني» للشيخ مُوَفَّق الدين ابن قدامة، في جودتها، وتحقيق ما فيها. كما نقَل عنه قوله: لم تَطبْ نفسى بالفُتْيا حتى صار عندى نسخةُ المغني.
وكان شرحُ مُوَفَّق الدين لـ «مختصر الخرقى» تجربة علمية مفيدة، جعلته يدقق
_________
(١) انظر: الترجمة الحافلة التي صدرنا بها تحقيقنا لكتاب «المغني».
(٢) انظر: ترجمته في المغني ١/ ٦ وما بعدها.
مقدمة / 5
ألفاظه، ويحرِّرُ أحكامه، وهَدَتْه آخرَ الأمر إلى تأليف مختصر في الفقه، رتَّبه تَرْتيبًا جديدًا، وحرَّره تحريرًا فائقًا، وسماه «المُقْنع» بلغ فيه الغاية، وانصرف إليه العلماء بعده بالشرح والتعليق، بل واعتمدوه «المتن» الذي يُحفظ في فقه الحنابلة.
وكان من أسْبَق الفقهاء إلى العناية بـ «المقنع» شمس الدين ابن قدامة، ابن أخي الموفق، المعروف بابن أبي عمر، فقد عرَض عليه كتاب «المقنع» وشرحه عليه، وأذن له في إقرائه، وإصلاح ما يرى أنه يحْتاج إلى إصلاح فيه، ثم شرَحه بعد ذلك في مجلَّدات، واسْتمدَّ فيه من «المغني» لعمِّه.
٢
وهو شمس الدين، أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة المَقْدِسي الجَمَّاعِيلِيّ الصالحيّ الحنبليّ الخطيب الحاكم قاضي القضاة، ابن أبي عمر (*).
ولد في المحرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة، بالدَّير المبارك، الذي أقامه والده بسَفْح قاسِيُون، الجبل المشرف على دمشق.
بدأ مسيرته العلمية بالقراءة على والده أبي عمر، وبالتفقه على عمه موفق الدين ابن قدامة، وعنى بالحديث، وكتب بخطه الأجزاء والطباق، وأخذ الأصول عن السيف الآمدي، ودرَّس، وأفتى، وأقرأ العلم زمنا طويلا، وانتفع به الناس، وانتهت إليه رياسة المذهب في عصره، بل رياسة العلم في زمانه.
وله مشيخة حافلة تتمثل في:
١ - شمس الدين أبو العباس أحمد بن عبد الواحد بن أحمد المَقْدِسِيّ البُخارِيّ الحنْبليّ الأصوليّ، المتوفى سنة ثلاث وعشرين وستمائة (١). أجاز له.
_________
(*) ترجمة شمس الدين ابن قدامة، في: ذيل مرآة الزمان، لليونيني ٤/ ١٨٦ - ١٩١، العبر، للذهبي
٥/ ٣٣٨، ٣٣٩، تذكرة الحفاظ، للذهبي ٤/ ١٤٩٢، البداية والنهاية، لابن كثير ١٣/ ٣٠٢، مرآة
الجنان، لليافعي ٤/ ١٩٧، ١٩٨، فوات الوفيات، لابن شاكر الكتبي ٢/ ٢٩١، ٢٩٢، ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب ٢/ ٣٠٤ - ٣١٠، النجوم الزاهرة، لابن تغرى بردى ٧/ ٣٥٨، شذرات الذهب، لابن العماد الحنبل ٥/ ٣٧٦ - ٣٧٩، التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، للقنوجي ٢٥٢، ٢٥٣، كشف الظنون ٢/ ١٨٠٩، ٦٩١: Brock GI: ٣٩٩، SI: ٦٩١
(١) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ١٦٨ - ١٧٠، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٢٥٥، ٢٥٦.
مقدمة / 6
٢ - وحيد الدين أبو المعالي أسعد بن المُنَجَّى بن بركات بن المؤمّل التَّنُوخِيّ المعَرِّيّ الدمشقيّ الحنبليّ، شيخُهم، المتوفى سنة ست وستمائة (١). أجاز له.
٣ - أبو الفضل جعفر بن علي بن هبة الله بن جعفر الهَمْدَاني الإِسْكندراني المقرئ المجود المحدِّث المُسْنِد الفقيه المالكيّ، المتوفى بدمشق سنة ست وثلاثين وستمائة (٢). قرأ عليه.
٤ - سراج الدين أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد البغداديّ البابَصْرِيّ الحنبليّ المسند، مدرِّس مدرسة الوزير عون الدين بن هُبَيرة، المتوفى سنة إحدى وثلاثين وستمائة (٣). قرأ عليه.
٥ - أبو علي حَنْبل بن عبد الله بن فرج بن سعادة الواسطيّ راوى «المسند»، البغداديّ المُكَبِّر، المتوفى سنة أربع وستمائة ببغداد (٤). سمع منه.
٦ - ربيب الدين أبو البركات داود بن أحمد بن محمد البغداديّ الأزَجِيّ الوكيل عن القضاة الْمُسنِد ابن مُلاعِب، المتوفى سنة ست عشرة وستمائة، ودفن بسفح قاسِيُون (٥). سمع منه.
