ومهما ذكرت دليلًا أو توجيهًا لقولٍ فهو على ضربين: منه ما وقفت عليه نقلًا، ومنه ما استدللت عليه انتزاعًا من أصولهم (١)، وإنما نبهت على هذا رفعًا لعمدة الحمل فيه.
وأكثر ما أوردته دليلًا في هذا من حديثٍ عن رسول الله ﷺ، فهو حجّة ثابتة؛ لأني قد خرَّجته من «الصحيحين»: البخاري ومسلم، أو مما هو صحيحٌ من غيرهما، وإن كان قد يكون في بعضها اختلاف بين أهل الحديث في إثبات القول بصحَّته؛ لاختلافهم في بعض رجال سنده، إلاّ أن ما هذه سبيلهُ، مما لم يَتَرقَّ إلى الصِّحَّة المتفق عليها عندهم؛ فله مع ذلك درجة في العلو والحُجَّة عن كثير مما يتسامح به بعض أصحاب المذاهب في كتبهم، ثم أرجو أن يكون وقوعُ هذا النوع الذي اعتذرتُ منه في هذا المجموع قليلًا جدًا، وأكثر ما يقع إن وجد في أبواب الرَّغائب والآداب، مما لا يقع مواقع الفصل في الأحكام من الحلال والحرام، والواجب والمحظور (٢) .
ومع هذا؛ فأنا -إن شاء الله- أنسبُ كل حديثٍ إلى الأصل الذي نقلته منه، كالبخاري، ومسلم، والنسائي، وأبي داود، والترمذي، وغيرهم؛ ليكون ذلك سهلًا لمن أراد الوقوفَ عليه هنالك، بحول الله وقوّته، وسَمَّيْتُ هذا المجموع، ملاءمة لِقصدي، وملاحظةً لما أرجو أن تبلغ به عند الله نِيَّتي:
كتاب «الإنجاد في أبواب الجهاد» .
وقَسَّمتُ فصوله ومسائله على عشرة أبواب:
الباب الأول: في حدِّ الجهاد ووجوبه، وتفصيل أحكامه: من فرضٍ على الأعيان، وعلى الكفاية، ونَفْلٍ، وصِفَةِ مَنْ يجب ذلك عليه، وهل تجب الهجرة؟
_________
(١) بعدها في الأصل كلمة مَمْحُوَّة. وكذا في هامش نسخة أبي خبزة.
(٢) بيّنَّا درجة هذه الأحاديث، وكلام الأئمّة النقاد عليها، مع ذكر عللها، على وجه فيه إيجاز، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
1 / 5