فاعتدل السلطان في مجلسه وقال: «كيف ترى هذا الرجل، أعني السر خفية؟ أحب أن أعرف رأيك فيه لأني لا أثق بسواك كما تعلم.»
قال: «هو من العبيد المخلصين يا سيدي، ونجاح رسوله في هذه المرة من أكبر الأدلة على ذلك. وكيف لا يكون مخلصا والذات الشاهانية وضعت ثقتها فيه؟»
فأظهر السلطان أنه اكتفى بهذه الإشارة، واعتمد على فطنة السامع لفهم ما يقتضيه هذا السؤال من مراقبة حركات السر خفية، وقال: «ما هو رأيك؟ هل نستقدم ذلك الخائن المقبوض عليه إلى هنا؟»
قال: «الأمر لأمير المؤمنين. ولعله إذا جيء به إلى هنا يطلعنا على أشياء جديدة ... لله ما أجهل هؤلاء الغلمان!»
فصفق السلطان فجاء الحاجب فأمره باستدعاء السر خفية، وقال للباشكاتب: «قل لناظم أن يبعث بالخائن وأوراقه حالا.»
فنهض الباشكاتب وأشار إشارة الطاعة وخرج، وعاد عبد الحميد إلى سيكاره فأشعله وهو يعيد نظرة إلى التلغراف، حتى أنبئ بمجيء السر خفية فأمر بدخوله. وكان السر خفية قد علم بمجيء التلغراف في ذلك الصباح وبفحواه، فلما دخل على السلطان حيا تحية الاحترام وأظهر أنه لم يكن يعلم بذلك، فقرأ أمارات السرور في عيني عبد الحميد فشاركه ابتهاجه. فمد السلطان يده ودفع التلغراف إليه وهو يأمره بالجلوس، فجلس وتناول التلغراف وهو يقول: «إذا كان هذا التلغراف من سلانيك ففيه خبر القبض على أحد الخونة.»
فأظهر السلطان الإعجاب بتيقظه وقال: «نعم، إنه من سلانيك، وقد قام بهذه المهمة أحد رجالك مع ناظم بك.»
فتناول السر خفية التلغراف وقرأه وقال: «نعم يا سيدي، إن صائب بك من العبيد المخلصين.»
فقال السلطان: «إن الإخلاص منك، وقد توسمت فيك صدق المودة منذ عرفتك، ولولا ذلك لم أضع ثقتي فيك وأجعلك عيني الباصرة. إنك معتمدي الوحيد في مراقبة الخونة المارقين وهم كثيرون حتى في هذا القصر، ولذلك فأنا أخاطبك رأسا.»
وتنحنح وسحب نفسا من السيكار، وقال: «أمرنا الباشكاتب أن يستقدم ذلك الخائن وأوراقه. ألم نفعل حسنا؟»
Bilinmeyen sayfa