٧ - تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكِنْديّ البغداديّ المقرئ النحويّ اللُّغَويّ الحنفيّ، المتوفى سنة ثلاث عشرة وستمائة (٦). سمع منه.
٨ - أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، ابن الجَوْزِيّ، شيخ الإسلام، المتوفى سنة سبع وتسعين وخمسمائة (٧). أجاز له.
٩ - جمال الدين أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل الحَرَسْتاني
_________
(١) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٤٩، ٥٠، سير أعلام النبلاء ٢١/ ٤٣٦، ٤٣٧.
(٢) طبقات القراء ١/ ١٩٣، سير أعلام النبلاء ٢٣/ ٣٦ - ٣٩.
(٣) سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٣٥٧ - ٣٥٩.
(٤) التكملة لوفيات النفلة ٢/ ١٢٥، سير أعلام النبلاء ٢١/ ٤٣١ - ٤٣٣.
(٥) سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٩٠، ٩١.
(٦) الجواهر المضية ٢/ ٢١٦، ٢١٧، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٣٤ - ٤١.
(٧) انظر مقدمة تحقيق المغني صفحة ١٢.
مقدمة / 7
الدمشقيّ الشافعيّ، مُسْنِد الشام، المفتي، قاضي القضاة، المتوفى سنة أربع عشرة وستمائة (١). سمع منه.
١٠ - مُوَفَّق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسيّ الجَمَّاعيليّ الدمشقيّ الصَّالحيّ الحنبلي، عمُّه، المتوفى سنة عشرين وستمائة (٢). تفقَّه عليه، وعرَض عليه كتاب «المقنع»، وشَرَحه عليه، وأذِن له في إقْرائه، وإصْلاحِ ما يرى أنه يحتاج إلى إصلاح فيه، ثم شرحه بعده في عشر مجلدات، واسْتمدَّ فيه من «المغني».
١١ - أبو المُنَجَّى عبد الله بن عمر بن علي، ابن اللَّتّيّ، البغداديّ الحَرِيميّ الطَّاهِريّ، المُسْنِد المُعَمَّر، المتوفى سنة خمس وثلاثين وستمائة (٣). قرأ للناس عليه.
١٢ - حُجَّة الدين أبو طالب عبد المحسن بن أبي العَمِيد الخَفِيفيّ الأبهَريّ الشافعيّ الصوفيّ، المتوفى سنة أربع وعشرين وستمائة بمكة (٤). سمع منه بالمدينة.
١٣ - سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التَّغْلِبِي الحنبلي ثم الشافعيّ، فارس علم الكلام، الأصوليّ، المتوفى سنة إحدي وثلاثين وستمائة (٥). أخذ عنه الأصول.
١٤ - أبو الحسن علي بن أبي الفتح المبارك بن الحسن الواسِطيّ البَرْجوني المقرئ، الفقيه الشافعيّ، المعروف بابن باسُويَة، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة (٦). سمع منه بمكة.
١٥ - أبو حفص عمر بن محمد بن معمر البغداديّ الدَّارَقَزِّيّ المُؤدِّب، المعروف
_________
(١) طبقات الشافعية الكبرى ٨/ ١٩٦ - ١٩٩. سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٨٠ - ٨٤.
(٢) انظر: مقدمة تحقيقنا لكتاب المغني.
(٣) سير أعلام النبلاء ٢٣/ ١٥ - ١٧.
(٤) طبقات الشافعية الكبرى ٨/ ٣١٤، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٢٥٩، ٢٦٠.
(٥) وفيات الأعيان ٣/ ٢٩٣، ٣٩٤، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٣٦٤.
(٦) التكملة لوفيات النقلة ٣/ ٣٩٤، ٣٩٥.
مقدمة / 8
بابن طَبَرْزَد، المُسْنِد الكبير، المتوفى سنة سبع وستمائة (١). سمع منه بإفادة أبيه وعمِّه.
١٦ - أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة المقدسيّ الجَمَّاعِيليّ الحنبليّ الزَّاهد المقرئ المحدِّث، شيخ الإسلام، والده، المتوفى سنة سبع وستمائة (٢). سمع منه.
١٧ - أبو جعفر محمد بن أحمد بن نصر الصيدلاني الأصْبهاني المُسنِد المُعَمَّر، سِبْط حسين بن مَنْدَه، المتوفى سنة ثلاث وستمائة (٣). أجاز له.
١٨ - مجد الدين أبو المجد محمد بن الحسين بن أبي المكارم الصوفيّ القَزْوينيّ الجَوَّال القاضي المحدِّث، المتوفى سنة اثنتين وعشرين وستمائة (٤). سمع منه بمكة.
١٩ - ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد المقدسيّ الجَمَّاعِيليّ الصَّالحيّ، الحنبليّ الحافظ القدوة، صاجب التصانيف، المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة (٥). قرأ عليه.
٢٠ - كمال الدين أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك الجَلْجَليّ البغداديّ المقْرئ الرئيس، المتوفى سنة اثنتي عشرة وستمائة (٦).
