ثم فتح السلطان الحديث وقد بدل سحنته كأن لم يكن به قلق - ومن مزايا عبد الحميد اقتداره العجيب على إخفاء ما به والظهور بالحالة التي يريدها - وقال: «كم ينشرح صدري بمجالسة الأمناء من أعواني!»
فقال: «إننا عبيد مولانا أمير المؤمنين، والأمانة فرض علينا.»
فتناول فنجان اللبن وأدناه من فيه وهو يقول: «نعم، ولكن الأمناء قليلون، وأنت واحد منهم.» ورشف رشفة من الفنجان وأعاده إلى الصحن وقال: «بل أنت موضع ثقتي وعليك المعول في استطلاع دسائس الخوارج من رعيتي وهم كثيرون.»
فقال: «إن أكثر رعايا أمير المؤمنين صادقون في عبوديتهم، وإنما الخائنون شرذمة قليلة قادها فساد التربية إلى الدسائس.»
فقطع عبد الحميد كلامه قائلا: «إنهم كثيرون على ما يظهر»، وأشار بيده إلى التقرير الذي كان يطالعه.
فتناول السر خفية التقرير وهو يقول: «أرى مولاي البادشاه - أيده الله - قد أعار دسائس أولئك الأغرار اهتماما.»
فقال: «هل قرأته؟» وأشار إلى التقرير.
قال: «نعم أفندم.»
قال: «ألم تقرأ ما فيه عن الجمعية التي أنشئوها في دمشق؟ إن العرب ... آه من العرب! قد ذهب إحساني إليهم عبثا!»
قال: «لم يذهب الإحسان عبثا يا سيدي، فقد جاء في هذا التقرير أن بعض الأغرار من أهل دمشق أخذوا في إنشاء جمعية جديدة، ولكن أولئك قليلون لا ينبغي لمولاي أن يعتد بأعمالهم، فكم أنشئوا من الجمعيات السرية! وكم كتبوا ونشروا! لكن توفيق جلالة السلطان غلب كيدهم لأن الله معه.»
Bilinmeyen sayfa