مُقَدِّمَةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
يَقُولُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ حَافِظُ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البَرِّ النَّمَرِيُّ المَالِكِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي جَعَلَ الْعِلْمَ نُورًا لِلْمُهْتَدِينَ، وَشِفَاءً لِصُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَحُجَّةً عَلَى الْجَاحِدِينَ وَالْمُبْطِلِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ بَعْضَ إِخْوَانِنَا الْمُعْتَنِينَ بِالْعِلْمِ الْمَقَيِّدِينَ لَهُ الْمُتَفَقِّهِينَ فِيهِ، رَغِبَ أَنْ أَجْمَعَ لَهُ مَا يَقِفُ بِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي قِرَاءَةِ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَلْ كَانُوا يَعُدُّونَهَا آيَةً مِنْهَا، فَيَجْهَرُونَ بِهَا إِذَا قَرَءُوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ، أَوْ يُخْفُونَهَا عِنْدَ قِرَاءَتِهِمْ لَهَا أَوْ يُسْقِطُونَهَا فَلَا يَرَوْنَهَا آيَةً مِنْهَا، وَلَا مِنْ أَوَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ سِوَاهَا؟
1 / 151
وَهَلِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَوْ كَانُوا عَلَى وَجْهٍ مِنْهُ مُتَّفِقِينَ؟ وَمَا الَّذِي اخْتَارَهُ أَئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ تَدُورُ عَلَى مَذَاهِبِهِمُ الْفُتْيَا فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ؟ وَمَا الْآثَارُ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفِي إِثْبَاتِهَا وَفِي الْجَهْرِ بِهَا، وَإِخْفَائِهَا، وَمَا نَزَعَتْ بِهِ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ، وَاحْتَجَّتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لِاخْتِيَارِهَا لِمَا رَوَتْهُ عَنْ سَلَفِهَا؟ فَأَجَبْتُهُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلِهِ فِيمَا رَغِبَ، وَسَارَعْتُ إِلَى مَا طَلَبَ؛ ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَشْرِ مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ، وَخَوْفَ الْوَعِيدِ الْوَارِدِ فِي كِتْمَانِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ بَيَّنَهُ رَسُولُهُ ﷺ. وَإِلَى اللَّهِ ﷿ أَضْرَعُ مُبْتَهِلًا فِيَ أَنْ يَهَبَ لَنَا وَلِلنَّاظِرِينَ فِيهِ عِلْمًا نَافِعًا، وَعَمَلًا يُقَرِّبُ مِنْهُ مُتَقَبَّلًا، وَهُوَ حَسْبِي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ فِيمَا لَهُ قَصَدْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ. فَأَوَّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ الْإِخْبَارُ عَنْ جُمْلَةِ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
1 / 152
بَابُ ذِكْرِ اخْتِلَافِهِمْ فِي قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ أَوَّلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَهَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْهَا؟ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَهَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْهَا؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهَا لَا تُقْرَأُ فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُمْ آيَةً مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمُ﴾ [النمل: ٣٠] وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْهَا فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ. وَرُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ الطَّبَرِيُّ
1 / 153
وَأَجَازَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ قِرَاءَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَفِي سَائِرِ سُوَرِ الْقُرْآنِ لِلْمُتَهَجِّدِينَ وَلِمَنْ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَرْضًا عَلَى الْمُقْرِئِينَ وَأُمُّ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ سَبْعُ آيَاتٍ يَعُدُّونَ ﴿أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧] آيَةً، وَهُوَ عَدُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَأَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْمَشْرِقِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي
1 / 154
لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ: يَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي أَوَّلِ
1 / 155
فَاتِحَةِ الْكِتَابِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيُخْفِيهَا عَمَّنْ خَلْفَهُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ ﵃ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي أَنَّهُ كَانَ يُخْفِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ
1 / 156
وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ عِنْدَ جَمَاعَةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ، وَجُمْهُورِ فُقَهَائِهِمْ، إِلَّا أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَهُمْ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ تَسْلِيمًا، وَاتِّبَاعًا لِلْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْهُ هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَمَذْهَبُهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَيْسَتْ آيَةً مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ يُسِرُّ بِهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ قَالَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ: هِيَ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مُنْفَرِدَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كُتِبَتْ فِيهِ فِي الْمُصْحَفِ، فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَفِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ،
1 / 157
وَلَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنَ السُّوَرِ إِلَّا فِي سُورَةِ النَّمْلِ، وَإِنَّمَا هِيَ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ، غَيْرُ لَاحِقَةٍ بِالسُّورَةِ، وَزَعَمَ الرَّازِيُّ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْتَضِي عِنْدَهُ مَا قَالَ دَاوُدُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ إِلَى قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ جَهْرًا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ وَسِرًّا فِي صَلَاةِ السِّرِّ وَقَالَ: هِيَ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، أَوَّلُ آيَاتِهَا، وَلَا تَتِمُّ سَبْعَ آيَاتٍ إِلَّا بِهَا، وَلَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْهَا؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَعْنِي: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»،