٢١ - فخر الدين أبو الفتوح محمد بن محمد بن محمد بن عَمْروك التيميّ البكْري النيسابُورِيّ الصوفيّ الزاهد، المتوفى سنة خمس عشرة وستمائة (٧).
٢٢ - نور الدين أبو عبد الله محمد بن أبي المعالي عبد الله بن مَوْهوب البغداديّ الصوفيّ، المحدِّث، البنَّاء، المتوفى سنة اثنتى عشرة وستمائة (٨).
_________
(١) سير أعلام النبلاء ٢١/ ٥٠٧ - ٥١٢.
(٢) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٥٢ - ٦١، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٥ - ٩.
(٣) سير أعلام النبلاء ٢١/ ٤٣٠، ٤٣١.
(٤) التكملة لوفيات النقلة ٣/ ١٥٩، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٢٤٩، ٢٥٠.
(٥) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٢٣٦ - ٢٤٠، سير أعلام النبلاء ٢٣/ ١٢٦ - ١٣٠.
(٦) ذيل الروضتين ٩٩، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٥٢.
(٧) التكملة لوفيات النقلة ٢/ ٤٣١، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٨٩، ٩٠.
(٨) التكملة لوفيات النقلة ٢/ ٣٤٠، سير أعلام النبلاء ٢٢/ ٥٨، ٥٩.
مقدمة / 9
٢٣ - محمد بن هبة الله بن كامل البغداديّ الوكيل المُسْنِد الفقيه المُعَمَّر، المتوفى سنة سبع وستمائة (١). سمع منه.
٢٤ - ست الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن علي بن الطرَّاح، سمعتْ من جدِّها عِدَّة كتب، كما سمعتْ من غيره، وتوفيت سنة أربع وستمائة (٢). سمع منها.
وقد سمع شمس الدين بن قدامة نفسه من أصحاب السِّلَفِيّ، كما سمع من كثيرين في عصره.
والناظر في مشيخة شمس الدين ابن قدامة يلْحَظُ أن كثيرا من مشايخه سمع عليهم في سِنٍّ مُبَكرة، بل إن سماعَه من بعضهم لا يتحقَّق إلا بواسطة غيره، فسماعه من الإمام أبي الفرج ابن الجَوْزيّ لا يكون إلا بإفادة عمه موفق الدين ابنِ قدامة، حيث تُوفِّي أبو الفرج في السنة التي ولد فها شمس الدين ابن قدامة، وكان موفق الدين عند ابن الجوزيّ حيث أقام، وأفاد منه (٣).
* * *
واشْتغل شمس الدين ابن قدامة بالفتيا والقضاء والتدريس، وليَ قضاء القضاة في جمادى الأولى سنة أربع وستين وستمائة، على كُرْهٍ منه، وكان رحمة على المسلمين، ولولا توفيق الله له لراحت أملاك الناس لمَّا تعرَّض إليها السلطان، فقام فيها قيام المؤمنين، وأثبتها لهم، وعاداه جماعة الحكام، وعملوا في حقه المجهود، وتحدَّثوا فيه بما لا يليق، ونصره الله بحسن نيته. وزادت مدته في القضاء على اثنتى عشرة سنة، ولم يتناول معلوما، ثم عزل نفسه في آخر عمره.
وذكر الذهبي أنه حدَّث نحوا من ستين سنة، وأول ما ولىَ مشيخة دار الحديث الأشرفية بالجبل، كما ولى الخطابة فيه. وكانت له اليد الطولى في معرفة الحديث
_________
(١) سير أعلام النبلاء ٢٢/ ١٠، ١١.
(٢) سير أعلام النبلاء ٢١/ ٤٣٤، ٤٣٥.
(٣) انظر مقدمة تحقيقنا لكتاب المغني صفحة ١٢.
مقدمة / 10
والأصول والنحو وغير ذلك من العلوم الشرعية، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدثين وأهل الدين، وتلمذ عليه كثيرون، نذكر منهم:
١ - زكيّ الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى اللَّوزي المالكيّ، سكن دمشق، وقرأ الفقه، وتقدم في الحديث، توفي سنة سبع وثمانين وستمائة (١). ونقل الذهبي عنه مدحه لشيخه، وذكره لصفاته الجليلة (٢).
٢ - برهان الدين أبو إسحاق بن عماد الدين عبد الحافظ بن عبد الحميد، قاضي القدس الحنبليّ، سمع منه الذهبي قصيدته التي رثى بها شيخه شمس الدين، وتوفي برهان الدين سنة ثمان عشرة وسبعمائة (٣).
٣ - تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، ابن تيميَّة الحرَّاني الدمشقيّ الحنبليّ، شيخ الإسلام، المتوفى سنة ثمان وعشرين وسبعمائة (٤).
