واختلفوا في العبد ومن له أبوان، هل يستأذنهما؟ ومن عليه دينٌ، هل يخرج بغير إذن غُرمائه؟ فأمًّا العبد: فالجمهور على أنَّه ليس من أهل الفرضِ في الجهاد، وأنه لم يخاطب بذلك إلاَّ الأحرارُ؛ لأنَّ فِعلَ الجهاد تُصابُ (١) فيه النفس والمال بالإتلاف، وهو مقصورٌ عن ذلك بالشرع (٢) . قال قوم: ولو غزا مع سيده ليخدمه، فلا يقاتل إلا بإذنه، إلا أن يدخل العدوَّ عسكرَ المسلمين، فليقاتل ويدفعْ (٣) . فمنعوه من القتال ابتداءً؛ لأن في ذلك الهلاكَ غالبًا، وهو مالٌ لمالكه محظورٌ في الشرع تصرُّفٌ فيه بما يُعرِّضه للهلاك من غير إذن سيِّده، فأما في ضرورة الاقتحام ونحوه، فذلك أمرٌ يتعيَّن فيه القتال على كلِّ مكلفٍ قادرٍ، ولا أعلم الآن من يقول بإيجاب الجهاد عليه -أعني: الذي هو فرض كفاية، كما يكون ذلك على الأحرار- إلا ما تأتي عليه أصول (٤) أهل الظاهر، فإنهم يرون الخطاب الواردَ في الشرعِ مَوْرِدَ العموم يتناول الحُرَّ والعبدَ على حدٍّ سواء، إلاّ أن يخصَّصَ شيئًا من
_________
(١) في هامش نسخة أبي خبزة: «في الأصل بقية كلمة، وكلمة أخرى أصابتها الأرضة» .
(٢) قال بدر الدين بن جماعة في «تحرير الأحكام» (ص ١٥٦): «الجهاد الذي هو على الكفاية: إنما يجب على المسلمين، البالغين، الذكور، العقلاء، الأحرار، والأصحّاء المستطيعين، ومتى فقد هذه الأوصاف السبعة لم تجب عليه» .
وانظر: «الأم» (٤/٨٥، ٨٦)، «والوجيز» (٢/١١٣)، «روضة الطالبين» (١٠/٢٠٩، ٢١٠)، «المهذب» (٢/٢٢٨) .
(٣) لا يشترط إذن السيد في قتال العبد عند تعيّنه عليه، ويشترط فيما دون ذلك دون خلاف، انظر: «شرح السير الكبير» (٤/١٤٥٥)، «بداية المبتدي» (٢/١٣٥، ١٣٧)، «فتح القدير» (٥/٤٤٢)، «التاج والإكليل» (٣/٣٤٩)، «الشرح الكبير» (٢/١٧٥)، «روضة الطالبين» (١٠/٢١٤)، «مغني المحتاج» (٤/ ٢١٧، ٢١٩)، «الإنصاف» (٤/١١٧)، «كشاف القناع» (٣/٣٣)، «أحكام إذن الإنسان في الفقه الإسلامي» (٢/٦٢٧) .
(٤) كلام المصنف دقيق، فهو يخرّج على أصول الظاهرية، وهذا يدلل على أنه (فقيه نفس)، والمنقول عن داود أن العبد إذا خالف أمر سيده، وأحرم بالتطوع أو النذر فلا ينعقد إحرامه خلافًا للجماهير، والمسالة مبسوطة في «الإشراف» للقاضي عبد الوهاب (رقم ٧١٥- بتحقيقي)، ونقل فيها مذهب داود الظاهري، ونقله -أيضًا- النووي في «المجموع» (٧/٣٧، ٤٧)، وانظر: «فقه داود» (٥٧٧) .
1 / 51