1 / 158
وَقَوْلِهِ ﷺ: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ»، وَمَنْ لَمْ يَقْرَأْهَا كُلَّهَا فَلَمْ يَقْرَأْهَا، وَقَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ الْجَهْرُ بِهَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ ﵄ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمَا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَمَّارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ
1 / 159
فِي الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَطَاوُسٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ شِهَابٍ
1 / 160
الزُّهْرِيِّ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ، وَسَائِرِ أَهْلِ مَكَّةَ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي غَيْرِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ: هَلْ هِيَ مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ آيَةٌ
1 / 161
مُضَافَةٌ إِلَى كُلِّ سُورَةٍ أَمْ لَا؟ وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهَ أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «مَا كُنَّا نَعْلَمُ انْقِضَاءَ السُّورَةِ إِلَّا بِنُزُولِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ غَيْرِهَا» وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ،
1 / 162
وَمَكْحُولٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَطَائِفَةٌ، وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ: أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ إِلَّا أَنَّ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبَا عُبَيْدٍ يُخْفُونَهَا فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ كَمَذْهَبِ سُفْيَانَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنِ بْنِ ⦗١٦٤⦘ حَيٍّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَجَمَاعَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُمْ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لِكُلِّ فِرْقَةٍ مِنْ فِرَقِ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورِينَ آثَارٌ رَوَوْهَا، وَصَارُوا إِلَيْهَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ نَذْكُرُ مِنْهَا مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ عَلَى حَذْفِ التَّكْرَارِ وَالْإِتْيَانِ بِمَا عَلَيْهِ الْمَدَارُ بِعَوْنِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
1 / 163
ذِكْرُ الْآثَارِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ أَسْقَطَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي الصَّلَاةِ وَكَرِهَ قِرَاءَتَهَا فِيهَا، وَلَمْ يَعُدَّهَا آيَةً مِنْهَا فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ: وَهُوَ حَدِيثٌ يَدُورُ عَلَى أَبِي مَسْعُودٍ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ الْحَنَفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنْ أَبِيهِ
1 / 165
وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْجُرَيْرِيَّ انْفَرَدَ بِهِ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ، وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْجُرَيْرِيُّ مُحَدِّثُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ الْجِلَّةُ مِنْ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَابْنُ عُلَيَّةَ، وَالْحَمَّادَانِ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، ⦗١٦٧⦘ وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ إِلَّا أَبُو نَعَامَةَ قَيْسُ بْنُ عَبَايَةَ فِيمَا عَلِمْتُ، وَمَنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ، وَالْمَجْهُولُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ
1 / 166
١ - فَمِنْ طُرُقِ حَدِيث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ: مَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، ⦗١٦٨⦘ وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ ⦗١٦٩⦘ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ حَدَّثَ مِنْهُ فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقْرَأُ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْحَدَثَ، فَإِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَؤُهَا، فَإِذَا قَرَأْتَ فَقُلِ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَذَكَرَ مَعْنَاهُ وَرَوَاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ الطَّحَّانُ، فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ ⦗١٧٠⦘ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَوَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ عَنْهُ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ مِثْلَ رِوَايَةِ ابْنِ عُلَيَّةَ سَوَاءً وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ، لَمْ يَذْكُرِ الْجُرَيْرِيَّ ⦗١٧١⦘ فَالْحَدِيثُ إِنَّمَا يَدُورُ عَلَى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخَبَرُ عَنْهُ
1 / 167
٢ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، ⦗١٧٢⦘ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو نَعَامَةَ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ إِذَا سَمِعَ أَحَدًا يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَخَلْفَ عُمَرَ، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فِي إِسْنَادِهِ مَا وَصَفْنَا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَرَى قِرَاءَةَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] أَصْلًا سِرًّا، وَلَا جَهْرًا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ رَأَى أَنَّهَا تُقْرَأُ سِرًّا وَقَالُوا: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَيَجْهَرُونَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ بِمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ ⦗١٧٣⦘ بَعْدُ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ لَهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
1 / 171