وقد نقل عنه الذهبيُّ وفاة الشيخ شمس الدين بخطه، وفيها: توفي شيخنا الإمام، سيد أهل الإسلام في زمانه، وقطب فلك الأنام في أوانه، وحيد الزمان حقا حقا، وفريد العصر صدقا صدقا، الجامع لأنواع المحاسن، والمعافى البرئ عن جميع النقائِص والمساوئ، القارِن بين خلَّتى العلم والحلم، والحسب والنسب، والعقل والفضل، والخَلْق والخُلُق، ذو الأخلاق الزكية، والأعمال المرضيَّة، مع سلامة الصدر والطبع، واللطف والرفق، وحُسن النيَّة وطيب الطَّويَّة، حتى إن كان المتعنِّتُ ليطلب له عيبًا فيُعْوزُه. . . . إلى أن قال: وبكت عليه العيونُ بأسْرِها، وعمَّ مصابه جميع الطوائف وسائر الفرق، فأيُّ دمع ما انْسَجَم، وأى أصل ما جُذِم، وأيّ ركن ما هُدم، وأيُّ فضل ما عُدِم!! يا له من خطب ما أعظمه، وأجل ما أقدره، ومصاب ما أفخمه (٥).
_________
(١) شذرات الذهب ٥/ ٤٠٠.
(٢) انظر: ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٦.
(٣) ذبل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٧٢، ٣٧٣.
(٤) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٨٧ - ٤٠٨.
(٥) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٨.
مقدمة / 11
٤ - زين الدين أبو بكر أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسيّ الصَّالحيّ الحنبليّ، المتوفي سنة تسع عشرة وسبعمائة (١).
٥ - نجم الدين إسماعيل بن إبراهيم بن الخبَّاز، يقول الذهبيّ: كتب عن مَن دَبَّ ودرَج، وجمع وكتب الكثير، توفي سنة ثلاث وسبعمائة (٢). وجمع ابن الخبَّاز ترجمة شيخه شمس الدين وأخباره في مائة وخمسين جزءًا، وبالغ، وبقىَ كلما أثنى عليه بنعت من الفقه أو الزهد أو التواضع، سرد ما ورد في ذلك بأسانيده الطويلة الثقيلة. ثم تحوَّل إلى ذكر شيوخه فترْجمهم، ثم إلى ذكر الإمام أحمد فأورد سيرته ومحنته كلها. كما أوردها ابن الجوزيّ. ثم أورد السيرة النبوية لكونه من أمة النبي ﷺ. قال الحافظ الذهبي: ما رأيت سيرة أطول منها أبدا (٣).
٦ - مجد الدين أبو الفدا إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحَرَّافيّ الدمشقيّ الحنبليّ، الإمام الزاهد، شيخ المذهب، المتوفى سنة تسع وعشرين وسبعمائة (٤).
وكان يقول: ما رأت عيني مثله.
٧ - أبو بكر المناوي. ذكر ابن شاكر الكُتْبِي، أنه روَى عنه (٥).
٨ - تقي الدين أبو الفضل سليمان بن حمزة بن أحمد بن قدامة المقدسيّ الحنبليّ، الفقيه الإمام المحدِّث، المتوفى سنة خمس عشرة وسبعمائة (٦). لازمه وأخذ عنه الفقه والفرائض وغير ذلك.
٩ - فخر الدين عبد الرحمن بن محمد بن الفخر البَعْلَبكيّ الدمشقيّ الحنبليّ الفقيه،
_________
(١) ملحق ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٤٧٠.
(٢) ذيل العبر، للذهبي ٢٤.
(٣) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٤، ٣٠٥.
(٤) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٤٠٨ - ٤١٠.
(٥) فوات الوفيات ٢/ ٢٩٢.
(٦) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٦٤ - ٣٦٦.
مقدمة / 12
المحدِّث، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة (١). قال فخر الدين عن شيخه شمس الدين: إنه منذ عرفه ما رآه غضب. وعرَفه نحو خمسين سنة (٢).
١٠ - علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود، ابن العطَّار الشافعيّ المحدث، المتوفى سنة أربع وعشرين وسبعمائة (٣). روى عنه.
١١ - أبو الفتح ابن الحاجب. ذكر الذهبيّ، في «معجم شيوخه» أنه كتب عن شمس الدين ابن أبي عمر، ونقله عنه ابن رجب (٤).
١٢ - علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف البِرْزاليّ الدمشقي الشافعيّ، محدِّث الشام ومؤرخه، المتوفى سنة تسمع وثلاثين وسبعمائة (٥).
١٣ - سعد الدين أبو محمد مسعود بن أحمد بن مسعود الحارثي البغداديّ المصريّ الحنبليّ، الفقيه المحدِّث، المتوفى سنة إحدى عشرة وسبعمائة (٦). تفقَّه عليه وروى عنه، وخرَّج له مشيخة، وحدَّث بها (٧).
١٤ - محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مِرَى النَّووي الشافعيّ الإِمام، شيخ الإِسلام، المتوفى سنة ست وسبعين وستمائة (٨). روَى عنه في كتابه «الرخصة في القيام» له. وقال: حدثنا الشيخ الإِمام العالم المتفق على إمامته وفضله وجلالته. . . . (٩).
_________
(١) ذيل العبر، للذهبي ١٧٥، ١٧٦، ذيل طبقات الحنابلة ٩/ ٤١٢.
(٢) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٦.
(٣) طبقات الشافعية الكبرى ١٠/ ١٣٠.
(٤) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٥.
(٥) طبقات الشافعية الكبرى ١٠/ ٣٨١ - ٣٨٣.
