حين فتحت عينيها في الصباح أحست أن الذي تحتها ليس ملمس سريرها المألوف، ورأت النافذة الزجاجية ومن خلالها الجبل فانتفضت واقفة. أول ليلة تغيبها عن بيتها، وأول ليلة ترقد في مكان غير سريرها. تصورت أباها يزأر كالأسد الغاضب وقد قلب الدنيا بحثا وتنقيبا، وأمها وأخواتها وعمها وأعمامها وعماتها وأفراد الأسرة جميعا انتشروا في الأرض كالجراد، يبحثون عنها ويفتشون.
سارت إلى المرآة بخطوات ثقيلة. من كان يراها في ذلك الصباح يدرك أنها نامت بملابس الخروج، وأن بياض عينيها تشوبه حمرة خفيفة، كتلك الحمرة التي تعقب البكاء، أو السهر الطويل، ولم يكن منظرها هذا عاديا. كانت فتاة مثالية، ملابسها دائما مكوية، بياض عينيها أبيض صاف ينم عن فتاة مطيعة مهذبة، تنام الليل في سريرها، لا تعرف السهر، ولا تعرف الشجن، ولم تبك في حياتها مرة واحدة.
لم تعرف إلى أين تذهب ذلك الصباح، لكن قدميها حملتاها إلى الكلية ككل يوم، ورأت الفناء مزدحما بالطلبة، يموج بحركة غير عادية، وشقت الزحام متجهة إلى المشرحة، لكن طالبا اعترض طريقها قائلا: اليوم إضراب، لا محاضرات ولا مشرحة.
ورأت زميلاتها يقبلن نحوها بحقائبهن الجلدية المنتفخة وسيقانهن الملتصقة.
وقالت واحدة: فلنسرع إلى بيوتنا قبل توقف المواصلات.
وسألت واحدة: وهل ستتوقف المواصلات؟
وردت أخرى: يقولون إن عمال الترام والأتوبيس سيشتركون في الإضراب.
وسألت زميلة: وما سبب الإضراب؟
وضربتها واحدة على ظهرها: يا خيبتك القوية! ألا تعيشين على ظهر الدنيا؟
وقالت واحدة: إنهم عيال وبعد قليل ينفض المولد ويجري كل منهم إلى مذاكرته.
Bilinmeyen sayfa