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَغَيْرُهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ الْحَنَفِيِّ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ لَا يَجْهَرُونَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ سُفْيَانُ: كَانُوا يُسِرُّونَ بِهَا وَهَكَذَا رِوَايَةُ أَبِي قِلَابَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَائِذِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَنَسٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، ⦗١٧٤⦘ وَسَنَذْكُرُ مَا حَضَرَنَا مِنَ الْأَسَانِيدِ بِذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂: وَهُوَ حَدِيثٌ انْفَرَدَ بِهِ بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، وَاسْمُهُ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ الْأَزْدِيُّ، هَذَا مِنْ رَبِيعَةَ الْأَزْدِ بَصْرِيٌّ، عَنْ عَائِشَةَ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ غَيْرُهُ وَبُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ ثِقَتَانِ، وَرَوَاهُ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَحُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، وَهَذَانِ أَثْبَتُ مَنْ رَوَاهُ ⦗١٧٥⦘ عَنْ بُدَيْلٍ
1 / 173
٣ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ حَيَّانَ الْعِجْلِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]
1 / 175
٤ - وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَا: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢]⦗١٧٧⦘وَيَخْتِمُهَا بِالتَّسْلِيمِ قَالَ أَبُو عُمَرَ: رِجَالُ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ، لَا يُخْتَلَفُ فِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ أَبَا الْجَوْزَاءِ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ، وَحَدِيثُهُ عَنْهَا إِرْسَالٌ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ يَرَى إِسْقَاطَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ رَأَى أَنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهَا سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ قِرَاءَتُهَا وَقِرَاءَةُ غَيْرِهَا دُونَهَا فِي الصَّلَاةِ وَيُجِيزُ أَنْ تُفْتَحَ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ ⦗١٧٨⦘ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهَا الَّتِي تُفْتَتَحُ بِهَا الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَوَاتِ دُونَ مَا سِوَاهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ إِنَّمَا يُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَهَا فَلَا حُجَّةَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا بِمَا كَانَ مِثْلَهُ، قَالُواَ: وَإِنَّمَا قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] يَعْنِي دُونَ غَيْرِهَا مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ اسْمٌ لِسُورَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَفَاتِحَةُ الْكِتَابِ اسْمٌ لَهَا أَيْضًا، وَإِنَّمَا قَالَتْ عَائِشَةُ: يَفْتَتِحُ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] وَلَمْ تَقُلْ: دُونَ أَنْ يَقْرَأَ ⦗١٧٩⦘ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١]؛ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِـ " ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] " لَمْ تُفِدِ السَّامِعَ فَائِدَةً؛ لِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مُثْبَتَةٌ فِي الْمُصْحَفِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهَا: هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ أَوْ آيَةٌ مُفْرَدَةٌ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ كَاخْتِلَافِهِمْ هَلْ هِيَ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ؟ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَإِنَّمَا قَصَدَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا إِلَى الْإِعْلَامِ بِالسُّورَةِ الَّتِي يَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلَاةَ، وَأَخْبَرَتْ بِأَيِّ السُّوَرِ تُفْتَتَحُ قِرَاءَةُ الصَّلَاةِ بِكَلَامٍ رَفَعَتْ فِيهِ الْإِشْكَالَ، فَقَصَدَتْ إِلَى مَا فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ مِمَّا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي غَيْرِهَا فَكَانَ قَوْلُهَا: بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] كَمَا لَوْ قَالَ قَائِلٌ: كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَمْ يَقُلْ: بِسُورَةِ التَّوْبَةِ، أَوْ قَالَ: كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَلَمْ يَقُلْ: بِسُورَةِ النُّورِ، أَوْ قَالَ: كَانَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ ⦗١٨٠⦘ الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا، وَلَمْ يَقُلْ: بِالْعَنْكَبُوتِ، أَوْ بِـ ق، أَوْ بِـ يس، أَوْ ص، أَوْ بِـ ن وَالْقَلَمِ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ، فَكَذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ ﵂: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِـ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة: ٢] وَلَمْ تَقُلْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهَا قَصَدَتْ إِلَى إِعْلَامِ السَّامِعِ بِالسُّورَةِ الَّتِي يَفْتَتِحُ بِهَا قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ فَسَمَّتْهَا بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُسْقِطُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَا مَا يُثْبِتُهَا كَمَا لَوْ قَالَتْ: كَانَ يَفْتَتِحُ بِـ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، أَوْ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، أَوْ الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ، أَوْ ن وَالْقَلَمِ، وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُرْفَعُ احْتِمَالُهُ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ نَزَعَ بِهِ فِي سُقُوطِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ مُتَغَايِرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَمُتَضَادَّةٌ تَأْتِي فِي أَبْوَابِهَا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ ⦗١٨١⦘ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْهَا مَنْ رَأَى سُقُوطَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَمِنْ ذَلِكَ
1 / 176