(٦) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٦٢ - ٣٦٤، ذيل العبر، للذهبي ٦٤.
(٧) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٦.
(٨) طبقات الشافعية الكبرى ٨/ ٣٩٥ - ٤٠٠.
(٩) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٥.
مقدمة / 13
١٥ - جمال الدين أبو الحجَّاج يوسف بن الزَّكيّ عبد الرحمن بن يوسف المِزِّيّ الدمشقي الشافعي، حافظ الزمان، المتوفى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة (١). حدَّث عنه.
وفي الجملة، فقد قرأ عليه كثيرون في عصره، وخرَّج له أبو الحسن ابن اللَّبَّان «مشيخة» في أحد عشر جزءًا (٢)، ووُصِف، ﵁، بالتَّواضع مع عظمته في الصدور، وحجَّ ثلاث مرات، وحضر الفتوحات، وكان رقيق القلب، سريع الدمعة، كريم النفس، كثير الذكر والقيام بالليل، محافظا على صلاة الضحى، ويؤثر بما يأتيه من صلة الملوك وغيرهم. وكان معظما عند الملوك، وأوقع الله محبته في قلوب الخلق، وكان كثير الاهتمام بالناس، لا يكاد يعلم بمريض إلا افتقده، ولا مات أحدٌ من أهل الجبل إلا شيَّعه.
توفي شمس الدين ابن قدامة ليلة الثلاثاء، سلخ ربيع الآخر، سنة اثنتين وثمانين وستمائة، ودفن من الغد عند والده بسفح قاسيون، وكانت جنازته مشهودة.
ورثاه نحو من ثلاثين شاعرا، كان من بينهم شمس الدين الصائغ، وعلاء الدين بن غانم، وتقيّ الدين ابن تمام، وشهاب الدين محمود، ومطلع قصيدة الشهاب محمود كاتب الدرج بدمشق (٣):
ما للوُجودِ وقد عَلاه ظلامُ ... أعَراه خَطْبٌ أم عَراه مَرَامُ
٣
وكما شغل «المقنع» لموفَّق الدين ابن قدامة، ابن أخيه شمس الدين ابن قدامة، فشرَحه في موسوعته التي عرفت بالشرح الكبير، شغل أيضًا علاء الدين المَرْداويّ (*)، فوضع عليه كتابًا له أهَمِّيَّة خاصة، هو «الإنصاف، في معرفة الراجح منِ الخلاف».
_________
(١) طبقات الشافعية الكبرى ١٠/ ٣٩٥ - ٤٣٠.
(٢) ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٨.
(٣) ذيل مرآة الزمان ٤/ ١٨١، فوات الوفيات ٢/ ٢٩٢، ذيل طبقات الحنابلة ٢/ ٣٠٩.
(*) لعلاء الدين المرداوي ترجمة في: الضوء اللامع، للسخاوي ٥/ ٢٢٥ - ٢٢٧، شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي ٧/ ٣٤٠ - ٣٤٢، البدر الطالع، للشوكاني ١/ ٤٤٦، كشف الظنون ١/ ٣٥٧، إيضاح المكنون ١/ ١٣٤، ٣٣١، ٢/ ٣٨٩، ٤٥٠، ٥١٤، هدية العارفين ٧٣٦، ١٣٠: Brock.S.II
مقدمة / 14
ولد علاء الدين علي بن سليمان بن أحمد المَرْداويّ الدمشقيّ الصَّالحْيّ الحنبليّ، قريبًا من سنة عشرين وثمانمائة على ما يذكر السَّخاويّ، ويقطع ابن العماد الحنبليّ بأنه ولد سنة سبع عشرة، ببلدته مَرْدا (١). ونشأ بها، فحفظ القرآن، وابتدأ رحلته العلمية منها، حيث أخذ بها الفقه على فقيهها الشهاب أحمد بن يوسف، وانتقل في شبيبته إلى مدينة سيدنا الخليل ﵊، فأقام بزاوية الشيخ عمر المجوِّد، ﵀، وقرأ بها القرآن. وفي سنة ثمان وثلاثين -كما يظن السخاويّ- تحوَّل منها إلى دمشق، فنزل مدرسة أبي عمر، فجوَّد القرآن، بل يقال: إنه قرأ بالروايات، وقرأ «المقنع» تصحيحا، وحفظ غيره كالألفية، وأدْمَن الاشتغال، وتجرَّع تقلُّلا، أي أنه صبر على الفقر، ورضىَ بالقليل في عيشه، كما رحل إلى الحرمين، وحج مرتين، وجاور فيهما، وأخذ عن شيوخهما، ورحل إلى مصر أيضًا، فأخذ عن علمائها، وقرأوا عليه، وتكوَّنتْ له بذلك مشيخة كبيرة، نورد ما أمكننا التهدِّى إليه منها على حروف المعجم:
١ - البرهان أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مَفْلِح المقدسيّ الدمشقيّ الحنبليّ القاضي، الفقيه، الأصوليّ، صاحب المصنَّفات، المتوفى سنة أربع وثمانين وثمانمائة (٢). حضر درسَه، وناب عنه حين جاوَر بمكة.
