فتململت شيرين وبلعت ريقها كأنها تهم أن تقول شيئا وتمسك نفسها، فعادت توحيدة إلى الكلام قائلة: «شيرين، قولي إنك أصغيت لتوسلي.»
فقالت: «دعيني الآن يا أماه، إني لا أملك نفسي.»
قالت: «سأتركك لتفكري في الأمر الليلة، وأرجو أن تتحققي صواب رأيي وتطيعيني، وسأعود إليك في الغد إن شاء الله. هل آتيك بالطعام؟ إنك لم تأكلي شيئا اليوم!»
فأشارت برأسها ألا حاجة لها إلى طعام، ولكن أمها ألحت عليها في أن تأكل، فردت قائلة: «لا أشعر بالجوع الآن، وإذا جعت فإني أعرف مكان الطعام.»
فاطمأن بال توحيدة ونهضت وأنهضت شيرين معها، وساعدتها في خلع ثيابها، وبقيت معها حتى أوت إلى فراشها، ثم مضت وقد أنعشها الأمل. •••
نهضت توحيدة في الصباح مبكرة قبل أن ينهض زوجها، وذهبت إلى غرفة شيرين فوجدت الباب مفتوحا وليس في الغرفة أحد، فظنتها في مكان آخر من البيت ولكنها لم تجدها بعد طول البحث، فعادت إلى غرفة شيرين وفكرت في الأمر مليا، فأيقنت أنها غادرت البيت، وذلك لعدم وجود حذائها وثوب خروجها. وفكرت في المكان الذي يمكن أن تذهب إليه، فتذكرت صاحبة لها كانت مستودع أسرارها تسكن على مقربة من بيتهم، فنادت الخادم لترسله يسأل عنها فلم تسمع جوابا فظنته لا يزال نائما، فأسرعت إلى حجرته فوجدتها مفتوحة وليس فيها أحد، فوقعت في حيرة وترقرق الدمع في عينيها. ولكنها ما زالت ترجو أن تقف على خبرها، فلم تشأ أن تبكي وعادت إلى غرفة شيرين وجلست على المقعد خائرة القوى وأسندت رأسها بين كفيها وأخذت تفكر في خروج ابنتها على تلك الحالة خلسة. وأول خاطر بدا لها أنها هربت خوفا من غضب السلطان عليها إذا علم بكتابها الذي يحتفظ به صائب، وفكرت فلم تجد سببا آخر لفرارها خلسة. ولم تهتد إلى مكانها، فتذكرت الخادم وهو ألباني الأصل متقدم في السن، وقد ربى شيرين في صغرها وكان يتفانى في سبيل مرضاتها. وهو نشيط همام يحب الحرية ويكره أهل الاستبداد، وكان يزداد احتراما لشيرين وتفانيا في خدمتها كلما رآها تحب الأحرار وتخدم مصلحتهم، فظنت توحيدة أنه أغرى شيرين بالفرار إلى بلده.
على أنها لم تجد باعثا على فرارها دون استشارتها. وبينما هي في حيرتها إذ سمعت سعال زوجها وهو خارج من غرفته، ثم رأته وعليه لباس النوم وقد انتفش شعر رأسه ولحيته، وحمل على كتفيه منشفة واتجه نحو المغسل وهو يحك رأسه ويفرك عينيه. فلم تشأ أن تباغته، لكنها سمعته ينادي الخادم ويلح في المناداة، فتقدمت نحوه وقالت: «إن خريستو ليس هنا.»
فالتفت إليها وقال: «إلى أين أرسلتموه في هذا الصباح؟»
قالت: «لم نرسله إلى مكان، ولكن شيرين أيضا ...» وغصت بريقها وبكت.
فاستغرب بكاءها وقال: «ما بالك تبكين؟ ماذا فعلت شيرين؟ إنها لا تزال تتعبنا بأعمالها وعنادها.»
Bilinmeyen sayfa