قال أهل العلم والنَّقل: هي ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. وفي ذلك أثر مرفوع (١)، وهو مما لا خلاف فيه (٢)، أنها هذه الأربعة. وأما قوله -
تعالى-: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ [التوبة: ٥]؛ فليس المراد بها هذه الأربعة التي تردد في كل عام، إنما ذلك أربعة أشهر مخصوصة، يقال لها: أشهرُ السياحة، أولها: يوم الحج الأكبر من سنةِ تِسعٍ من الهجرة، وآخرها: انقضاءُ عشرٍ من ربيع الآخر سنة
_________
(١) وهو قوله ﷺ: «إن الزمان قد استدار، كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السَّنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حُرمٌ؛ ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرَّم، ورجب مضر الذي بين جُمادى وشعبان» .
أخرجه البخاري في «صحيحه» في كتاب التفسير (باب ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ...﴾) (رقم ٤٦٦٢) من حديث أبي بكرة ﵁. وأخرجه -أيضًا- في كتاب بدء الخلق (باب ماجاء في سبع أرضين) (رقم ٣١٩٧) . وفي كتاب المغازي (باب حجة الوداع) (رقم ٤٤٠٦) . وفي كتاب الأضاحي (باب من قال: الأضحى يوم النحر) (رقم ٥٥٥٠) . وفي كتاب التوحيد (باب قول الله -تعالى-: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾) (رقم ٧٤٤٧) .
وأخرجه مسلم في «صحيحه» في كتاب القسامة والمحاربين (باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال) (٢٩) (١٦٧٩) .
* (فائدة ماتعة ومهمة): قال الجصاص في «أحكام القرآن» (٤/٣٠٦) شارحًا الحديث:
«ذلك أنهم كانوا يجعلون صفر عامًا حرامًا وعامًا حلالًا، ويجعلون المحرم عامًا حلالًا وعامًا حرامًا، وكان النسئ من الشيطان، فأخبر النبي ﷺ أن الزمان يعني زمان الشهور قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وأن كل شهر قد عاد إلى الموضع الذي وضعه الله به على ترتيبه ونظامه. وقد ذكر لي بعض أولاد بني المنجم أن جده -وهو أحسب محمد بن موسى المنجم- الذي ينتمون إليه حسب شهور الأهلة منذ ابتاء خلق الله السموات والأرض فوجدها قد عادت في موقع الشمس والقمر إلى الوقت الذي ذكر النبي ﷺ أنه قد عاد إليه يوم النحر من حجة الوداع؛ لأن خطبته هذه كانت بمنى يوم النحر عند العقبة، وإنه حسب ذلك في ثماني سنين، فكان ذلك اليوم العاشر من ذي الحجة على ما كان عليه يوم ابتداء الشهور، والشمس والقمر في ذلك اليوم في الموضع الذي ذكر النبي ﷺ أنه قد عاد الزمان إليه مع النسيئ بالذي قد كان أهل الجاهلية ينسئون وتغيير أسماء الشهور، ولذلك لم تكن السنة التي حج فيها أبو بكر الصديق هي الوقت الذي وضع الحج فيه» .
(٢) وكذلك قال الجصاص في «أحكام القرآن» (٤/٢٦٧) .
1 / 37