٢ - عزُّ الدين أبو البركات أحمد بن إبراهيم بن نصر الله الكِنانيّ العسْقلاني القاهريّ الحنبليّ، قاضي القاهرة المشهور، المعروف بالعِزّ الكناني، صاحب العلم والفضل، المتوفى سنة ست وسبعين وثمانمائة (٣)، أذن له حين قدم القاهرة في سماع الدعوى، وأكرمه، وأخذ عنه فضلاء أصحابه بإشارته، بل وحضّهم على تحصيل «الإنصاف» وغيره من تصانيفه، وأذن لمن شاء منهم، وحضر دروس القاضي، ونقل عنه في تصانيفه، واصفًا له بشيخنا.
٣ - الشِّهاب أحمد بن حسن بن أحمد، ابن عبد الهادي المقدسيّ الصَّالحيّ الحنبليّ،
_________
(١) مردا: قرية قرب نابلس. معجم البلدان (بيروت) ٥/ ١٠٤.
(٢) الضوء اللامع ١/ ١٥٢، شذرات الذهب ٧/ ٣٣٨، ٣٣٩.
(٣) ذيل رفع الإصر ١٢ - ٦٢، الضوء اللامع ١/ ٢٠٥ - ٢٠٧.
مقدمة / 15
المتوفى بدمشق سنة ست وخمسين وثمانمائة (١). سمع منه.
٤ - الشهاب أحمد بن عبد الله بن محمد السَّجِينيّ القاهريّ الأزهريّ الشافعيّ الفَرَضِيّ، المتوفى سنة خمس وثمانين وثمانمائة، بمنزله ببولاق (٢). قرأ عليه في الفرائض والحساب يسيرا.
٥ - تقيّ الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد الشُّمُنِّيّ القُسَنْطِينيّ الحنفيّ، شارح «المغني» لابن هشام، العلامة المفسِّر المحذث المتكلم النحويّ، المتوفى سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة (٣). قرأ عليه حين حضر إلى القاهرة «المختصر» بتمامه.
٦ - الشِّهاب أحمد بن يوسف المرْدَاويّ الدمشقيّ الحنبليّ الفقيه النحويّ الحافظ لفروعِ مذهبه، المتوفى سنة خمسين وثمانمائة (٤). أخذ عنه الفقه ببلده مَرْدَا.
٧ - تقيّ الدين أبو الصدق أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قُنْدس البَعْلي الحنبليّ، الإمام العلامة ذو الفنون، المتوفى سنة إحدى وستين أو اثنتين وستين وثمانمائة (٥). لازمه في الفقه وأصوله، والعربية وغيرها، حتى كان جُلُّ انتفاعه به، وكان مما قرأه عليه بحثا وتحقيقا «المقنع» في الفقه، و«مختصر الطُّوفي» في الأصول، و«ألفية ابن مالك».
٨ - الحسن بن إبراهيم الصَّفَديّ ثم الدمشقي الخَيَّاط الحنبلي. قال السَّخاويّ: قرأ عليه العلامة المَرْداويّ، ووصفه بالإمام المحدِّث المفسِّر الزاهد (٦). أخذ عنه العربية والصرف وغيرهما.
_________
(١) الضوء اللامع ١/ ٢٧٢، ٢٧٣.
(٢) الضوء اللامع ١/ ٣٧٦، ٣٧٧.
(٣) شذرات الذهب ٧/ ٣١٣، ٣١٤.
(٤) الضوء اللامع ٢/ ٢٥٢.
(٥) شذرات الذهب ٧/ ٣٠٠.
(٦) الضوء اللامع ٣/ ٩٢.
مقدمة / 16
٩ - الحِصْنيّ. قال السَّخاويّ: قرأ عليه حين حضر إلى القاهرة «المختصر» بتمامه (١).
١٠ - الزَّين ابن الطَّحَّان. قال السَّخاويّ: سمع منه (٢).
١١ - زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم، ابن الحَبَّال الطرَّابُلُسِيّ الحنبليّ، سكن صالحيَّة دمشق يُقْرِئ بها القرآن والعلم، وتوفي سنة أربع وسبعين وثمانمائة (٣). قرأ عليه «المقنع» تصحيحا، في مدرسة أبي عمر بدمشق.
١٢ - الزَّين أبو الفرج عهد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الصالحيّ الدمشقيّ الحنبليّ الإِمام الحافظ، علَّامة الزمان، وترجان القرآن، وهو عبد الرحمن أبو شعر، المتوفى سنة أربع وأربعين وثمانمائة (٤). أخذ عنه الفقه والنحو، وسمع منه «التفسير» للبَغَويّ، وقرأ عليه في سنة ثمان وثلاثين من «شرح ألفية العراقيّ» إلى الشَّاذّ.
١٣ - الشِّهاب عبد القادر بن أبي القاسم بن أبي العباس أحمد بن محمد المحْيويّ الحسَنيّ الفاسِيّ الأنصاريّ المالكيّ، قاضي الحرمين، المتوفى سنة ثمانين وثمانمائة (٥). أخذ عنه في مجاورته بمكة.
