. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
= (٢/٢٨١)، بقوله وهو يتحدث عن شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «منها تجويز التأثير، بأن لا يعلم عدم التأثير قطعًا، لئلا يكون عبثًا واشتغالًا بما لا يعني، فإن قيل: يجب، وإن لم يؤثر، إعزازًا للدين، قلنا: ربما يكون إذلالًا» .
الثاني: ويرى بعض العلماء أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجب في هذه الحالة، وهذا رواية عن الإمام أحمد، وصححه أبو يعلى، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعزاه ابن رجب إلى أكثر العلماء، كما في «لوامع الأنوار البهية» (٢/٤٣٥)، وهو اختيار المصنّف.
يقول الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في «شرح صحيح مسلم» (٢/٢٣): «قال العلماء: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله ﷿: ﴿مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ﴾ [المائدة: ٩٩]» .
والذي أراه راجحًا في هذه المسالة القول الثاني؛ لما يلي:
أولًا: إذا جرى الحديث عن تأثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو عدم تأثيره، أريد به ظهور المعروف حينما أمر به، وانتفاء المنكر حينما نهى عنه، وبالعكس، ولكن لننظر في الأمر من وجهة نظر أخرى، وهي أن المسلم -ولو لم يؤثر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأثيرًا عاجلًا- لا بدَّ أن يتأثر في شعوره إلى حدٍّ ما، ومن الممكن أن يصير هذا التأثير، سببًا لفعله المعروف، وتركه المنكر فيما بعد، ومن هذه الناحية درس الإمام محمد بن الحسن الشيباني في «شرح السير الكبير» (٣/٢٣٩-٢٤٠)، نفسيَّة الأمة المسلمة، مراعاة كاملة، فقال: «وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يسعه الإقدام، وإن كان يعلم أن القوم يقتلونه، وأنَّه لا يتفرق جمعهم بسببه؛ لأنَّ القوم هناك مسلمون، معتقدون لما يأمرهم به، فلا بد من أنَّ فعله ينكئ في قلوبهم، وإن كانوا لا يظهرون ذلك» .
ثانيًا: إذا أهمل السعي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحجة عدم جدواه، تقطعت أسباب الرجاء عن الإصلاح، وهلك المجتمع كله.
ثالثًا: لا يصح بناء الحكم الفقهي على (التأثير) و(عدمه) فنقول: يجب الأمر بالمعروف عند حصول التأثير والإفادة، والعكس بالعكس؛ لأن التأثير وعدمه أمر غير ظاهر وغير منضبط، فكم من مأمور بالمعروف يُرجى فيه الخير ومنهيٍّ عن المنكر لا يرجى فيه ذلك، ولا يستجيب الأول ويستجيب الثاني.
رابعًا: إن صح القول الأول فيحمل على أنَّ العامة عليهم أن يحافظوا على دينهم وإيمانهم، ولا يصح أن يلقى عليهم أعباء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن الخاصة منهم -أيضًا- إن لم يتقدموا إلى ذلك ظلموا أنفسهم وقدراتهم وإمكاناتهم.
وانظر بسطًا للمسألة في: «أحكام القرآن» (٢/٧٩٧)، و«مختصر الفتاوى المصرية» (٥٨)، و«اقتضاء الصراط المستقيم» (١/١٤٨، ١٤٩)، و«طبقات الحنابلة» (٢/٢٨٠)، و«الآداب الشرعية» =
1 / 16