١٤ - أبو الرّوح عيسى البغداديّ الفلوجيّ الحنفي، نزيل دمشق. أخذ عنه العربيَّة والصرف وغرهما. قال السَّخاويّ: وممَّن أخذ عنه العلاء المَرْداويّ، ووصفه بالعلامة الفقيه الفرضيّ الأصوليّ النحويّ الصرفيّ، المُحرِّر المُتْقِن، وإنه كان حسن التعليم، ناصحا للمتعلِّم (٦).
١٥ - أبو عبد الله محمد بن أحمد الكركيّ الحنبليّ. قال السَّخاويّ: قرأ عليه
_________
(١) الضوء اللامع ٥/ ٢٢٦.
(٢) الضوء اللامع ٥/ ٢٢٦.
(٣) شذرات الذهب ٧/ ٣١٨.
(٤) الضوء اللامع ٤/ ٨٢، ٨٣.
(٥) الضوء اللامع ٤/ ٢٨٣ - ٢٨٥.
(٦) الضوء اللامع ٦/ ١٥٨.
مقدمة / 17
«البخاريّ» وغيره (١).
١٦ - أبو الفتح محمد بن أبي بكر بن الحسين المراغيّ المدنيّ الشافعيّ، المتوفى شهيدا سنة تسع وخمسين وثمانمائة (٢). سمع عليه حين حَجَّ مرَّتين، وجاوَر فيهما.
١٧ - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله القَيسِيّ الدمشقيّ الشافعيّ، المحدِّث المؤرِّخ الحافظ الناظم، المعروف بابن ناصر الدين، المتوفى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة (٣). أخذ عنه علوم الحديث، سمع عليه «منظومته» وشرحها بقراءة شيخه التقيّ.
١٨ - الشمس محمد بن محمد السِّيليّ الحنبليّ الفرضيّ، خازن الضِّيائيّة، المتوفى سنة تسع وسبعين وثمانمائة (٤). أخذ عنه الفرائض والوصايا والحساب، وانتفع به في ذلك جدا، ولازمه أكثر من عشرين سنة، وقرأ عليه «المقنع» في الفقه بتمامه بحثا.
١٩ - أبو القاسم محمد بن محمد بن محمد النّوَيريّ القاهريّ المالكيّ، علَّامة وقته، المتوفى بمكة سنة أربع وخمسين وثمانمائة (٥). أخذ عنه الأصول حين لَقِيه بمكة فقرأ عليه قطعة من «كتاب ابن مفلح» فيه. بل وسمع في العَضُد عليه.
وقد أخلص علاء الدين وجهته لله، وتفرغ للعلم، فوفقه الله، واجتمع بالمشايخ وجدَّ في الاشتغال، ولم يقف به الطلب عند أجل بعينه، فرغم دخوله مصر بأخرة، فإنه كما ذكرنا من قبل تلمذ لقاضيها عز الدين الكنانيّ وقرأ على الحِصْنِيّ والشُّمُنِّي.
وقد نصح عز الدين الكناني تلامذته بالأخذ عنه، فقرأوا عليه الإنصاف وغيره من كتبه، وكان من أعظم تلامذته بدر الدين أبو المعالي محمد بن محمد بن أبي بكر
_________
(١) الضوء اللامع ٥/ ٢٢٦.
(٢) الضوء اللامع ٧/ ١٦٢ - ١٦٥.
(٣) شذرات الذهب ٧/ ٢٤٣ - ٢٤٥.
(٤) شذرات الذهب ٧/ ٣٢٨.
(٥) شذرات الذهب ٧/ ٢٩٢.
مقدمة / 18
ابن خالد السَّعْدِيّ المصريّ الحنبليّ، قاضي القضاة، شيخ الإِسلام، العلامة الرُّحَلة، المتوفى سنة تسعمائة. يقول ابن العماد الحنبليّ: وقرأ على القاضي علاء الدين المرداويّ لمَّا توجَّه إلى القاهرة كتابَه «الإنصاف» وغيره، ولازمه، فشهد بفضله، وأذن له بالإفتاء والتدريس أيضًا (١).
وقد يسَّر الله لعلاء الدين، وفتح عليه في التصنيف، فصنف كتبا في أنواع العلوم، وأعانه على ذلك، وخاصة في المذهب، ما اجتمع عنده من لكتب ما لعلَّه انْفَرد به مِلْكا ووَقْفًا. كما يقول السَّخاويّ (٢).
وقد تعرَّفْنا من كتبه إلى:
١ - الإنْصاف، في معرفة الرَّاجح من الخلاف.
ذكره السَّخاويّ، وابن العماد الحنبليّ، والشَّوكاني، والبغداديّ. وهو هذا الكتاب الذي نقدم له.
قال السَّخاويّ: عمله تصحيحا للمقنع، وتوسَّع فيه حتى صار أربع مجلَّدات، تعب فيه.
وقال ابن العماد الحنبليّ: أربع مجلَّدات ضخمة على «المقنع»، وهو من كتب الإِسلام؛ فإنه سلك فيه مسلكا لم يُسْبَق إليه، بيَّن فيه الصحيحَ من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نُقِل فيها من الكتب وكلام الأصحاب، فهو دليل على تَبَحُّرِ مصنِّفه، وسَعَة علمه، وقوّة فهمه، وكثرة اطلاعِه.
٢ - التَّحْبير، في شرح التَّحرير.
أي تحرير المنقول في تهذيب أو تمهيد علم الأصول.
ذكره السَّخاويّ، والشَّوْكاني. وقالا: في مجلَّدين.
٣ - تحرير المنقول، في تهذيب أو تمهيد علم الأصول.
أي أصول الفقه.
_________
(١) شذرات الذهب ٧/ ٣٦٦، ٣٦٧.
(٢) الضوء اللامع ٥/ ٢٢٧.
مقدمة / 19
ذكره السَّخاويّ، وابن العماد الحنبليّ، والشَّوكاني، وحاجي خليفة، وبروكلمان.
قال السَّخاويّ: في مجلَّد لطف.
وقال ابن العماد الحنبليّ: ذكر فيه المذاهب الأربعة وغيرها، وشرَحه.
تصحيح كتاب الفروع، لابن مفلح = الدُّرُّ المُنْتقَى.
٤ - التنقيح المُشْبع، في تحرير أحكام المُقْنِع.
ذكره السَّخاويّ، وابن العماد الحنبليّ، والبغداديّ، وبروكلمان، وهو مختصر «الإِنصاف» كما ذكر السَّخاويّ، وابن العماد.
وذكره البغدادي باسم: التنقيح، في شرح إنصاف التصحيح، في الفروع.
الحصون المُعَدَّة الواقية = الكنوز أو الحصون. . . .
٥ - الدُّرُّ المُنْتَقَى والجوهر المجموع، في معرفة الرَّاجح من الخلاف المطلق في «الفروع»، لابن مفلح.
قال السَّخاويّ: في مجلد ضخم. وطبع باسم «تصحيح الفروع» مع كتاب «الفروع».
٦ - شرح الآداب.
ذكره ابن العماد الحنبليّ.
شرح تحرير المنقول = التحبير في شرح التحرير.
٧ - شَرْح قطعة من «مختصر الطُّوفيّ» في الأصول.
هكذا ذكره السَّخاويّ.
٨ - فِهْرِسْت القواعد الأصوليَّة.
قال السَّخاويّ: في كرَّاسة.
٩ - الكُنوز أو الحصون المُعَدَّة، الواقية من كل شِدَّة، في عمَل اليوم والليلة.
قال السَّخاويّ: جمع فيه قريبا من ستمائة حديث؛ الأحاديث الواردة في اسم الله الأعظم، والأدعية المطلقة المأثورة. قال: إنه جمع فيها فوق مائة حديث.
مختصر الإنصاف = التنقيح المشبع.
مقدمة / 20
١٠ - مختصر «الفروع».
قال السَّخاويّ: اختصر «الفروع» مع زيادة عليها، في مجلد كبير.
وذكر ابن العماد الحنبليّ أن له تصحيح الفروع.
وانظر ما سبق باسم «الدر المنتقى».
١١ - المنهل العَذْب الغزير، في مولد الهادي البشير النذير.
ذكره السَّخاويّ.
وهكذا بارك الله لعلاء الدين المرداويِّ في مكتبته وعلمه، فأمَدَّ العالم الإسلاميَّ بهذه المؤلَّفات القَيِّمة، وحرص العلماء في عصره على روايتها، وقراءتها عليه، وانتشرت في حياته، وبعد وفاته، وانتفع بها الناس.
وكانت كتابته على الفتوى غاية، وخطه حسن، وانتهت إليه رئاسة المذهب، وباشر نيابة الحكم دهرا طويلا، فحَسُنَتْ سيرتُه، وعَظُم أمرُه، وتنَزَّه عن مباشرة القضاء في أواخر عمره، وصار قوله حُجَّة في المذهب، يُعَوَّل عليه في الفتوى والأحكام، في جميع مملكة الإسلام. كما يقول ابن العماد الحنبليّ.
يقول ابن العماد أيضًا: ما صَحِبه أحدٌ إلَّا وحصل له الخير، وكان لا يتردَّد إلى أحد من أهل الدنيا، ولا يتكلم فيما لا يعنيه، وكان الأكابر والأعيان يقصدونه لزيارته والاستفادة منه. وحَجَّ، وزار بيت المقدس مرارًا (١).
وقال السَّخاويّ: كان فقيها حافظا لفروع المذهب، مشاركا في الأصول، بارعا في الكتابة، مديما للاشتغال والإِشْغال، مذكورا بتعفف وورع وإيثار في الأحيان للطلبة، متنزِّها عن الدخول في كثير من القضايا، بل ربما يروم الترك أصلا، فلا يُمَكِّنُه القاضي، متواضعا مصنفا، لا يأنف ممَّن يُبَيِّن له الصواب (٢).
توفي بصالحيَّة دمشق، يوم الجمعة، سادس جمادى الأولى، سنة خمس وثمانين وثمانمائة، ودفن بسفح قاسيون، قرب الروضة.
* * *
_________
(١) شذرات الذهب ٧/ ٣٤١.
(٢) الضوء اللامع ٥/ ٢٢٧.
مقدمة / 21